في الوقت الذي بدا فيه رئيس الجمهورية وكأنه أغلق، نهائيا، القوس عن منظومة ما قبل 25 جويلية رغم كل الضغوطات وخاصة الخارجية منها.. بدت أغلب الأحزاب وتحديدا المتضررة من تفعيل الفصل 80 من الدستور والتي فقدت امتيازاتها السياسية ونفوذها في المشهد، في حالة "بهتة" وكأنها لم تستفق بعد من صدمة 25 جويلية أو ما زالت غير مصدقة لمآلات ذلك الحدث الاستثنائي ومساراته بعد ذلك، فجلّ الأحزاب بدت وكأنها استسلمت لقدرها وقبلت بالأمر الواقع دون مقاومة لما ترفضه باستثناء بعض البيانات من بعض الأحزاب والتي تبدو وكأن الهدف منها حفظ ماء الوجه.. في حين غابت أحزاب أخرى تماما و"تبخرت" وكأنها لم تكن منذ ثلاثة أشهر مضت تتحكم في كل المشهد البرلماني والحكومي وتسيّر الدولة وفق مزاجها وأهوائها.
وحالة »السبات الشتوي« الذي دخلت فيه الأحزاب منذ الصيف الماضي، لم يكسرها الا بعض الأحزاب التي بقيت تستميت في الدفاع عن موقعها السياسي في المشهد وهي بالأساس الحزب الدستوري الحر الذي أبقى على خطه المعارض بالرغم من تأييده لإجراءات 25 جويلية.. في المقابل انحسر نفوذ وقوة واشعاع أكبر المتضررين من تفعيل الفصل 80 حركة النهضة، التي استنفدت بشكل مبكر كل وسائل تثبيت نفسها كقوة فاعلة في المشهد، لا التوجه إلى الخارج والاستنجاد به ولا محاولاتها تحريك الشارع أتت أكلها وأعادت لها البرلمان الذي كانت مسيطرة عليه ولا الحكومة التي كانت تأتمر بأمرها.. واليوم كل ما تفعله النهضة انها تحاول بيأس البقاء في المشهد العام من خلال مواكبتها للأحداث والتطورات عبر بيانات لم يعد جزء كبير من الرأي العام يكترث لها أو حتى ينتبه لوجودها.. وقد زادت أزمتها الداخلية وخروج مجموعة هامة عن الحزب تأزيم أزمة الحزب الذي فقدت قيادته القدرة على السيطرة على الخلافات الداخلية.
في المقابل يواصل رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي طالما جاهر بعدائه للمنظومة الحزبية واعتبرها انها سبب خراب الدولة منذ الثورة الى اليوم، تصدر نسب الثقة في استطلاعات الرأي والمحافظة على شعبيته رغم كل الانتقادات والضغوط ولكن المفارقة ان سعيد الذي يرفض منظومة الأحزاب ويدفع الى مشروع سياسي جديد يقوم بالأساس على الديمقراطية المباشرة، يتصدر حزبه غير الموجود نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية.
الشارع يصمت بعد ضجيج محتشم!
خلال الشهرين الماضيين، كانت هناك تقريبا مواعيد أسبوعية للتحرك في الشارع وخاصة بعد اصدار الامر الرئاسي 117 في 22 سبتمبر الماضي والذي اثار موجة عارمة من الانتقادات حتى من طرف أولئك المنحازين والمؤيدين لإجراءات 25 جويلية.. ورغم أن هذه التظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية لم تقتصر على معارضي الرئيس بل نزل حتى مؤيدوه إلى الشارع للتعبير عن ثقتهم المتجددة في الرئيس. قيس سعيد الذي لم يمنع هذه المظاهرات الا انه انتقدها بشدة خاصة بمناسبة آخر مظاهرة تمت الدعوة لها إلى الآن وهي تلك التي وصفت بمظاهرة النفير والتي دعت اليها حركة النهضة وعدد من الأحزاب المناهضة لإجراءات 25 جويلية، حيث قال رئيس الجمهورية عند لقائه بوزير الداخلية السابق رضا غرسلاوي أن ذلك الاحد سيكون يوم النفير والأحد الذي قبله –في إشارة الى مظاهرة مؤيديه- كان يوم رجم الشياطين كما اتهم رئيس الجمهورية معارضيه بتوزيع الأموال لاستقطاب "المتظاهرين" وأن الشعب لفظهم و"حان طواف الوداع" وفق تعبيره .
ورغم أن الشارع لم يشهد مظاهرات او احتجاجات عارمة ضد إجراءات قيس سعيد كما توقع البعض وكانت اغلب التحركات متوسطة الحضور والتأثير الا أنه منذ مظاهرة »أحد النفير « التي دعا إليها المناوئين لقيس سعيد من أحزاب وشخصيات وطنية.. صمت الشارع ولم نعد نرى تحركات للأحزاب فيه.. ولعل ما يفسر هذا الحضور المحتشم للأحزاب في الشارع هو فشلها وعجزها عن تجييش هذا الشارع لصالحها او توظيفه للدفاع عنها وهو ما يلخص ازمة الاحزاب ككل والتي يمكن ان تكون حكمت او عارضت ولكنها فشلت في أن تركّز لنفسها حاضنة وقواعد شعبية حقيقية تستنفر للدفاع عنها في أزماتها.
أحزاب حكمت ولكنها اليوم اختفت..
عكس حركة النهضة والتي كانت تقود التحالف البرلماني وتتحكم في المشهد السياسي قبل يوم 25 جويلية والتي ما زالت تحاول أن تبقي نفسها في المشهد فان حليفيها وأساسا قلب تونس وائتلاف الكرامة »تبخّرا« من المشهد برمته ولم نعد نرى لهما موقفا ولا حضورا.. وإذا كانت النهضة لا تفوّت فرصة او حدثا الا وتصدر بيانا للرأي العام تعبر من خلاله عن موقفها وآخر ذلك بيان 29 أكتوبر المنقضي الذي عبرت فيه عن رفضها المبدئي، لما وصفته بـ »محاولات هيمنة رئاسة الجمهورية على كل السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية وتقويض أسس النظام الجمهوري الديمقراطي القائم على الفصل بين السلط والتوازن بينها.. « ، فان بقية الأحزاب التي كانت حليفتها وشريكتها في الحكم وخاصة قلب تونس انتهت سياسيا ولم نعد نرى لها مواقف او ردود فعل على ما يحدث باستثناء تلك التدوينات التي ينشرها من حين الى آخر، رئيس كتلة الحزب أسامة الخليفي، وما عدا ذلك ليس هناك صوت للحزب او تصريحات تكاد تذكر خاصة بعد القبض على رئيسه نبيل القروي في الجزائر .
ونفس الشيء يكاد ينطبق على حزب ائتلاف الكرامة الذي انشغلت قياداته بمحاكماتها امام القضاء ولم يعد لها حضورا في مواقع التواصل الاجتماعي كما كان من قبل رغم موقف الحزب الرافض لإجراءات 25 جويلية ومجاهرته بعدائه لقيس سعيد.
البقية.. مواقف حسب الوضعية
بقية الأحزاب وخاصة تلك التي كانت معارضة لمنظومة ما قبل 25 جويلية، انقسمت واختلفت مواقفها فبين من ابقى على مساندته للرئيس رغم كل الانتقادات كحركة الشعب وبين من ساند إجراءات 25 جويلية ورفض أمر 22 سبتمبر وفي كل ذلك انحسر تأثيرها في القرار السياسي وفي المشهد العام.. فحتى حزب التيار الديمقراطي الذي كان من بين اكثر الأحزاب حضورا في التعبير عن انتقاداته لبعض توجهات رئيس الجمهورية اصبح في الآونة الأخيرة في موقع الدفاع عن نفسه وخاصة أمينه العام غازي الشواشي بعد الاتهامات التي وجهها اليه مباشرة رئيس الجمهورية.
وبالنسبة للحزب الدستوري الحر فان خسارته »لعدوه « الرئيسي حركة النهضة في معركتهما التاريخية التي لم يعد لها اليوم ميدان صراع واضح، جعله يوجه بوصلة انتقاداته اليوم الى رئيس الجمهورية، محاولا استرجاع دوره في تزعم المعارضة من خارج البرلمان،هذه المرة، كما كان يفعل داخل البرلمان.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
في الوقت الذي بدا فيه رئيس الجمهورية وكأنه أغلق، نهائيا، القوس عن منظومة ما قبل 25 جويلية رغم كل الضغوطات وخاصة الخارجية منها.. بدت أغلب الأحزاب وتحديدا المتضررة من تفعيل الفصل 80 من الدستور والتي فقدت امتيازاتها السياسية ونفوذها في المشهد، في حالة "بهتة" وكأنها لم تستفق بعد من صدمة 25 جويلية أو ما زالت غير مصدقة لمآلات ذلك الحدث الاستثنائي ومساراته بعد ذلك، فجلّ الأحزاب بدت وكأنها استسلمت لقدرها وقبلت بالأمر الواقع دون مقاومة لما ترفضه باستثناء بعض البيانات من بعض الأحزاب والتي تبدو وكأن الهدف منها حفظ ماء الوجه.. في حين غابت أحزاب أخرى تماما و"تبخرت" وكأنها لم تكن منذ ثلاثة أشهر مضت تتحكم في كل المشهد البرلماني والحكومي وتسيّر الدولة وفق مزاجها وأهوائها.
وحالة »السبات الشتوي« الذي دخلت فيه الأحزاب منذ الصيف الماضي، لم يكسرها الا بعض الأحزاب التي بقيت تستميت في الدفاع عن موقعها السياسي في المشهد وهي بالأساس الحزب الدستوري الحر الذي أبقى على خطه المعارض بالرغم من تأييده لإجراءات 25 جويلية.. في المقابل انحسر نفوذ وقوة واشعاع أكبر المتضررين من تفعيل الفصل 80 حركة النهضة، التي استنفدت بشكل مبكر كل وسائل تثبيت نفسها كقوة فاعلة في المشهد، لا التوجه إلى الخارج والاستنجاد به ولا محاولاتها تحريك الشارع أتت أكلها وأعادت لها البرلمان الذي كانت مسيطرة عليه ولا الحكومة التي كانت تأتمر بأمرها.. واليوم كل ما تفعله النهضة انها تحاول بيأس البقاء في المشهد العام من خلال مواكبتها للأحداث والتطورات عبر بيانات لم يعد جزء كبير من الرأي العام يكترث لها أو حتى ينتبه لوجودها.. وقد زادت أزمتها الداخلية وخروج مجموعة هامة عن الحزب تأزيم أزمة الحزب الذي فقدت قيادته القدرة على السيطرة على الخلافات الداخلية.
في المقابل يواصل رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي طالما جاهر بعدائه للمنظومة الحزبية واعتبرها انها سبب خراب الدولة منذ الثورة الى اليوم، تصدر نسب الثقة في استطلاعات الرأي والمحافظة على شعبيته رغم كل الانتقادات والضغوط ولكن المفارقة ان سعيد الذي يرفض منظومة الأحزاب ويدفع الى مشروع سياسي جديد يقوم بالأساس على الديمقراطية المباشرة، يتصدر حزبه غير الموجود نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية.
الشارع يصمت بعد ضجيج محتشم!
خلال الشهرين الماضيين، كانت هناك تقريبا مواعيد أسبوعية للتحرك في الشارع وخاصة بعد اصدار الامر الرئاسي 117 في 22 سبتمبر الماضي والذي اثار موجة عارمة من الانتقادات حتى من طرف أولئك المنحازين والمؤيدين لإجراءات 25 جويلية.. ورغم أن هذه التظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية لم تقتصر على معارضي الرئيس بل نزل حتى مؤيدوه إلى الشارع للتعبير عن ثقتهم المتجددة في الرئيس. قيس سعيد الذي لم يمنع هذه المظاهرات الا انه انتقدها بشدة خاصة بمناسبة آخر مظاهرة تمت الدعوة لها إلى الآن وهي تلك التي وصفت بمظاهرة النفير والتي دعت اليها حركة النهضة وعدد من الأحزاب المناهضة لإجراءات 25 جويلية، حيث قال رئيس الجمهورية عند لقائه بوزير الداخلية السابق رضا غرسلاوي أن ذلك الاحد سيكون يوم النفير والأحد الذي قبله –في إشارة الى مظاهرة مؤيديه- كان يوم رجم الشياطين كما اتهم رئيس الجمهورية معارضيه بتوزيع الأموال لاستقطاب "المتظاهرين" وأن الشعب لفظهم و"حان طواف الوداع" وفق تعبيره .
ورغم أن الشارع لم يشهد مظاهرات او احتجاجات عارمة ضد إجراءات قيس سعيد كما توقع البعض وكانت اغلب التحركات متوسطة الحضور والتأثير الا أنه منذ مظاهرة »أحد النفير « التي دعا إليها المناوئين لقيس سعيد من أحزاب وشخصيات وطنية.. صمت الشارع ولم نعد نرى تحركات للأحزاب فيه.. ولعل ما يفسر هذا الحضور المحتشم للأحزاب في الشارع هو فشلها وعجزها عن تجييش هذا الشارع لصالحها او توظيفه للدفاع عنها وهو ما يلخص ازمة الاحزاب ككل والتي يمكن ان تكون حكمت او عارضت ولكنها فشلت في أن تركّز لنفسها حاضنة وقواعد شعبية حقيقية تستنفر للدفاع عنها في أزماتها.
أحزاب حكمت ولكنها اليوم اختفت..
عكس حركة النهضة والتي كانت تقود التحالف البرلماني وتتحكم في المشهد السياسي قبل يوم 25 جويلية والتي ما زالت تحاول أن تبقي نفسها في المشهد فان حليفيها وأساسا قلب تونس وائتلاف الكرامة »تبخّرا« من المشهد برمته ولم نعد نرى لهما موقفا ولا حضورا.. وإذا كانت النهضة لا تفوّت فرصة او حدثا الا وتصدر بيانا للرأي العام تعبر من خلاله عن موقفها وآخر ذلك بيان 29 أكتوبر المنقضي الذي عبرت فيه عن رفضها المبدئي، لما وصفته بـ »محاولات هيمنة رئاسة الجمهورية على كل السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية وتقويض أسس النظام الجمهوري الديمقراطي القائم على الفصل بين السلط والتوازن بينها.. « ، فان بقية الأحزاب التي كانت حليفتها وشريكتها في الحكم وخاصة قلب تونس انتهت سياسيا ولم نعد نرى لها مواقف او ردود فعل على ما يحدث باستثناء تلك التدوينات التي ينشرها من حين الى آخر، رئيس كتلة الحزب أسامة الخليفي، وما عدا ذلك ليس هناك صوت للحزب او تصريحات تكاد تذكر خاصة بعد القبض على رئيسه نبيل القروي في الجزائر .
ونفس الشيء يكاد ينطبق على حزب ائتلاف الكرامة الذي انشغلت قياداته بمحاكماتها امام القضاء ولم يعد لها حضورا في مواقع التواصل الاجتماعي كما كان من قبل رغم موقف الحزب الرافض لإجراءات 25 جويلية ومجاهرته بعدائه لقيس سعيد.
البقية.. مواقف حسب الوضعية
بقية الأحزاب وخاصة تلك التي كانت معارضة لمنظومة ما قبل 25 جويلية، انقسمت واختلفت مواقفها فبين من ابقى على مساندته للرئيس رغم كل الانتقادات كحركة الشعب وبين من ساند إجراءات 25 جويلية ورفض أمر 22 سبتمبر وفي كل ذلك انحسر تأثيرها في القرار السياسي وفي المشهد العام.. فحتى حزب التيار الديمقراطي الذي كان من بين اكثر الأحزاب حضورا في التعبير عن انتقاداته لبعض توجهات رئيس الجمهورية اصبح في الآونة الأخيرة في موقع الدفاع عن نفسه وخاصة أمينه العام غازي الشواشي بعد الاتهامات التي وجهها اليه مباشرة رئيس الجمهورية.
وبالنسبة للحزب الدستوري الحر فان خسارته »لعدوه « الرئيسي حركة النهضة في معركتهما التاريخية التي لم يعد لها اليوم ميدان صراع واضح، جعله يوجه بوصلة انتقاداته اليوم الى رئيس الجمهورية، محاولا استرجاع دوره في تزعم المعارضة من خارج البرلمان،هذه المرة، كما كان يفعل داخل البرلمان.