إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ضبابية المشهد السياسي توسّع من قاعدة "الأغلبية الصامتة"

 

تونس- الصباح

لم تتجاوز نسبة المشاركة في التصويت في الانتخابات البلدية الجزئية ببلدية منزل كامل التي جرت يوم الأحد الماضي 12.64 بالمائة، وهي تقريبا أضعف نسبة مشاركة في الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت خلال السنة الحالية، ومقارنة بالانتخابات الجزئية التي جرت في بعض البلديات قبل 25 جويلية الماضي على غرار بلدية الناظور التي جرت يوم 6 جوان (22.88 بالمائة) وبلدية الصخيرة يوم 13 جوان (46 بالمائة) وبلدية ساقية الدائر يوم 13 جوان (24 بالمائة)

ويقابل حالة العزوف - وفي ظاهرة جديدة - حالة من عزوف الترشح للانتخابات في بعض البلديات التي تم حلها مجالسها البلدية إثر خلافات بين القائمات المتحالفة فيها، فمثلا لم يسجل في الانتخابات الجزئية في بلدية حمام سوسة سوى قائمة وحيدة، في حين لم يسجل ترشح أي قائمة في الانتخابات الجزئية لبلدية عميرة الفحول (ولاية المنستير) إلى حدود يوم السبت الماضي..

ورغم أن الانتخابات البلدية تعكس اهتمام الناخبين أكثر للبرامج الانتخابية التي يطرحها المترشحون الحزبيون أو المستقلون على مواطني المنطقة البلدية، وصعوبات العمل البلدي، والصراع السياسي بين القائمات الفائزة في الانتخابات البلدية، وثغرات التشريع المتعلق بالجماعات المحلية.. إلا أن العملية الانتخابية برمتها لا يمكن عزلها عن المشهد العام السياسي المتقلّب الذي كان محددا رئيسيا لنتائج الانتخابات البلدية التي جرت في ماي 2018 وفاز فيها المستقلون بأغلبية المقاعد والأصوات في معظم الدوائر البلدية..

ويبدو أن المشهد الحالي ظل عل نفس الدرب، إذ بدأت تظهر تداعياته على نسبة المشاركة في بعض الانتخابات الجزئية التي تظل مؤشرا على توجه المزاج العام للناخبين الرافض عموما للأحزاب السياسية التقليدية مع ميل نسبي طفيف لصالح المستقلين، مع بداية ظهور حالة من التردد لدى الأحزاب التقليدية وحتى من المستقلين على الترشح في بعض الدوائر البلدية. مما يعد مؤشرا حقيقيا على تأثير المشهد العام على المشاركة في الحياة العامة وخاصة في الحياة السياسية والتطوع لإدارة الشأن العام..

وتؤكد ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية في بعض الدوائر البلدية التي أعيدت فيه الانتخابات بعد سقوط مجالسها البلدية، اتساع نسبة عزوف نوايا التصويت لجمهور الناخبين من مختلف الأعمار والفئات في الانتخابات التشريعية والرئاسية.

إذ تظهر نتائج سبر الآراء الشهرية التي تصدر بين الحين والآخر شركات سبر الآراء باستقرار نسبة العزوف عن التصويت أو نسبة الناخبين الذين لا ينوون التصويت بين 60 و70 بالمائة، بمعنى أن الأكثرية من الناخبين التونسيين لا تجد من يمثلها أو من يعبر عن توجهاتها السياسية في المشهد السياسي القائم حتى بعد حراك 25 جويلية 2021. وهي تقريبا نفس نسب الممتنعين عن التصويت في الانتخابات البلدية في 2018 والانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019.

وإن كان من السابق لأوانه الجزم بتأثير المشهد السياسي العام بعد ما بات يعرف بـ"زلزال 25 جويلية" السياسي الذي أطاح بالحكومة السابقة ورئيسها وبالبرلمان في تدابير استثنائية غير مسبوقة قررها رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يحدد بعد تاريخا لنهايتها أو أفقا للخروج منها أو تحديد لمواعيد انتخابية قادمة سابقة لأوانها سواء كانت بلدية أو تشريعية- رئاسية.. إلا أن المتأملفي ما يحدث من حراك في المشهد السياسي يلاحظ غيابا شبه كليا للأحزاب السياسية في تونس بعد 25 جويلية حتى تلك التي كانت وازنة في المشهد البرلماني باستثناء البعض منها، مع صعود خطاب سياسي ساهم في ترذيل البرلمان وبالتالي الأحزاب التي كانت تشكل الأغلبية البرلمانية المساندة للحكومة السابقة، وأيضا الأحزاب والتنظم الحزبي بشكل عام، وازداد وضعها سوءا مع ارتفاع خطاب شيطنتها المستمرة وإدانتها واتهامها بمسؤولية "الخراب" الذي حل بالدولة وبالاقتصاد الوطني..

ومع تقدم صيرورة الأحداث بات الناخبون التونسيون في حيرة من أمرهم، وخاصة منهم قاعدة ما يعرف بالأغلبية الصامتة التي لا تصوت دائما ولا تعبر دائما عن مواقفها السياسية فهي تراقب عن كثب لكن لا يعني ذلك أن ليس لها رأي أو موقف مما يجري في الساحة السياسية.. وهي تنتظر فقط وضوح الرؤية وتحليل موضوعي لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية خاصة نتائج الإصلاحات السياسية التي قرر تنفيذها رئيس الجمهورية قيس سعيد التي ستشمل تعديل الدستور والمنظومة الانتخابية..

ويمكن قراءة تواصل ارتفاع نسب العزوف عن المشاركة السياسية إلى عدة عوامل منها فقدان الناخبين التونسيين الثقة في الأحزاب السياسية بشكل عام، وهو امر ظهر جليا وبقوة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2019 التي لم يتجاوز نسبة المشاركة فيها41 بالمائة. وأيضا إلى الوضع المسدود، وضبابية المشهد الحالي وغياب رؤية واضحة لمستقبل البلاد، مع تواصل تعطّل الحوار سياسي

كل ذلك من شأنه أن يدفع الناخب إلى النفور أكثر من الطبقة السياسية والأحزاب ويزداد شعوره باليأس من أي تغيير في الواقع طالما استمرت الطبقة السياسية الحالية في التنازع على الحكم.

كما غزت حالة من اليأس والإحباط الرأي العام والناخبين في إمكانية إصلاح الوضع الاقتصادي الهش والوضع الاجتماعيالمتدهور عن طريقالانتخابات، وبدأت تمتد حالة العزوف واليأس حتى إلى الانتخابات الرئاسية مع ارتفاع مطرد لنسب التونسيين المستجوبينالذين لم يعبروا عن اختياراتهم في الشخصيات التي تطرح عليهم كمرشحين محتملين لقصر قرطاج.

وضاعفت الأزمة الاقتصادية والصراع السياسي من ظاهرة عزوف التونسيين عن المشاركة في الشأن السياسي، وهو أمر قد يزيد من عزلة الأحزاب السياسية عن محيطها الواقعي خاصة أن من نجح في نيل ثقة الناخبين في تشريعية 2019 فشلوا جميعا في تحقيق الوعود والشعارات التي رفعوها في حملاتهم الانتخابية.

وكانت نتائج انتخابات 2019 قد أفرزت برلمانا مشتتا متعدد الألوان والأطياف فشل في إدارة المرحلة وعكس صورة سلبية سوداوية قاتمة لدى الرأي العام الوطني، ومثلت أبرز أسباب التي قادت رئيس الجمهورية إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، ليظل حاليا رئيس الدولة قيس سعيدفي الوقت الراهن الوحيد تقريبا الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من ثقة الناخبين، وثقة عالية في قراراته التي اتخذها يوم 25 جويلية.

وفي المقابل يبدو أن المشهد مقبل على تغيرات جذرية، إذ لا نجد من يواجه قيس سعيد (أو حزبه الافتراضي)، سوى الدستوري الحر الذي ما يزال يتصدر نوايا التصويت رغم ضعفها وهي من أبرز الأحزاب التي تصارع من أجل إثبات وجودها والرهان على التنظم الحزبي كوسيلة لتكريس الممارسة الديمقراطية وجذب الناخبين والوصول إلى الحكم، مقابل تدحرج كبير لأحزاب كانت في الماضي القريب مسيطرة على المشهد البرلماني والسياسي مثل حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، والتيار..

 

رفيق بن عبد الله

ضبابية المشهد السياسي توسّع من قاعدة "الأغلبية الصامتة"

 

تونس- الصباح

لم تتجاوز نسبة المشاركة في التصويت في الانتخابات البلدية الجزئية ببلدية منزل كامل التي جرت يوم الأحد الماضي 12.64 بالمائة، وهي تقريبا أضعف نسبة مشاركة في الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت خلال السنة الحالية، ومقارنة بالانتخابات الجزئية التي جرت في بعض البلديات قبل 25 جويلية الماضي على غرار بلدية الناظور التي جرت يوم 6 جوان (22.88 بالمائة) وبلدية الصخيرة يوم 13 جوان (46 بالمائة) وبلدية ساقية الدائر يوم 13 جوان (24 بالمائة)

ويقابل حالة العزوف - وفي ظاهرة جديدة - حالة من عزوف الترشح للانتخابات في بعض البلديات التي تم حلها مجالسها البلدية إثر خلافات بين القائمات المتحالفة فيها، فمثلا لم يسجل في الانتخابات الجزئية في بلدية حمام سوسة سوى قائمة وحيدة، في حين لم يسجل ترشح أي قائمة في الانتخابات الجزئية لبلدية عميرة الفحول (ولاية المنستير) إلى حدود يوم السبت الماضي..

ورغم أن الانتخابات البلدية تعكس اهتمام الناخبين أكثر للبرامج الانتخابية التي يطرحها المترشحون الحزبيون أو المستقلون على مواطني المنطقة البلدية، وصعوبات العمل البلدي، والصراع السياسي بين القائمات الفائزة في الانتخابات البلدية، وثغرات التشريع المتعلق بالجماعات المحلية.. إلا أن العملية الانتخابية برمتها لا يمكن عزلها عن المشهد العام السياسي المتقلّب الذي كان محددا رئيسيا لنتائج الانتخابات البلدية التي جرت في ماي 2018 وفاز فيها المستقلون بأغلبية المقاعد والأصوات في معظم الدوائر البلدية..

ويبدو أن المشهد الحالي ظل عل نفس الدرب، إذ بدأت تظهر تداعياته على نسبة المشاركة في بعض الانتخابات الجزئية التي تظل مؤشرا على توجه المزاج العام للناخبين الرافض عموما للأحزاب السياسية التقليدية مع ميل نسبي طفيف لصالح المستقلين، مع بداية ظهور حالة من التردد لدى الأحزاب التقليدية وحتى من المستقلين على الترشح في بعض الدوائر البلدية. مما يعد مؤشرا حقيقيا على تأثير المشهد العام على المشاركة في الحياة العامة وخاصة في الحياة السياسية والتطوع لإدارة الشأن العام..

وتؤكد ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية في بعض الدوائر البلدية التي أعيدت فيه الانتخابات بعد سقوط مجالسها البلدية، اتساع نسبة عزوف نوايا التصويت لجمهور الناخبين من مختلف الأعمار والفئات في الانتخابات التشريعية والرئاسية.

إذ تظهر نتائج سبر الآراء الشهرية التي تصدر بين الحين والآخر شركات سبر الآراء باستقرار نسبة العزوف عن التصويت أو نسبة الناخبين الذين لا ينوون التصويت بين 60 و70 بالمائة، بمعنى أن الأكثرية من الناخبين التونسيين لا تجد من يمثلها أو من يعبر عن توجهاتها السياسية في المشهد السياسي القائم حتى بعد حراك 25 جويلية 2021. وهي تقريبا نفس نسب الممتنعين عن التصويت في الانتخابات البلدية في 2018 والانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019.

وإن كان من السابق لأوانه الجزم بتأثير المشهد السياسي العام بعد ما بات يعرف بـ"زلزال 25 جويلية" السياسي الذي أطاح بالحكومة السابقة ورئيسها وبالبرلمان في تدابير استثنائية غير مسبوقة قررها رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يحدد بعد تاريخا لنهايتها أو أفقا للخروج منها أو تحديد لمواعيد انتخابية قادمة سابقة لأوانها سواء كانت بلدية أو تشريعية- رئاسية.. إلا أن المتأملفي ما يحدث من حراك في المشهد السياسي يلاحظ غيابا شبه كليا للأحزاب السياسية في تونس بعد 25 جويلية حتى تلك التي كانت وازنة في المشهد البرلماني باستثناء البعض منها، مع صعود خطاب سياسي ساهم في ترذيل البرلمان وبالتالي الأحزاب التي كانت تشكل الأغلبية البرلمانية المساندة للحكومة السابقة، وأيضا الأحزاب والتنظم الحزبي بشكل عام، وازداد وضعها سوءا مع ارتفاع خطاب شيطنتها المستمرة وإدانتها واتهامها بمسؤولية "الخراب" الذي حل بالدولة وبالاقتصاد الوطني..

ومع تقدم صيرورة الأحداث بات الناخبون التونسيون في حيرة من أمرهم، وخاصة منهم قاعدة ما يعرف بالأغلبية الصامتة التي لا تصوت دائما ولا تعبر دائما عن مواقفها السياسية فهي تراقب عن كثب لكن لا يعني ذلك أن ليس لها رأي أو موقف مما يجري في الساحة السياسية.. وهي تنتظر فقط وضوح الرؤية وتحليل موضوعي لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية خاصة نتائج الإصلاحات السياسية التي قرر تنفيذها رئيس الجمهورية قيس سعيد التي ستشمل تعديل الدستور والمنظومة الانتخابية..

ويمكن قراءة تواصل ارتفاع نسب العزوف عن المشاركة السياسية إلى عدة عوامل منها فقدان الناخبين التونسيين الثقة في الأحزاب السياسية بشكل عام، وهو امر ظهر جليا وبقوة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2019 التي لم يتجاوز نسبة المشاركة فيها41 بالمائة. وأيضا إلى الوضع المسدود، وضبابية المشهد الحالي وغياب رؤية واضحة لمستقبل البلاد، مع تواصل تعطّل الحوار سياسي

كل ذلك من شأنه أن يدفع الناخب إلى النفور أكثر من الطبقة السياسية والأحزاب ويزداد شعوره باليأس من أي تغيير في الواقع طالما استمرت الطبقة السياسية الحالية في التنازع على الحكم.

كما غزت حالة من اليأس والإحباط الرأي العام والناخبين في إمكانية إصلاح الوضع الاقتصادي الهش والوضع الاجتماعيالمتدهور عن طريقالانتخابات، وبدأت تمتد حالة العزوف واليأس حتى إلى الانتخابات الرئاسية مع ارتفاع مطرد لنسب التونسيين المستجوبينالذين لم يعبروا عن اختياراتهم في الشخصيات التي تطرح عليهم كمرشحين محتملين لقصر قرطاج.

وضاعفت الأزمة الاقتصادية والصراع السياسي من ظاهرة عزوف التونسيين عن المشاركة في الشأن السياسي، وهو أمر قد يزيد من عزلة الأحزاب السياسية عن محيطها الواقعي خاصة أن من نجح في نيل ثقة الناخبين في تشريعية 2019 فشلوا جميعا في تحقيق الوعود والشعارات التي رفعوها في حملاتهم الانتخابية.

وكانت نتائج انتخابات 2019 قد أفرزت برلمانا مشتتا متعدد الألوان والأطياف فشل في إدارة المرحلة وعكس صورة سلبية سوداوية قاتمة لدى الرأي العام الوطني، ومثلت أبرز أسباب التي قادت رئيس الجمهورية إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، ليظل حاليا رئيس الدولة قيس سعيدفي الوقت الراهن الوحيد تقريبا الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من ثقة الناخبين، وثقة عالية في قراراته التي اتخذها يوم 25 جويلية.

وفي المقابل يبدو أن المشهد مقبل على تغيرات جذرية، إذ لا نجد من يواجه قيس سعيد (أو حزبه الافتراضي)، سوى الدستوري الحر الذي ما يزال يتصدر نوايا التصويت رغم ضعفها وهي من أبرز الأحزاب التي تصارع من أجل إثبات وجودها والرهان على التنظم الحزبي كوسيلة لتكريس الممارسة الديمقراطية وجذب الناخبين والوصول إلى الحكم، مقابل تدحرج كبير لأحزاب كانت في الماضي القريب مسيطرة على المشهد البرلماني والسياسي مثل حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، والتيار..

 

رفيق بن عبد الله

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews