رغم التمثيليات التي كانت لحزب حركة النهضة في مختلف الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة، الا انها في كل مرة كانت تجد طريقا للتنصل من مسؤولياتها لترمي كرة الفشل وسوء التسيير الى ملعب المشترك والتنسيب.. فلا مسؤولية كاملة ولا حكما كاملا..
وفي اطار النسب وتوزيع المسؤوليات اتجهت "الصباح" في مقالها اليوم الى تحديد واحتساب حجم ونسب مشاركة حزب حركة النهضة في الحكومات المتعاقبة ومدى تأثيرها في السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تم انتهاجها على امتداد العشر سنوات الماضية.
ما يجدر الوقوف عنده بداية هو ان حركة النهضة، مكنها حجم كتلتها البرلمانية من تولي راس السلطة التنفيذية في اكثر من مناسبة خلال العشر السنوات الماضية ومن الفوز برئاسة البرلمان في اخر انتخابات انتظمت سنة 2019. .وبأخذنا للمسافة الزمنية الحالية من الحكومات المتتالية نجد أن الحركة لم تكتف بتمثيليتها المعلنة بل سعت في كل مرة الى تدعيم تواجدها بذوي القربى والمؤلفة قلوبهم والذين يتم اخراجهم تحت مسمى المستقلين.. أو عبر العمل على استمالة واستقطاب من لا لون لهم في حكومات التكنوقراط والكفاءات..
ورسميا تولت حركة النهضة الحكم مع حكومة حمادي الجبالي، وهي ثاني حكومات ما بعد الثورة، جاءت على خلفية نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 التي فازت فيها الحركة بأغلبية برلمانية وكانت تمثيلية بـ 89 مقعدا.. ما مكنها من ان تكون الطرف السياسي المعني بتكوين الحكومة.. وسياسيا، وما لا يختلف فيه اثنان، اختيار الحركة لأحد قياداتها التاريخية لتولي هذه المسؤولية في حد ذاته يجعلها تتحمل جميع الاختيارات الحكومية التي تم اتخاذها خلال فترة حكمه بغض النظر على التمثيلية النسبية التي كانت لها في التركيبة.
وتولت حكومة الجبالي الحكم يوم 24 ديسمبر 2011، نصيب حركة النهضة المعلن فيها كان عبر تسمية 16 عضوا ( بينها وزير مكلف) وكاتب دولة.. اما الجزء الخاص بالمستقلين والمؤلفة قلوبهم فكان في حدود الـ 6 أعضاء أو الـ 7 أعضاء آخرين لتكون تمثيليتها في الحكومة المكونة من 42 عضوا في حدود 23 عضوا باحتساب رئيس الحكومة، وهو ما يمثل تقريبا نسبة 54.8% من الحكومة..
حكومة لم تدم طويلا، فسريعا وبعد سنة ونيف وعلى خلفية تسجيل أول اغتيال سياسي، أعطت المشعل إلى حكومة العريض، وعموما لم تتغير السياسات العامة لحركة النهضة في حكومتها الثانية (الثالثة ما بعد الثورة) حيث أبقت على قيادي تاريخي منها كرئيس حكومة، وحافظت تقريبا على نفس التمثيلية في تركيبتها ومن بين 38 عضوا مكونا للحكومة الجديدة كان نصيب الحركة 13 عضوا باحتساب رئيس الحكومة ونحو الـ 9 الآخرين من المستقلين (منهم من ترشح في الانتخابات التالية مع الحركة) لترتفع نسبة تمثيليتها إلى حدود الـ 57%.
وبالوصل إلى آخر حكومات انتخابات المجلس الوطني التأسيسي مع المهدي جمعة التي جاءت على خلفية الاغتيال السياسي الثاني وأزمة سياسية غير مسبوقة للبلاد ومسار طويل لحوار وطني. حكومة كان بموافقة لكل الأطراف السياسية آنذاك ومنها حركة النهضة التي ورغم انها كانت حكومة كفاءات ومستقلين، فتبين بعد سنوات ان حركة النهضة قد حكمت معها من وراء الستار وعبر الكواليس..
وهذا الحكم غير المباشر، والتمثيلية غير المعلنة الذي اعتمدته حركة النهضة لتقوية حضورها من ناحية وكآلية للتملص من كل مسؤولية سياسية كاملة أمام التونسيين، يبدو انه تحول الى احد خيارات الحركة السياسية ما بعد انتخابات 2014، خاصة وأنها تحولت من الكتلة الأولى الى الكتلة الثانية في البرلمان.. وحافظت بفضل ما شهدته كتلة نداء تونس من خلافات وانقسامات على وزنها السياسي البرلماني وعلى قوة تأثيرها في القرار الحكومي باعتبارها الكتلة الأكثر تجانسا وانضباطا بالتالي المحدد في التصويت..
اما بالنسبة للتمثيلية فكان تواجد حزب حركة النهضة في حكومة الصيد الأولى والثانية والتي كانت اغلبيتها مستقلين في حدود الـ 4 أعضاء مع عين كاشفة على وزارات كالداخلية وتكنولوجيات الاتصال والطاقة والمناجم والتعليم العالي.. لتبقى بالتالي نسبة تواجدها كطرف السياسي في حكومة الصيد هي الأعلى بين المشاركين في الحكومة فمن بين الـ 45,2% من الأعضاء المتحزبين لحكومة حبيب الصيد كان للنهضة نسبة 17%.
أما مع حكومات يوسف الشاهد الثلاث، فعبر تمثيلية يمكن القول ان حركة النهضة في كل تغيير تميل نحو الكفة اكثر، مستفيدة من تفاقم وتوسع الخلافات داخل حزب نداء تونس، لتسعى إلى تدعيم تواجدها فتطورت تمثيليتها المعلنة من 6 الى 8 أعضاء مع مراوحة للمؤلفة قلوبهم بين 2 و3 أعضاء.. وهو ما جعل نسبة تمثيليتها متحركة تتراوح بين 25 و27 % من تركيبة الحكومة دعمها بشدة تطور علاقتها التدريجي مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد آنذاك.. وما مكنها من أن تكون رقما صعبا وحاكما حقيقيا من الكواليس.
وحتى في قراءة التركيبات اللاحقة لحكومات ما بعد انتخابات 2019، والتي عادت فيها حركة النهضة الى المرتبة الأولى برلمانيا ومع ما طرأ معها من مستجد، مررنا به الى حكومات الرئيس على خلفية سقوط حكومة الحبيب الجملي، لم تغير حركة النهضة في سياسات الحكم من الظل وتدعيم تواجها برجالاتها غير المعلنين، وبالتالي لم تكن تمثيليتها في حكومة الياس الفخفاخ التي ضمت 32 عضوا 6 أعضاء فقط بل كانت مدعمة بنحو 4 أسماء اخرين لتصبح تمثيليتها أغلبية بـ31% من أعضاء الحكومة.
اما بالنسبة لحكومة هشام مشيشي التي أحاطها منذ بداية توليها الكثير من التجاذب السياسي وعدم الاستقرار، وانطلقت بشغورات وبخلافات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية سهلت على النهضة مهمة استعادة النفوذ عليها لتتمكن في وقت قياسي من وضعها تحت جناحها عبر تقارب غير معلن مع هشام لمشيشي. ورسميا كانت نسبة مشاركة حركة النهضة فيها في حدود 5 أعضاء وهو ما يمثل تقريبا نسبة 18% في تركيبتها التي تضم 28 عضوا.
ووفقا للتنسيب السالف عرضه في تركيبة الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة، ومع ما كان للحركة النهضة من قدرة على استمالة مستقلين ورؤساء حكومات فيمكن القول ان حركة النهضة تتحمل مسؤولية الوضع الذي تعيشه البلاد اليوم وحالة التقصير والفشل وسوء التسيير.. وحجم الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها التونسيون اليوم.. بنسب عالية ولا يمكنها ولو حكمت من وراء الستار ومن داخل الكواليس وعبر موازين قوتها داخل مجلس نواب الشعب ان تتنصل من مسؤولياتها ودورها في ما وصلت اليه البلاد اليوم.
وفي انتظار التركيبة الجديدة لحكومة رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان، التي ووفقا للمسار الذي اختاره الرئيس قيس سعيد ما بعد 25 جويلية 2021، والإجراءات الاستثنائية التي اعلنها فمن المرجع ان لا نجد تمثيلية لحركة النهضة أو لأي حزب سياسي من مكونات البرلمان المعلقة انشطته.
ريم سوودي
تونس الصباح
رغم التمثيليات التي كانت لحزب حركة النهضة في مختلف الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة، الا انها في كل مرة كانت تجد طريقا للتنصل من مسؤولياتها لترمي كرة الفشل وسوء التسيير الى ملعب المشترك والتنسيب.. فلا مسؤولية كاملة ولا حكما كاملا..
وفي اطار النسب وتوزيع المسؤوليات اتجهت "الصباح" في مقالها اليوم الى تحديد واحتساب حجم ونسب مشاركة حزب حركة النهضة في الحكومات المتعاقبة ومدى تأثيرها في السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تم انتهاجها على امتداد العشر سنوات الماضية.
ما يجدر الوقوف عنده بداية هو ان حركة النهضة، مكنها حجم كتلتها البرلمانية من تولي راس السلطة التنفيذية في اكثر من مناسبة خلال العشر السنوات الماضية ومن الفوز برئاسة البرلمان في اخر انتخابات انتظمت سنة 2019. .وبأخذنا للمسافة الزمنية الحالية من الحكومات المتتالية نجد أن الحركة لم تكتف بتمثيليتها المعلنة بل سعت في كل مرة الى تدعيم تواجدها بذوي القربى والمؤلفة قلوبهم والذين يتم اخراجهم تحت مسمى المستقلين.. أو عبر العمل على استمالة واستقطاب من لا لون لهم في حكومات التكنوقراط والكفاءات..
ورسميا تولت حركة النهضة الحكم مع حكومة حمادي الجبالي، وهي ثاني حكومات ما بعد الثورة، جاءت على خلفية نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 التي فازت فيها الحركة بأغلبية برلمانية وكانت تمثيلية بـ 89 مقعدا.. ما مكنها من ان تكون الطرف السياسي المعني بتكوين الحكومة.. وسياسيا، وما لا يختلف فيه اثنان، اختيار الحركة لأحد قياداتها التاريخية لتولي هذه المسؤولية في حد ذاته يجعلها تتحمل جميع الاختيارات الحكومية التي تم اتخاذها خلال فترة حكمه بغض النظر على التمثيلية النسبية التي كانت لها في التركيبة.
وتولت حكومة الجبالي الحكم يوم 24 ديسمبر 2011، نصيب حركة النهضة المعلن فيها كان عبر تسمية 16 عضوا ( بينها وزير مكلف) وكاتب دولة.. اما الجزء الخاص بالمستقلين والمؤلفة قلوبهم فكان في حدود الـ 6 أعضاء أو الـ 7 أعضاء آخرين لتكون تمثيليتها في الحكومة المكونة من 42 عضوا في حدود 23 عضوا باحتساب رئيس الحكومة، وهو ما يمثل تقريبا نسبة 54.8% من الحكومة..
حكومة لم تدم طويلا، فسريعا وبعد سنة ونيف وعلى خلفية تسجيل أول اغتيال سياسي، أعطت المشعل إلى حكومة العريض، وعموما لم تتغير السياسات العامة لحركة النهضة في حكومتها الثانية (الثالثة ما بعد الثورة) حيث أبقت على قيادي تاريخي منها كرئيس حكومة، وحافظت تقريبا على نفس التمثيلية في تركيبتها ومن بين 38 عضوا مكونا للحكومة الجديدة كان نصيب الحركة 13 عضوا باحتساب رئيس الحكومة ونحو الـ 9 الآخرين من المستقلين (منهم من ترشح في الانتخابات التالية مع الحركة) لترتفع نسبة تمثيليتها إلى حدود الـ 57%.
وبالوصل إلى آخر حكومات انتخابات المجلس الوطني التأسيسي مع المهدي جمعة التي جاءت على خلفية الاغتيال السياسي الثاني وأزمة سياسية غير مسبوقة للبلاد ومسار طويل لحوار وطني. حكومة كان بموافقة لكل الأطراف السياسية آنذاك ومنها حركة النهضة التي ورغم انها كانت حكومة كفاءات ومستقلين، فتبين بعد سنوات ان حركة النهضة قد حكمت معها من وراء الستار وعبر الكواليس..
وهذا الحكم غير المباشر، والتمثيلية غير المعلنة الذي اعتمدته حركة النهضة لتقوية حضورها من ناحية وكآلية للتملص من كل مسؤولية سياسية كاملة أمام التونسيين، يبدو انه تحول الى احد خيارات الحركة السياسية ما بعد انتخابات 2014، خاصة وأنها تحولت من الكتلة الأولى الى الكتلة الثانية في البرلمان.. وحافظت بفضل ما شهدته كتلة نداء تونس من خلافات وانقسامات على وزنها السياسي البرلماني وعلى قوة تأثيرها في القرار الحكومي باعتبارها الكتلة الأكثر تجانسا وانضباطا بالتالي المحدد في التصويت..
اما بالنسبة للتمثيلية فكان تواجد حزب حركة النهضة في حكومة الصيد الأولى والثانية والتي كانت اغلبيتها مستقلين في حدود الـ 4 أعضاء مع عين كاشفة على وزارات كالداخلية وتكنولوجيات الاتصال والطاقة والمناجم والتعليم العالي.. لتبقى بالتالي نسبة تواجدها كطرف السياسي في حكومة الصيد هي الأعلى بين المشاركين في الحكومة فمن بين الـ 45,2% من الأعضاء المتحزبين لحكومة حبيب الصيد كان للنهضة نسبة 17%.
أما مع حكومات يوسف الشاهد الثلاث، فعبر تمثيلية يمكن القول ان حركة النهضة في كل تغيير تميل نحو الكفة اكثر، مستفيدة من تفاقم وتوسع الخلافات داخل حزب نداء تونس، لتسعى إلى تدعيم تواجدها فتطورت تمثيليتها المعلنة من 6 الى 8 أعضاء مع مراوحة للمؤلفة قلوبهم بين 2 و3 أعضاء.. وهو ما جعل نسبة تمثيليتها متحركة تتراوح بين 25 و27 % من تركيبة الحكومة دعمها بشدة تطور علاقتها التدريجي مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد آنذاك.. وما مكنها من أن تكون رقما صعبا وحاكما حقيقيا من الكواليس.
وحتى في قراءة التركيبات اللاحقة لحكومات ما بعد انتخابات 2019، والتي عادت فيها حركة النهضة الى المرتبة الأولى برلمانيا ومع ما طرأ معها من مستجد، مررنا به الى حكومات الرئيس على خلفية سقوط حكومة الحبيب الجملي، لم تغير حركة النهضة في سياسات الحكم من الظل وتدعيم تواجها برجالاتها غير المعلنين، وبالتالي لم تكن تمثيليتها في حكومة الياس الفخفاخ التي ضمت 32 عضوا 6 أعضاء فقط بل كانت مدعمة بنحو 4 أسماء اخرين لتصبح تمثيليتها أغلبية بـ31% من أعضاء الحكومة.
اما بالنسبة لحكومة هشام مشيشي التي أحاطها منذ بداية توليها الكثير من التجاذب السياسي وعدم الاستقرار، وانطلقت بشغورات وبخلافات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية سهلت على النهضة مهمة استعادة النفوذ عليها لتتمكن في وقت قياسي من وضعها تحت جناحها عبر تقارب غير معلن مع هشام لمشيشي. ورسميا كانت نسبة مشاركة حركة النهضة فيها في حدود 5 أعضاء وهو ما يمثل تقريبا نسبة 18% في تركيبتها التي تضم 28 عضوا.
ووفقا للتنسيب السالف عرضه في تركيبة الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة، ومع ما كان للحركة النهضة من قدرة على استمالة مستقلين ورؤساء حكومات فيمكن القول ان حركة النهضة تتحمل مسؤولية الوضع الذي تعيشه البلاد اليوم وحالة التقصير والفشل وسوء التسيير.. وحجم الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها التونسيون اليوم.. بنسب عالية ولا يمكنها ولو حكمت من وراء الستار ومن داخل الكواليس وعبر موازين قوتها داخل مجلس نواب الشعب ان تتنصل من مسؤولياتها ودورها في ما وصلت اليه البلاد اليوم.
وفي انتظار التركيبة الجديدة لحكومة رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان، التي ووفقا للمسار الذي اختاره الرئيس قيس سعيد ما بعد 25 جويلية 2021، والإجراءات الاستثنائية التي اعلنها فمن المرجع ان لا نجد تمثيلية لحركة النهضة أو لأي حزب سياسي من مكونات البرلمان المعلقة انشطته.