تختزل الديبلوماسية بسياساتها وموظفيها ومواقفها..، جزءا هاما من صورة البلاد وسمعتها سواء في محيطها الإقليمي أو الدولي، ولذلك عادة ما تكون الديبلوماسية في أي بلد بعيدة نسبيا عن الضجيج والتسرّع والفضائح والتي حتى وان وُجدت تُسارع كل أجهزة الدولة إلى تطويق الفضيحة والتكتم عليها حتى لا تضرّ بصورة الدولة التي تتجسد في الرصانة والابتعاد على كل ما يسيء إلى صورة البلاد في الخارج..، لكن هذا الأمر لم يتوفّر في الديبلوماسية بالشكل الكافي طوال عشر سنوات من الثورة حيث تعددت الفضائح والاتهامات المتبادلة بين أكثر من طرف ولعل آخرها، موجة التراشق بالاتهامات بين الديبلوماسي والمستشار السابق لرئيس الجمهورية عبد الرؤوف بالطبيب ونقابة السلك الديبلوماسي بوزارة الشؤون الخارجية، وبعد توجّه كليهما للقضاء بعد أن قامت النقابة برفع دعوى جزائية ضد بالطبيب بتهمة خرق واجب التحفظ وإفشاء إسرار الدولة والتآمر على الأمن القومي باعتباره سفيرا سابقا، بعد حديثه عن ديبلوماسية التسوّل التي تمضي إليها تونس، على حدّ قول عبد الرؤوف بالطبيب الذي لجأ بدوره إلى القضاء لمقاضاة النقابة من أجل تهم الإساءة لشخصه عبر الشبكة العمومية للاتصالات والقذف العلني والإيهام بجريمة والوشاية الكاذبة..
وإذا كانت الديبلوماسية مرت بفضائح تاريخية بعد الثورة منها قطع العلاقات مع سوريا بذلك الشكل المهين لمكانة تونس الإقليمية وكذلك فضيحة الشيراتون غايت أو الهبة الصينية التي لاحقت وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، مرورا بما قيل أنه "رشوة" أرسلتها الدبلوماسية التونسية في 2018 لنواب الاتحاد الأوروبي، بهدف حثهم على التصويت ضد تصنيف تونس ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب..، وصولا اليوم إلى فضيحة بيع الجنسية التونسية وهو الملف المتكفل به اليوم القضاء التونسي والذي أساء كثيرا إلى سمعة تونس.
جنسية للبيع..
في سبتمبر الماضي تحدث رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه عميد هيئة المحامين والكاتب العام لرابطة حقوق الإنسان ونائب رئيس الرابطة أنه كتشف وثيقة تفيد أن هناك باع الجنسية التونسية بـ 100 ألف دينار..، وقد أثار تصريحه وقتها موجة من السخرية باعتبار أن لا أحد لا يرغب في الحصول على جنسية بلد شبه مفلس وأن التونسيين يرمون بأنفسهم في قوارب الموت حتى يصلون الى الضفة الأخرى من المتوسط وانهم على استعداد للتخلي عن جنسيتهم التي لم تمنحهم شيئا في المقابل.
ولكن منذ أيام اتخذت المسألة، طابعا خطيرا، بعد أن أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بالاحتفاظ بقنصل سابق لتونس بسوريا ورئيس المكتب القنصلي سابقا وموظف بقسم الحالة المدنية بتونس، والمكلف بقسم الحالة المدنية التابع للبعثة الديبلوماسية بسوريا. وقد وأوضح بلاغ لمكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس بأن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، كانت كلفت الوحدة المختصة بالبحث في جرائم الارهاب، بالتقصي في شبهة ارتكاب موظفين في تونس وخارجها لجرائم تدليس مضامين ولادة واستخراج بطاقات تعريف وطنية وجوازات سفر تونسية، وافتعال شهادات جنسية لفائدة بعض الأجانب من جنسيات مختلفة وذلك خلال الفترة الفاصلة بين سنة 2015 وسنة 2019 .وقد شمل التحقيق كل من قنصل سابق لتونس بسوريا ورئيس المكتب القنصلي سابقا، وموظف بقسم الحالة المدنية بتونس والمكلف بقسم الحالة المدنية التابع للبعثة الدبلوماسية بسوريا، الى جانب أربعة موظفين تابعين لوزارة الداخلية.
كما كشف كاتب عام نقابة السلك الدبلوماسي ابراهيم الرزقي في رده على سؤال حول ما قاله رئيس الجمهورية عن بيع الجنسية بـ100 مليون أن "الرئيس كان يقصد شبكات متورطة في تزوير وثائق تم الكشف عن المتورطين فيها".
وفي ذات السياق أكدت مصادر أمنية مختلفة في تصريحات إعلامية أن سعر الجنسية الواحدة وصل لـ40 ألف دولار وأكثر. وأنه وفق التحقيقات فان المتزعم للشبكة هو تونسي من أصول سورية متورط مع عدد من الوزارات ومن بينها الخارجية والداخلية والعدل. بالإضافة إلى مصالح تابعة للجماعات المحلية ومصالح التعريف العدلي بوزارة الداخلية. وهو ما يمكن الحاصل على الجنسية التونسية من استخدامها في التنقلات بين الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان التي تتشدد مع دخول السوريين إلى أراضيها، مقابل أنه لا يتم تسجيل وثيقة الجنسية بمصالح الضبط الخاصة بوزارة العدل، حتى لا يتم الكشف عن الأمر.
ويذكر في هذا السياق أنه ومنذ أشهر كشف النائب عن التيار الديمقراطي محمد عمار عمّا وُصفه وقتها بـ"الفضيحة" تتعلق ببيع السفارة التونسية في بيروت لعدد من السوريين جوازات سفر، مقابل 50 ألف دولار للجواز الواحد. وقد أكد وقتها النائب محمد عمار أن وزارة الخارجية التونسية أصبحت بؤرة فساد كبيرة، بعد بيع جوازات سفر تونسية عن طريق سفارة تونس في لبنان، خلال عامي 2017 و2018 لعدد من السوريين، الموجودين حاليا في الصين وتركيا وبعض الدول الأوروبية، بأسعار تزيد عن 50 ألف دولار لجواز السفر الواحد كما شدد وقتها محمد عمار انه يملك كل الوثائق حول ذلك..
وكل هذه الفضائح التي عاشتها الديبلوماسية كانت احد أسباب ارباكها والإضرار بصورة تونس في الخارج وإضعافها واليوم يتطلب الأمر فتح تحقيقات جدية في كل ما حصل طوال العشر سنوات وتحميل المسؤوليات دون مجاملة لأي طرف.
منية العرفاوي
تونس - الصباح
تختزل الديبلوماسية بسياساتها وموظفيها ومواقفها..، جزءا هاما من صورة البلاد وسمعتها سواء في محيطها الإقليمي أو الدولي، ولذلك عادة ما تكون الديبلوماسية في أي بلد بعيدة نسبيا عن الضجيج والتسرّع والفضائح والتي حتى وان وُجدت تُسارع كل أجهزة الدولة إلى تطويق الفضيحة والتكتم عليها حتى لا تضرّ بصورة الدولة التي تتجسد في الرصانة والابتعاد على كل ما يسيء إلى صورة البلاد في الخارج..، لكن هذا الأمر لم يتوفّر في الديبلوماسية بالشكل الكافي طوال عشر سنوات من الثورة حيث تعددت الفضائح والاتهامات المتبادلة بين أكثر من طرف ولعل آخرها، موجة التراشق بالاتهامات بين الديبلوماسي والمستشار السابق لرئيس الجمهورية عبد الرؤوف بالطبيب ونقابة السلك الديبلوماسي بوزارة الشؤون الخارجية، وبعد توجّه كليهما للقضاء بعد أن قامت النقابة برفع دعوى جزائية ضد بالطبيب بتهمة خرق واجب التحفظ وإفشاء إسرار الدولة والتآمر على الأمن القومي باعتباره سفيرا سابقا، بعد حديثه عن ديبلوماسية التسوّل التي تمضي إليها تونس، على حدّ قول عبد الرؤوف بالطبيب الذي لجأ بدوره إلى القضاء لمقاضاة النقابة من أجل تهم الإساءة لشخصه عبر الشبكة العمومية للاتصالات والقذف العلني والإيهام بجريمة والوشاية الكاذبة..
وإذا كانت الديبلوماسية مرت بفضائح تاريخية بعد الثورة منها قطع العلاقات مع سوريا بذلك الشكل المهين لمكانة تونس الإقليمية وكذلك فضيحة الشيراتون غايت أو الهبة الصينية التي لاحقت وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، مرورا بما قيل أنه "رشوة" أرسلتها الدبلوماسية التونسية في 2018 لنواب الاتحاد الأوروبي، بهدف حثهم على التصويت ضد تصنيف تونس ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب..، وصولا اليوم إلى فضيحة بيع الجنسية التونسية وهو الملف المتكفل به اليوم القضاء التونسي والذي أساء كثيرا إلى سمعة تونس.
جنسية للبيع..
في سبتمبر الماضي تحدث رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه عميد هيئة المحامين والكاتب العام لرابطة حقوق الإنسان ونائب رئيس الرابطة أنه كتشف وثيقة تفيد أن هناك باع الجنسية التونسية بـ 100 ألف دينار..، وقد أثار تصريحه وقتها موجة من السخرية باعتبار أن لا أحد لا يرغب في الحصول على جنسية بلد شبه مفلس وأن التونسيين يرمون بأنفسهم في قوارب الموت حتى يصلون الى الضفة الأخرى من المتوسط وانهم على استعداد للتخلي عن جنسيتهم التي لم تمنحهم شيئا في المقابل.
ولكن منذ أيام اتخذت المسألة، طابعا خطيرا، بعد أن أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بالاحتفاظ بقنصل سابق لتونس بسوريا ورئيس المكتب القنصلي سابقا وموظف بقسم الحالة المدنية بتونس، والمكلف بقسم الحالة المدنية التابع للبعثة الديبلوماسية بسوريا. وقد وأوضح بلاغ لمكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس بأن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، كانت كلفت الوحدة المختصة بالبحث في جرائم الارهاب، بالتقصي في شبهة ارتكاب موظفين في تونس وخارجها لجرائم تدليس مضامين ولادة واستخراج بطاقات تعريف وطنية وجوازات سفر تونسية، وافتعال شهادات جنسية لفائدة بعض الأجانب من جنسيات مختلفة وذلك خلال الفترة الفاصلة بين سنة 2015 وسنة 2019 .وقد شمل التحقيق كل من قنصل سابق لتونس بسوريا ورئيس المكتب القنصلي سابقا، وموظف بقسم الحالة المدنية بتونس والمكلف بقسم الحالة المدنية التابع للبعثة الدبلوماسية بسوريا، الى جانب أربعة موظفين تابعين لوزارة الداخلية.
كما كشف كاتب عام نقابة السلك الدبلوماسي ابراهيم الرزقي في رده على سؤال حول ما قاله رئيس الجمهورية عن بيع الجنسية بـ100 مليون أن "الرئيس كان يقصد شبكات متورطة في تزوير وثائق تم الكشف عن المتورطين فيها".
وفي ذات السياق أكدت مصادر أمنية مختلفة في تصريحات إعلامية أن سعر الجنسية الواحدة وصل لـ40 ألف دولار وأكثر. وأنه وفق التحقيقات فان المتزعم للشبكة هو تونسي من أصول سورية متورط مع عدد من الوزارات ومن بينها الخارجية والداخلية والعدل. بالإضافة إلى مصالح تابعة للجماعات المحلية ومصالح التعريف العدلي بوزارة الداخلية. وهو ما يمكن الحاصل على الجنسية التونسية من استخدامها في التنقلات بين الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان التي تتشدد مع دخول السوريين إلى أراضيها، مقابل أنه لا يتم تسجيل وثيقة الجنسية بمصالح الضبط الخاصة بوزارة العدل، حتى لا يتم الكشف عن الأمر.
ويذكر في هذا السياق أنه ومنذ أشهر كشف النائب عن التيار الديمقراطي محمد عمار عمّا وُصفه وقتها بـ"الفضيحة" تتعلق ببيع السفارة التونسية في بيروت لعدد من السوريين جوازات سفر، مقابل 50 ألف دولار للجواز الواحد. وقد أكد وقتها النائب محمد عمار أن وزارة الخارجية التونسية أصبحت بؤرة فساد كبيرة، بعد بيع جوازات سفر تونسية عن طريق سفارة تونس في لبنان، خلال عامي 2017 و2018 لعدد من السوريين، الموجودين حاليا في الصين وتركيا وبعض الدول الأوروبية، بأسعار تزيد عن 50 ألف دولار لجواز السفر الواحد كما شدد وقتها محمد عمار انه يملك كل الوثائق حول ذلك..
وكل هذه الفضائح التي عاشتها الديبلوماسية كانت احد أسباب ارباكها والإضرار بصورة تونس في الخارج وإضعافها واليوم يتطلب الأمر فتح تحقيقات جدية في كل ما حصل طوال العشر سنوات وتحميل المسؤوليات دون مجاملة لأي طرف.