استفهامات عديدة تطرح اليوم في علاقة بالأحزاب السياسية في تونس، ومدى فاعليتها في المرحلة والمشهد بشكل عام في ظل مرحلة استثنائية غير معلومة المدة ومباشرة حكومة غير متحزبة لمهامها خاصة أمام تأكيد عديد القراءات الدستورية والاجتماعية على أن المنظومة السابقة بجميع مكوناتها أصبحت في شبه "عطالة" وخارج سياق المنظومة الحالية إلى حد إعلان رئاسة الجمهورية عن برنامجها وتحديد مقومات منظومتها فيما ترى قراءات أخرى أن الحياة السياسية لا تستقيم دون أحزاب.
علما أن هناك أكثر من 280 حزبا سياسيا متحصلا على ترخيص وفق تأكيد مصالح الوزير لدى رئاسة الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان أي أن العدد يقارب 300 حزب تصنف ضمن تيارات وعائلات فكرية وسياسية مختلفة منها ما هو ليبرالي وأحزاب يسارية أو قومية عربية وأخرى إسلامية ذات خلفيات إيديولوجية أو بيئية.
وقد كان للقرارات الرئاسية الصادرة في 25 جويلية الماضي وقعها على المشهد الحزبي في تونس سواء تعلق الأمر بالأحزاب الفاعلة في الحكم والمكونة للبرلمان أو غيرها من المعارضة، وذلك بإحداث انقسام بين مساند وداعم لتلك القرارات القاضي بتجميد البرلمان ووضع حد لمنظومة الحكم القائمة قبل ذلك التاريخ والدخول في مرحلة استثنائية، مقابل شق آخر من الأحزاب الرافضة لذلك الخيار الذي قاده قيس سعيد رئيس الجمهورية.
لتكون الرجة الثانية التي هزت "عرش" عدد كبير من هذه الأحزاب بعد 22 سبتمبر تاريخ الإعلان عن الأمر 117 وما جاء بين طياته أكدتها قراءات لمختصين في القانون الدستوري من توجه جدي لسياسة سعيد في القطع مع المنظومة القديمة ومع مكونات المشهد السياسي والحزبي. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل تعداه لفتح ملف الأحزاب ومصادر التمويلات ومدى استجابتها لقانون الأحزاب وإعادة فتح تقرير دائرة المحاسبات المتعلق بانتخابات 2019 وما تضمنه من أدلة حول تجاوزات مسجلة لفائدة أحزاب لعل أبرزها تلقي تمويلات من الخارج وهي تجاوزات ترتقي إلى حد إسقاط قائمات من البرلمان تخص بالتحديد أحزاب "النهضة وقلب تونس وعيش تونسي". وما تبع ذلك من قرارات وإجراءات من أبرزها إعلان سعيد عن تكليف نجلاء بودن بتشكيل حكومة غير متحزبة، ونجاحها في اختيار فريق وزاري بعد 13 يوما فقط.
وقد كانت هذه الفترة الاستثنائية مناسبة لعودة عدد كبير من الأحزاب إلى دائرة الضوء والتحرك سواء منها الأحزاب التقليدية التي لفظتها نتائج الانتخابات التشريعية في 2014 أو الأخيرة وغيرها من الأحزاب "الفتية" أو تلك التي استثمرت في "باتنيدات" أحزاب أخرى وظهرت في لبوس سياسي جديد في محاولة للاستثمار في المرحلة على أمل كسب ود المواطن من جديد في الانتخابات القادمة خاصة بالنسبة للقيادات الكلاسيكية لبعض الأحزاب التي عجزت عن إقناع "الناخب" في مختلف الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية أو التشريعية.
وقد اكتفت جل مكونات المشهد الحزبي في الفترة الاستثنائية الأخيرة بالعمل على إعلاء صوتها بالرفض والاستنكار أو الدعم سواء عبر المراهنة على الشارع والحشد الشعبي في تحركاتها الميدانية أو من خلال البيانات ومحاولات الضغط على رئاسة الجمهورية في محاولة لإثناء سعيد عن عزمه والحيلولة دون توصله لتنفيذ مشروعه أو ما وعد به في تهديداته للطبقة السياسية في تحميله لها مسؤولية فشلها في إدارة شؤون البلاد وانتشار الفساد وتردي الأوضاع. وذلك عبر الضغوط داخل تونس وخارجها. وهي محاولات ساهمت في كشف مدى علاقة جل هذه الأحزاب بالمصلحة الوطنية وعدم قدرتها على ضبط برنامج عملي نابع في أبعاده وتفاصيله من استحقاقات البلاد وانتظارات المواطن.
هشاشة حزبية
وذهبت عديد القراءات إلى أن قرارات سعيد الرئاسية كشفت مدى هشاشة الأحزاب ومن ثمة النظام السياسي الذي كان يحكم البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة وعدم ارتكازها على برنامج واضح المعالم والأهداف من اولوياته المصلحة الوطنية وما يستجيب لتوفير كرامة المواطن من عيش كريم، وارتهان جلها لأجندات دخيلة أو توجهات لا تراعي حاجة الوطن والمواطنين وانتظاراتهم أو للوبيات المتحكمة في الدولة ومقدراتها واقتصادها.
وهو ما انعكس على أداء هذه الطبقة السياسية بشكل ساهم في ترذيل العمل السياسي وأدى إلى نفور نسبة كبيرة من المواطنين من السياسيين والأحزاب المكونة للمشهد السياسي. الأمر الذي سهل مهمة قيس سعيد في المضي في تطبيق قراراته يوم 25 جويلية ونجاحه في تفعيل التدابير الاستثنائية بما تهدف إليه من إعادة ترتيب الأوضاع والإصلاحات والتحويرات المنتظرة.
الصغير الزكراوي لـ"الصباح": المراجعة والمحاسبة
في تطرقه للموضوع أفاد الصغير الزكراوي المختص في القانون العام بالجامعة التونسية، أن الأحزاب أصبحت بموجب تدابير المرحلة الاستثنائية في "عطالة فنية" واعتبر ذلك منطقيا باعتبار أنها وحدها تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المتردية والأزمات المتراكمة في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة سواء تعلق الأمر بالأحزاب المكونة لمنظومات الحكم أو الأخرى في المعارضة. وأكد الزكراويلـ"الصباح، أن هذه الفترة الاستثنائية تعد فرصة لهذه الأحزاب للقيام بمراجعات دقيقة وشاملة لطريقة عملها وتعاطيها مع الشأن العام في العقد الأخير، ومحاسبة نفسها عما اقترفته في حق البلاد ومؤسساتها والمواطن. رغم تأكيده على أن النظام السياسي يقوم بالأساس على الأحزاب.
في جانب آخر من حديثه عن نفس المسألة قال محدثنا: "صحيح أن رئيس الجمهورية تحدث عن التطهير وهذه المسألة لا يجب أن تتوقف عند الأفراد بل تشمل الأحزاب والجمعيات أيضا. على نحو يجعل المرحلة القادمة مرحلة لفتح أفق سياسي جديد يفضي إلى مراجعات جدية أهمها أخلقة العمل السياسي عبر تأسيس أحزاب تساهم في بناء الوطن وتعمل على تكريس ثقافة العمل وحب البلاد والقيام بالدور التأطيري وفق ما هو مطلوب من الأحزاب".
لذلك اعتبر الصغير الزكراوي أن فتح ملفات القانون الانتخابي وقانون الأحزاب ومصادر التمويل كفيل بوضع حد للفوضى التي تكتنف الساحة السياسية باعتبار أن أغلب الأحزاب تنشط خارج القانون وفق تقديره. وشدد المختص في القانون العام على أن مراجعة كل ما يتعلق بمكونات النظام السياسي في تونس في هذه المرحلة وإعادة تشكيله على أسس قانونية من شانه أن يفتح أفقا سياسيا جديدا لكن بقيادات جديدة بسبب تهرم القيادات الحالية لجل الأحزاب منتقدا في ذلك المفارقة التي وصفها بالعجيبة والصعبة، والمتمثلة في دعوات بعض القيادات الكلاسيكية للأحزاب العائلية أو غيرها للتمسك بالديمقراطية في حين أنها لا تؤمن بها ولا تعترف بها داخل أحزابها.
كما اعتبر أن عملية التطهير لا تقتصر على ما هو حزبي فقط وإنما تشمل جميع الميادين والقطاعات التي تحولت إلى ما يشبه مستنقعات سياسية ساهمت في تردي الوضع في البلاد، خاصة أمام ما وصفه بالتكاثر "البكتيري" للأحزاب او الحالة المرضية لها على نحو تظهر في كل مرة طائفة من الأحزاب لتختفي وتأفل قائمة أخرى دون برامج أو أهداف أو مقومات تضمن بقاءها ونجاعتها في القيام بدورها التأطيري والتنظيمي.
واعتبر في محاولات عودة هذه الأحزاب عبر آليات وطرق غير ممنهجة في هذه المرحلة وتخوف البعض من محاولاتها لعرقلة عمل هذه الحكومة خاصة بالنسبة للأحزاب التي نفرها المزاج العام وأصبح يرفضها، من شانه أن يؤدي إلى اندثارها ليس باعتبارها كانت جزءا من الأزمات بل بسبب جدية سلطة الإشراف في فتح ملفات مدى قيام هذه الأحزاب بواجباتها المحاسبية والجبائية.
خالد عبيد لـ"الصباح": فرصة لإعادة استمالة التونسيين
من جانبه اعتبر الجامعي خالد عبيد أن وجود الأحزاب ضروري في أي نظام سياسي ومرحلة، على اعتبار أن الحزب يبقى "مظلة" يمكن لأي فرد أن يجد تجاوبا مع ما يفكر فيه أو يطمح له ضمن هذا الحزب أو ذاك، وفق تقديره. ويعتبر أن هذه المسألة أساسية لأي نظام ديمقراطي. ويرى أنه من البديهي أن تتجه الأحزاب إلى مراجعة برامجها واستراتيجياتها في هذه المرحلة. والأهم هو قدرة هذه الأحزاب على قراء الظرفية. وأضاف في نفس السياق قائلا: "إن أجاد أي حزب قراءة الظرفية جيدا فإنه سيكون قادرا على التعبئة أكثر وإيصال صوته في حين إن عجز عن ذلك فإنه سيكون في وادي ومن يريد أن يكسبه إليه في وادي آخر كما هو الحال اليوم بالنسبة لبعض الأحزاب في تونس".
وفسر خالد عبيد أن ما حدث في تونس خلال هذه الفترة يعد سببا لذلك، بقطع النظر عن الجدل القائم حول دستوريته من عدمها. وهو ما يبين وفق قراءته أن هناك أزمة حقيقية في تونس تشمل ليس فقط الأحزاب بل الحياة السياسية برمتها. واعتبر أن ذلك يتطلب مراجعة شاملة لكل من يأنس في نفسه المشاركة في الحياة السياسية وذلك بضرورة أن يكون النشاط أو الحزب مرآة تعكس حقيقة مشاغل التونسيين ومآسيهم وأحلامهم وهمومهم وانتظاراتهم والتوجه والتفكير عكس ذلك بالنسبة للأحزاب والسياسيين وضعه محدثنا في خانة الوقت الضائع.
كما اعتبر الجامعي أن هذه الفترة الاستثنائية القصيرة فرصة ينظر إليها كإمكانية كبيرة لإعادة استمالة عموم التونسيين الذين ضاقوا ذرعا بالسياسة والسياسيين في السنوات الأخيرة.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
استفهامات عديدة تطرح اليوم في علاقة بالأحزاب السياسية في تونس، ومدى فاعليتها في المرحلة والمشهد بشكل عام في ظل مرحلة استثنائية غير معلومة المدة ومباشرة حكومة غير متحزبة لمهامها خاصة أمام تأكيد عديد القراءات الدستورية والاجتماعية على أن المنظومة السابقة بجميع مكوناتها أصبحت في شبه "عطالة" وخارج سياق المنظومة الحالية إلى حد إعلان رئاسة الجمهورية عن برنامجها وتحديد مقومات منظومتها فيما ترى قراءات أخرى أن الحياة السياسية لا تستقيم دون أحزاب.
علما أن هناك أكثر من 280 حزبا سياسيا متحصلا على ترخيص وفق تأكيد مصالح الوزير لدى رئاسة الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان أي أن العدد يقارب 300 حزب تصنف ضمن تيارات وعائلات فكرية وسياسية مختلفة منها ما هو ليبرالي وأحزاب يسارية أو قومية عربية وأخرى إسلامية ذات خلفيات إيديولوجية أو بيئية.
وقد كان للقرارات الرئاسية الصادرة في 25 جويلية الماضي وقعها على المشهد الحزبي في تونس سواء تعلق الأمر بالأحزاب الفاعلة في الحكم والمكونة للبرلمان أو غيرها من المعارضة، وذلك بإحداث انقسام بين مساند وداعم لتلك القرارات القاضي بتجميد البرلمان ووضع حد لمنظومة الحكم القائمة قبل ذلك التاريخ والدخول في مرحلة استثنائية، مقابل شق آخر من الأحزاب الرافضة لذلك الخيار الذي قاده قيس سعيد رئيس الجمهورية.
لتكون الرجة الثانية التي هزت "عرش" عدد كبير من هذه الأحزاب بعد 22 سبتمبر تاريخ الإعلان عن الأمر 117 وما جاء بين طياته أكدتها قراءات لمختصين في القانون الدستوري من توجه جدي لسياسة سعيد في القطع مع المنظومة القديمة ومع مكونات المشهد السياسي والحزبي. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل تعداه لفتح ملف الأحزاب ومصادر التمويلات ومدى استجابتها لقانون الأحزاب وإعادة فتح تقرير دائرة المحاسبات المتعلق بانتخابات 2019 وما تضمنه من أدلة حول تجاوزات مسجلة لفائدة أحزاب لعل أبرزها تلقي تمويلات من الخارج وهي تجاوزات ترتقي إلى حد إسقاط قائمات من البرلمان تخص بالتحديد أحزاب "النهضة وقلب تونس وعيش تونسي". وما تبع ذلك من قرارات وإجراءات من أبرزها إعلان سعيد عن تكليف نجلاء بودن بتشكيل حكومة غير متحزبة، ونجاحها في اختيار فريق وزاري بعد 13 يوما فقط.
وقد كانت هذه الفترة الاستثنائية مناسبة لعودة عدد كبير من الأحزاب إلى دائرة الضوء والتحرك سواء منها الأحزاب التقليدية التي لفظتها نتائج الانتخابات التشريعية في 2014 أو الأخيرة وغيرها من الأحزاب "الفتية" أو تلك التي استثمرت في "باتنيدات" أحزاب أخرى وظهرت في لبوس سياسي جديد في محاولة للاستثمار في المرحلة على أمل كسب ود المواطن من جديد في الانتخابات القادمة خاصة بالنسبة للقيادات الكلاسيكية لبعض الأحزاب التي عجزت عن إقناع "الناخب" في مختلف الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية أو التشريعية.
وقد اكتفت جل مكونات المشهد الحزبي في الفترة الاستثنائية الأخيرة بالعمل على إعلاء صوتها بالرفض والاستنكار أو الدعم سواء عبر المراهنة على الشارع والحشد الشعبي في تحركاتها الميدانية أو من خلال البيانات ومحاولات الضغط على رئاسة الجمهورية في محاولة لإثناء سعيد عن عزمه والحيلولة دون توصله لتنفيذ مشروعه أو ما وعد به في تهديداته للطبقة السياسية في تحميله لها مسؤولية فشلها في إدارة شؤون البلاد وانتشار الفساد وتردي الأوضاع. وذلك عبر الضغوط داخل تونس وخارجها. وهي محاولات ساهمت في كشف مدى علاقة جل هذه الأحزاب بالمصلحة الوطنية وعدم قدرتها على ضبط برنامج عملي نابع في أبعاده وتفاصيله من استحقاقات البلاد وانتظارات المواطن.
هشاشة حزبية
وذهبت عديد القراءات إلى أن قرارات سعيد الرئاسية كشفت مدى هشاشة الأحزاب ومن ثمة النظام السياسي الذي كان يحكم البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة وعدم ارتكازها على برنامج واضح المعالم والأهداف من اولوياته المصلحة الوطنية وما يستجيب لتوفير كرامة المواطن من عيش كريم، وارتهان جلها لأجندات دخيلة أو توجهات لا تراعي حاجة الوطن والمواطنين وانتظاراتهم أو للوبيات المتحكمة في الدولة ومقدراتها واقتصادها.
وهو ما انعكس على أداء هذه الطبقة السياسية بشكل ساهم في ترذيل العمل السياسي وأدى إلى نفور نسبة كبيرة من المواطنين من السياسيين والأحزاب المكونة للمشهد السياسي. الأمر الذي سهل مهمة قيس سعيد في المضي في تطبيق قراراته يوم 25 جويلية ونجاحه في تفعيل التدابير الاستثنائية بما تهدف إليه من إعادة ترتيب الأوضاع والإصلاحات والتحويرات المنتظرة.
الصغير الزكراوي لـ"الصباح": المراجعة والمحاسبة
في تطرقه للموضوع أفاد الصغير الزكراوي المختص في القانون العام بالجامعة التونسية، أن الأحزاب أصبحت بموجب تدابير المرحلة الاستثنائية في "عطالة فنية" واعتبر ذلك منطقيا باعتبار أنها وحدها تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المتردية والأزمات المتراكمة في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة سواء تعلق الأمر بالأحزاب المكونة لمنظومات الحكم أو الأخرى في المعارضة. وأكد الزكراويلـ"الصباح، أن هذه الفترة الاستثنائية تعد فرصة لهذه الأحزاب للقيام بمراجعات دقيقة وشاملة لطريقة عملها وتعاطيها مع الشأن العام في العقد الأخير، ومحاسبة نفسها عما اقترفته في حق البلاد ومؤسساتها والمواطن. رغم تأكيده على أن النظام السياسي يقوم بالأساس على الأحزاب.
في جانب آخر من حديثه عن نفس المسألة قال محدثنا: "صحيح أن رئيس الجمهورية تحدث عن التطهير وهذه المسألة لا يجب أن تتوقف عند الأفراد بل تشمل الأحزاب والجمعيات أيضا. على نحو يجعل المرحلة القادمة مرحلة لفتح أفق سياسي جديد يفضي إلى مراجعات جدية أهمها أخلقة العمل السياسي عبر تأسيس أحزاب تساهم في بناء الوطن وتعمل على تكريس ثقافة العمل وحب البلاد والقيام بالدور التأطيري وفق ما هو مطلوب من الأحزاب".
لذلك اعتبر الصغير الزكراوي أن فتح ملفات القانون الانتخابي وقانون الأحزاب ومصادر التمويل كفيل بوضع حد للفوضى التي تكتنف الساحة السياسية باعتبار أن أغلب الأحزاب تنشط خارج القانون وفق تقديره. وشدد المختص في القانون العام على أن مراجعة كل ما يتعلق بمكونات النظام السياسي في تونس في هذه المرحلة وإعادة تشكيله على أسس قانونية من شانه أن يفتح أفقا سياسيا جديدا لكن بقيادات جديدة بسبب تهرم القيادات الحالية لجل الأحزاب منتقدا في ذلك المفارقة التي وصفها بالعجيبة والصعبة، والمتمثلة في دعوات بعض القيادات الكلاسيكية للأحزاب العائلية أو غيرها للتمسك بالديمقراطية في حين أنها لا تؤمن بها ولا تعترف بها داخل أحزابها.
كما اعتبر أن عملية التطهير لا تقتصر على ما هو حزبي فقط وإنما تشمل جميع الميادين والقطاعات التي تحولت إلى ما يشبه مستنقعات سياسية ساهمت في تردي الوضع في البلاد، خاصة أمام ما وصفه بالتكاثر "البكتيري" للأحزاب او الحالة المرضية لها على نحو تظهر في كل مرة طائفة من الأحزاب لتختفي وتأفل قائمة أخرى دون برامج أو أهداف أو مقومات تضمن بقاءها ونجاعتها في القيام بدورها التأطيري والتنظيمي.
واعتبر في محاولات عودة هذه الأحزاب عبر آليات وطرق غير ممنهجة في هذه المرحلة وتخوف البعض من محاولاتها لعرقلة عمل هذه الحكومة خاصة بالنسبة للأحزاب التي نفرها المزاج العام وأصبح يرفضها، من شانه أن يؤدي إلى اندثارها ليس باعتبارها كانت جزءا من الأزمات بل بسبب جدية سلطة الإشراف في فتح ملفات مدى قيام هذه الأحزاب بواجباتها المحاسبية والجبائية.
خالد عبيد لـ"الصباح": فرصة لإعادة استمالة التونسيين
من جانبه اعتبر الجامعي خالد عبيد أن وجود الأحزاب ضروري في أي نظام سياسي ومرحلة، على اعتبار أن الحزب يبقى "مظلة" يمكن لأي فرد أن يجد تجاوبا مع ما يفكر فيه أو يطمح له ضمن هذا الحزب أو ذاك، وفق تقديره. ويعتبر أن هذه المسألة أساسية لأي نظام ديمقراطي. ويرى أنه من البديهي أن تتجه الأحزاب إلى مراجعة برامجها واستراتيجياتها في هذه المرحلة. والأهم هو قدرة هذه الأحزاب على قراء الظرفية. وأضاف في نفس السياق قائلا: "إن أجاد أي حزب قراءة الظرفية جيدا فإنه سيكون قادرا على التعبئة أكثر وإيصال صوته في حين إن عجز عن ذلك فإنه سيكون في وادي ومن يريد أن يكسبه إليه في وادي آخر كما هو الحال اليوم بالنسبة لبعض الأحزاب في تونس".
وفسر خالد عبيد أن ما حدث في تونس خلال هذه الفترة يعد سببا لذلك، بقطع النظر عن الجدل القائم حول دستوريته من عدمها. وهو ما يبين وفق قراءته أن هناك أزمة حقيقية في تونس تشمل ليس فقط الأحزاب بل الحياة السياسية برمتها. واعتبر أن ذلك يتطلب مراجعة شاملة لكل من يأنس في نفسه المشاركة في الحياة السياسية وذلك بضرورة أن يكون النشاط أو الحزب مرآة تعكس حقيقة مشاغل التونسيين ومآسيهم وأحلامهم وهمومهم وانتظاراتهم والتوجه والتفكير عكس ذلك بالنسبة للأحزاب والسياسيين وضعه محدثنا في خانة الوقت الضائع.
كما اعتبر الجامعي أن هذه الفترة الاستثنائية القصيرة فرصة ينظر إليها كإمكانية كبيرة لإعادة استمالة عموم التونسيين الذين ضاقوا ذرعا بالسياسة والسياسيين في السنوات الأخيرة.