إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"تدويل"أزمات تونس والبلدان العربية: حروب بـ"الوكالة"..وإرباك للسلطات والمعارضة والمجتمع المدني

 

بعد 32 عاما عن انهيار جدار برلين و"المعسكر الاشتراكي" في نوفمبر 1989، ورغم مرور 26 عاما عن مؤتمر برشلونة الأورو متوسطي، لم تتطور أوضاع العالم نحو"السلام والديمقراطية والتنمية الشاملة" مثلما توقع كثيرون .

بل حصل العكس فوقع تفجير حروب ونزاعات جديدة بالجملة، خاصة في المنطقة العربية الإسلامية، بينها "حروب بالوكالة" داخلية وإقليمية أربكت السلطات والمعارضات والمجتمع المدني وتسببت في اندلاع "حروب أهلية باردة" وأخرى مسلحة ودامية ..

في هذا السياق العام ارتفعت نسب الفقر والبطالة والجريمة وتعقدت الأزمات "الداخلية" الاجتماعية الاقتصادية والسياسية الأمنية في تونس والدول العربية رغم مرور 11 عاما عن انفجار" الثورات الشبابية والاجتماعية"..

وكانت الحصيلة "تدويل" هذه الأزمات وتضاعف التدخل الأجنبي..بما في ذلك في بلد مثل تونس ليس لديه نفط أو ثروات تبرر مثل هذا "تدويل" أزماته الداخلية..

فهل يمكن الحديث مجددا عن"استقلالية القرار" وعن "السيادة الوطنية"رغم ارتفاع قيمة التداين الخارجي وتزايد حجم التبعية الاقتصادية والعسكرية والأمنية لدول أوربا وللحلف الأطلسي من جهة وللصين "الدول الصاعدة" مثل روسيا وتركيا وإيران من جهة ثانية ؟

من الناحية المبدئية يحق لكل دولة أن تتخذ ما تراه صالحا من قرارات "سيادية" إذا احترمت " القيم الكونية " لحقوق الإنسان والديمقراطية ..

لكنها تحتاج إلى أن تكون جبهتها الداخلية "موحدة وقوية" وان يكون شعبها مستعدا لتقديم تضحيات تذكر بتجارب ماليزيا وبلدان أقصى شرق آسيا، أو بتجربتي اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ..بالرغم من حصول كل منهما على دعم بعشرات المليارات من الدولارات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ضمن ما عرف ب" مخطط مارشال"..حتى لا يسقطا في "المعسكر الشيوعي"..

ولاعتبارات موضوعية يمكن اليوم تشجيع خيار التمرد على "الاستعمار الجديد" والعمل على بناء تحالفات مع "دول الجنوب" و"الدول الصاعدة" عبر تطوير الاستثمارات المشتركة والمبادلات التجارية والشراكة العسكرية معها ..

لكن إلى أي حد سوف تسمح الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات والعواصم الغربية بمثل هذه "الشراكات"التي قد تضر بمصالحها عاجلا وآجلا وقد تستفيد منها دول"مغضوب عليها" مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران وبقية "الدول الصاعدة"؟

وهل ستوافق "اللوبيات" و"المافيات" المحلية التي تهرب أموالها منذ عقود إلى أوروبا وأمريكا على مثل هذا " التغيير الاستراتيجي"؟

 ..الوضع معقد ويحتاج مسار "انتقال هادئ" حتى لا تكون النتائج عكسية.. مثلما حصل منذ مدة في ليبيا والعراق وسوريا ومصر والجزائر وكوبا وأمريكا اللاتينية ..

هل يعني هذا أن فرص بنا ء"اقتصاد وطني حقيقي" وقيام "حكومات وطنية قولا وفعلا " منعدمة؟

قطعا لا ..

لكن لا بد أن تتوفر شروط عديدة ..

ما هي؟

يمكن اختزالها في ثلاثة :

- أولا: دعم الجبهة الوطنية الداخلية والخروج من "مستنقع" المعارك الهامشية ذات الصبغة الإيديولوجية و"الطبقية" والدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والحزبية.. وكل "النزاعات" التي تورطت فيها منذ ثلاثين عاما قيادات سياسية ودينية في تونس وفي كامل العالم العربي الإسلامي من الخليج إلى المحيط ومن أفغانستان إلى نيجيريا مرورا بـ"بلدان الثورات العربية"..

- ثانيا: إعلان كل الأطراف في الحكم والمعارضة والمجتمع المدني نقدها الذاتي..والاعتراف بتورط عدد من قياداتها وأنصارها في غلطات فادحة من بينها الانخراط  في "الحروب الباردة" و"الحروب بالوكالة" التي دفعت نحوها شعوبها ودولها .

وكانت الحصيلة "صراعا بالوكالة" بين الأطراف المتهمة بالانحياز  إلى" للمحور الأمريكي - الأطلسي و"دول الموالاة" (أو "للحكومات العميلة"؟؟)، أو"لمحور"دول الممانعة" أو"الدول الثورية" أي إلى موسكو وبيكين دوليا وطهران وبغداد ودمشق وبيروت وغزة إقليميا ..

 - ثالثا: إعطاء أولوية مجددا إلى العمل والإنتاج والاستثمار وخلق الثروة والتشغيل مع إعلان"هدنة اجتماعية سياسية أمنية " تدوم ما لايقل عن 3 أعوام، تتوقف خلالها الإضرابات والاضطرابات وكل المعارك الإعلامية وأعمال العنف والحروب "الباردة" و" الساخنة "..إذ لا مجال لتكريس السيادة الوطنية ووقف "التدخل الأجنبي"و"التدويل" بالنسبة لدول تكون شعوبها جائعة ومنهكة بـ"الاقتتال الداخلي ".. ويعتمد اقتصادها بنسبة تفوق الـ70 بالمائة على معاملاتها مع "الدول الغنية" توريدا وتصديرا وسياحة وفي مجالات التداين والهجرة وتوفير حاجياتها من الأسلحة وخدمات الأقمار الصناعية لأغراض مدنية أو أمنية وعسكرية ..

التدارك ممكن ..

لكن لابد من إعادة قراءة كتاب "كليلة ودمنة" وإيقاف كل "حروب الاستنزاف" الداخلية والإقليمية مع الاحتكام للقانون والدستور وللمؤسسة القضائية في صورة بروز خلافات وأزمات.. والابتعاد عن كل أنواع الارتجال ..

 

كمال بن يونس

"تدويل"أزمات تونس والبلدان العربية: حروب بـ"الوكالة"..وإرباك للسلطات والمعارضة والمجتمع المدني

 

بعد 32 عاما عن انهيار جدار برلين و"المعسكر الاشتراكي" في نوفمبر 1989، ورغم مرور 26 عاما عن مؤتمر برشلونة الأورو متوسطي، لم تتطور أوضاع العالم نحو"السلام والديمقراطية والتنمية الشاملة" مثلما توقع كثيرون .

بل حصل العكس فوقع تفجير حروب ونزاعات جديدة بالجملة، خاصة في المنطقة العربية الإسلامية، بينها "حروب بالوكالة" داخلية وإقليمية أربكت السلطات والمعارضات والمجتمع المدني وتسببت في اندلاع "حروب أهلية باردة" وأخرى مسلحة ودامية ..

في هذا السياق العام ارتفعت نسب الفقر والبطالة والجريمة وتعقدت الأزمات "الداخلية" الاجتماعية الاقتصادية والسياسية الأمنية في تونس والدول العربية رغم مرور 11 عاما عن انفجار" الثورات الشبابية والاجتماعية"..

وكانت الحصيلة "تدويل" هذه الأزمات وتضاعف التدخل الأجنبي..بما في ذلك في بلد مثل تونس ليس لديه نفط أو ثروات تبرر مثل هذا "تدويل" أزماته الداخلية..

فهل يمكن الحديث مجددا عن"استقلالية القرار" وعن "السيادة الوطنية"رغم ارتفاع قيمة التداين الخارجي وتزايد حجم التبعية الاقتصادية والعسكرية والأمنية لدول أوربا وللحلف الأطلسي من جهة وللصين "الدول الصاعدة" مثل روسيا وتركيا وإيران من جهة ثانية ؟

من الناحية المبدئية يحق لكل دولة أن تتخذ ما تراه صالحا من قرارات "سيادية" إذا احترمت " القيم الكونية " لحقوق الإنسان والديمقراطية ..

لكنها تحتاج إلى أن تكون جبهتها الداخلية "موحدة وقوية" وان يكون شعبها مستعدا لتقديم تضحيات تذكر بتجارب ماليزيا وبلدان أقصى شرق آسيا، أو بتجربتي اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ..بالرغم من حصول كل منهما على دعم بعشرات المليارات من الدولارات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ضمن ما عرف ب" مخطط مارشال"..حتى لا يسقطا في "المعسكر الشيوعي"..

ولاعتبارات موضوعية يمكن اليوم تشجيع خيار التمرد على "الاستعمار الجديد" والعمل على بناء تحالفات مع "دول الجنوب" و"الدول الصاعدة" عبر تطوير الاستثمارات المشتركة والمبادلات التجارية والشراكة العسكرية معها ..

لكن إلى أي حد سوف تسمح الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات والعواصم الغربية بمثل هذه "الشراكات"التي قد تضر بمصالحها عاجلا وآجلا وقد تستفيد منها دول"مغضوب عليها" مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران وبقية "الدول الصاعدة"؟

وهل ستوافق "اللوبيات" و"المافيات" المحلية التي تهرب أموالها منذ عقود إلى أوروبا وأمريكا على مثل هذا " التغيير الاستراتيجي"؟

 ..الوضع معقد ويحتاج مسار "انتقال هادئ" حتى لا تكون النتائج عكسية.. مثلما حصل منذ مدة في ليبيا والعراق وسوريا ومصر والجزائر وكوبا وأمريكا اللاتينية ..

هل يعني هذا أن فرص بنا ء"اقتصاد وطني حقيقي" وقيام "حكومات وطنية قولا وفعلا " منعدمة؟

قطعا لا ..

لكن لا بد أن تتوفر شروط عديدة ..

ما هي؟

يمكن اختزالها في ثلاثة :

- أولا: دعم الجبهة الوطنية الداخلية والخروج من "مستنقع" المعارك الهامشية ذات الصبغة الإيديولوجية و"الطبقية" والدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والحزبية.. وكل "النزاعات" التي تورطت فيها منذ ثلاثين عاما قيادات سياسية ودينية في تونس وفي كامل العالم العربي الإسلامي من الخليج إلى المحيط ومن أفغانستان إلى نيجيريا مرورا بـ"بلدان الثورات العربية"..

- ثانيا: إعلان كل الأطراف في الحكم والمعارضة والمجتمع المدني نقدها الذاتي..والاعتراف بتورط عدد من قياداتها وأنصارها في غلطات فادحة من بينها الانخراط  في "الحروب الباردة" و"الحروب بالوكالة" التي دفعت نحوها شعوبها ودولها .

وكانت الحصيلة "صراعا بالوكالة" بين الأطراف المتهمة بالانحياز  إلى" للمحور الأمريكي - الأطلسي و"دول الموالاة" (أو "للحكومات العميلة"؟؟)، أو"لمحور"دول الممانعة" أو"الدول الثورية" أي إلى موسكو وبيكين دوليا وطهران وبغداد ودمشق وبيروت وغزة إقليميا ..

 - ثالثا: إعطاء أولوية مجددا إلى العمل والإنتاج والاستثمار وخلق الثروة والتشغيل مع إعلان"هدنة اجتماعية سياسية أمنية " تدوم ما لايقل عن 3 أعوام، تتوقف خلالها الإضرابات والاضطرابات وكل المعارك الإعلامية وأعمال العنف والحروب "الباردة" و" الساخنة "..إذ لا مجال لتكريس السيادة الوطنية ووقف "التدخل الأجنبي"و"التدويل" بالنسبة لدول تكون شعوبها جائعة ومنهكة بـ"الاقتتال الداخلي ".. ويعتمد اقتصادها بنسبة تفوق الـ70 بالمائة على معاملاتها مع "الدول الغنية" توريدا وتصديرا وسياحة وفي مجالات التداين والهجرة وتوفير حاجياتها من الأسلحة وخدمات الأقمار الصناعية لأغراض مدنية أو أمنية وعسكرية ..

التدارك ممكن ..

لكن لابد من إعادة قراءة كتاب "كليلة ودمنة" وإيقاف كل "حروب الاستنزاف" الداخلية والإقليمية مع الاحتكام للقانون والدستور وللمؤسسة القضائية في صورة بروز خلافات وأزمات.. والابتعاد عن كل أنواع الارتجال ..

 

كمال بن يونس

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews