تبقى نسب البطالة المرتفعة من أبرز التحديات والرهانات التي تواجهها اقتصاديات العالم وخاصة تلك المستنزفة بالمديونية والتضخم.. وقد عمّقت جائحة كورونا أزمة مختلف اقتصاديات العالم وخاصة الدول الفقيرة ومن بين هذه الاقتصاديات الأكثر تضررا بالجائحة نجد الاقتصاد التونسي الذي يشهد ركودا خطيرا، جعل البطالة تقفز إلى معدلات قياسية، حيث سجلت نسبة البطالة ارتفاعا بـ 0.5 نقطة، خلال الثلاثي الثالث من السنة الجارية لتبلغ 18.4 بالمائة مقابل 17.9 بالمائة خلال الثلاثي الثاني، وفق ما أورده تقرير إحصائيات تونس لمؤشرات التشغيل والبطالة للثلاثي الثالث لسنة 2021.
وارتفاع نسبة البطالة في 2010 وبلوغها معدلات غير مسبوقة، بالسياقات الاقتصادية وقتها، حيث ارتفعت إلى 13 بالمائة مع وجود 130.000 عاطل عمل من خريجي الجامعات.. كانت من بين الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة والتي كانت أسبابها بالأساس اجتماعية ومطالبها لم تخرج في أغلبها عن الاستحقاقات الاجتماعية للكادحين والمعطلين والمناطق المهمشة.
لكن وبعد عشر سنوات من هذه الثورة التي كانت تحمل تطلعات كبيرة في تغيير سياسي يرتكز بالأساس على تحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف كل من ظلمه نظام بن علي.. كانت النتيجة حيث لم تتحقق العدالة الاجتماعية بل قفزت البطالة الى مستويات قياسية، حيث بدأت النسبة تقترب من حدود 19 بالمائة من جملة أكثر من 4 مليون تونسي يمكنهم العمل ولكن لا يجدون فرصة العمل هذه بالإضافة الى الارتفاع المخجل في نسب البطالة بالنسبة لخريجي الجامعة ومنهم الدكاترة المعطلين عن العمل.
ومؤخرا حذّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من تصاعد الاحتقان الاجتماعي الذي يحرّكه غياب التشغيل وطول عمر البطالة خاصة بالنسبة لعمال الحضائر والمعلمين النواب والعاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا الذين أمضوا اتفاقات مع الحكومات السابقة تقضي بانتدابهم ولكن ذلك لم يتحقق إلى اليوم.
الانهيار في أرقام
ببلوغ نسبة البطالة 18.4 بالمائة، يقترب عدد العاطلين عن العمل من عدد المليون عاطل عن العمل بعد أن كان في منتصف سنة 2020 في حدود 742.8 ألف عاطل..، وكان هذا العدد في حدود 157 ألف عاطل في ماي 2010.. وترتفع نسبة البطالة لدى الإناث إلى ما يقارب 25 بالمائة مقابل 15 بالمائة في صفوف الذكور، وقد مثلت الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و24 سنة، نسبة 40.8 في المائة من المعطلين..
واذا كانت القفزة السلبية التي شهدتها نسب البطالة تعود بالأساس الى السياسات الاقتصادية الفاشلة التي انتهجتها كل الحكومات بعد الثورة، والصراع السياسي الذي انتج مناخا غير مستقر وغير جاذب للاستثمار ولا للمشاريع الكبرى..، فان جائحة كورونا التي أثرت بشكل سلبي على كل اقتصاديات العالم، أثرت أكثر على الاقتصاد التونسي الذي يبقى من الاقتصاديات الضعيفة في المنطقة والتي انهكها الاقتراض واستنزفتها المديونية دون خلق فرص حقيقية للثروة..، فبسبب الجائحة شهد الاقتصاد انكماشا سنة 2020 هو الأسوأ منذ عقود أدى الى انتكاسة تاريخية بنسبة انكماش بنسبة 8.8 بالمائة.
البطالة تفجّر الثورات..
كانت الأسباب الاجتماعية من غلاء معيشة وتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع نسب البطالة والفقر والتهميش والاقصاء الجهوي من الأسباب الأساسية التي أدت الى اندلاع الاحتجاجات والثورة في تونس والتي انتهت بسقوط نظام بن علي الذي اكتشف بشكل متأخر أن استهانة الدولة بتلك المطالب الاجتماعية وبالمشاكل ذات الطابع التنموي والاجتماعي والاكتفاء بالحل الأمني والقمع في التعامل مع الاحتجاجات ذات الطابع الأمني أدى في النهاية إلى نهاية نظام.
واليوم مع ارتفاع نسب البطالة خاصة في صفوف الشباب سواء كانوا من خريجي الجامعة أو الشباب المهمش والمنقطع عن الدراسة دون ان توفر له الدولة فرصا أخرى للتدريب والتكوين في مجالات واختصاصات أخرى تمنحه فرصة العيش بكرامة..، هو بمثابة النار في الهشيم التي قد تشتعل فجأة لتأتي على الأخضر واليابس..، وإذا أضفنا إلى كل تلك الأسباب الاجتماعية حالة الصراع السياسي الراهنة والتي شحنت المناخ بكل الأفكار العنيفة، تصبح المخاطر أكبر.
وهذه الوضعية الشائكة اليوم لا يجب الاستهانة او الاستخفاف بها حتى لا يعود سيناريو 2011 وهذه المرة سيكون أكثر دموية وفوضى، وفي ذات السياق أكد الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، إن تونس في أمسِّ الحاجة لخطة إنعاش اقتصادي خاصة أن المالية العمومية تمر بصعوبات حادة وغير مسبوقة، مشددا على أنه لا إصلاح للمالية العمومية دون إنعاش الاقتصاد وقد وصف الوضع »بالصعب جدا« وذلك في إشارة للأرقام الأخيرة للمعهد الوطني للإحصاء حول نسبة البطالة التي ارتفعت إلى 18.4% ونسبة النمو التي بلغت 0.3%..، كما أكد سعيدان انه ولمواجهة هذا الانكماش العميق يجب على الحكومة ان تتقدم بخطة إصلاحات ضرورية لصندوق النقد الدولي بعد ان كانت تقدمت له بطلب قرض قيمته في حدود 4 مليار دولار.
وذكر سعيدان أن تونس مازلت في انكماش عميق، داعيا إلى ضرورة تقديم الإصلاحات الضرورية لصندوق النقد الدولي الذي تقدمت له الدولة بطلب قرض بقيمة 4 مليار دولار، دون الكشف له عن كيفية استعمال هذه الأموال وبرنامج الإصلاحات الذي تلتزم به الدولة التونسية، وفق تعبيره.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
تبقى نسب البطالة المرتفعة من أبرز التحديات والرهانات التي تواجهها اقتصاديات العالم وخاصة تلك المستنزفة بالمديونية والتضخم.. وقد عمّقت جائحة كورونا أزمة مختلف اقتصاديات العالم وخاصة الدول الفقيرة ومن بين هذه الاقتصاديات الأكثر تضررا بالجائحة نجد الاقتصاد التونسي الذي يشهد ركودا خطيرا، جعل البطالة تقفز إلى معدلات قياسية، حيث سجلت نسبة البطالة ارتفاعا بـ 0.5 نقطة، خلال الثلاثي الثالث من السنة الجارية لتبلغ 18.4 بالمائة مقابل 17.9 بالمائة خلال الثلاثي الثاني، وفق ما أورده تقرير إحصائيات تونس لمؤشرات التشغيل والبطالة للثلاثي الثالث لسنة 2021.
وارتفاع نسبة البطالة في 2010 وبلوغها معدلات غير مسبوقة، بالسياقات الاقتصادية وقتها، حيث ارتفعت إلى 13 بالمائة مع وجود 130.000 عاطل عمل من خريجي الجامعات.. كانت من بين الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة والتي كانت أسبابها بالأساس اجتماعية ومطالبها لم تخرج في أغلبها عن الاستحقاقات الاجتماعية للكادحين والمعطلين والمناطق المهمشة.
لكن وبعد عشر سنوات من هذه الثورة التي كانت تحمل تطلعات كبيرة في تغيير سياسي يرتكز بالأساس على تحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف كل من ظلمه نظام بن علي.. كانت النتيجة حيث لم تتحقق العدالة الاجتماعية بل قفزت البطالة الى مستويات قياسية، حيث بدأت النسبة تقترب من حدود 19 بالمائة من جملة أكثر من 4 مليون تونسي يمكنهم العمل ولكن لا يجدون فرصة العمل هذه بالإضافة الى الارتفاع المخجل في نسب البطالة بالنسبة لخريجي الجامعة ومنهم الدكاترة المعطلين عن العمل.
ومؤخرا حذّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من تصاعد الاحتقان الاجتماعي الذي يحرّكه غياب التشغيل وطول عمر البطالة خاصة بالنسبة لعمال الحضائر والمعلمين النواب والعاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا الذين أمضوا اتفاقات مع الحكومات السابقة تقضي بانتدابهم ولكن ذلك لم يتحقق إلى اليوم.
الانهيار في أرقام
ببلوغ نسبة البطالة 18.4 بالمائة، يقترب عدد العاطلين عن العمل من عدد المليون عاطل عن العمل بعد أن كان في منتصف سنة 2020 في حدود 742.8 ألف عاطل..، وكان هذا العدد في حدود 157 ألف عاطل في ماي 2010.. وترتفع نسبة البطالة لدى الإناث إلى ما يقارب 25 بالمائة مقابل 15 بالمائة في صفوف الذكور، وقد مثلت الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و24 سنة، نسبة 40.8 في المائة من المعطلين..
واذا كانت القفزة السلبية التي شهدتها نسب البطالة تعود بالأساس الى السياسات الاقتصادية الفاشلة التي انتهجتها كل الحكومات بعد الثورة، والصراع السياسي الذي انتج مناخا غير مستقر وغير جاذب للاستثمار ولا للمشاريع الكبرى..، فان جائحة كورونا التي أثرت بشكل سلبي على كل اقتصاديات العالم، أثرت أكثر على الاقتصاد التونسي الذي يبقى من الاقتصاديات الضعيفة في المنطقة والتي انهكها الاقتراض واستنزفتها المديونية دون خلق فرص حقيقية للثروة..، فبسبب الجائحة شهد الاقتصاد انكماشا سنة 2020 هو الأسوأ منذ عقود أدى الى انتكاسة تاريخية بنسبة انكماش بنسبة 8.8 بالمائة.
البطالة تفجّر الثورات..
كانت الأسباب الاجتماعية من غلاء معيشة وتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع نسب البطالة والفقر والتهميش والاقصاء الجهوي من الأسباب الأساسية التي أدت الى اندلاع الاحتجاجات والثورة في تونس والتي انتهت بسقوط نظام بن علي الذي اكتشف بشكل متأخر أن استهانة الدولة بتلك المطالب الاجتماعية وبالمشاكل ذات الطابع التنموي والاجتماعي والاكتفاء بالحل الأمني والقمع في التعامل مع الاحتجاجات ذات الطابع الأمني أدى في النهاية إلى نهاية نظام.
واليوم مع ارتفاع نسب البطالة خاصة في صفوف الشباب سواء كانوا من خريجي الجامعة أو الشباب المهمش والمنقطع عن الدراسة دون ان توفر له الدولة فرصا أخرى للتدريب والتكوين في مجالات واختصاصات أخرى تمنحه فرصة العيش بكرامة..، هو بمثابة النار في الهشيم التي قد تشتعل فجأة لتأتي على الأخضر واليابس..، وإذا أضفنا إلى كل تلك الأسباب الاجتماعية حالة الصراع السياسي الراهنة والتي شحنت المناخ بكل الأفكار العنيفة، تصبح المخاطر أكبر.
وهذه الوضعية الشائكة اليوم لا يجب الاستهانة او الاستخفاف بها حتى لا يعود سيناريو 2011 وهذه المرة سيكون أكثر دموية وفوضى، وفي ذات السياق أكد الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، إن تونس في أمسِّ الحاجة لخطة إنعاش اقتصادي خاصة أن المالية العمومية تمر بصعوبات حادة وغير مسبوقة، مشددا على أنه لا إصلاح للمالية العمومية دون إنعاش الاقتصاد وقد وصف الوضع »بالصعب جدا« وذلك في إشارة للأرقام الأخيرة للمعهد الوطني للإحصاء حول نسبة البطالة التي ارتفعت إلى 18.4% ونسبة النمو التي بلغت 0.3%..، كما أكد سعيدان انه ولمواجهة هذا الانكماش العميق يجب على الحكومة ان تتقدم بخطة إصلاحات ضرورية لصندوق النقد الدولي بعد ان كانت تقدمت له بطلب قرض قيمته في حدود 4 مليار دولار.
وذكر سعيدان أن تونس مازلت في انكماش عميق، داعيا إلى ضرورة تقديم الإصلاحات الضرورية لصندوق النقد الدولي الذي تقدمت له الدولة بطلب قرض بقيمة 4 مليار دولار، دون الكشف له عن كيفية استعمال هذه الأموال وبرنامج الإصلاحات الذي تلتزم به الدولة التونسية، وفق تعبيره.