تونس-الصباح
أدان خبراء أمميون قيام تونس مؤخرا بطرد المهاجرين وطالبي اللجوء، بصورة جماعية، مشيرين إلى المزاعم التي أفادت بتعرضهم للعنصرية بصورة وحشية والإبعاد التعسفي إلى ظروف خطيرة في ليبيا. وأشار بيان صادر عن الخبراء، إلى أن عشرات المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء لا يزالون في وضع محفوف بالمخاطر بالقرب من الحدود التونسية الليبية، حيث يفتقرون إلى المأوى والطعام والماء والرعاية الطبية ويواجهون تهديدات شديدة بالتعذيب والاختطاف والعنف الجنسي. وأوضح الخبراء أن طرد تونس لهؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء، وكذلك رفضها المستمر لدخولهم مجددا، قد ينتهك التزامات تونس بموجب القانون الدولي.
وشملت قائمة الخبراء الذين أصدروا البيان كلا من المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، تينداي أشيومي، والمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين،فيليب غونزاليس موراليس، والمقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء،مايكل فخري،... إضافة إلى عدد من الخبراء الآخرين.
ويشار إلى أن المقررين الخاصين والخبراء المستقلين، يعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف وهو جهة حكومية دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان حول العالم. ويكلف المقررون والخبراء بدراسة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها إلى مجلس حقوق الإنسان.
سلامة وكرامة المهاجرين
وذكَّر الخبراء تونس بالتزاماتها بعدم الإعادة القسرية التي تتطلب ألا تعيد الدول الأفراد إلى بلدان قد يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو سوء المعاملة أو الاحتجاز التعسفي أو أي ضرر آخر لا يمكن جبره. وقد تعرض بعض المهاجرين وطالبي اللجوء للضرب والتهديد من قبل السلطات التونسية، وفقا للخبراء. قائلين في ذات البيان "نشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن مجموعة مجهولة من المسلحين اختطفت بعض المهاجرين الذين كانوا يحاولون الدخول إلى تونس، بينهم طفل، واحتجزوا في ليبيا".
وأفادت تقارير باعتقال العديد من الأشخاص الآخرين من قبل السلطات الليبية واقتيدوا إلى مراكز الاعتقال. وقال الخبراء "نذكر السلطات الليبية بالتزامها باحترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان الأساسية للمهاجرين بما في ذلك حقهم في الحياة والحرية والأمن والصحة والغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي".
وقال الخبراء إن المهاجرين وطالبي اللجوء جميعهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، مشيرين إلى أن ذلك يثير مخاوف كبيرة من أن هؤلاء الأشخاص يتعرضون للانتهاكات في "تونس وليبيا على أساس عنصري، لاسيما في ضوء التقارير التي تلقيناها عن تزايد المعاملة العنصرية وكراهية الأجانب للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى". وأشار الخبراء في ختام بيانهم إلى أن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري تتطلب أن تحمي الحكومات الجميع من العنف العنصري أو الأذى الجسدي، سواء ارتكب من قبل المسؤولين الحكوميين أو من قبل مجموعة أو مؤسسة فردية. وذكر البيان أن الخبراء ظلوا على اتصال بحكومتي تونس وليبيا لمعالجة هذه المخاوف.
عمليات الترحيل القسري
وندد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالصمت الرسمي ضد كل هذه الانتهاكات، معبرا بدوره عن سخطه من عمليات الترحيل القسري حيث عرضت حياة المهاجرين للخطر في تناقض مع الالتزامات الدولية لتونس، ودعا إلى عملية دولية للإنقاذ البحري في البحر الأبيض المتوسط الأوسط للحد من المأساة الإنسانية المتصاعدة ونقل المهاجرين لموانئ آمنة. كما جدد رفضه تحويل تونس الى منصة لإنزال وفرز المهاجرين رضوخا للضغوط الأوروبية، محملا في نفس السياق المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية للاتحاد الأوروبي ودوله التي فرضت مسارات تعاون غير عادلة في قضايا الهجرة ساهت في ارتفاع الموت في البحر وعمقت أزمة المهاجرين في دول الجنوب. مؤكدا على ضرورة تصدي رئاسة الجمهورية للانتهاكات الممنهجة ضد المهاجرين واللاجئين ومراجعة مسارات التنسيق والتعاون مع الإتحاد الأوروبي ودوله في مجال الهجرة غير النظامية وتبني إستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء إدماجية تحفظ كرامة وحقوق المهاجرين، وأمام الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس حاليا والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون في تونس فان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اعتبر تونس دولة غير آمنة للمهاجرين.
من جانبه الناطق باسم الحكومة الفرنسية جبرائيل عتال، قال في حضوره على قناة CNEWS " على الأقل فيما يتعلق بتونس، إن "سياسة فرنسا القمعية" قد أثمرت وذلك من خلال تعاون تونس مع فرنسا فيما يتعلق بتفعيل آلية تسريع الإجراءات الخاصة بترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين، وذلك على عكس دولتي الجزائر والمغرب اللتين رفضتا التعاون مع فرنسا في هذا الشأن، إن الأمور تقدمت مع تونس الأمر الذي أدى إلى طرد حوالي 100 شخص بجواز مرور. لقد عبرت فرنسا لتوها نهر روبيكون (عبور الروبيكون هو استعارة تعني اتخاذ خطوة لا رجوع عنها تلزم المرء بمسار معين) في حربها ضد الهجرة غير الشرعية.
عدم التزام تونس بتعهداتها
وأفاد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في ذات الصدد في تصريح لـ"الصباح"، أن هذا التنديد متوقع بعد عديد المعاملات التمييزية وعدم التزام تونس بتعهداتها الدولية في علاقة بالهجرة واللجوء، كما أن تونس عاشت على وقع عديد القرارات الخاطئة في جائحة كورونا ضد المهاجرين كإعلان والي القصرين السابق الولاية منطقة مغلقة ضد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، إضافة الى ممارسات والي مدنين. كما أن عدم وجود إجراءات خاصة بالمهاجرين أثناء الجائحة ساهم في تفاقم الأزمة.
وأضاف بن عمر، أن السلطات التونسية أصبحت شرطة الحدود للبلدان الأوروبية ومنحها حزمة من الإعانات من قبل الجانب الأوروبي تتمثّل في التجهيزات وغيرها الإمكانيات اللوجستية إضافة إلى التدريبات المشتركة، من أجل اعتراض قوارب الهجرة، خاصة وان ترحيل المهاجرين غير النظاميين انطلق منذ 2011 بناء على اتفاق مع السلطات التونسية ولم يتوقّف سوى خلال فترة الحجر الصحي وغلق الحدود قبل أن يُستأنف مجددا ليصل بمعدل 700 ترحيل (مهاجر) سنويا، وهو ما يؤكد تناقض تونسي في علاقة بالتزامها بالمعهادات الدولية في علاقة بالهجرة بالرغم من كونها أيضا بلد مصدر للمهاجرين.
وأشار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أنه بالتزامن مع زيارة رئيسة الحكومة نجلاء بودن، لفرنسا هناك خشية من إمكانية إبرام تونس اتفاقا غير معلن مع فرنسا لتسريع عملية ترحيل المهاجرين غير النظاميين لما في ذلك من انتهاك صارخ لحقوق هذه الفئة، ولما فيه أيضا من عدم شفافية في هذا الموضوع، خاصة وأن فرنسا تريد أن تفرض على بلدان المغرب العربي سياسات ترحيل قسرية بعد عملية نيس الإرهابية والتي تورط فيها مهاجر تونسي غير نظامي، ويأتي بعد سنوات من رفض تونس لاتفاقية إعادة القبول سنة 2014 والتي تفرض على تونس إعادة كل المهاجرين غير النظاميين الذين انطلقوا من تونس، وقد نجحت ألمانيا بعد سنوات في فرض هذه الشروط وتم ترحيل عديد المهاجرين غير النظاميين عبر مطار النفيظة وذلك برحلات أسبوعية.
تجدر الإشارة إلى انه في شهر أكتوبر المنقضي وصل 1470 مهاجر تونسي غير نظامي إلى السواحل الايطالية، من بينهم نحو 200 قاصر، ليرتفع عدد القصر التونسيين الواصلين خلال سنة 2021 إلى ايطاليا إلى 2483 طفلا، منھم 1922 طفلا دون مرافقة، وفق إحصائيات التقرير الشهري للمرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
صلاح الدين كريمي