إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كانت من بين أسباب فشل المنظومة السابقة.. سعيد يواصل سياسة إقصاء النخبة والخبراء

 
 
 
تونس – الصباح
لئن أجمعت عديد المواقف على أن فشل المنظومة السياسية التي حكمت تونس خلال السنوات العشر الماضية يرجع في جانب كبير منه إلى عامل تغييب "النخبة" وعدم تشريك المختصين في مجالات اقتصادية ومالية وقانونية وفكرية واجتماعية وفسلفية في عمليات وضع البرامج ومناقشة مشاريع القوانين وبعث المؤسسات وفي الدوائر الاستشارية للحكومات المتعاقبة، إلا أن الوضع اليوم في مرحلة ما بعد 25 جويلية أصبح أكثر خطورة في التعاطي مع مسألة حضور أو تشريك هذه النخب، بعد أن صار "الإقصاء" والإبعاد لهذه الفئة من التونسيين عنوانا للمرحلة السياسية الجديدة.
فرئاسة الجمهورية التي تتفرد بتسيير دواليب الدولة والتخطيط للمرحلة القادمة، تواصل استبعاد الخبراء والمختصين والمثقفين من دائرة التفكير ومواقع القرار رغم تعالي الأصوات المنادية مطالبة بضرورة الاحتكام إلى "التشاركية المختصة" للخروج من كومة الأزمات التي تتخبط فيها البلاد خاصة في ظل مواصلة القوى الرافضة لتمشي قيس سعيد في جمعه بكل السلطات في هذه المرحلة وما خلفته المسالة من جدل ومخاوف من عودة "الديكتاتورية". الأمر الذي دفع عديد القوى والجهات السياسية والمدنية للتحرك ضد هذا "التيار" الجديد بأشكال مختلفة لعرقلة المسار بما يمثله من تهديد وقطع مع المنظومة السابقة شكلا ومضمونا مقابل الغموض المخيم على المرحلة.
فتغييب وإقصاء "عقل" المجتمعات ونخبتها من مواقع القرار والتفكير وعدم تشريكها في تقييم واستنباط الأفكار ووضع البرامج الكفيلة بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية والقانونية من شأنه أن يولد مشاريع "عاطلة" ومحدودة الأهداف ودون الجدوى والانتظارات المطلوبة. ليسقط تمشي سعيد مرة أخرى وبشكل أخطر في نفس المنحى الذي انتهجته المنظومة التي حكمت تونس خلال السنوات العشر الأخيرة بقيادة حركة النهضة والاستثناء الفارق بين المرحلتين هو أن النهضة راهنت على الانتقاء واختيار المقربين منها أو من والاها وأبدى الولاء والطاعة لخدمة أجندتها مقابل إقصاء واستبعاد النخبة النيرة ولم يتوقف الأمر على الإقصاء والتغييب والتهميش بل عمدت إلى تشويهها وجعلها عرضة لممارسات مشينة وأحيانا مهينة.
لكن قيس سعيد الذي اختار غلق كل منافذ الحوار مع الجميع والاقتصار على زمرة قليلة من المختصين في القانون الدستوري، انتهج نفس المسار ولم يفتح الباب لأي استثناءات في الغرض رغم أن المرحلة تحتاج إلى الاحتكام إلى نتائج الدراسات والتقييمات المختصة من أجل إيجاد حلول جذرية للقضايا الحارقة التي لم تعد تنتظر التأخير والاستفحال من قبيل البطالة وطرق حل مشاكل التشغيل وفتح أفاق تنموية رحبة تحريك عجلة التنمية الاستثمار والقضاء على ظواهر الاحتكار وغلاء الأسعار وغيرها من مظاهر الفساد في جميع المجالات وانتشار الجريمة والمخدرات وكل المظاهر والسلوكيات التي تهدد الممتلكات العامة والخاصة والأمن. ولطالما طالب مختصون وباحثون في علم الاجتماع والاقتصاد والفكر والقانون وغيرهم بضرورة انفتاح مؤسسة رئاسة الجمهورية باعتبارها وحدها مصدر القرار اليوم في هذه المرحلة الاستثنائية على "النخبة" المختصة في ظل التمشي برفض تشريك السياسيين على اعتبار أن هؤلاء أي "النخبة المختصة هي وحدها من تملك القدرة على تقديم الإضافة والمساهمة في هندسة طريق سليمة في مسار إدارة شؤون الدولة وصياغة البرامج بما يتماشى وخيارات رئيس الجمهورية بعدم تسييس المرحلة.
لكن وبالعودة إلى ما يروج أو بدأ يظهر للعيان حول جوانب من مشروع قيس سعيد والخطوط العريضة لتعاطيه مع تسيير تونس الجديدة من خلال المراهنة على "الهرم القاعدي" مثلما سبق أن فسر ذلك رضا مدير حملة قيس سعيد الانتخابية رضا شهاب المكي الملقب برضا "لينين" وما تتضمنه من تركيز على تشريك الشباب في ضبط المسار السياسي. مقابل مواصلة سياسة الإقصاء للبقية بما في ذلك الكفاءات التي ترفض العمل والانضواء تحت الأحزاب أو أي راية أخرى.
والملفت أن هذا التغييب ليس شأنا رئاسيا فحسب بل أن جل الأحزاب والمنظمات الجهات المدنية اختارت الصمت المطبق خلال نفس الفترة واكتفت بالتنديد والتحرك بالمراهنة على الشارع في مرحلة أولى في محاولة للضغط أو التصدي لتمشي رئاسة الجمهورية الرافض للواصل مع كل مكونات المشهد السياسي. فلم تستند هذه القوى بدورها إلى "النخبة" لقراءة وتقييم الوضع السابق وبحث سبل المحافظة على موقع فاعل أو التفكير في البرامج والمقترحات الكفيلة بوضع حلول جذرية للأزمات بما يجعلها قادرة على أن تكون جزءا من الحل. ولعل الاستثناء الوحيد في هذا الجانب هو حزب الدستوري الحر الذي استغل الفترة لوضع وصياغة كل إمكانات نجاحه في المستقبل واستثمار التغييرات الحاصلة لصالحة.
كما كانت مبادرة ائتلاف صمود التي جمعت بعض الأحزاب والتيارات السياسية الداعمة لقرارت تونس ما بعد 25 جويلية مناسبة أخرى جمعت بعض المختصين في القانون الدستوري وخبراء في الاقتصاد وعلم الاجتماع لطرح ومناقشة الوضع الراهن وبحث إمكانيات معالجته.
 
مبادرة الاتحاد
 
على خلاف سياسة الإقصاء و"الفيتو" الذي تواصل رئاسة الجمهورية رفعه في وجه الجميع بما في ذلك هذه الكفاءات غير المتحزبة التي ظلت مهمشة ومبعدة، فتح الاتحاد العام التونسي للشغل المجال أمام خبراء في مختلف المجالات لتشريكها في صياغة مشروعه الجديد الشامل وما يتضمنه من تصورات ومقترحات للخروج من الأزمات والوضع المتدهور الذي تمر به مختلف القطاعات في بلادنا، سواء تعلق الأمر بالتربية والتعليم أو أزمة المالية والتنمية والتشغيل وغلاء المعيشة وغيرها. لكن تظل هذه المبادرات الاستثنائية غير قادرة وحدها على إخراج البلاد من الأوضاع المتردية التي تتخبط فيها ها تبقى في خانة المقترحات البعيدة عن التفعيل طالما أن مركز القرار يحافظ على موقفه الرافض لقبول أو التعاطي مع أي مبادرة إلى حد الآن. الأمر الذي جعل الهوة بين تتسع بين هذه النخبة" وسلطة الإشراف في ظل تواصل سياسة "العشوائية"، رغم صيحات الفزع المتتالية التي أطلقها بعض هؤلاء حول خطورة الوضع من ناحية وعدم وجود بوادر جدية للمعالجة والإصلاح بطريقة علمية وعملية.
 
نزيهة الغضباني
 
 
 
  كانت من بين أسباب فشل المنظومة السابقة.. سعيد يواصل سياسة إقصاء النخبة والخبراء
 
 
 
تونس – الصباح
لئن أجمعت عديد المواقف على أن فشل المنظومة السياسية التي حكمت تونس خلال السنوات العشر الماضية يرجع في جانب كبير منه إلى عامل تغييب "النخبة" وعدم تشريك المختصين في مجالات اقتصادية ومالية وقانونية وفكرية واجتماعية وفسلفية في عمليات وضع البرامج ومناقشة مشاريع القوانين وبعث المؤسسات وفي الدوائر الاستشارية للحكومات المتعاقبة، إلا أن الوضع اليوم في مرحلة ما بعد 25 جويلية أصبح أكثر خطورة في التعاطي مع مسألة حضور أو تشريك هذه النخب، بعد أن صار "الإقصاء" والإبعاد لهذه الفئة من التونسيين عنوانا للمرحلة السياسية الجديدة.
فرئاسة الجمهورية التي تتفرد بتسيير دواليب الدولة والتخطيط للمرحلة القادمة، تواصل استبعاد الخبراء والمختصين والمثقفين من دائرة التفكير ومواقع القرار رغم تعالي الأصوات المنادية مطالبة بضرورة الاحتكام إلى "التشاركية المختصة" للخروج من كومة الأزمات التي تتخبط فيها البلاد خاصة في ظل مواصلة القوى الرافضة لتمشي قيس سعيد في جمعه بكل السلطات في هذه المرحلة وما خلفته المسالة من جدل ومخاوف من عودة "الديكتاتورية". الأمر الذي دفع عديد القوى والجهات السياسية والمدنية للتحرك ضد هذا "التيار" الجديد بأشكال مختلفة لعرقلة المسار بما يمثله من تهديد وقطع مع المنظومة السابقة شكلا ومضمونا مقابل الغموض المخيم على المرحلة.
فتغييب وإقصاء "عقل" المجتمعات ونخبتها من مواقع القرار والتفكير وعدم تشريكها في تقييم واستنباط الأفكار ووضع البرامج الكفيلة بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية والقانونية من شأنه أن يولد مشاريع "عاطلة" ومحدودة الأهداف ودون الجدوى والانتظارات المطلوبة. ليسقط تمشي سعيد مرة أخرى وبشكل أخطر في نفس المنحى الذي انتهجته المنظومة التي حكمت تونس خلال السنوات العشر الأخيرة بقيادة حركة النهضة والاستثناء الفارق بين المرحلتين هو أن النهضة راهنت على الانتقاء واختيار المقربين منها أو من والاها وأبدى الولاء والطاعة لخدمة أجندتها مقابل إقصاء واستبعاد النخبة النيرة ولم يتوقف الأمر على الإقصاء والتغييب والتهميش بل عمدت إلى تشويهها وجعلها عرضة لممارسات مشينة وأحيانا مهينة.
لكن قيس سعيد الذي اختار غلق كل منافذ الحوار مع الجميع والاقتصار على زمرة قليلة من المختصين في القانون الدستوري، انتهج نفس المسار ولم يفتح الباب لأي استثناءات في الغرض رغم أن المرحلة تحتاج إلى الاحتكام إلى نتائج الدراسات والتقييمات المختصة من أجل إيجاد حلول جذرية للقضايا الحارقة التي لم تعد تنتظر التأخير والاستفحال من قبيل البطالة وطرق حل مشاكل التشغيل وفتح أفاق تنموية رحبة تحريك عجلة التنمية الاستثمار والقضاء على ظواهر الاحتكار وغلاء الأسعار وغيرها من مظاهر الفساد في جميع المجالات وانتشار الجريمة والمخدرات وكل المظاهر والسلوكيات التي تهدد الممتلكات العامة والخاصة والأمن. ولطالما طالب مختصون وباحثون في علم الاجتماع والاقتصاد والفكر والقانون وغيرهم بضرورة انفتاح مؤسسة رئاسة الجمهورية باعتبارها وحدها مصدر القرار اليوم في هذه المرحلة الاستثنائية على "النخبة" المختصة في ظل التمشي برفض تشريك السياسيين على اعتبار أن هؤلاء أي "النخبة المختصة هي وحدها من تملك القدرة على تقديم الإضافة والمساهمة في هندسة طريق سليمة في مسار إدارة شؤون الدولة وصياغة البرامج بما يتماشى وخيارات رئيس الجمهورية بعدم تسييس المرحلة.
لكن وبالعودة إلى ما يروج أو بدأ يظهر للعيان حول جوانب من مشروع قيس سعيد والخطوط العريضة لتعاطيه مع تسيير تونس الجديدة من خلال المراهنة على "الهرم القاعدي" مثلما سبق أن فسر ذلك رضا مدير حملة قيس سعيد الانتخابية رضا شهاب المكي الملقب برضا "لينين" وما تتضمنه من تركيز على تشريك الشباب في ضبط المسار السياسي. مقابل مواصلة سياسة الإقصاء للبقية بما في ذلك الكفاءات التي ترفض العمل والانضواء تحت الأحزاب أو أي راية أخرى.
والملفت أن هذا التغييب ليس شأنا رئاسيا فحسب بل أن جل الأحزاب والمنظمات الجهات المدنية اختارت الصمت المطبق خلال نفس الفترة واكتفت بالتنديد والتحرك بالمراهنة على الشارع في مرحلة أولى في محاولة للضغط أو التصدي لتمشي رئاسة الجمهورية الرافض للواصل مع كل مكونات المشهد السياسي. فلم تستند هذه القوى بدورها إلى "النخبة" لقراءة وتقييم الوضع السابق وبحث سبل المحافظة على موقع فاعل أو التفكير في البرامج والمقترحات الكفيلة بوضع حلول جذرية للأزمات بما يجعلها قادرة على أن تكون جزءا من الحل. ولعل الاستثناء الوحيد في هذا الجانب هو حزب الدستوري الحر الذي استغل الفترة لوضع وصياغة كل إمكانات نجاحه في المستقبل واستثمار التغييرات الحاصلة لصالحة.
كما كانت مبادرة ائتلاف صمود التي جمعت بعض الأحزاب والتيارات السياسية الداعمة لقرارت تونس ما بعد 25 جويلية مناسبة أخرى جمعت بعض المختصين في القانون الدستوري وخبراء في الاقتصاد وعلم الاجتماع لطرح ومناقشة الوضع الراهن وبحث إمكانيات معالجته.
 
مبادرة الاتحاد
 
على خلاف سياسة الإقصاء و"الفيتو" الذي تواصل رئاسة الجمهورية رفعه في وجه الجميع بما في ذلك هذه الكفاءات غير المتحزبة التي ظلت مهمشة ومبعدة، فتح الاتحاد العام التونسي للشغل المجال أمام خبراء في مختلف المجالات لتشريكها في صياغة مشروعه الجديد الشامل وما يتضمنه من تصورات ومقترحات للخروج من الأزمات والوضع المتدهور الذي تمر به مختلف القطاعات في بلادنا، سواء تعلق الأمر بالتربية والتعليم أو أزمة المالية والتنمية والتشغيل وغلاء المعيشة وغيرها. لكن تظل هذه المبادرات الاستثنائية غير قادرة وحدها على إخراج البلاد من الأوضاع المتردية التي تتخبط فيها ها تبقى في خانة المقترحات البعيدة عن التفعيل طالما أن مركز القرار يحافظ على موقفه الرافض لقبول أو التعاطي مع أي مبادرة إلى حد الآن. الأمر الذي جعل الهوة بين تتسع بين هذه النخبة" وسلطة الإشراف في ظل تواصل سياسة "العشوائية"، رغم صيحات الفزع المتتالية التي أطلقها بعض هؤلاء حول خطورة الوضع من ناحية وعدم وجود بوادر جدية للمعالجة والإصلاح بطريقة علمية وعملية.
 
نزيهة الغضباني
 
 
 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews