لم يواكب التحول السياسي والانتقالي نحو الديمقراطية الذي عرفته البلاد خلال العشرية الماضية، تغيير اقتصادي واجتماعي مماثل، بل بالعكس يشعر التونسي اليوم أن مستوى معيشته قد عرف تراجعا واضحا وان مستوى الخدمات العمومية قد شهدت تدهورا ملحوظا.. حتى ان قدرته الشرائية أصبحت عاجزة عن تلبية حاجياته اليومية أو مجارات نسق ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة..
وتؤكد مختلف القراءات والدراسات والأرقام، ان الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها تونس وعدم تنفيذ حكومات ما بعد الثورة لأي سياسات إصلاحية للمالية العمومية او لمنوال التنمية الذي اثبت فشله، قد كان له الأثر الكبير على الطبقة الوسطى التي تمثل الجزء الأكبر من تركيبة المجتمع التونسي وكانت على الدوام صمام امان اجتماعي لاستقرار الدولة التونسية.. وتسبب ذلك في تدحرج جزء كبير منها نحو الطبقة الفقيرة وهو ما سيرفع في نسبة الفقر اكثر.
وفي وقت يحيي فيه المجتمع الدولي اليوم العالمي للقضاء على الفقر، تفيد تقديرات البنك الدولي لشهر جوان 2021، ان جائحة كوفيد 19 قد تسببت في ارتفاع نسبة الفقر بنحو 5 نقاط ونصف لترتفع من نسبة 15.5% قبل الجائجة الى حدود الـ 21% بعدها وهو رقم مرجح الى مزيد الارتفاع مع نهاية السنة الجارية، نظرا إلى ان التداعيات الاقتصادية للجائحة مازلت متواصلة الى غاية اليوم وتاثيراتها الاجتماعية ستخضع لظهور تدريجي.
وفعليا لم تصدر ارقام رسمية عن نسب الفقر ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن تفيد معطيات البنك الدولي ان هناك اكثر من 600 الف تونسي قد سقطوا تحت خط الفقر نتيجة كوفيد 19 وهو رقم على الاغلب سيكون له تاثيره الواضح في مناطق دون أخرى على خلفية ما تكشفه خارطة الفقر الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء من اختلال وتباين صارخ بين معدل الفقر الوطني وبين نسبه في مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي للبلاد وبقية المناطق كتونس الكبرى والشمال الشرقي والوسط الشرقي.
وبمزيد من التفاصيل تكشف خارطة الفقر انه في الوقت الذي تنخفض نسب الفقر في معتمديات كالمنزه واريانة المدينة وحلق الوادي الى ما دون الـ2% تسجل معتمدية حاسي الفريد أعلى نسب الفقر على المستوى الوطني بـ53.5% تليها في ذلك معتمدية جدليان بـ 53.1% ثم في مرتبة ثالثة معتمدية العيون بـ 50.1%، بما يعني أن أكثر من نصف سكان هذه المناطق تعيش الفقر والهشاشة. ولا تستثني خارطة الفقر الصادرة بتاريخ سبتمبر2020، ولايات الجمهورية، باستثناء ولايات تونس الكبرى، اريانة وتونس ومنوبة وبن عروس، حيث ترتفع نسب الفقر بنسبة عالية في عدد من المعتمديات بشمال البلاد وجنوبها في كسر واضح لتقسيم الساحل والداخل والشمال والجنوب. وعلى سبيل الذكر لا الحصر تبلغ نسبة الفقر في سجنان من ولاية بنزرت الـ 39.9% وفي معتمدية نبر من ولاية الكاف الـ45.4% وفي الروحية بولاية سليانة الـ 40.7% وتكون في معتمدية شربان من ولاية المهدية في حدود الـ 36.9% ونفس النسبة تسجل في بني خداش من ولاية مدنين لتبلغ في بلخير من ولاية قفصة الـ31.2%.
ويعتبر المعهد الوطني للإحصاء انه من اجل الحد من الفقر في تونس يتعين ان تستهدف برامج التدخل الاجتماعي سكان المعتمديات الأشد فقرا وان تكون خارطة الفقر مرجعا في رسم السياسات التنموية والتقليص من حجم الفقر والفوارق.
اما بالنسبة لتقرير البنك الدولي الخاص بتونس والصادر في عام 2020، فظل معدل الفقر المدقع ـ المحسوب باستخدام خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار للفرد في اليوم أي ما يعادل الـ 5.3 دينار تونسي – دون الـ 1%، ولكن التقديرات أشارت إلى أن معدل الفقر وفقاً للخط البالغ 3.2 دولارات للفرد في اليوم أي ما يعادل الـ 8.9 دينار تونسي قد ارتفع من 2.9% إلى 3.7%.
وبين التقرير في نفس الوقت انه من المتوقع أيضاً أن ترتفع نسبة السكان "الذين يقفون على حافة" السقوط في براثن الفقر. وباستخدام خط فقر قدره 5.50 دولارات للفرد في اليوم أي ما يعادل الـ 15,4 دينار، من المتوقع أن يرتفع عدد الفقراء والذين يقفون على حافة السقوط في براثن الفقر من 16.7% إلى 20.1% من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ نحو 11.7 مليون نسمة ليكون عدد التونسيين المهددين بمواجهة الفقر فقي حدود الـ 2.34 مليون.
وتؤكد بدورها آخر تقديرات المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية فرضيات مزيد انكماش الطبقة الوسطي بنهاية السنة الجارية 2021، فبعد ان تدحرجت خلال الخمس سنوات الأولى للثورة من 70% من تركيبة المجتمع التونسي سنة 2010 إلى 55% سنة 2015... يرى المعهد ان تقلصها سيكون اكبر بفعل جائحة كوفيد 19 وتفاقم ظاهرة العمل الهش و البطالة التي ارتفعت إلى نسبة 17.8% في الثلاثية الأولى لسنة 2021 وتبلغ في صفوف النساء 24.9% وترتفع لدى الشباب في الفئة العمرية 15-24 عاما إلى الـ 40.8%.
ويقول خبراء اقتصاديين أن إستراتيجية البلاد التونسية فيما يتصل بمحاربة الفقر بمختلف اوجهه تبقي ضعيفة وغير واضحة، تعتمد خاصة على المساعدة المالية الظرفية ولا تستهدف أسباب الفقر الحقيقية.
ورغم وضع العديد من البرامج التي تستهدف تمكين النساء ومزيد ادماج الشباب في سوق الشغل وإقرار الحكومة السابقة لبرنامج الأمان الاجتماعي فيبقى كل ذلك حبرا على ورق ومجرد شعارات في خطابات سياسية لم يتحقق منها شيء الى غاية اليوم في وقت يرزح فيه ربع التونسيين تحت خط الفقر( 2.5 مليون تونسي) ويتدحرج ربعهم الآخر (2.5 مليون آخرين) نحو نفس المصير.
ووفقا لآخر إصدارات البنك الدولي الموافق ليوم 17 أكتوبر الموافق لليوم الدولي للقضاء على الفقر، أدت جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت العالم في العام الماضي، إلى عودة إلى الوراء بعقود فيما يهم التقدم في مكافحة الفقر والفقر المدقع. فقد دفعت الجائحة ما بين 88 و115 مليون شخص إلى براثن الفقر، مع وجود غالبية أولئك الفقراء الجدد في جنوب آسيا ودول جنوب الصحراء حيث معدلات الفقر مرتفعة أصلا. وفي عام 2021، من المتوقع ارتفاع هذا الرقم إلى ما بين 143 و163 مليونًا. وسينضم هؤلاء "الفقراء الجدد" إلى صفوف 1.3 مليار فقير يعيشون بالفعل في فقر متعدد الأبعاد ومتواصل يعانون من تفاقم حرمانهم أثناء الوباء. بل ودفعتهم التدابير المفروضة للحد من انتشار الوباء في واقع الأمر إلى مزيد من الفقر حسب نفس المصدر، حيث أُغلق الاقتصاد غير الرسمي الذي يتيح للفقراء في عديد البلدان فرص البقاء.
وللإشارة تحتفل المجموعة الدولية باليوم العالمي لمقاومة الفقر هذا العام تحت شعار "العمل معا لتحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية للجميع".
ويعكس الشعار اعتراف الأمم المتحدة "بالأبعاد المتعددة للفقر"، مما يعني أنه لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل كامل دون العمل أيضا على معالجة المشاكل البيئية، بما في ذلك تلك الناجمة عن التغيرات المناخية.
ريم سوودي
تونس الصباح
لم يواكب التحول السياسي والانتقالي نحو الديمقراطية الذي عرفته البلاد خلال العشرية الماضية، تغيير اقتصادي واجتماعي مماثل، بل بالعكس يشعر التونسي اليوم أن مستوى معيشته قد عرف تراجعا واضحا وان مستوى الخدمات العمومية قد شهدت تدهورا ملحوظا.. حتى ان قدرته الشرائية أصبحت عاجزة عن تلبية حاجياته اليومية أو مجارات نسق ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة..
وتؤكد مختلف القراءات والدراسات والأرقام، ان الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها تونس وعدم تنفيذ حكومات ما بعد الثورة لأي سياسات إصلاحية للمالية العمومية او لمنوال التنمية الذي اثبت فشله، قد كان له الأثر الكبير على الطبقة الوسطى التي تمثل الجزء الأكبر من تركيبة المجتمع التونسي وكانت على الدوام صمام امان اجتماعي لاستقرار الدولة التونسية.. وتسبب ذلك في تدحرج جزء كبير منها نحو الطبقة الفقيرة وهو ما سيرفع في نسبة الفقر اكثر.
وفي وقت يحيي فيه المجتمع الدولي اليوم العالمي للقضاء على الفقر، تفيد تقديرات البنك الدولي لشهر جوان 2021، ان جائحة كوفيد 19 قد تسببت في ارتفاع نسبة الفقر بنحو 5 نقاط ونصف لترتفع من نسبة 15.5% قبل الجائجة الى حدود الـ 21% بعدها وهو رقم مرجح الى مزيد الارتفاع مع نهاية السنة الجارية، نظرا إلى ان التداعيات الاقتصادية للجائحة مازلت متواصلة الى غاية اليوم وتاثيراتها الاجتماعية ستخضع لظهور تدريجي.
وفعليا لم تصدر ارقام رسمية عن نسب الفقر ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن تفيد معطيات البنك الدولي ان هناك اكثر من 600 الف تونسي قد سقطوا تحت خط الفقر نتيجة كوفيد 19 وهو رقم على الاغلب سيكون له تاثيره الواضح في مناطق دون أخرى على خلفية ما تكشفه خارطة الفقر الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء من اختلال وتباين صارخ بين معدل الفقر الوطني وبين نسبه في مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي للبلاد وبقية المناطق كتونس الكبرى والشمال الشرقي والوسط الشرقي.
وبمزيد من التفاصيل تكشف خارطة الفقر انه في الوقت الذي تنخفض نسب الفقر في معتمديات كالمنزه واريانة المدينة وحلق الوادي الى ما دون الـ2% تسجل معتمدية حاسي الفريد أعلى نسب الفقر على المستوى الوطني بـ53.5% تليها في ذلك معتمدية جدليان بـ 53.1% ثم في مرتبة ثالثة معتمدية العيون بـ 50.1%، بما يعني أن أكثر من نصف سكان هذه المناطق تعيش الفقر والهشاشة. ولا تستثني خارطة الفقر الصادرة بتاريخ سبتمبر2020، ولايات الجمهورية، باستثناء ولايات تونس الكبرى، اريانة وتونس ومنوبة وبن عروس، حيث ترتفع نسب الفقر بنسبة عالية في عدد من المعتمديات بشمال البلاد وجنوبها في كسر واضح لتقسيم الساحل والداخل والشمال والجنوب. وعلى سبيل الذكر لا الحصر تبلغ نسبة الفقر في سجنان من ولاية بنزرت الـ 39.9% وفي معتمدية نبر من ولاية الكاف الـ45.4% وفي الروحية بولاية سليانة الـ 40.7% وتكون في معتمدية شربان من ولاية المهدية في حدود الـ 36.9% ونفس النسبة تسجل في بني خداش من ولاية مدنين لتبلغ في بلخير من ولاية قفصة الـ31.2%.
ويعتبر المعهد الوطني للإحصاء انه من اجل الحد من الفقر في تونس يتعين ان تستهدف برامج التدخل الاجتماعي سكان المعتمديات الأشد فقرا وان تكون خارطة الفقر مرجعا في رسم السياسات التنموية والتقليص من حجم الفقر والفوارق.
اما بالنسبة لتقرير البنك الدولي الخاص بتونس والصادر في عام 2020، فظل معدل الفقر المدقع ـ المحسوب باستخدام خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار للفرد في اليوم أي ما يعادل الـ 5.3 دينار تونسي – دون الـ 1%، ولكن التقديرات أشارت إلى أن معدل الفقر وفقاً للخط البالغ 3.2 دولارات للفرد في اليوم أي ما يعادل الـ 8.9 دينار تونسي قد ارتفع من 2.9% إلى 3.7%.
وبين التقرير في نفس الوقت انه من المتوقع أيضاً أن ترتفع نسبة السكان "الذين يقفون على حافة" السقوط في براثن الفقر. وباستخدام خط فقر قدره 5.50 دولارات للفرد في اليوم أي ما يعادل الـ 15,4 دينار، من المتوقع أن يرتفع عدد الفقراء والذين يقفون على حافة السقوط في براثن الفقر من 16.7% إلى 20.1% من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ نحو 11.7 مليون نسمة ليكون عدد التونسيين المهددين بمواجهة الفقر فقي حدود الـ 2.34 مليون.
وتؤكد بدورها آخر تقديرات المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية فرضيات مزيد انكماش الطبقة الوسطي بنهاية السنة الجارية 2021، فبعد ان تدحرجت خلال الخمس سنوات الأولى للثورة من 70% من تركيبة المجتمع التونسي سنة 2010 إلى 55% سنة 2015... يرى المعهد ان تقلصها سيكون اكبر بفعل جائحة كوفيد 19 وتفاقم ظاهرة العمل الهش و البطالة التي ارتفعت إلى نسبة 17.8% في الثلاثية الأولى لسنة 2021 وتبلغ في صفوف النساء 24.9% وترتفع لدى الشباب في الفئة العمرية 15-24 عاما إلى الـ 40.8%.
ويقول خبراء اقتصاديين أن إستراتيجية البلاد التونسية فيما يتصل بمحاربة الفقر بمختلف اوجهه تبقي ضعيفة وغير واضحة، تعتمد خاصة على المساعدة المالية الظرفية ولا تستهدف أسباب الفقر الحقيقية.
ورغم وضع العديد من البرامج التي تستهدف تمكين النساء ومزيد ادماج الشباب في سوق الشغل وإقرار الحكومة السابقة لبرنامج الأمان الاجتماعي فيبقى كل ذلك حبرا على ورق ومجرد شعارات في خطابات سياسية لم يتحقق منها شيء الى غاية اليوم في وقت يرزح فيه ربع التونسيين تحت خط الفقر( 2.5 مليون تونسي) ويتدحرج ربعهم الآخر (2.5 مليون آخرين) نحو نفس المصير.
ووفقا لآخر إصدارات البنك الدولي الموافق ليوم 17 أكتوبر الموافق لليوم الدولي للقضاء على الفقر، أدت جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت العالم في العام الماضي، إلى عودة إلى الوراء بعقود فيما يهم التقدم في مكافحة الفقر والفقر المدقع. فقد دفعت الجائحة ما بين 88 و115 مليون شخص إلى براثن الفقر، مع وجود غالبية أولئك الفقراء الجدد في جنوب آسيا ودول جنوب الصحراء حيث معدلات الفقر مرتفعة أصلا. وفي عام 2021، من المتوقع ارتفاع هذا الرقم إلى ما بين 143 و163 مليونًا. وسينضم هؤلاء "الفقراء الجدد" إلى صفوف 1.3 مليار فقير يعيشون بالفعل في فقر متعدد الأبعاد ومتواصل يعانون من تفاقم حرمانهم أثناء الوباء. بل ودفعتهم التدابير المفروضة للحد من انتشار الوباء في واقع الأمر إلى مزيد من الفقر حسب نفس المصدر، حيث أُغلق الاقتصاد غير الرسمي الذي يتيح للفقراء في عديد البلدان فرص البقاء.
وللإشارة تحتفل المجموعة الدولية باليوم العالمي لمقاومة الفقر هذا العام تحت شعار "العمل معا لتحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية للجميع".
ويعكس الشعار اعتراف الأمم المتحدة "بالأبعاد المتعددة للفقر"، مما يعني أنه لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل كامل دون العمل أيضا على معالجة المشاكل البيئية، بما في ذلك تلك الناجمة عن التغيرات المناخية.