إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

متى يفتح ملف الأراضي الدولية الفلاحية وشركات الإحياء؟

 

تونس – الصباح

لا يزال ملف الأراضي الفلاحية الدولية، "لغزا" يصعب أو يستعصى على الجهات الرسمية أو المختصة فك رموزه، طيلة عقود من الزمن نظرا لتشابك "خيوطه" وآليات تنظيمه وما يكتنفه من غموض وغياب الوضوح والشفافية في التعاطي معه. إذ ظل حلم المحرومين والراغبين في بعث مشاريع فلاحية ومكسبا يُهْدَى ولا يفوز به إلا المتنفذين بالمال والسلطة والمحسوبية الحزبية والسياسية. الأمر الذي جعل مبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا بفتح هذا الملف كأحد عناوين الفساد البارزة من خلال ما أثاره من وجود ملف فساد و"تلاعب" في عملية كراء قطعة أرض في منطقة فلاحية بولاية بن عروس "أوزرة 1" تمسح 147 هكتارا بقيمة رمزية تقدر 27 مليون في العام، لفائدة إحدى شركات الإحياء بطريقة لا تخلو من تلاعب بالقانون، تهز الرأي العام وتثير حفيظة واستنفار الجهات والهياكل المختصة وبعض السياسيين، خاصة بعد تحرك النيابة العمومية لفتح تحقيق في الغرض أو ما وصفه البعض بعملية التلاعب بما تتضمنه العملية من تدليس للمراسيم العقارية ورشاوى وتدخلات ومحسوبية وغيرها، التي قد تكشف وجود عمليات أخرى مشابهة في صلة بعملية التسويغ وكراء هذه الأراضي وطريقة منحها لمستحقيها.

وتجدر الإشارة في نفس الإطار إلى أن محكمة المحاسبات أكدت في تقريرها الخاص بالأراضي الدولية الفلاحية في ديسمبر 2018 أنها تمسح قرابة 500 ألف هك تتكوّن أساسا من المساحات المتأتية من تصفية الأحباس والأراضي المسترجعة من المعمرين. وتمّت هيكلة حوالي 320 ألف هك من هذه الأراضي إثر الاستشارة الوطنيّة الأولى حول الأراضي الدوليّة الفلاحية سنة 1990. فيما أكد مصدر من وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في سياق الخوض معه حول هذا الموضوع أن المساحة الجملية للأراضي الدولية الفلاحية التي يتم استغلالها حاليا هي في حدود 86 ألف هكتار وأن 60 ألف هكتار منها لا تزال تحت عهدة ديوان الأراضي الفلاحية الدولية فيما تم توزيع الباقي على شركات إحياء أو فلاحين في إطار إستراتجية الدولة لإعادة إحياء هذه الأراضي وحسن استغلالها للمساهمة في تنمية الدورة الاقتصادية في الدولة.

ولئن أغلقت هياكل وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري كل منافذ الاتصال والتواصل للخوض في هذا الموضوع فيما وضع أحد ممثلي الهياكل المختصة في المجال وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية مسؤولية هذا الملف بين أيدي لجنة التصرف في العقارات التابعة لوزارة المالية، باعتبارها الجهة التي ستشرف على متابعته خاصة أن ملف الأراضي الدولية الفلاحية ستكون محور المجلس الوزاري القادم مثلما أعلن عن ذلك رئيس الجمهورية.

كما أكد محمد الحزامي مدير عام إدارة الأراضي الفلاحية الدولية بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في حديثه عن حادثة "أوزرة1" أن العقد الذي يعد محل جدل حاليا  يعد ضمن 20 عقدا آخر لشركات إحياء أخرى تم إمضاؤها في نفس الفترة. مما يعني أن فتح هذا الملف من شانه أن يحيل إلى قضايا أخرى خاصة في ظل تأكيد بعض الجهات المختصة في المجال من تجاوزات في علاقة بالتعاطي مع الأراضي الفلاحية الدولية.

تشابك وتشكيك

يجمع المتابعون لهذا الملف على ما يلفه من غموض وتشابك مساراته القانونية المنظمة لعملية إسناده هذه الأراضي وشروط الانتفاع بهذا الامتياز رغم أن التشريع حدد ذلك من خلال الفصل 23 من الأمر المنظم لذلك شرط أن تحافظ الأرض على صبغتها الفلاحية. وتتمثل عملية إسناد هذه الأراضي، وفق ما أكده وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية محمد الرقيق في شكل صفقات عبر رقابة قبلية لوجود ثلاث لجان على مستوى وزارة الفلاحة ثم يتم إحالة الملف إلى وزارة أملاك الدولة.

علما أن هذه النوعية من الأراضي لها ثلاث أوجه استعمال الأول يتمثل في استغلالها في البحوث العلمية والثانية عن طريق الكراء والثالثة عبر الانتفاع عبر المراكنة.

ملف شائك

رغم ذلك ظلت الأراضي الدولية الفلاحية محل مطامع المتسللين إليها بطرق غير قانونية سواء تعلق الأمر بفترة ما قبل 2011 أو في السنوات العشر الأخيرة خاص فيما تعلق بالأراضي المصادرة أو تلك التي تم استرجاعها بعد أن استوفى أصحابها مدة الكراء والتسويغ. وهو العامل الذي استغله البعض بالمراهنة على مواصلة نفس الأساليب التي كانت معتمدة في التصرف في هذه الأراضي عبر طرق غير قانونية. وتؤكد عديد المصادر الخاصة على ما تعانيه جل هذه الأراضي من إهمال وسوء تصرف فضلا عن عدم التزام بعض مسوغيها بشروط عدم المساس بخصوصيتها. والملفت في هذا الملف أن الفساد والتجاوزات المسجلة في مستوى هذه النوعية من الأراضي يشمل بالأساس الأراضي الفلاحية الدولية التي توجد بالشمال خاصة في الأراضي الفلاحية ذات المساحات الشاسعة والمعروفة بالخصوبة والسقوية. 

إذ من شأن إعادة هيكلة هذه الأراضي الدولية ومراجع شروط وطرق إسنادها أن يفسح المجال لأعداد كبيرة من الشباب خاصة من حاملي شهائد جامعية مختصة في الفلاحة من المساهمة في إعادة إحياء هذه الأراضي وحسن استغلالها خاصة بضبط آليات عمل واستخلاص ومتابعة دقيقة من قبل سلطة الإشراف على نحو يجعل منها مصدر دعم للاقتصاد الوطني وللمالية العمومية.

محكمة المحاسبات تؤكد

كما كشفت محكمة المحاسبات في جانب من تقريرها الأخير الذي أنجزته حول الأراضي الفلاحية الدولية التي شملت الأعمال الرقابية للهياكل الراجعة بالنظر إلى الوزارة المكلفة بالفلاحة لا سيّما مكتب إعادة هيكلة الأراضي الدولية والمركز الوطني للدراسات الفلاحية ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية وديوان الأراضي الدولية وخلايا متابعة الأراضي المهيكلة بالمندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية. إضافة إلى أعمال الهياكل الراجعة بالنظر إلى الوزارة المكلّفة بأملاك الدولة وخاصّة الإدارة العامّة للعقارات الفلاحية وإلى وزارة الماليّة لا سيّما مركز الإعلامية وقبّاض الماليّة المكلفين باستخلاص معينات الكراء، فضلا عن القيام بزيارات ميدانية في الجهات خلال الفترة الرقابية بالفترة المتراوحة بين سنتي 2012 و2016. وخلصت في تقريرها الخاص بالمهمة الرقابيّة التي أنجزتها محكمة المحاسبات وفقا لمعايير المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة المتعلقة برقابة الأداء واستنادا إلى دليل الرقابة على الأداء لدائرة المحاسبات، إلى ملاحظات تعلّقت بمحدودية فعاليّة إجراءات إسناد التصرّف في هذه الأراضي واستغلالها إذ تقلّ مردوديّة 40 % منها عن معدّل مردوديّة ضيعات الخواص المجاورة بالرغم من تواجدها بأخصب الأراضي الفلاحية بالبلاد.

كما أفضت المهمّة إلى الوقوف على ضعف استخلاص المعاليم الرّاجعة للدولة في هذا المجال ومحدوديّة كفاءة وفعالية التصرف في الأراضي المسترجعة وأدّت إلى الوقوف على إخلالات من شأنها أن تمثّل أخطاء تصرّف. 

ومن الملاحظات الأخرى التي تضمنها نفس التقرير أن 53 % من الشركات الناشطة لم تف بالتزاماتها التعاقديّة والإنمائيّة بما في ذلك خلاص معاليم الكراء والّتي تجاوزت 40 مليون دينار. وساهم نقص المعاينات الميدانيّة والتي اقتصرت على 55 % من شركات الإحياء و28 % من مقاسم الفنيين و12 % من مقاسم الفلاّحين الشبّان في حالات الإهمال وعدم إنجاز البرامج الاستثماريّة حيث أنّ 70 % من الشركات لم تبلغ استثماراتها المستويات المبرمجة وذلك خلال الفترة 2012-سبتمبر 2017.

ديون متراكمة

وبالعودة إلى تقرير محكمة المحاسبات حول الوضع المالي لهذه الأراضي إلى غاية 2017 نتبين حجم الديون غير المستخلصة سواء منها ما تعلق بشركات الأحياء المصادرة أو غيرها وما يكتنف عملية التصرف في هذه الأراضي من فساد وغياب الحوكمة خاص أن بعض المتسوغين يتحصلون على قروض بنكية لكن يتركونها مهملة والبعض الآخر يستغل هذه الأراضي دون سند قانوني بعد أن تجاوز مدة تسويغها وبعض الأراضي الأخرى تم دمجها في التهيئة العمرانية وأخرى لم يتم بعد تسوية وضعيتها وأراضي أخرى تم الاستيلاء عليها دون وجه حق.  

قدرت القيمة الإجمالية للديون غير المستخلصة بأكثر من 195 مليون دينار وهو ما يمثّل 62 % من القيمة الإجمالية للتسويغ إلى حدود سبتمبر 2017. ولا تعكس مبالغ التسويغ القيمة الحقيقية للكراء حيث يصل معلوم التسويغ للأراضي المماثلة لدى الخواص إلى خمسة أضعاف ما هو معمول به في مثل هذه الأراضي.

كما لا يتمّ تحيين عقود الكراء خصوصا عند إدراج الأراضي بمناطق سقوية في حين أن المعاليم المستوجبة ترتفع بقيمة تتراوح بين 50 % و400 %.

وفي نفس السياق بينت المقاربة الجملية للمبالغ المستوجبة عن تسويغ الأراضي الدولية الفلاحية بمنظومة التصرف بالعقارات الفلاحية بأملاك الدولة والمبالغ المثقلة بقواعد معطيات وزارة المالية فوارق هامة فاقت 50 مليون دينار في ستّ ولايات. كما أنّ النظر في عينة مما يسمى بـ"التثقيلات" التي تمت في الفترة 2012-2017 قد أفضى إلى الوقوف على أكثر من 50 عملية تثقيل تمت بتأخير هام فاق عشر سنوات. وتجاوزت الديون المثقّلة والتي سقطت بالتقادم 31 مليون دينار سنة 2017.

فيما تبلغ ديون شركات الإحياء المصادرة الخاص بنفس الفترة المذكورة أعلاه ما قيمته 473 مليار دينار.  

من جانبه دعا حاتم العشي الوزير السابق لأملاك الدولة إلى ضرورة مراجعة التشريعات المنظمة لهذا المجال خاص فيما يتعلق بمعايير إسناد الأراضي الدولية وأثمان كراء الأراضي الدولية ودعا العشي الى ضرورة مراجعة معايير معتبرا أن الكثير منها تجاوزه الزمن.

وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية يتحرك

في تفاعل  رسمي مع ما راج حول هذا الملف، أكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية محمد الرقيق يوم أمس، خلال زيارته للإدارة الجهوية للملكية العقارية ببن عروس، أنه تم اكتشاف ملف تدليس تمثل في مس الرسوم العقارية بهذه الإدارة. مبينا أن حالة التدليس التي وقعت تعد حالة شاذة وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لمثل هذه الحالات، مشيرا إلى أن منظومة إدارة الملكية العقارية محكمة بشكل كبير والمنظومة الإعلامية هي التي كشفت العنصر البشري الذي قام بالاختراق وهو من داخل الإدارة.

وأضاف الوزير أنه تمت إثارة التتبعات الإدارية من طرف حافظ الملكية العقارية والانطلاق في التتبعات القضائية ضد أربعة أشخاص أحدهم في حالة فرار فيما تم إيقاف البقية وأن البحث جار في الغرض. مشيرا في نفس الإطار إلى انه تم إيقاف التعاملات بهذه الرسوم والشروع على مستوى الوزارة بالتحرك بصفة مسبقة للتحري في أملاك الدولة والتثبت من أن من وصفهم بعصابة لم تعتد على رسوم عقارية أخرى.

كما أكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أنه أذن أمس بإجراء بحث معمق حول تسويغ ضيعة فلاحية دولية بمنطقة مرناق التابعة لولاية بن عروس.

في جانب آخر من تطرقه إلى نفس المسألة أكد محمد الرقيق أن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بدأت في القيام بمرجعات على مستوى قانون 1995 وأن هذه الحادثة ستكون فرصة لتغيير التشريعات والتحسين، ولم لا في مستوى الإسناد تكريسا لنوع من التمييز الإيجابي بما يتماشى مع توجه رئيس الجمهورية لتشجيع الشباب حتى لا يستأثر بمثل هذه الضيعات فئة معينة من الباعثين.

مشددا على أنه في صورة وجود تحسين في التشريعات، سيتم الإذن بذلك حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات.

 

نزيه الغضباني


متى يفتح ملف الأراضي الدولية الفلاحية وشركات الإحياء؟

 

تونس – الصباح

لا يزال ملف الأراضي الفلاحية الدولية، "لغزا" يصعب أو يستعصى على الجهات الرسمية أو المختصة فك رموزه، طيلة عقود من الزمن نظرا لتشابك "خيوطه" وآليات تنظيمه وما يكتنفه من غموض وغياب الوضوح والشفافية في التعاطي معه. إذ ظل حلم المحرومين والراغبين في بعث مشاريع فلاحية ومكسبا يُهْدَى ولا يفوز به إلا المتنفذين بالمال والسلطة والمحسوبية الحزبية والسياسية. الأمر الذي جعل مبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا بفتح هذا الملف كأحد عناوين الفساد البارزة من خلال ما أثاره من وجود ملف فساد و"تلاعب" في عملية كراء قطعة أرض في منطقة فلاحية بولاية بن عروس "أوزرة 1" تمسح 147 هكتارا بقيمة رمزية تقدر 27 مليون في العام، لفائدة إحدى شركات الإحياء بطريقة لا تخلو من تلاعب بالقانون، تهز الرأي العام وتثير حفيظة واستنفار الجهات والهياكل المختصة وبعض السياسيين، خاصة بعد تحرك النيابة العمومية لفتح تحقيق في الغرض أو ما وصفه البعض بعملية التلاعب بما تتضمنه العملية من تدليس للمراسيم العقارية ورشاوى وتدخلات ومحسوبية وغيرها، التي قد تكشف وجود عمليات أخرى مشابهة في صلة بعملية التسويغ وكراء هذه الأراضي وطريقة منحها لمستحقيها.

وتجدر الإشارة في نفس الإطار إلى أن محكمة المحاسبات أكدت في تقريرها الخاص بالأراضي الدولية الفلاحية في ديسمبر 2018 أنها تمسح قرابة 500 ألف هك تتكوّن أساسا من المساحات المتأتية من تصفية الأحباس والأراضي المسترجعة من المعمرين. وتمّت هيكلة حوالي 320 ألف هك من هذه الأراضي إثر الاستشارة الوطنيّة الأولى حول الأراضي الدوليّة الفلاحية سنة 1990. فيما أكد مصدر من وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في سياق الخوض معه حول هذا الموضوع أن المساحة الجملية للأراضي الدولية الفلاحية التي يتم استغلالها حاليا هي في حدود 86 ألف هكتار وأن 60 ألف هكتار منها لا تزال تحت عهدة ديوان الأراضي الفلاحية الدولية فيما تم توزيع الباقي على شركات إحياء أو فلاحين في إطار إستراتجية الدولة لإعادة إحياء هذه الأراضي وحسن استغلالها للمساهمة في تنمية الدورة الاقتصادية في الدولة.

ولئن أغلقت هياكل وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري كل منافذ الاتصال والتواصل للخوض في هذا الموضوع فيما وضع أحد ممثلي الهياكل المختصة في المجال وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية مسؤولية هذا الملف بين أيدي لجنة التصرف في العقارات التابعة لوزارة المالية، باعتبارها الجهة التي ستشرف على متابعته خاصة أن ملف الأراضي الدولية الفلاحية ستكون محور المجلس الوزاري القادم مثلما أعلن عن ذلك رئيس الجمهورية.

كما أكد محمد الحزامي مدير عام إدارة الأراضي الفلاحية الدولية بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في حديثه عن حادثة "أوزرة1" أن العقد الذي يعد محل جدل حاليا  يعد ضمن 20 عقدا آخر لشركات إحياء أخرى تم إمضاؤها في نفس الفترة. مما يعني أن فتح هذا الملف من شانه أن يحيل إلى قضايا أخرى خاصة في ظل تأكيد بعض الجهات المختصة في المجال من تجاوزات في علاقة بالتعاطي مع الأراضي الفلاحية الدولية.

تشابك وتشكيك

يجمع المتابعون لهذا الملف على ما يلفه من غموض وتشابك مساراته القانونية المنظمة لعملية إسناده هذه الأراضي وشروط الانتفاع بهذا الامتياز رغم أن التشريع حدد ذلك من خلال الفصل 23 من الأمر المنظم لذلك شرط أن تحافظ الأرض على صبغتها الفلاحية. وتتمثل عملية إسناد هذه الأراضي، وفق ما أكده وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية محمد الرقيق في شكل صفقات عبر رقابة قبلية لوجود ثلاث لجان على مستوى وزارة الفلاحة ثم يتم إحالة الملف إلى وزارة أملاك الدولة.

علما أن هذه النوعية من الأراضي لها ثلاث أوجه استعمال الأول يتمثل في استغلالها في البحوث العلمية والثانية عن طريق الكراء والثالثة عبر الانتفاع عبر المراكنة.

ملف شائك

رغم ذلك ظلت الأراضي الدولية الفلاحية محل مطامع المتسللين إليها بطرق غير قانونية سواء تعلق الأمر بفترة ما قبل 2011 أو في السنوات العشر الأخيرة خاص فيما تعلق بالأراضي المصادرة أو تلك التي تم استرجاعها بعد أن استوفى أصحابها مدة الكراء والتسويغ. وهو العامل الذي استغله البعض بالمراهنة على مواصلة نفس الأساليب التي كانت معتمدة في التصرف في هذه الأراضي عبر طرق غير قانونية. وتؤكد عديد المصادر الخاصة على ما تعانيه جل هذه الأراضي من إهمال وسوء تصرف فضلا عن عدم التزام بعض مسوغيها بشروط عدم المساس بخصوصيتها. والملفت في هذا الملف أن الفساد والتجاوزات المسجلة في مستوى هذه النوعية من الأراضي يشمل بالأساس الأراضي الفلاحية الدولية التي توجد بالشمال خاصة في الأراضي الفلاحية ذات المساحات الشاسعة والمعروفة بالخصوبة والسقوية. 

إذ من شأن إعادة هيكلة هذه الأراضي الدولية ومراجع شروط وطرق إسنادها أن يفسح المجال لأعداد كبيرة من الشباب خاصة من حاملي شهائد جامعية مختصة في الفلاحة من المساهمة في إعادة إحياء هذه الأراضي وحسن استغلالها خاصة بضبط آليات عمل واستخلاص ومتابعة دقيقة من قبل سلطة الإشراف على نحو يجعل منها مصدر دعم للاقتصاد الوطني وللمالية العمومية.

محكمة المحاسبات تؤكد

كما كشفت محكمة المحاسبات في جانب من تقريرها الأخير الذي أنجزته حول الأراضي الفلاحية الدولية التي شملت الأعمال الرقابية للهياكل الراجعة بالنظر إلى الوزارة المكلفة بالفلاحة لا سيّما مكتب إعادة هيكلة الأراضي الدولية والمركز الوطني للدراسات الفلاحية ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية وديوان الأراضي الدولية وخلايا متابعة الأراضي المهيكلة بالمندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية. إضافة إلى أعمال الهياكل الراجعة بالنظر إلى الوزارة المكلّفة بأملاك الدولة وخاصّة الإدارة العامّة للعقارات الفلاحية وإلى وزارة الماليّة لا سيّما مركز الإعلامية وقبّاض الماليّة المكلفين باستخلاص معينات الكراء، فضلا عن القيام بزيارات ميدانية في الجهات خلال الفترة الرقابية بالفترة المتراوحة بين سنتي 2012 و2016. وخلصت في تقريرها الخاص بالمهمة الرقابيّة التي أنجزتها محكمة المحاسبات وفقا لمعايير المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة المتعلقة برقابة الأداء واستنادا إلى دليل الرقابة على الأداء لدائرة المحاسبات، إلى ملاحظات تعلّقت بمحدودية فعاليّة إجراءات إسناد التصرّف في هذه الأراضي واستغلالها إذ تقلّ مردوديّة 40 % منها عن معدّل مردوديّة ضيعات الخواص المجاورة بالرغم من تواجدها بأخصب الأراضي الفلاحية بالبلاد.

كما أفضت المهمّة إلى الوقوف على ضعف استخلاص المعاليم الرّاجعة للدولة في هذا المجال ومحدوديّة كفاءة وفعالية التصرف في الأراضي المسترجعة وأدّت إلى الوقوف على إخلالات من شأنها أن تمثّل أخطاء تصرّف. 

ومن الملاحظات الأخرى التي تضمنها نفس التقرير أن 53 % من الشركات الناشطة لم تف بالتزاماتها التعاقديّة والإنمائيّة بما في ذلك خلاص معاليم الكراء والّتي تجاوزت 40 مليون دينار. وساهم نقص المعاينات الميدانيّة والتي اقتصرت على 55 % من شركات الإحياء و28 % من مقاسم الفنيين و12 % من مقاسم الفلاّحين الشبّان في حالات الإهمال وعدم إنجاز البرامج الاستثماريّة حيث أنّ 70 % من الشركات لم تبلغ استثماراتها المستويات المبرمجة وذلك خلال الفترة 2012-سبتمبر 2017.

ديون متراكمة

وبالعودة إلى تقرير محكمة المحاسبات حول الوضع المالي لهذه الأراضي إلى غاية 2017 نتبين حجم الديون غير المستخلصة سواء منها ما تعلق بشركات الأحياء المصادرة أو غيرها وما يكتنف عملية التصرف في هذه الأراضي من فساد وغياب الحوكمة خاص أن بعض المتسوغين يتحصلون على قروض بنكية لكن يتركونها مهملة والبعض الآخر يستغل هذه الأراضي دون سند قانوني بعد أن تجاوز مدة تسويغها وبعض الأراضي الأخرى تم دمجها في التهيئة العمرانية وأخرى لم يتم بعد تسوية وضعيتها وأراضي أخرى تم الاستيلاء عليها دون وجه حق.  

قدرت القيمة الإجمالية للديون غير المستخلصة بأكثر من 195 مليون دينار وهو ما يمثّل 62 % من القيمة الإجمالية للتسويغ إلى حدود سبتمبر 2017. ولا تعكس مبالغ التسويغ القيمة الحقيقية للكراء حيث يصل معلوم التسويغ للأراضي المماثلة لدى الخواص إلى خمسة أضعاف ما هو معمول به في مثل هذه الأراضي.

كما لا يتمّ تحيين عقود الكراء خصوصا عند إدراج الأراضي بمناطق سقوية في حين أن المعاليم المستوجبة ترتفع بقيمة تتراوح بين 50 % و400 %.

وفي نفس السياق بينت المقاربة الجملية للمبالغ المستوجبة عن تسويغ الأراضي الدولية الفلاحية بمنظومة التصرف بالعقارات الفلاحية بأملاك الدولة والمبالغ المثقلة بقواعد معطيات وزارة المالية فوارق هامة فاقت 50 مليون دينار في ستّ ولايات. كما أنّ النظر في عينة مما يسمى بـ"التثقيلات" التي تمت في الفترة 2012-2017 قد أفضى إلى الوقوف على أكثر من 50 عملية تثقيل تمت بتأخير هام فاق عشر سنوات. وتجاوزت الديون المثقّلة والتي سقطت بالتقادم 31 مليون دينار سنة 2017.

فيما تبلغ ديون شركات الإحياء المصادرة الخاص بنفس الفترة المذكورة أعلاه ما قيمته 473 مليار دينار.  

من جانبه دعا حاتم العشي الوزير السابق لأملاك الدولة إلى ضرورة مراجعة التشريعات المنظمة لهذا المجال خاص فيما يتعلق بمعايير إسناد الأراضي الدولية وأثمان كراء الأراضي الدولية ودعا العشي الى ضرورة مراجعة معايير معتبرا أن الكثير منها تجاوزه الزمن.

وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية يتحرك

في تفاعل  رسمي مع ما راج حول هذا الملف، أكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية محمد الرقيق يوم أمس، خلال زيارته للإدارة الجهوية للملكية العقارية ببن عروس، أنه تم اكتشاف ملف تدليس تمثل في مس الرسوم العقارية بهذه الإدارة. مبينا أن حالة التدليس التي وقعت تعد حالة شاذة وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لمثل هذه الحالات، مشيرا إلى أن منظومة إدارة الملكية العقارية محكمة بشكل كبير والمنظومة الإعلامية هي التي كشفت العنصر البشري الذي قام بالاختراق وهو من داخل الإدارة.

وأضاف الوزير أنه تمت إثارة التتبعات الإدارية من طرف حافظ الملكية العقارية والانطلاق في التتبعات القضائية ضد أربعة أشخاص أحدهم في حالة فرار فيما تم إيقاف البقية وأن البحث جار في الغرض. مشيرا في نفس الإطار إلى انه تم إيقاف التعاملات بهذه الرسوم والشروع على مستوى الوزارة بالتحرك بصفة مسبقة للتحري في أملاك الدولة والتثبت من أن من وصفهم بعصابة لم تعتد على رسوم عقارية أخرى.

كما أكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أنه أذن أمس بإجراء بحث معمق حول تسويغ ضيعة فلاحية دولية بمنطقة مرناق التابعة لولاية بن عروس.

في جانب آخر من تطرقه إلى نفس المسألة أكد محمد الرقيق أن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بدأت في القيام بمرجعات على مستوى قانون 1995 وأن هذه الحادثة ستكون فرصة لتغيير التشريعات والتحسين، ولم لا في مستوى الإسناد تكريسا لنوع من التمييز الإيجابي بما يتماشى مع توجه رئيس الجمهورية لتشجيع الشباب حتى لا يستأثر بمثل هذه الضيعات فئة معينة من الباعثين.

مشددا على أنه في صورة وجود تحسين في التشريعات، سيتم الإذن بذلك حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات.

 

نزيه الغضباني


  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews