يكفي أن تقف أمام محل لبيع الخضر أو الغلال أو المواد الغذائية الأساسية لترى تلك الحيرة والاستغراب والاستياء على وجوه الزبائن، الذين يتسمّر بعضهم في مكانه مصعوقا من الارتفاع المشط للأسعار التي تقفز يوميا إلى أعلى مستوياتها دون أن يملك أحد القوة ولا القدرة على فرملتها وتثبيتها في مستويات تتماشى مع القدرة الشرائية للتونسيين التي انهارت بشكل كارثي.. ولم يعد يفيد مع هذه الأسعار الجنونية لا التدبير المحكم ولا التحايل في اقتناء الحاجيات بما يستجيب إلى إمكانيات الأسر.
يشتكي التونسي دون أن يجد مستجير أو مغيث..، فلا أجهزة الدولة قادرة على إنقاذه من براثن المحتكرين والمضاربين الذين باتوا يتحكمون في السوق بشكل يكاد يكون مطلقا، ولا الوضع الاقتصادي والاجتماعي منحه الأمل فان الأمور ستتحسن في المستقبل.. ويستغل اليوم المضاربون في السوق وتجار الأزمات، حاجة المواطن للتنكيل به في غياب أجهزة رقابة صارمة تملك قوة إنفاذ القانون على المخالفين والمارقين.
وحتى تحركات رئيس الجمهورية بعد إجراءات 25 جويلية وحملته المعلنة لمقاومة والضرب على يد المحتكرين والمضاربين بقوت المواطن ورغيف خبز المواطن، انطلقت بحماس ثم سرعان ما انتهت حملة التصدي الى الممارسات الاحتكارية إلى التجاهل والنسيان وعادت الكارتيلات الاقتصادية واللوبيات وبارونات التهريب والمضاربون لأخذ مواقعهم من جديد والتحكم في كل لقمة يتناولها التونسيون وفي كل احتياجاتهم الحياتية أمام عجز واضح من وزارة التجارة والمراقبة الاقتصادية ومجلس المنافسة.
الزيت المدعم.. مأساة مواطن وفضيحة دولة
في القرى والأرياف والدشر المنسية ومناطق الظل المهمشة، يمثل الزيت المدعم مادة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها بالنظر الى انخفاض سعره، وقد حرصت الدولة على مدى السنوات أن يكون الزيت المدعم أو»زيت الحاكم «متوفرا في هذه المناطق..، اليوم يعيش متساكنو هذه المناطق رحلة عذاب يومية وهم يلهثون وراء الحصول على قارورة زيت مدعم ولا يجدونها ويضطرون في النهاية إلى أن يدفعوا دنانيرهم القليلة بطبعها للحصول بدلا عنها زيت نباتي باهظ الثمن ولا يلائم اطلاقا قدرتهم الشرائية وأغلبيتهم تحت خط الفقر والذي التهم أكثر من خمس السكان وفق احصائيات مفزعة للمعهد الوطني للإحصاء..
امام محل لبيع المواد الغذائية بجهة اريانة كان العم محمد يحاول بكل الطرق أن يقنع صاحبة المحل أن لا تنسى وتترك له قارورة من الزيت المدعم مع أول عملية تزود وأبدى استعداده ان يدفع سعرا مضاعفا كثمن للقارورة الواحدة، وق برر ذلك عم محمد بأنه حتى ولو دفع سعرا مضاعفا فانه سيكون الرابح في النهاية بالنظر الى الارتفاع الكبير لأسعار بقية الزيوت النباتية وقال »الله غالب العطارة اليوم تحولوا بدورهم إلى مضاربين صغار في مادة الزيت المدعم«.. والزيت المدعم تحول إلى مسلسل درامي، في حياة التونسيين وفضيحة للدولة في بلد تفوق احتياجاته من هذه المادة 15 الف طن لا توفر وزارة التجارة الا نصفها..
واختفاء الزيت المدعم من الأسواق منح الفرصة لشركات الزيوت النباتية الخاصة لغزو السوق وتحقيق أرباح خيالية رغم نفي رئيس الغرفة الوطنية لمعلبي الزيوت الغذائية مختار بن عاشور أن ما يتم ترويجه بشأن احتكار مادة الزيت المدعم لا أساس له من الصحة. وأن الزيت المدعم متوفر بكميات قليلة وبالتالي لا يمكن احتكاره، وأن أصحاب المصانع يواجهون خطر الإفلاس أو السجن بسبب تراكم الديون وعدم القدرة على تسديدها في الإبان.. ورغم تلويح أمين مال المجمع المهني لتعليب الزيت النباتي التابع لكنفدرالية المؤسسات المواطنة كوناكت جمال العرف، أنه سيقع تسليط عقوبات تصل إلى السجن في حق الأشخاص الذين يتعمدون الترفيع في الأسعار..
المياه المعدنية.. "كارتيل" جديد يتشكل
أثارت تصريحات رئيس الجمهورية بشأن غلاء أسعار الماء الذي قال إن الطبيعة تجود به وخدمات الصوناد السيئة والشركات المتهافتة على الربح تستغل ذلك وتبيع المياه المعدنية بأسعار باهظة للمواطنين.. وكان رد فعل هذه الشركات التجارية المتحكمة في السوق ان عمدت الى التخفيض في تزويد السوق وهو ما شكل شبه أزمة خلال شهر اوت الماضي وعللت المسؤولة عن الاتصال بالديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه مفيدة بن نصر، أن انقطاع إنتاج الوحدات خلال الأسابيع الأخيرة من شهر أوت، كان بسبب الاعتصامات والمطالب الاجتماعية والاخلالات التقنية. علما وأن استهلاك الماء المعدني قفز من 2.200 مليار لتر في عام 2019 إلى 2.700 مليار لتر في عام 2020، مقابل 900 مليون لتر في عام 2010. ووحدات التصنيع في مجال المياه المعدنية بتونس تضاعف بصفة ملحوظة، إذ انتقلت من 7 وحدات سنة 1994 إلى 29 وحدة حاليا، متواجدة في عدة مناطق بطاقة إنتاجية تقارب 500 ألف قارورة في الساعة.
وبمجرد أن استشعر بعض هذه الوحدات الخطر بعد تصريحات رئيس الجمهورية حتى تكتلوا في وفاق للتحكم في حركة السوق التي كانت انسيابية في هذه المادة بالذات..
وقبل "كارتيل" المياه المعدنية، تحكم "كارتيل" الحديد في السوق وغيرهما كارتيلات كثيرة وفي مجالات مختلفة بلغت حد الدواء والتلاعب بصحة المواطنين.. وما إن تبادر وزارة الاشراف او الحكومات باتخاذ إجراءات لتنظيم عملية تزويد الأسواق حتى تبادر الى تكوين وفاق اقتصادي يستقوى على الإجراءات ويحافظ على موقع التحكم في السوق.
وزارة التجارة.. وزارة ضعيفة!
كل هذه الممارسات هي من أسس للاحتكار الذي يستفيد من ضعف الدولة واستضعافها من طرف لوبيات المال التي أنهكت القدرة الشرائية للتونسيين واستنزفتها كليا رغم تنقيح قانون المنافسة في 2015 ومضاعفة العقوبات المسلطة على المحتكرين وتفعيل دور مجلس المنافسة من جديد حتى يكون دوره أشبه بالمحكمة التي تفض النزاعات التجارية. ويرى الخبير الاقتصادي محسن حسن ان هناك إجراءات يجب اتخاذها اليوم لتقليم أظافر المحتكرين ومنها تنظيم الأسواق الأسبوعية وأسواق الانتاج وأسواق الجملة لتنظيم مسالك التوزيع وتشديد المراقبة بدعم وزارة التجارة ووضع جهاز مستقل للمراقبة الاقتصادية ودعمه بالموارد المالية واللوجستية والبشرية.
وكانت وزارة التجارة وتنمية الصادرات قد أعلنت منذ أسابيع عن وضعها لتطبيقة رقمية تُعنى بمتابعة عمليات التصريح بمحتوى مخازن التبريد، وتسجيل حركة معاملاتها اليومية بالمنتوجات المخزنة وقد انطلق العمل بهذه التطبيقة فعليا منذ 16 اوت الماضي ولكن اليوم بعد شهرين من انطلاقها لا نرى لها تأثيرا على ارض الواقع في مقاومة الاحتكار وفي الحد من الارتفاع الصاروخي للأسعار او في القضاء على المخازن العشوائية.
وقد أكد رئيس المنظمة الوطنية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن الإرادة السياسية الراغبة في الضرب على أيدي المضاربين، ما تزال غائبة بل وهناك تورط في منظومة الفساد نفسها.
ومؤخرا أكد وزير التجارة محمد بوسعيد أن الوزارة ستستعمل كل الآليات الضرورية للتصدي لظاهرتي الاحتكار والانتصاب الفوضوي خاصة مع تفشي ظاهرة "الأسواق الموازية"، وذلك سيكون بتنظيم ندوة وطنية للبلديات بالتعاون مع وزارة الشؤون المحلية والبيئة لتسليط الضوء على أهمية دور الجماعات المحلية في تنظيم الأسواق في مختلف الجهات ومراجعة التشاريع الخاصة بالتحكم في الفضاءات والأسعار والجودة واللف والتصنيف.. وتبدو هذه الإجراءات مضحكة في السياقات الراهنة وتنم كذلك ان وزير التجارة يفتقد عمليا لخطة عمل واضحة للتصدي الى هذه الممارسات الاحتكارية التي باتت تهدد حتى الاستقرار الاجتماعي وان الإدارة متمسكة بلعب أدوار تمويهية في اطار البيروقراطية المعهودة التي فشلت طوال عقود وسنوات عن تقديم حلول ناجعة وناجزة.
مجلس المنافسة.. لا حياة لمن تنادي!
كان يفترض بمجلس المنافسة ان يلعب دورا أساسيا في الحد من الممارسات الاحتكارية التي أضرت بالاقتصاد الوطني ولكن ومنذ الثورة والى حدود 2015 تم تجميد هذا المجلس والتعامل معه وكأنه غير موجود من الأساس، وبعد تنقيح القانون في 2015 عاد هذا المجلس الى نشاطه ولكنه كان نشاطا محتشما وغير مؤثر.
وحتى عودته مؤخرا الى النشاط والى الأضواء الا ان عمله الى اليوم ما زال دون المأمول والمتوقع منه حتى بعد قراره الأخير بالتّعهد تلقائيا بفتح بحث في عدد من المنتوجات والمواد التي شهدت سواء ندرة في الإنتاج او ارتفاعا في الأسعار بطريقة تدعو الى الريبة والشك وفق ما أعلنه رضا بن محمود رئيس مجلس المنافسة بداية شهر سبتمبر المنقضي، ولكن الى اليوم لما تصدر نتائج هذا التحقيق ولم يتم ترشيد الأسعار وفق توصيات المجلس.
وكل ما تقدم يشير بشكل صريح إلى أن المضاربين والمحتكرين الذين عبثوا بقوت التونسيين ويهددون المناخ الاجتماعي بعدم الاستقرار، لم يجدوا بعد أمامهم أجهزة دولة قوية قادرة على التصدي لهم وردعهم.
منية العرفاوي
تونس-الصباح
يكفي أن تقف أمام محل لبيع الخضر أو الغلال أو المواد الغذائية الأساسية لترى تلك الحيرة والاستغراب والاستياء على وجوه الزبائن، الذين يتسمّر بعضهم في مكانه مصعوقا من الارتفاع المشط للأسعار التي تقفز يوميا إلى أعلى مستوياتها دون أن يملك أحد القوة ولا القدرة على فرملتها وتثبيتها في مستويات تتماشى مع القدرة الشرائية للتونسيين التي انهارت بشكل كارثي.. ولم يعد يفيد مع هذه الأسعار الجنونية لا التدبير المحكم ولا التحايل في اقتناء الحاجيات بما يستجيب إلى إمكانيات الأسر.
يشتكي التونسي دون أن يجد مستجير أو مغيث..، فلا أجهزة الدولة قادرة على إنقاذه من براثن المحتكرين والمضاربين الذين باتوا يتحكمون في السوق بشكل يكاد يكون مطلقا، ولا الوضع الاقتصادي والاجتماعي منحه الأمل فان الأمور ستتحسن في المستقبل.. ويستغل اليوم المضاربون في السوق وتجار الأزمات، حاجة المواطن للتنكيل به في غياب أجهزة رقابة صارمة تملك قوة إنفاذ القانون على المخالفين والمارقين.
وحتى تحركات رئيس الجمهورية بعد إجراءات 25 جويلية وحملته المعلنة لمقاومة والضرب على يد المحتكرين والمضاربين بقوت المواطن ورغيف خبز المواطن، انطلقت بحماس ثم سرعان ما انتهت حملة التصدي الى الممارسات الاحتكارية إلى التجاهل والنسيان وعادت الكارتيلات الاقتصادية واللوبيات وبارونات التهريب والمضاربون لأخذ مواقعهم من جديد والتحكم في كل لقمة يتناولها التونسيون وفي كل احتياجاتهم الحياتية أمام عجز واضح من وزارة التجارة والمراقبة الاقتصادية ومجلس المنافسة.
الزيت المدعم.. مأساة مواطن وفضيحة دولة
في القرى والأرياف والدشر المنسية ومناطق الظل المهمشة، يمثل الزيت المدعم مادة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها بالنظر الى انخفاض سعره، وقد حرصت الدولة على مدى السنوات أن يكون الزيت المدعم أو»زيت الحاكم «متوفرا في هذه المناطق..، اليوم يعيش متساكنو هذه المناطق رحلة عذاب يومية وهم يلهثون وراء الحصول على قارورة زيت مدعم ولا يجدونها ويضطرون في النهاية إلى أن يدفعوا دنانيرهم القليلة بطبعها للحصول بدلا عنها زيت نباتي باهظ الثمن ولا يلائم اطلاقا قدرتهم الشرائية وأغلبيتهم تحت خط الفقر والذي التهم أكثر من خمس السكان وفق احصائيات مفزعة للمعهد الوطني للإحصاء..
امام محل لبيع المواد الغذائية بجهة اريانة كان العم محمد يحاول بكل الطرق أن يقنع صاحبة المحل أن لا تنسى وتترك له قارورة من الزيت المدعم مع أول عملية تزود وأبدى استعداده ان يدفع سعرا مضاعفا كثمن للقارورة الواحدة، وق برر ذلك عم محمد بأنه حتى ولو دفع سعرا مضاعفا فانه سيكون الرابح في النهاية بالنظر الى الارتفاع الكبير لأسعار بقية الزيوت النباتية وقال »الله غالب العطارة اليوم تحولوا بدورهم إلى مضاربين صغار في مادة الزيت المدعم«.. والزيت المدعم تحول إلى مسلسل درامي، في حياة التونسيين وفضيحة للدولة في بلد تفوق احتياجاته من هذه المادة 15 الف طن لا توفر وزارة التجارة الا نصفها..
واختفاء الزيت المدعم من الأسواق منح الفرصة لشركات الزيوت النباتية الخاصة لغزو السوق وتحقيق أرباح خيالية رغم نفي رئيس الغرفة الوطنية لمعلبي الزيوت الغذائية مختار بن عاشور أن ما يتم ترويجه بشأن احتكار مادة الزيت المدعم لا أساس له من الصحة. وأن الزيت المدعم متوفر بكميات قليلة وبالتالي لا يمكن احتكاره، وأن أصحاب المصانع يواجهون خطر الإفلاس أو السجن بسبب تراكم الديون وعدم القدرة على تسديدها في الإبان.. ورغم تلويح أمين مال المجمع المهني لتعليب الزيت النباتي التابع لكنفدرالية المؤسسات المواطنة كوناكت جمال العرف، أنه سيقع تسليط عقوبات تصل إلى السجن في حق الأشخاص الذين يتعمدون الترفيع في الأسعار..
المياه المعدنية.. "كارتيل" جديد يتشكل
أثارت تصريحات رئيس الجمهورية بشأن غلاء أسعار الماء الذي قال إن الطبيعة تجود به وخدمات الصوناد السيئة والشركات المتهافتة على الربح تستغل ذلك وتبيع المياه المعدنية بأسعار باهظة للمواطنين.. وكان رد فعل هذه الشركات التجارية المتحكمة في السوق ان عمدت الى التخفيض في تزويد السوق وهو ما شكل شبه أزمة خلال شهر اوت الماضي وعللت المسؤولة عن الاتصال بالديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه مفيدة بن نصر، أن انقطاع إنتاج الوحدات خلال الأسابيع الأخيرة من شهر أوت، كان بسبب الاعتصامات والمطالب الاجتماعية والاخلالات التقنية. علما وأن استهلاك الماء المعدني قفز من 2.200 مليار لتر في عام 2019 إلى 2.700 مليار لتر في عام 2020، مقابل 900 مليون لتر في عام 2010. ووحدات التصنيع في مجال المياه المعدنية بتونس تضاعف بصفة ملحوظة، إذ انتقلت من 7 وحدات سنة 1994 إلى 29 وحدة حاليا، متواجدة في عدة مناطق بطاقة إنتاجية تقارب 500 ألف قارورة في الساعة.
وبمجرد أن استشعر بعض هذه الوحدات الخطر بعد تصريحات رئيس الجمهورية حتى تكتلوا في وفاق للتحكم في حركة السوق التي كانت انسيابية في هذه المادة بالذات..
وقبل "كارتيل" المياه المعدنية، تحكم "كارتيل" الحديد في السوق وغيرهما كارتيلات كثيرة وفي مجالات مختلفة بلغت حد الدواء والتلاعب بصحة المواطنين.. وما إن تبادر وزارة الاشراف او الحكومات باتخاذ إجراءات لتنظيم عملية تزويد الأسواق حتى تبادر الى تكوين وفاق اقتصادي يستقوى على الإجراءات ويحافظ على موقع التحكم في السوق.
وزارة التجارة.. وزارة ضعيفة!
كل هذه الممارسات هي من أسس للاحتكار الذي يستفيد من ضعف الدولة واستضعافها من طرف لوبيات المال التي أنهكت القدرة الشرائية للتونسيين واستنزفتها كليا رغم تنقيح قانون المنافسة في 2015 ومضاعفة العقوبات المسلطة على المحتكرين وتفعيل دور مجلس المنافسة من جديد حتى يكون دوره أشبه بالمحكمة التي تفض النزاعات التجارية. ويرى الخبير الاقتصادي محسن حسن ان هناك إجراءات يجب اتخاذها اليوم لتقليم أظافر المحتكرين ومنها تنظيم الأسواق الأسبوعية وأسواق الانتاج وأسواق الجملة لتنظيم مسالك التوزيع وتشديد المراقبة بدعم وزارة التجارة ووضع جهاز مستقل للمراقبة الاقتصادية ودعمه بالموارد المالية واللوجستية والبشرية.
وكانت وزارة التجارة وتنمية الصادرات قد أعلنت منذ أسابيع عن وضعها لتطبيقة رقمية تُعنى بمتابعة عمليات التصريح بمحتوى مخازن التبريد، وتسجيل حركة معاملاتها اليومية بالمنتوجات المخزنة وقد انطلق العمل بهذه التطبيقة فعليا منذ 16 اوت الماضي ولكن اليوم بعد شهرين من انطلاقها لا نرى لها تأثيرا على ارض الواقع في مقاومة الاحتكار وفي الحد من الارتفاع الصاروخي للأسعار او في القضاء على المخازن العشوائية.
وقد أكد رئيس المنظمة الوطنية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن الإرادة السياسية الراغبة في الضرب على أيدي المضاربين، ما تزال غائبة بل وهناك تورط في منظومة الفساد نفسها.
ومؤخرا أكد وزير التجارة محمد بوسعيد أن الوزارة ستستعمل كل الآليات الضرورية للتصدي لظاهرتي الاحتكار والانتصاب الفوضوي خاصة مع تفشي ظاهرة "الأسواق الموازية"، وذلك سيكون بتنظيم ندوة وطنية للبلديات بالتعاون مع وزارة الشؤون المحلية والبيئة لتسليط الضوء على أهمية دور الجماعات المحلية في تنظيم الأسواق في مختلف الجهات ومراجعة التشاريع الخاصة بالتحكم في الفضاءات والأسعار والجودة واللف والتصنيف.. وتبدو هذه الإجراءات مضحكة في السياقات الراهنة وتنم كذلك ان وزير التجارة يفتقد عمليا لخطة عمل واضحة للتصدي الى هذه الممارسات الاحتكارية التي باتت تهدد حتى الاستقرار الاجتماعي وان الإدارة متمسكة بلعب أدوار تمويهية في اطار البيروقراطية المعهودة التي فشلت طوال عقود وسنوات عن تقديم حلول ناجعة وناجزة.
مجلس المنافسة.. لا حياة لمن تنادي!
كان يفترض بمجلس المنافسة ان يلعب دورا أساسيا في الحد من الممارسات الاحتكارية التي أضرت بالاقتصاد الوطني ولكن ومنذ الثورة والى حدود 2015 تم تجميد هذا المجلس والتعامل معه وكأنه غير موجود من الأساس، وبعد تنقيح القانون في 2015 عاد هذا المجلس الى نشاطه ولكنه كان نشاطا محتشما وغير مؤثر.
وحتى عودته مؤخرا الى النشاط والى الأضواء الا ان عمله الى اليوم ما زال دون المأمول والمتوقع منه حتى بعد قراره الأخير بالتّعهد تلقائيا بفتح بحث في عدد من المنتوجات والمواد التي شهدت سواء ندرة في الإنتاج او ارتفاعا في الأسعار بطريقة تدعو الى الريبة والشك وفق ما أعلنه رضا بن محمود رئيس مجلس المنافسة بداية شهر سبتمبر المنقضي، ولكن الى اليوم لما تصدر نتائج هذا التحقيق ولم يتم ترشيد الأسعار وفق توصيات المجلس.
وكل ما تقدم يشير بشكل صريح إلى أن المضاربين والمحتكرين الذين عبثوا بقوت التونسيين ويهددون المناخ الاجتماعي بعدم الاستقرار، لم يجدوا بعد أمامهم أجهزة دولة قوية قادرة على التصدي لهم وردعهم.