خرج الاتحاد العام التونسي للشغل بشكل واضح ولأول مرة من مربع الصدمة بعد إقرار الإجراءات الاستثنائية بتاريخي 25 جويلية و22 سبتمبر إلى مربع الاستقطاب وإعادة الأمور إلى نصابها السياسي .
وقدم الأمين العام للمنظمة جرعة أوكسيجين لبقية المنظمات والفواعل الحزبية بإعلان موقفه النهائي والرسمي من تحولات المشهد بعد (25) وتبنيه خيار المقاومة السياسية للمحافظة على الأدنى السياسي حيث الأحزاب والحريات والبناء الوطني المشترك .
ولم يتوقف دوره البطولي عند هذا الحد بل رفع "لا زمخشرية" في وجه المشروع المحتمل للرئيس والقائم على نفي الأحزاب مقابل تضخيم للتنسيقيات التي يعمل قيس سعيد على الاستثمار فيها، كما لم يكن الحوار الرئاسي المقترح بمنأى عن الرفض العمالي.
وتساءل الطبوبي خلال إشرافه يوم السبت 23 أكتوبر الجاري، أثناء افتتاح المؤتمر العادي العاشر للاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس عن ''الخيار السياسي الذي ستسير فيه البلاد؟'' و''ما هو دور الأحزاب؟''
وجدد في هذا السياق على "أنّ أيّ ديمقراطية في العالم تُبنى فقط بالأحزاب، وأنّ الأحزاب تتمّ محاسبتها بصندوق الاقتراع" مؤكدا "نحن لن نعمل باللجان الشعبية ولن نقبلها في الإتحاد العام التونسي للشغل".
من الصدمة.. إلى المفاجأة.. إلى التحرك
ولم تكن رسالة الاتحاد ذات أفق سياسي فحسب بل تجاوزتها للرد على المشككين في موقف الاتحاد وذلك بعد أن تناولت الكواليس حديثا مفاده أن تراجع الاتحاد وخشيته من سعيد هو نتيجة مباشرة لما يملكه رئيس الجمهورية من ملفات تهم عدد كبير من النقابيين المورطين في الفساد".
بيد أن هذا الحديث وجد ما يفنده بعد أن أعطى الطبوبي الضوء الأخضر لكل من يملك ملفا ضد أي نقابي للذهاب للقضاء وقال الأمين العام "لا أحد يُزايد في الإتحاد، لا في وطنيته ولا في رؤيته وخياراته ونحن ننقد الناس في إطار الخيارات في كنف الاحترام ونحترم القضاء والمؤسسات" وبنبرة غاضبة أفاد أمين عام اتحاد الشغل قائلا ''من لا يحب كلام الإتحاد، هو حرّ وإلي شاد علينا السماء يسيبها خليها اطيح، حتى حد ما هو شاد علينا السماء .''
وبات واضحا أن الاتحاد قد استعاد فعلا عافيته بعد سلسلة التصريحات واللقاءات التي يقودها الأمين العام نورالدين الطبوبي في وقت اعتقد فيه العديد من المتابعين دخول المنظمة غرفة الإنعاش مع إعلان رئيس الجمهورية عن مجموعة قراراته يوم 25جويلية.
وقد تحول مكتب الطبوبي في الآونة الأخيرة إلى غرفة عمليات لإعادة البناء السياسي والاقتصادي ومزارا لكل القوى الحية الرافضة للتمشي المعلن من طرف رئيس الدولة.
ووجدت ذات الأطراف في خروج الاتحاد من دائرة "البهتة" فرصة لخلق ديناميكية لإعادة ترتيب الحياة السياسية ومنع الانزلاق نحو المجهول وهو ذات الخيار المعلن من طرف الطبوبي نفسه.
الاتحاد الأوروبي.. وفاعلية الاتحاد
لم تخل ملاحظات الشركاء الاقتصاديين لتونس من الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل حيث أشاد بيان البرلمان الأوروبي في نقطه العاشرة بالدور الذي أدته اللجنة الرباعية للحوار الوطني وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل.
وكان مكتب الأمين العام مزارا لعدد من السفراء الأوروبيين فقد التقى الطبوبي السفير الفرنسي اندري باران في 3 مناسبات متتالية.
وكان أول لقاء لهما 3 أيام بعد إعلان قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية، كما جمعهما لقاء ثان يوم 23 أوت الماضي، اما اللقاء الثالث فكان غرة أكتوبر.
ولم تكن الجهة الفرنسية وحدها الحاضرة بمقر المنظمة حيث اجتمع الأمين العام لاتحاد الشغل بوزير خارجية ألمانيا نيلسن انن يوم 19 أكتوبر الجاري.
كما التقى الطبوبي سفير الاتحاد الأوروبي في مناسبتين بنفس الشهر يوم 1سبتمبر ويوم 30 سبتمبر الماضيين.
من الفراغ.. إلى الاستقطاب
وخلق تراجع الاتحاد أمام إجراءات قيس سعيد بعد 25 جويلية فراغا مفزعا عجزت حركة النهضة وحزب الأمل والتيار الديمقراطي وشخصيات وطنية وازنة على غرار نجيب الشابي أو محمد منصف المرزوقي على ملئه والحد من تمدد ساكن قرطاج الذي وجد نفسه اللاعب الوحيد والأساسي سياسيا خاصة بعد 22سبتمبر والتي امسك فيها الرئيس بكل الخيوط.
ومن الواضح أن استفاقة الاتحاد من وقع صدمة 25 جويلية قد أعاد الأمل إلى عدد كبير من الأحزاب والمنظمات الأخرى بعد أن بدأت في رص صفوفها والتنسيق فيما بينها لخلق قوى حزبية وسياسية بهدف معاضدة مجهودات الاتحاد.
تحولات دفعت بالبعض للتنظم أكثر وإيجاد قواعد للعمل السياسي المشترك من خلال التنسيق أو صياغة بيانات موحدة.
حيث التقى الطبوبي وفدا من الأمناء العامين لأحزاب التيار الديمقراطي والتكتل وآفاق والحزب الجمهوري في أكثر من مناسبتين، كما كان لنواب البرلمان لقاء بالأمين العام .
وعبر الأمناء العامون للأحزاب الأربعة مثلا عن قلقهم البالغ إزاء استمرار الغموض والدفع بالأوضاع نحو مزيد التصعيد والتشنج في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تعاط هادئ مع تداعيات الأزمة التي باتت تهدد مؤسسات الدولة بالشلل التام.
معركة الاستقرار
ويبدو واضحا استعداد قيادة الاتحاد والأحزاب المذكورة لمعركة الاستقرار بعد أن عجز الجميع عن ترويض رئيس الجمهورية وإيجاد طريق سالك في علاقتهم بقيس سعيد الذي أنهى أداور الأحزاب والمنظمات بعد أن وضعها جميعا في خانة الفاسدين والخونة، وفق تعبيره أمام أنصاره بجهة سيدي بوزيد.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقف فيها سعيد في وجه أصدقاء الأمس سواء من الاتحاد أو التيار الديمقراطي الذي تحول إلى معارض للانحرافات السياسية للرئيس رغم تحريض بعض قيادات الحزب لسعيد وحثه على انتهاج طريق وعرة في تنفيذ الفصل 80 من الدستور وهي خيارات تبناها الأمين العام السابق محمد عبو وممثلة الحزب بالبرلمان سامية عبو.
الاتحاد يدفع في اتجاه السلم الاجتماعي.. أم؟
وعلى أهميته في الدفع بالجميع إلى السلم الاجتماعية فقد وجدت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص الحوار الوطني وخريطة الطريق،طريقا، مسدودا سرعان ما عالجها الرئيس بالرفض والتهكم حين دعا قيادات المنظمة للبحث عن الخريطة في كتب التاريخ بل وتجاوزهم إلى إعلان حوار من جانب واحد مع الشباب والشعب دون أحزاب ومنظمات.
وقد زاد قلق الاتحاد بعد أن رفض قصر قرطاج التجاوب مع دعوات نورالدين الطبوبي لتحديد جلسة بينهما وفي هذا الإطار قال الأمين العام المساعد سمير الشفي في تصريح سابق "أنّه لم يقع الاتفاق على قرار في تاريخ محدد بين رئيس الجمهورية والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي ولكن ذلك لا يمنع أنّ الاتصالات الهاتفية جرت بين المركزية النقابية وقرطاج، إلا أنّ هذا الظرف يفترض أن تكون هناك لقاءات تشاورية رسمية بين الاتحاد والرئيس إلا أن ذلك لم يحدث،"
فهل يفتح قيس سعيد الطريق أمام الاتحاد العام التونسي للشغل لضمان حياده في المعارك السياسية القادمة؟
وإذ تبقى فرضيات اللقاء قائمة بين سعيد والطبوبي فهل تحافظ المنظمة على سقف التوقعات والانتظارات أم أنها قد تأخذ خطوة للوراء وتخيب آمال المجتمع المدني؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
خرج الاتحاد العام التونسي للشغل بشكل واضح ولأول مرة من مربع الصدمة بعد إقرار الإجراءات الاستثنائية بتاريخي 25 جويلية و22 سبتمبر إلى مربع الاستقطاب وإعادة الأمور إلى نصابها السياسي .
وقدم الأمين العام للمنظمة جرعة أوكسيجين لبقية المنظمات والفواعل الحزبية بإعلان موقفه النهائي والرسمي من تحولات المشهد بعد (25) وتبنيه خيار المقاومة السياسية للمحافظة على الأدنى السياسي حيث الأحزاب والحريات والبناء الوطني المشترك .
ولم يتوقف دوره البطولي عند هذا الحد بل رفع "لا زمخشرية" في وجه المشروع المحتمل للرئيس والقائم على نفي الأحزاب مقابل تضخيم للتنسيقيات التي يعمل قيس سعيد على الاستثمار فيها، كما لم يكن الحوار الرئاسي المقترح بمنأى عن الرفض العمالي.
وتساءل الطبوبي خلال إشرافه يوم السبت 23 أكتوبر الجاري، أثناء افتتاح المؤتمر العادي العاشر للاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس عن ''الخيار السياسي الذي ستسير فيه البلاد؟'' و''ما هو دور الأحزاب؟''
وجدد في هذا السياق على "أنّ أيّ ديمقراطية في العالم تُبنى فقط بالأحزاب، وأنّ الأحزاب تتمّ محاسبتها بصندوق الاقتراع" مؤكدا "نحن لن نعمل باللجان الشعبية ولن نقبلها في الإتحاد العام التونسي للشغل".
من الصدمة.. إلى المفاجأة.. إلى التحرك
ولم تكن رسالة الاتحاد ذات أفق سياسي فحسب بل تجاوزتها للرد على المشككين في موقف الاتحاد وذلك بعد أن تناولت الكواليس حديثا مفاده أن تراجع الاتحاد وخشيته من سعيد هو نتيجة مباشرة لما يملكه رئيس الجمهورية من ملفات تهم عدد كبير من النقابيين المورطين في الفساد".
بيد أن هذا الحديث وجد ما يفنده بعد أن أعطى الطبوبي الضوء الأخضر لكل من يملك ملفا ضد أي نقابي للذهاب للقضاء وقال الأمين العام "لا أحد يُزايد في الإتحاد، لا في وطنيته ولا في رؤيته وخياراته ونحن ننقد الناس في إطار الخيارات في كنف الاحترام ونحترم القضاء والمؤسسات" وبنبرة غاضبة أفاد أمين عام اتحاد الشغل قائلا ''من لا يحب كلام الإتحاد، هو حرّ وإلي شاد علينا السماء يسيبها خليها اطيح، حتى حد ما هو شاد علينا السماء .''
وبات واضحا أن الاتحاد قد استعاد فعلا عافيته بعد سلسلة التصريحات واللقاءات التي يقودها الأمين العام نورالدين الطبوبي في وقت اعتقد فيه العديد من المتابعين دخول المنظمة غرفة الإنعاش مع إعلان رئيس الجمهورية عن مجموعة قراراته يوم 25جويلية.
وقد تحول مكتب الطبوبي في الآونة الأخيرة إلى غرفة عمليات لإعادة البناء السياسي والاقتصادي ومزارا لكل القوى الحية الرافضة للتمشي المعلن من طرف رئيس الدولة.
ووجدت ذات الأطراف في خروج الاتحاد من دائرة "البهتة" فرصة لخلق ديناميكية لإعادة ترتيب الحياة السياسية ومنع الانزلاق نحو المجهول وهو ذات الخيار المعلن من طرف الطبوبي نفسه.
الاتحاد الأوروبي.. وفاعلية الاتحاد
لم تخل ملاحظات الشركاء الاقتصاديين لتونس من الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل حيث أشاد بيان البرلمان الأوروبي في نقطه العاشرة بالدور الذي أدته اللجنة الرباعية للحوار الوطني وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل.
وكان مكتب الأمين العام مزارا لعدد من السفراء الأوروبيين فقد التقى الطبوبي السفير الفرنسي اندري باران في 3 مناسبات متتالية.
وكان أول لقاء لهما 3 أيام بعد إعلان قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية، كما جمعهما لقاء ثان يوم 23 أوت الماضي، اما اللقاء الثالث فكان غرة أكتوبر.
ولم تكن الجهة الفرنسية وحدها الحاضرة بمقر المنظمة حيث اجتمع الأمين العام لاتحاد الشغل بوزير خارجية ألمانيا نيلسن انن يوم 19 أكتوبر الجاري.
كما التقى الطبوبي سفير الاتحاد الأوروبي في مناسبتين بنفس الشهر يوم 1سبتمبر ويوم 30 سبتمبر الماضيين.
من الفراغ.. إلى الاستقطاب
وخلق تراجع الاتحاد أمام إجراءات قيس سعيد بعد 25 جويلية فراغا مفزعا عجزت حركة النهضة وحزب الأمل والتيار الديمقراطي وشخصيات وطنية وازنة على غرار نجيب الشابي أو محمد منصف المرزوقي على ملئه والحد من تمدد ساكن قرطاج الذي وجد نفسه اللاعب الوحيد والأساسي سياسيا خاصة بعد 22سبتمبر والتي امسك فيها الرئيس بكل الخيوط.
ومن الواضح أن استفاقة الاتحاد من وقع صدمة 25 جويلية قد أعاد الأمل إلى عدد كبير من الأحزاب والمنظمات الأخرى بعد أن بدأت في رص صفوفها والتنسيق فيما بينها لخلق قوى حزبية وسياسية بهدف معاضدة مجهودات الاتحاد.
تحولات دفعت بالبعض للتنظم أكثر وإيجاد قواعد للعمل السياسي المشترك من خلال التنسيق أو صياغة بيانات موحدة.
حيث التقى الطبوبي وفدا من الأمناء العامين لأحزاب التيار الديمقراطي والتكتل وآفاق والحزب الجمهوري في أكثر من مناسبتين، كما كان لنواب البرلمان لقاء بالأمين العام .
وعبر الأمناء العامون للأحزاب الأربعة مثلا عن قلقهم البالغ إزاء استمرار الغموض والدفع بالأوضاع نحو مزيد التصعيد والتشنج في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تعاط هادئ مع تداعيات الأزمة التي باتت تهدد مؤسسات الدولة بالشلل التام.
معركة الاستقرار
ويبدو واضحا استعداد قيادة الاتحاد والأحزاب المذكورة لمعركة الاستقرار بعد أن عجز الجميع عن ترويض رئيس الجمهورية وإيجاد طريق سالك في علاقتهم بقيس سعيد الذي أنهى أداور الأحزاب والمنظمات بعد أن وضعها جميعا في خانة الفاسدين والخونة، وفق تعبيره أمام أنصاره بجهة سيدي بوزيد.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقف فيها سعيد في وجه أصدقاء الأمس سواء من الاتحاد أو التيار الديمقراطي الذي تحول إلى معارض للانحرافات السياسية للرئيس رغم تحريض بعض قيادات الحزب لسعيد وحثه على انتهاج طريق وعرة في تنفيذ الفصل 80 من الدستور وهي خيارات تبناها الأمين العام السابق محمد عبو وممثلة الحزب بالبرلمان سامية عبو.
الاتحاد يدفع في اتجاه السلم الاجتماعي.. أم؟
وعلى أهميته في الدفع بالجميع إلى السلم الاجتماعية فقد وجدت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص الحوار الوطني وخريطة الطريق،طريقا، مسدودا سرعان ما عالجها الرئيس بالرفض والتهكم حين دعا قيادات المنظمة للبحث عن الخريطة في كتب التاريخ بل وتجاوزهم إلى إعلان حوار من جانب واحد مع الشباب والشعب دون أحزاب ومنظمات.
وقد زاد قلق الاتحاد بعد أن رفض قصر قرطاج التجاوب مع دعوات نورالدين الطبوبي لتحديد جلسة بينهما وفي هذا الإطار قال الأمين العام المساعد سمير الشفي في تصريح سابق "أنّه لم يقع الاتفاق على قرار في تاريخ محدد بين رئيس الجمهورية والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي ولكن ذلك لا يمنع أنّ الاتصالات الهاتفية جرت بين المركزية النقابية وقرطاج، إلا أنّ هذا الظرف يفترض أن تكون هناك لقاءات تشاورية رسمية بين الاتحاد والرئيس إلا أن ذلك لم يحدث،"
فهل يفتح قيس سعيد الطريق أمام الاتحاد العام التونسي للشغل لضمان حياده في المعارك السياسية القادمة؟
وإذ تبقى فرضيات اللقاء قائمة بين سعيد والطبوبي فهل تحافظ المنظمة على سقف التوقعات والانتظارات أم أنها قد تأخذ خطوة للوراء وتخيب آمال المجتمع المدني؟