إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ"الصباح": على الحكومة الجديدة أن تعيد هيكلة التعليم وترسي نظاما لإدارة الجودة

 
 
تونس: الصباح
تعالت أصوات العديد من الخبراء في المجال التربوي خلال السنوات الأخيرة محذرة من تدني مستوى التعليم في تونس، وهناك منهم من طالبوا  بالتسريع في الإصلاح التربوي وسن قانون جديد للتربية والتعليم المدرسي يضمن جودة التعليم بصفة فعلية لأن القانون التوجيهي لسنة 2002 حسب رأيهم لم يعد مواكبا للعصر، وفي المقابل هناك من يرى أن المنظومة التشريعية من قانون توجيهي وأوامر ترتيبية قد تكون من أفضل النصوص في العالم لكنها ليست هي الكفيلة بتحقيق الجودة المطلوبة في المنظومة التربوية.. 
فالأستاذ سليم قاسم الخبير في المجال التربوي ورئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم، يرى أن القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لسنة 2002 قد يكون فعلا في حاجة إلى مراجعة وإعادة نظر لكن يجب ألا يكون سن نصوص تشريعية بديلة للنصوص القديمةغاية في حد ذاتها، وأوضح في تصريح لـ "الصباح"  أنه ليس من مصلحة المنظومة التربوية أن تعتقد أنه عندما يتم سن قانون توجيهي جديد سينتج عن ذلك وبصفة آلية حل مشكل التربية والتعليم في البلاد فكم من نصوص تم وضعها لكنها كانت مجالا لهدر الوقت والجهود وخلقت نقاط ظل جديدة في المنظومة التربوية.. وأكد على أن قانون 2002 الذي تم سنه في عهد وزير التربية منصر الرويسي جيد وبالتالي أصل المشكل ليس في القانون بل في غياب التنفيذ.. وأضاف أنه لو تم تنفيذ ذلك القانون على النحو المطلوب ما كان مستوى التعليم ليصل إلى ما هو عليه اليوم، فهذا القانون أولى أهمية كبيرة لمسألة الجودة، لكنه للأسف الشديد لم ينفذ.
ونص القانون التوجيهي للتربية والتعليم لسنة 2002 بوضوح على أن المدرسة تعمل في إطار وظيفتها التعليمية على ضمان تعليم جيّد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامة ومعارف نظرية وعملية ويمكّن من تنمية مواهب المتعلمين وتطوير قدراتهم على التعلم الذاتي والانخراط في مجتمع المعرفة وينص على أن المدرسة المدعوة بالخصوص إلىتمكين المتعلمين من إتقان اللغة العربية، بصفتها اللغة الوطنية، وتمكينهم من حذق لغتين أجنبيتين على الأقل، إلى جانب تنمية مختلف أشكال الذكاء الفكري والحسي والعملي، وتطوير ملكات التواصل وتوظيف كل أنواع التعبير اللغوي والفني والرمزي والجسماني، وتمكين المتعلمين من حذق استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال وإكسابهم القدرة على توظيفها في سائر المجالات، وتهيئة الناشئة لمواجهة المستقبل وإعدادهم لمسايرة المتغيرات والإسهام فيها إيجابيا. ونص نفس القانون على أن المدرسة تسعى، في إطار وظيفتها التأهيلية، إلى تنمية كفايات ومهارات لدى خريجيها حسب سن التلميذ والمرحلة التعليمية وتتولى مؤسسات التكوين المهني والتعليم العالي تطوير هذه الكفايات والمهارات لاحقا.. 
ويرى الخبير سليم قاسم أن المطلوب من الحكومة الجديدة إن أرادت حقا إصلاح التعليم، ليس سن تشريعات جديدة بل الاشتغال على ملفين هامين.. ويتعلق الملف الأول حسب قوله بإرساء نظم لإدارة الجودة أما الملف الثاني فتعلق بإعادة هيكلة التعليم المدرسي قبل الجامعي..
ففي ما يتعلق بنظم إدارة الجودة، فحسب رأي الخبير، يجب أن تغطي كل مستويات المنظومة التربوية من الإدارة المركزية فالإدارات الجهوية فالمراكز التي تعود بالنظر إلى وزارة التربية والمؤسسات التربوية، لأن طريقة التسيير الحالي هي خليط بين البيروقراطية المعقدة والمركزية المفرطة، وهذا المشكل يعيق التجديد والابتكار والمبادرات الفردية. 
وأضاف الأستاذ سليم قاسم أن الجودة قائمة على معايير يجب وضعها، وهذه المعايير عندما يتم تطبيقها بشكل سلس ومرن فإنها تضمن تماسك المنظومة. وفسر محدثنا أنه عند وضع نظم إدارة الجودة وتحديد المعايير فلا يمكن الخروج عنها وهو ما من شأنه أن يسمح بوضع رؤية واضحة لقطاع التربية والتعليم، ويسمح وهذا الأهم، بإعادة الحياة للمؤسسة التربوية لأن هذه المؤسسة في الوقت الراهن أصبحت تمثل مكانا ثقيل الوطأة على جميع مكونات الأسرة التربوية من تلاميذ ومدير وأساتذة ومدرسين وقيمين، ويعود السبب بالأساس إلى تفقير المؤسسة التربوية ماديا وحسيا، إذ أنها تحولت إلى فضاء لإلقاء الدروس فقط، والحال أنها يجب أن تكون فضاء لصقل المواهب، وتنمية شخصية الفرد بكل أبعادها الخلقية والوجدانية والعقلية والبدنية وإذكاء ملكة النقد وروح المبادرة لديه ودعم ثقته بالنفس..
 وفي نفس السياق شدد الخبير على أنه لا بد من إرجاع قيمة المؤسسة التربوية، ويرى أن هذا لا يتحقق إلا في صورة توفير هامش من الحرية والمبادرة لدى القائمين عليها من ناحية ومن ناحية أخرى توفير معايير واضحة تحمي المؤسسة التربوية من أي زيغ أو خروج عن دورها ورسالتها، وقال إنه بهذه الكيفية نعطي المؤسسات التربوية نوعا من الانسيابية ونخلصها من الجمود. 
ويرى الخبير أن الحكومة الجديدة إن أرادت محاربة الفساد والهدر عليها أن تضع نظما فاعلة للجودة وترسي مبادئ الحوكمة الرشيدة، وأوضح أن الحوكمة ليست خلية صلب الوزارة يتم إحداثها بقرار إداري ويحال عليها المغضوب عليهم والمراد وضعهم في "الفريقو" بل هي آلية حقيقية للقضاء على الفساد وهي تقوم على الشفافية وعلى قاعدة من يخطئ يحاسب.
 
إعادة هيكلة التعليم المدرسي
 
الملف الثاني الذي ينصح الخبير التربوي سليم قاسم الحكومة الجديدة بالاهتمام به، يتعلق بإعادة هيكلة التعليم المدرسي قبل الجامعي في اتجاه فتح معابر بين منظومة التربية ومنظومة التكوين المهني والتقني والفني، وفسر أنه بمناسبة كل عودة مدرسة يكثر الحديث عن جديد البرامج التعليمية وعن إحداث مؤسسات تربوية وصيانة أخرى وهي مسائل لئن كانت مهمة فإنها لا يمكن أن تحجب القضية الأهم وهي هيكلة التعليم المدرسي، فهذه الهيكلة تحتاج إلى مراجعة، وفسر محدثنا أنه من غير المنطقي أن نضع أمام نحو مليوني فرد في تونس مسارا وحيدا ينطلق من السنة التحضيرية مرورا بالتعليم الأساسي في المدارس الابتدائية ثم بالمرحلة الثانية من التعليم الأساسي في المدارس الإعدادية فالتعليم الثانوي الذي يتوج بشهادة البكالوريا.. وبين أن التلميذ ليس أمامه سوى هذا المسار وكل من يسقط من هذا المسار يجد نفسه في الشارع، وهذاما يفسر العدد المهول من المنقطعين عن التعليم، فهذا العدد كان في حدود مائة ألف منقطع كل سنة، لكن وفق التقديرات الأخيرة لوزارة التربية تراجع حاليا إلى ثمانين ألف منقطع. 
وأشار الأستاذ سليم قاسم إلى أن عدد المنقطين حتى وإن تراجع بعشرين ألفا فإن كلفة الانقطاع المدرسي تظل دائما ثقيلة جدا على المجموعة الوطنية لأن من يغادرون المدرسة في سن مبكرة يمكن أن يتحولوا إلى مسالك الإجرام والتجارة الموازية والهجرة السرية وغيرها، فهناك قلة قليلة يتجهون نحو مراكز التكوين المهني، وبين أنه لسائل أن يسأل لماذا ظل عدد المقبلين على التكوين المهني محدودا؟ وذكر أن هذا يعود بالأساس إلى اعتبار التكوين المهني من قبل مؤسسات الدولة على أنه مسلك الفاشلين في الدراسة وأشار إلى أن هذه النظرة الدونية للتكوين المهني يجب أن تتغير ويجب أن يقتنع التونسيون بأن مسلك التكوين المهني ليس مسلك الفشل بل هو مسلك النجاح في الحياة لكن المنظومة الموجودة حاليا هي التي جعلت منه مسلك فشل لأنه لا يقبل سوى التلاميذ المنقطعين عن الدراسة.. 
وأضاف الأستاذ قاسم الغريب في الأمر أن المنظومة التربوية تظل تراقب التلميذ وهو يرسب في مناسبة أولى ثم وهو يرسب في مناسبة ثانية فثالثة ولكنها لا تحرك ساكنا ثم في النهاية وعندما يستوفي حقه في الرسوب تقرر طرده، وبعد تسربه من المؤسسة التربوية، يلتحق هذا الأخير بالتكوين المهني، والحال أنه كان من الأفضل فتح إمكانية الالتحاق بمراكز التكوين المهني بداية من السنة السادسة ابتدائي، ويكون التوجيه إلى المدارس الإعدادية ومراكز التكوين المهني بعد اختبار جهوي أو وطني، ويجري التوجيه وفق مقاربة تشاركية، لأنه لا يمكن لمدير مدرسة ومدرسين اثنين أو ثلاثة أن يقرروا مصير تلميذ بمفردهم بل يجب أن يكون التوجيه بشكل تشاركي بين المؤسسة التربوية والولي والتلميذ. 
وحتى يكون التكوين المهني مسلك نجاح، من الأفضل، وفق ما أشار إليه الخبير التربوي، أن يتم الالتحاق به قبل الرسوب مرتين وثلاث مرات، وقبل أن يفقد التلميذ الحماس والرغبة في التعلم.. وأضاف أنه يوجد بون شاسع بين المدرسة والعالم الحقيقي وفسر أن التلميذ يقضي خمس ساعات في دراسة شعر جميل بثينة وساعة وحيدة في دراسة مادة الإعلامية فما عساه يفعل بشعر جميل عندما يغادر المؤسسة التربوية بصفة مبكرة ويجد نفسه في الشارع. وأشار الأستاذ قاسم إلى أن التوجيه في الوقت المناسب مهم للغاية، وفي هذا المضمار يجب على المستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي أن يقوموا بدورهم على أفضل وجه، ويجب على وزارة الإشراف أن توفر لهم كل الإمكانيات اللازمة لكي يقوموا بهذا الدور، لكن في صورة تعذر توفير مستشارين في جميع المؤسسات التربوية يمكن تكليف المدرسين بهذه المهمة بعد تمكينهم من تكوين في الغرض ومن بعض الحوافز. 
 
المجلس الأعلى للتربية
 
تعقيبا عن سؤال حول رأيه في دعوات بعض السياسيين والخبراء لتركيز مجلس أعلى للتربية، أجاب سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم أن هناك أحزابا سياسية تدافع باستماتة منذ 2011 على مشروع إرساء المجلس الأعلى للتربية وذلك لكي يكون لها موطئ قدم في هذا المجلس ولكي تبسط عليه نفوذها وتتحكم في إدارته لأن التصور المجود للمجلس هو نفس التصور الذي تم التصدي له زمن صياغة الدستور، وبين أنه خلال الفترة التأسيسية كان هناك توجه نحو دسترة المجلس الأعلى للتربية وإدراجه ضمن باب الهيئات الدستورية المستقلة، لكن بفضل نضالات المجتمع المدني تمت الإطاحة بهذا المقترح.. وأشار إلى أنه بعد المصادقة على الدستور تكرر مطلب إرساء المجلس الأعلى على لسان بعض الخبراء المقربين من تلك الأحزاب السياسية، فهم يريدون مجلسا أعلى على المقاس تغيب فيه المقاربة التشاركية فأعضاء المجلس هم الذين يقررون مصير التربية في البلاد. 
وردا عن سؤال آخر حول موقفه من تعطيل مشروع الإصلاح التربوي الذي تم إعداده في عهد وزير التربية السابق ناجي جلول، أشار الخبير سليم قاسم إلى أن الكتاب الأبيض لناجي جلول فيه نوايا حسنة وتوجهات ممتازة لكن ما ينقص مشروع الإصلاح هو الخطة التي يجب إتباعها لتنفيذه والأدوات التي ستحقق التوجهات الموجودة فيه.. وعبر الخبير عن أسفه لتبديد الكثير من الوقت في الثرثرة وبين أن خلافات بسيطة حول مسألة الهوية تسببت في تعطيل كل شيء. وذكر أن مشروع القانون التوجيهي الذي تمخض عن إصلاح ناجي جلول ليس أفضل من القانون التوجيهي للتربية والتعليم الذي تم إصداره في عهد الوزير السابق منصر الرويسي فذلك القانون وفق تأكيد الخبير، ليس سيئا. وبين أن النخبة الحالية غير قادرة على سن قانون في قيمة قانون 2002. وخلص إلى أن الإشكال الحقيقي يمكن في غياب التنفيذ إذ كان من المفروض أن نجد في كل مؤسسة تربوية مجلس المؤسسة والمجلس البيداغوجي لكن هذا غير متوفر، ولهذا السبب هناك مشكل تواصل بين الأولياء والإطار التربوي وصل في بعض الحالات إلى العنف وقطع الطرقات فبسبب غياب التواصل لا يمكن تدارك النقائص.. وأضاف أن هناك نسبة كبيرة من بين خريجي المؤسسات التربوية أميون وفق تعريف منظمة اليونسكو، فهذه المنظمة تعرف الشخص الأمي بالإنسان غير القادر على قراءة جملة وفهمها بسلاسة. وأضاف أن المؤسسة التربوية في الوقت الراهن تنتج نسبة هامة من التلاميذ الذين لا يستطيعون قراءة جملة وفهمها سواء كانت باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنقليزية.. ولاحظ الخبير تراجع مستوى التلاميذ حتى في اللغة العربية، وبين أنه بالنظر إلى الانتدابات التي تمت في القطاع التربوي لمن هب ودب وبالنظر إلى التعويل على المعوضين مقابل التقليص في عدد ساعات التعليم والتخفيف في البرامج سنجد أنفسنا في وقت قريب أمام ألاف الأصفار في مادة العربية مثلما حدث مع اللغة الفرنسية، كما سنجد أنفسنا أمام أعداد غفيرة من المنقطعين عن التعليم ومن الخريجين الأميين الذين لا يحسنون قراءة جملة وفهمها. وذكر أن الأستاذ قاسم أن طريقة التدريس تم تغييرها دون تقييم الطريقة السابقة، والبرامج تم تخفيفها دون استشارة أهل الذكر.. وحذر من أن المواصلة على نفس المنوال ستؤدي بالضرورة إلى انهيار المنظومة التربوية. 
 
سعيدة بوهلال
 
 
 
 
 
 
  رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ"الصباح": على الحكومة الجديدة أن تعيد هيكلة التعليم وترسي نظاما لإدارة الجودة
 
 
تونس: الصباح
تعالت أصوات العديد من الخبراء في المجال التربوي خلال السنوات الأخيرة محذرة من تدني مستوى التعليم في تونس، وهناك منهم من طالبوا  بالتسريع في الإصلاح التربوي وسن قانون جديد للتربية والتعليم المدرسي يضمن جودة التعليم بصفة فعلية لأن القانون التوجيهي لسنة 2002 حسب رأيهم لم يعد مواكبا للعصر، وفي المقابل هناك من يرى أن المنظومة التشريعية من قانون توجيهي وأوامر ترتيبية قد تكون من أفضل النصوص في العالم لكنها ليست هي الكفيلة بتحقيق الجودة المطلوبة في المنظومة التربوية.. 
فالأستاذ سليم قاسم الخبير في المجال التربوي ورئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم، يرى أن القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لسنة 2002 قد يكون فعلا في حاجة إلى مراجعة وإعادة نظر لكن يجب ألا يكون سن نصوص تشريعية بديلة للنصوص القديمةغاية في حد ذاتها، وأوضح في تصريح لـ "الصباح"  أنه ليس من مصلحة المنظومة التربوية أن تعتقد أنه عندما يتم سن قانون توجيهي جديد سينتج عن ذلك وبصفة آلية حل مشكل التربية والتعليم في البلاد فكم من نصوص تم وضعها لكنها كانت مجالا لهدر الوقت والجهود وخلقت نقاط ظل جديدة في المنظومة التربوية.. وأكد على أن قانون 2002 الذي تم سنه في عهد وزير التربية منصر الرويسي جيد وبالتالي أصل المشكل ليس في القانون بل في غياب التنفيذ.. وأضاف أنه لو تم تنفيذ ذلك القانون على النحو المطلوب ما كان مستوى التعليم ليصل إلى ما هو عليه اليوم، فهذا القانون أولى أهمية كبيرة لمسألة الجودة، لكنه للأسف الشديد لم ينفذ.
ونص القانون التوجيهي للتربية والتعليم لسنة 2002 بوضوح على أن المدرسة تعمل في إطار وظيفتها التعليمية على ضمان تعليم جيّد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامة ومعارف نظرية وعملية ويمكّن من تنمية مواهب المتعلمين وتطوير قدراتهم على التعلم الذاتي والانخراط في مجتمع المعرفة وينص على أن المدرسة المدعوة بالخصوص إلىتمكين المتعلمين من إتقان اللغة العربية، بصفتها اللغة الوطنية، وتمكينهم من حذق لغتين أجنبيتين على الأقل، إلى جانب تنمية مختلف أشكال الذكاء الفكري والحسي والعملي، وتطوير ملكات التواصل وتوظيف كل أنواع التعبير اللغوي والفني والرمزي والجسماني، وتمكين المتعلمين من حذق استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال وإكسابهم القدرة على توظيفها في سائر المجالات، وتهيئة الناشئة لمواجهة المستقبل وإعدادهم لمسايرة المتغيرات والإسهام فيها إيجابيا. ونص نفس القانون على أن المدرسة تسعى، في إطار وظيفتها التأهيلية، إلى تنمية كفايات ومهارات لدى خريجيها حسب سن التلميذ والمرحلة التعليمية وتتولى مؤسسات التكوين المهني والتعليم العالي تطوير هذه الكفايات والمهارات لاحقا.. 
ويرى الخبير سليم قاسم أن المطلوب من الحكومة الجديدة إن أرادت حقا إصلاح التعليم، ليس سن تشريعات جديدة بل الاشتغال على ملفين هامين.. ويتعلق الملف الأول حسب قوله بإرساء نظم لإدارة الجودة أما الملف الثاني فتعلق بإعادة هيكلة التعليم المدرسي قبل الجامعي..
ففي ما يتعلق بنظم إدارة الجودة، فحسب رأي الخبير، يجب أن تغطي كل مستويات المنظومة التربوية من الإدارة المركزية فالإدارات الجهوية فالمراكز التي تعود بالنظر إلى وزارة التربية والمؤسسات التربوية، لأن طريقة التسيير الحالي هي خليط بين البيروقراطية المعقدة والمركزية المفرطة، وهذا المشكل يعيق التجديد والابتكار والمبادرات الفردية. 
وأضاف الأستاذ سليم قاسم أن الجودة قائمة على معايير يجب وضعها، وهذه المعايير عندما يتم تطبيقها بشكل سلس ومرن فإنها تضمن تماسك المنظومة. وفسر محدثنا أنه عند وضع نظم إدارة الجودة وتحديد المعايير فلا يمكن الخروج عنها وهو ما من شأنه أن يسمح بوضع رؤية واضحة لقطاع التربية والتعليم، ويسمح وهذا الأهم، بإعادة الحياة للمؤسسة التربوية لأن هذه المؤسسة في الوقت الراهن أصبحت تمثل مكانا ثقيل الوطأة على جميع مكونات الأسرة التربوية من تلاميذ ومدير وأساتذة ومدرسين وقيمين، ويعود السبب بالأساس إلى تفقير المؤسسة التربوية ماديا وحسيا، إذ أنها تحولت إلى فضاء لإلقاء الدروس فقط، والحال أنها يجب أن تكون فضاء لصقل المواهب، وتنمية شخصية الفرد بكل أبعادها الخلقية والوجدانية والعقلية والبدنية وإذكاء ملكة النقد وروح المبادرة لديه ودعم ثقته بالنفس..
 وفي نفس السياق شدد الخبير على أنه لا بد من إرجاع قيمة المؤسسة التربوية، ويرى أن هذا لا يتحقق إلا في صورة توفير هامش من الحرية والمبادرة لدى القائمين عليها من ناحية ومن ناحية أخرى توفير معايير واضحة تحمي المؤسسة التربوية من أي زيغ أو خروج عن دورها ورسالتها، وقال إنه بهذه الكيفية نعطي المؤسسات التربوية نوعا من الانسيابية ونخلصها من الجمود. 
ويرى الخبير أن الحكومة الجديدة إن أرادت محاربة الفساد والهدر عليها أن تضع نظما فاعلة للجودة وترسي مبادئ الحوكمة الرشيدة، وأوضح أن الحوكمة ليست خلية صلب الوزارة يتم إحداثها بقرار إداري ويحال عليها المغضوب عليهم والمراد وضعهم في "الفريقو" بل هي آلية حقيقية للقضاء على الفساد وهي تقوم على الشفافية وعلى قاعدة من يخطئ يحاسب.
 
إعادة هيكلة التعليم المدرسي
 
الملف الثاني الذي ينصح الخبير التربوي سليم قاسم الحكومة الجديدة بالاهتمام به، يتعلق بإعادة هيكلة التعليم المدرسي قبل الجامعي في اتجاه فتح معابر بين منظومة التربية ومنظومة التكوين المهني والتقني والفني، وفسر أنه بمناسبة كل عودة مدرسة يكثر الحديث عن جديد البرامج التعليمية وعن إحداث مؤسسات تربوية وصيانة أخرى وهي مسائل لئن كانت مهمة فإنها لا يمكن أن تحجب القضية الأهم وهي هيكلة التعليم المدرسي، فهذه الهيكلة تحتاج إلى مراجعة، وفسر محدثنا أنه من غير المنطقي أن نضع أمام نحو مليوني فرد في تونس مسارا وحيدا ينطلق من السنة التحضيرية مرورا بالتعليم الأساسي في المدارس الابتدائية ثم بالمرحلة الثانية من التعليم الأساسي في المدارس الإعدادية فالتعليم الثانوي الذي يتوج بشهادة البكالوريا.. وبين أن التلميذ ليس أمامه سوى هذا المسار وكل من يسقط من هذا المسار يجد نفسه في الشارع، وهذاما يفسر العدد المهول من المنقطعين عن التعليم، فهذا العدد كان في حدود مائة ألف منقطع كل سنة، لكن وفق التقديرات الأخيرة لوزارة التربية تراجع حاليا إلى ثمانين ألف منقطع. 
وأشار الأستاذ سليم قاسم إلى أن عدد المنقطين حتى وإن تراجع بعشرين ألفا فإن كلفة الانقطاع المدرسي تظل دائما ثقيلة جدا على المجموعة الوطنية لأن من يغادرون المدرسة في سن مبكرة يمكن أن يتحولوا إلى مسالك الإجرام والتجارة الموازية والهجرة السرية وغيرها، فهناك قلة قليلة يتجهون نحو مراكز التكوين المهني، وبين أنه لسائل أن يسأل لماذا ظل عدد المقبلين على التكوين المهني محدودا؟ وذكر أن هذا يعود بالأساس إلى اعتبار التكوين المهني من قبل مؤسسات الدولة على أنه مسلك الفاشلين في الدراسة وأشار إلى أن هذه النظرة الدونية للتكوين المهني يجب أن تتغير ويجب أن يقتنع التونسيون بأن مسلك التكوين المهني ليس مسلك الفشل بل هو مسلك النجاح في الحياة لكن المنظومة الموجودة حاليا هي التي جعلت منه مسلك فشل لأنه لا يقبل سوى التلاميذ المنقطعين عن الدراسة.. 
وأضاف الأستاذ قاسم الغريب في الأمر أن المنظومة التربوية تظل تراقب التلميذ وهو يرسب في مناسبة أولى ثم وهو يرسب في مناسبة ثانية فثالثة ولكنها لا تحرك ساكنا ثم في النهاية وعندما يستوفي حقه في الرسوب تقرر طرده، وبعد تسربه من المؤسسة التربوية، يلتحق هذا الأخير بالتكوين المهني، والحال أنه كان من الأفضل فتح إمكانية الالتحاق بمراكز التكوين المهني بداية من السنة السادسة ابتدائي، ويكون التوجيه إلى المدارس الإعدادية ومراكز التكوين المهني بعد اختبار جهوي أو وطني، ويجري التوجيه وفق مقاربة تشاركية، لأنه لا يمكن لمدير مدرسة ومدرسين اثنين أو ثلاثة أن يقرروا مصير تلميذ بمفردهم بل يجب أن يكون التوجيه بشكل تشاركي بين المؤسسة التربوية والولي والتلميذ. 
وحتى يكون التكوين المهني مسلك نجاح، من الأفضل، وفق ما أشار إليه الخبير التربوي، أن يتم الالتحاق به قبل الرسوب مرتين وثلاث مرات، وقبل أن يفقد التلميذ الحماس والرغبة في التعلم.. وأضاف أنه يوجد بون شاسع بين المدرسة والعالم الحقيقي وفسر أن التلميذ يقضي خمس ساعات في دراسة شعر جميل بثينة وساعة وحيدة في دراسة مادة الإعلامية فما عساه يفعل بشعر جميل عندما يغادر المؤسسة التربوية بصفة مبكرة ويجد نفسه في الشارع. وأشار الأستاذ قاسم إلى أن التوجيه في الوقت المناسب مهم للغاية، وفي هذا المضمار يجب على المستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي أن يقوموا بدورهم على أفضل وجه، ويجب على وزارة الإشراف أن توفر لهم كل الإمكانيات اللازمة لكي يقوموا بهذا الدور، لكن في صورة تعذر توفير مستشارين في جميع المؤسسات التربوية يمكن تكليف المدرسين بهذه المهمة بعد تمكينهم من تكوين في الغرض ومن بعض الحوافز. 
 
المجلس الأعلى للتربية
 
تعقيبا عن سؤال حول رأيه في دعوات بعض السياسيين والخبراء لتركيز مجلس أعلى للتربية، أجاب سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم أن هناك أحزابا سياسية تدافع باستماتة منذ 2011 على مشروع إرساء المجلس الأعلى للتربية وذلك لكي يكون لها موطئ قدم في هذا المجلس ولكي تبسط عليه نفوذها وتتحكم في إدارته لأن التصور المجود للمجلس هو نفس التصور الذي تم التصدي له زمن صياغة الدستور، وبين أنه خلال الفترة التأسيسية كان هناك توجه نحو دسترة المجلس الأعلى للتربية وإدراجه ضمن باب الهيئات الدستورية المستقلة، لكن بفضل نضالات المجتمع المدني تمت الإطاحة بهذا المقترح.. وأشار إلى أنه بعد المصادقة على الدستور تكرر مطلب إرساء المجلس الأعلى على لسان بعض الخبراء المقربين من تلك الأحزاب السياسية، فهم يريدون مجلسا أعلى على المقاس تغيب فيه المقاربة التشاركية فأعضاء المجلس هم الذين يقررون مصير التربية في البلاد. 
وردا عن سؤال آخر حول موقفه من تعطيل مشروع الإصلاح التربوي الذي تم إعداده في عهد وزير التربية السابق ناجي جلول، أشار الخبير سليم قاسم إلى أن الكتاب الأبيض لناجي جلول فيه نوايا حسنة وتوجهات ممتازة لكن ما ينقص مشروع الإصلاح هو الخطة التي يجب إتباعها لتنفيذه والأدوات التي ستحقق التوجهات الموجودة فيه.. وعبر الخبير عن أسفه لتبديد الكثير من الوقت في الثرثرة وبين أن خلافات بسيطة حول مسألة الهوية تسببت في تعطيل كل شيء. وذكر أن مشروع القانون التوجيهي الذي تمخض عن إصلاح ناجي جلول ليس أفضل من القانون التوجيهي للتربية والتعليم الذي تم إصداره في عهد الوزير السابق منصر الرويسي فذلك القانون وفق تأكيد الخبير، ليس سيئا. وبين أن النخبة الحالية غير قادرة على سن قانون في قيمة قانون 2002. وخلص إلى أن الإشكال الحقيقي يمكن في غياب التنفيذ إذ كان من المفروض أن نجد في كل مؤسسة تربوية مجلس المؤسسة والمجلس البيداغوجي لكن هذا غير متوفر، ولهذا السبب هناك مشكل تواصل بين الأولياء والإطار التربوي وصل في بعض الحالات إلى العنف وقطع الطرقات فبسبب غياب التواصل لا يمكن تدارك النقائص.. وأضاف أن هناك نسبة كبيرة من بين خريجي المؤسسات التربوية أميون وفق تعريف منظمة اليونسكو، فهذه المنظمة تعرف الشخص الأمي بالإنسان غير القادر على قراءة جملة وفهمها بسلاسة. وأضاف أن المؤسسة التربوية في الوقت الراهن تنتج نسبة هامة من التلاميذ الذين لا يستطيعون قراءة جملة وفهمها سواء كانت باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنقليزية.. ولاحظ الخبير تراجع مستوى التلاميذ حتى في اللغة العربية، وبين أنه بالنظر إلى الانتدابات التي تمت في القطاع التربوي لمن هب ودب وبالنظر إلى التعويل على المعوضين مقابل التقليص في عدد ساعات التعليم والتخفيف في البرامج سنجد أنفسنا في وقت قريب أمام ألاف الأصفار في مادة العربية مثلما حدث مع اللغة الفرنسية، كما سنجد أنفسنا أمام أعداد غفيرة من المنقطعين عن التعليم ومن الخريجين الأميين الذين لا يحسنون قراءة جملة وفهمها. وذكر أن الأستاذ قاسم أن طريقة التدريس تم تغييرها دون تقييم الطريقة السابقة، والبرامج تم تخفيفها دون استشارة أهل الذكر.. وحذر من أن المواصلة على نفس المنوال ستؤدي بالضرورة إلى انهيار المنظومة التربوية. 
 
سعيدة بوهلال
 
 
 
 
 
 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews