إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عبيد البريكي لـ«الصباح»: الرئيس أجابنا عن سؤال إلى أين نمضي ولم يجبنا بعد عن كيف ومع من؟

 

تونس-الصباح

لا تزال قرارات 25جويلية تثير جدلا واسعا بين مؤيد ومندد.. ورغم تثمين "مسار الإصلاح" من الكثيرين تبقى تصريحات رئيس الجمهورية الأخيرة سواء في ظل "الزيارات الفجئية" أو خلال لقاءاته المكثفة في قصر قرطاج دون المأمول باعتبار أنها تبقى في دائرة الشعارات وفق انطباعات الشارع وأغلب الأطياف السياسية..، فهل سيتشبث رئيس الجمهورية بـ"الرأي الأحادي" أم أنه بصدد التمهيد إلى طريق الحوار بعد وضع النقاط على الحروف؟..

"الصباح" التقت كبير النقابيين ووزير الوظيفة العمومية الأسبق والأمين العام لـ"حركة تونس إلى الأمام" حاليا للحديث عن العديد من المسائل على غرار أسباب تشتت اليسار..، والوضع الراهن عامة..، ورأيه في قرارات 25 جويلية وتداعياتها..، كما البرامج التي تم تقديمها من الحركة كاقتراح لبرامج إصلاح..، فكان الحوار التالي:

*ما سر غياب وتشتت اليسار في تونس؟

-الملاحظة الأساسية هنا هي أن التشتت الحالي لليسار بل ربما واقع التناقض يكاد يكون جوهريا بين أطراف اليسار في التعامل مع واقع اليوم وهو ليس وليد اللحظة إنما يعود عن

عجز اليسار تاريخيا عن التجمع في إطار تنظيمي واحد قادر على الفعل في الواقع والتأثير فيه، والملاحظة الأهم في هذا الإطار هو أن اليسار الذي كان ربما مشتتا والأمر قد يفسر آنذاك ما قبل "الزلزال" الذي هز تونس في2011 سواء اعتبرناه ثورة أو انتفاضة، ظل على نفس المواقف - تقريبا- ونفس -قناعات ما قبل 2011- يعني لم يع بأن "زلزال2011" يجب أن يحول الصراع أو الخلاف بين اليسار من خلاف إيديولوجي إلى خلافات سياسية..، ومن المفروض أن تكون تلك المحطة نقطة التحول من الصراع العقائدي الإيديولوجي الصرف إلى صراع حول مشاريع سياسية..، وهنا مفصل الداء..، ذلك أن الخلافات السابقة كانت مرتبطة بين التيارات الشيوعية في العالم وكانت المرحلة آنذاك بين الستالينية والماوية الخ..، والعمل كان في منتهى السرية ولم تكن هناك أدوات تواصل لكن قبل 2011 كان لابد أن يكون المنعرج..، هذا لا يعني انه لابد من التخلي عن الايديولوجيا ولكن آنذاك أصبحت المرحلة تتطلب نقاشا سياسيا وبرنامجا سياسيا تلتقي حوله أطياف اليسار..، لكن للأسف هذا لم يتم واستمر التشتت الذي أثر بشكل كبير جدا على انتخابات المجلس التأسيسي عندما دخل أطرف اليسار في وضع متجدد في الانتخابات والنتيجة كانت تقريبا صفرا ولكن عندما تجمع عدد أدنى من اليساريين على اثر الاغتيالات جمعتهم في النهاية الدماء..

كما تجدر الإشارة إلى ظهور كتلة الجبهة الشعبية داخل مجلس النواب..، لكن للأسف لم يستغل لتطوير الأرضية التي توحد في اتجاه تنظيم واحد بدليل أن هشاشة التجربة والتي-ربما- كان المحدد فيها دماء شكري بلعيد وفي أول رجة تحديدا في الانتخابات الرئاسية الثانية، تشتت الجبهة الشعبية وعادت الأمور إلى ما كانت عليه وبشكل أسوأ بالنسبة لليسار..

الأخطاء الماهية كثيرة ولا أريد أن أحصيها..، اليسار لم يع بضرورة التحول من الصراع العقائدي إلى الصراع السياسي هذا لا شك فيه كما أننا في مساحات المعارك لم نستطع حسن الاختيار يعني ظل اليسار يتحرك في الجامعة التونسية رغم التشتت الموجود أيضا، وظل يتحرك في الحركة العمالية ولكن أهمل وتغافل بشكل كبير جدا عن المهمشين في المجتمع، عن الشباب التائه العاطل عن العمل كما المناطق الفقيرة التي تعاني من التمييز، وطبعا لما ترك اليسار هذا الفراغ دخلت قوى أخرى لتستغل الدين وتستهوي تلك الفئات المفقرة التي انطلت عليها الحيلة بل اشتريت الذمم بالطريقة التي نعرف وليس بالمشاريع والتصورات..، من نجح في الانتخابات؟ نجح من باع الوهم واشترى الذمم في تلك المرحلة واستغل الواقع.

واقع اليوم أسوأ بدليل أن قرارات 25جويلية اختلف فيها اليسار واختلف في تقييمها..، هناك من اليسار من تمسك بفكرة أن ما حصل "انقلاب" وهناك من اعتبر من القوى اليسارية أنه خطوة مهمة في اتجاه تأسيس مسار جديد يقطع مع المنظومة السابقة..

شيء واحد تقريبا لا يزال يجمع اليساريين وهو المقابر، ذلك أنه عند وفاة احد رموز اليسار لا يبحثون في مسألة إن كان تحريفيا أو شيوعيا متطرفا..، تقريبا الكل يمجدون جورج عدة عندما غادر الدنيا أو غيره من اليساريين...، نتذكر أننا يساريون عندما نلتقي أثناء توديع رموز اليسار ولا نبحث حينها عن الجذور اليسارية..، ليت الفكرة تتسع أكثر وتصبح في التعامل اليومي لان تونس في خطر وهي تحتاج إلى توجه سياسي معين خاصة وأن اليساريين هم الأقرب إلى الجانب الاجتماعي والرؤية الاجتماعية..، متى نفهم أن المرحلة الحالية تحتاج إلى بروز اليسار من جديد لمقاومة الليبرالية في مظهريها الديني والاقتصادي..

*ألا ترى أن اليسار يشهد تباينا بين فهم الواقع والتعامل معه؟

- بالضبط المشكل الرئيسي في التعامل مع الواقع والاهتداء إلى أرضية معينة تحدد الأولويات في المرحلة الحالية وبالتالي يصبح قادرا على تطوير النظام اليساري إلى جبهة مدنية ديمقراطية اجتماعية واسعة تحتاجها البلاد في الوضع الراهن..، للدفاع عن الديمقراطية في بعدها السياسي وفي بعدها الاجتماعي..، والديمقراطية في بعدها السياسي لا تعني شيئا ما لم تقترن بالديمقراطية في بعدها الاجتماعي..، واليسار قد يهتدي إلى أكثر من هذا لو تخلص من الأنانية وحب الزعامة والتمسك بالجانب الإيديولوجي الصرف..

* كأمين عام لحركة تونس إلى الأمام القائمة على فكرة التجميع ألم تبادروا بتقديم برنامج إصلاحي؟

-  بادرنا في عديد المناسبات ذلك أننا في المؤتمر التأسيسي الذي حضرته أحزاب سياسية ومستقلون أعددنا برنامجا اقتصاديا واجتماعيا وأيضا سياسيا ومن حسن حظنا أن المشرف على البرنامج كان الدكتور الهادي التيمومي حيث ترأس لجنة خبراء مع مناضلين..، أما جوهر البرنامج فهو الوقوف عند خيارات ما بعد 2011 والتي لم تتجه نحو الايجابي بل جعلت الأوضاع تزاد سوءا، هذا من حيث التقييم وتقريبا منظومة ما بعد 2011 لم تفعل سوى رسكلة المنطومة السابقة التي ثار ضدها الشعب.. في مختلف المجالات.. وقلنا أن بعد 2011 ثمة تفاعل غنائمي مع السلطة وإغراق الوظيفة العمومية بالانتدابات كذلك هو تعامل غنائمي.. إلى جانب عدم القدرة على التسيير السياسي في تلك المرحلة أدى إلى إجراءات هتكت البلاد وأغرقتها في الديون.. الفساد استشرى إلى حد كبير.. جماعة شعار نظام "الخلافة السادسة".. كلها أسباب ساهمت بشكل كبير في تدمير الدولة لتتحول إلى جثة غير قادرة على التفاعل مع الواقع مقابل اختراقات للمؤسسات الأمنية ومحاولات لاختراق المؤسسة العسكرية.. إضافة إلى التمكن من الإدارة واختراق القضاء..، من أجل التحكم في كل مفاصل الدولة وتكريس مسار تدميري ممنهج ما بعد 2011..وهو ما أدى إلى انعدام الثقة بين الجميع وأدى إلى الفوضى والتداين..

برنامجنا في "حركة تونس إلى الأمام" كان منقسما إلى قسمين، أولا لابد لأي سائس يريد أن يستمر نشاطه من اتخاذ إجراءات عاجلة تخلق حدا أدنى من الثقة بين مكونات المجتمع وبين الحاكم والمحكوم، تلك الثقة تخلق بالضرورة أرضية للإصلاحات الكبرى..

كما قدمنا مقترحات إجراءات حينية يمكن اقتراحها على غرار ضرورة التخفيض في امتيازات الساسة وأعضاء مجلس النواب، أيضا ضرورة طمأنة الشباب المعطل عن العمل وإنشاء صندوق بطالة يضمن له منحة شهرية.. كلها اقتراحات كنا قد اقترحناها في كتيب تحت عنوان "البرنامج" ونوقش كثيرا إلى جانب تقديم الإصلاحات الكبرى المستقبلية التي من شأنها أن تخلق توازنات جهوية..

إضافة إلى أننا أشرنا إلى مسألتين هامتين ما لم يقع فضهمها لن نتقدم إلى الأمام، أولا المسالة الأمنية التي لا يزال التعامل معها عن طريق المقايضة بالملفات حيث التقى الفساد والإرهاب والتهريب في كتل انتخابية واحدة للمسك بالسلطة..، ثانيا الفساد المالي وجلب الأموال لأنه من أسباب سقوط المنظومة السابقة انها عولت على التداين والجباية والترفيع فيها ليصبح المواطن التونسي في وضع سيء جدا ثم الضغط على الخدمات الاجتماعية مثل النظام السابق ذلك أن ميزانية الدولة سابقا كانت تراهن على الصحة والتعليم والنقل فأصبحت اليوم تمثل ضغطا على تلك لخدمات..

من الحلول أيضا أنه لابد من استجلاب الأموال من مواقعها وقد قدمنا وثائق في ما يخص الأموال الموجودة في الخارج..، كما تحدثنا عن إصلاح التعليم وخضنا العديد من المسائل كمسألة المساواة والتي لا يمكن أن تطرح إلا بتغيير العقليات والإصلاح الجوهري للتعليم والقطع مع انسداد آفاق التشغيل..

ومن ثمة نستطيع الحديث عن هدنة اجتماعية فعلية قائمة على إجراءات مرئية من شأنها أن تؤهلنا إلى إعادة النظر في كل شيء..، وبالتالي التأسيس لدولة قوية متماسكة تنطلق بتصور عادل قادر على خوض الإصلاحات في إطار التوافق بل  الاتفاق بين مختلف مكونات المجتمع.

*أنتم بصفتكم من أبرز النقابيين سابقا في تونس وفي اتحاد الشغل على وجه الخصوص ما تقييمكم لدور المنظمة الشغيلة..، ومتى يمكن لها أن تكون مصدر قوة في البلاد، ومتى تكون عكس ذلك؟

- التقييم الحاصل وأنا أتكلم الآن من خارج الاتحاد هو أن الجميع له الحق في التعامل النقدي مع الاتحاد لكن هناك نقد يدفع الاتحاد إلى المضي قدما نحو الانجازات وتطوير البرامج وأن يظل دائما عنصر توازن في البلاد..، وهناك من لم ولن يؤمن بالعمل النقابي وهو تصور تخريبي..

أما التصور البناء حسب اعتقادي فأقول: من يدخل في صدامات مع الاتحاد لن ينجح والتاريخ أثبت ذلك في العديد من المناسبات..

كما أن الاتحاد يستطيع أن يتبنى التهدئة والهدنة الاجتماعية خاصة إذا تم الانطلاق من أعلى الهرم إلى أدناه في الخروج من الأزمة يعني "ابدأ بروحك تنقص من امتيازاتك ابدأ بالسراق وجيب الفلوس والرئيس لتوا يقول موجودين وبكثرة.. اضرب على يدين المهربين.. وقتها ايجا نحكيو على هدنة اجتماعية..".

وأنا أعتقد أن اتحاد الشغل وكافة العاملين حين يلاحظون أن ثمة برنامجا حقيقيا للإصلاح غير قائم على الشعارات سيتم الانضمام إلى صف الدعاة إلى التهدئة الاجتماعية ودعم الإنتاج لان الحل الوحيد لجلب المستثمر في المرحلة الحالية هو ضمان الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي..

*ماذا عن قرارات 25 جويلية؟

-حسب رأيي المشاكل لا تحل إلا بقرارات سياسية جريئة وما استحسنه هنا بعد قرارات 25 جويلية أن رئيس الدولة لم يمس الدولة (القضاء..،المؤسسات الأمنية والعسكرية والإدارة )

هناك من يقول أنه مع الرئيس إطلاقا، وأقول لهم عندها ستكونون خطرا على الرئيس وستساهمون في صنع مسار يقوم على الفردية والتاريخ تحركه المجموعة وليس الأفراد..

شق آخر يقولون أنهم مع قرارات الرئيس ولكن تعاملهم سيكون نقديا واكبر نقد يوجه الآن إلى الرئيس انه كلما تأخرت الانجازات ترك فراغا واستغله الانتهازيون والمشككون في الانطلاقة..

أعتقد أنه تأخر في مسالة مهمة جدا وهي أن الإصلاحات الكبرى لا يمكن أن تتم والحال أن بارونات الفساد لا يزالون يرتعون في البلاد، وسيعملون على تعطيل تلك الإجراءات وهو يدرك ذلك جيدا..، إذ لا بد من دولة متماسكة لتفكيك منظومة الفساد..

سابقا من بين أسباب الفشل هو التعامل العاطفي مع التحولات ونحن نتذكر الباجي قايد السبسي حين أراد التخلص من الإخوان المسلمين وإذ به في أول خطوة يخون ناخبيه..

والآن نخشى ما نخشاه أن لا يتحول رصيد الرئيس الذي لم ينتم إلى هيكل التجمع ولا إلى النهضة إلى تفكير عقلاني ينقذ البلاد لان الخيبة المقيلة ما بعد 25جويلية لا قدر الله ستفتح بوابة كبيرة لأناس خرجوا من النوافذ على غرار ما حصل بعد 14جانفي.

  الرئيس أجابنا عن سؤال إلى أين نمضي ولكن لم يجب بعد على سؤالي كيف ومع من..، ونحن متفقون معه في كل الشعارات ولكن التمشي يقتضي منطق التشاور..

* ما السبيل إلى الخروج من الأزمة حسب حركة تونس إلى الأمام؟

- بالنسبة إلينا كحركة تونس إلى الأمام مجلس النواب انتهى والحكومة انتهت والمسار السابق انتهى، وأفضل طريقة الآن أن يكلف رئيس الدولة هيئة دستورية متخصصة تعد مشروع دستور جديد يتجاوز الثغرات السابقة ويراجع النظام السياسي ويعد قانونا انتخابيا جديدا ويطرح استفتاء شعبيا وما بعد الاستفتاء تحدد المرحلة المستقبلية لانتخابات سابقة لأوانها..، لان كل محاولة للانتكاس على هذا المسار هو عودة للمنظومة السابقة وكل ضعف يشعر به الرئيس إزاء جبهة أخرى سيسقطنا في هذا المسار..

*هل يمكن للإسلام السياسي في تونس أن يتغلغل مرة أخرى؟

حيث ما حصل خلط بين السياسة والدين ساءت كل الأمور..ثم إن دور السياسي لا يقتصر على مد صكوك الغفران..، والإسلام السياسي في تونس لن ينجح إلا في حالة واحدة.. إذا فشلت المرحلة المقبلة في تحقيق الأهداف التي رُسمت يوم 25جويلية ونتمنى ألا يتحقق ذلك لأننا واكبنا كل شيء في عهد الإخوان المسلمين من اغتيالات سياسية والقذف والتشويه وانهيار القيم والجوع وبيع الوهم..   

*هل أنت متفائل؟

- أنا متشائل في علاقة بمستقبل تونس..، لست متشائما ولست متفائلا..، متفائل في جزء ما لأن انطلاقة الرئيس ممتازة فيها استجابة إلى ما دعونا إليه وما رغب فيه جزء كبير من الشعب التونسي، ومتشائم إزاء هذا الارتخاء في تشكيل حكومة إنقاذ أو سمها ما شئت تتخذ لذاتها برنامجا واضحا يبنى على قاعدة ما صرح به رئيس الدولة ليلة الحسم في البرلمان والحكومة.                       

                         

حوار: وليد عبد اللاوي

 

عبيد البريكي لـ«الصباح»: الرئيس أجابنا عن سؤال إلى أين نمضي ولم يجبنا بعد عن كيف ومع من؟

 

تونس-الصباح

لا تزال قرارات 25جويلية تثير جدلا واسعا بين مؤيد ومندد.. ورغم تثمين "مسار الإصلاح" من الكثيرين تبقى تصريحات رئيس الجمهورية الأخيرة سواء في ظل "الزيارات الفجئية" أو خلال لقاءاته المكثفة في قصر قرطاج دون المأمول باعتبار أنها تبقى في دائرة الشعارات وفق انطباعات الشارع وأغلب الأطياف السياسية..، فهل سيتشبث رئيس الجمهورية بـ"الرأي الأحادي" أم أنه بصدد التمهيد إلى طريق الحوار بعد وضع النقاط على الحروف؟..

"الصباح" التقت كبير النقابيين ووزير الوظيفة العمومية الأسبق والأمين العام لـ"حركة تونس إلى الأمام" حاليا للحديث عن العديد من المسائل على غرار أسباب تشتت اليسار..، والوضع الراهن عامة..، ورأيه في قرارات 25 جويلية وتداعياتها..، كما البرامج التي تم تقديمها من الحركة كاقتراح لبرامج إصلاح..، فكان الحوار التالي:

*ما سر غياب وتشتت اليسار في تونس؟

-الملاحظة الأساسية هنا هي أن التشتت الحالي لليسار بل ربما واقع التناقض يكاد يكون جوهريا بين أطراف اليسار في التعامل مع واقع اليوم وهو ليس وليد اللحظة إنما يعود عن

عجز اليسار تاريخيا عن التجمع في إطار تنظيمي واحد قادر على الفعل في الواقع والتأثير فيه، والملاحظة الأهم في هذا الإطار هو أن اليسار الذي كان ربما مشتتا والأمر قد يفسر آنذاك ما قبل "الزلزال" الذي هز تونس في2011 سواء اعتبرناه ثورة أو انتفاضة، ظل على نفس المواقف - تقريبا- ونفس -قناعات ما قبل 2011- يعني لم يع بأن "زلزال2011" يجب أن يحول الصراع أو الخلاف بين اليسار من خلاف إيديولوجي إلى خلافات سياسية..، ومن المفروض أن تكون تلك المحطة نقطة التحول من الصراع العقائدي الإيديولوجي الصرف إلى صراع حول مشاريع سياسية..، وهنا مفصل الداء..، ذلك أن الخلافات السابقة كانت مرتبطة بين التيارات الشيوعية في العالم وكانت المرحلة آنذاك بين الستالينية والماوية الخ..، والعمل كان في منتهى السرية ولم تكن هناك أدوات تواصل لكن قبل 2011 كان لابد أن يكون المنعرج..، هذا لا يعني انه لابد من التخلي عن الايديولوجيا ولكن آنذاك أصبحت المرحلة تتطلب نقاشا سياسيا وبرنامجا سياسيا تلتقي حوله أطياف اليسار..، لكن للأسف هذا لم يتم واستمر التشتت الذي أثر بشكل كبير جدا على انتخابات المجلس التأسيسي عندما دخل أطرف اليسار في وضع متجدد في الانتخابات والنتيجة كانت تقريبا صفرا ولكن عندما تجمع عدد أدنى من اليساريين على اثر الاغتيالات جمعتهم في النهاية الدماء..

كما تجدر الإشارة إلى ظهور كتلة الجبهة الشعبية داخل مجلس النواب..، لكن للأسف لم يستغل لتطوير الأرضية التي توحد في اتجاه تنظيم واحد بدليل أن هشاشة التجربة والتي-ربما- كان المحدد فيها دماء شكري بلعيد وفي أول رجة تحديدا في الانتخابات الرئاسية الثانية، تشتت الجبهة الشعبية وعادت الأمور إلى ما كانت عليه وبشكل أسوأ بالنسبة لليسار..

الأخطاء الماهية كثيرة ولا أريد أن أحصيها..، اليسار لم يع بضرورة التحول من الصراع العقائدي إلى الصراع السياسي هذا لا شك فيه كما أننا في مساحات المعارك لم نستطع حسن الاختيار يعني ظل اليسار يتحرك في الجامعة التونسية رغم التشتت الموجود أيضا، وظل يتحرك في الحركة العمالية ولكن أهمل وتغافل بشكل كبير جدا عن المهمشين في المجتمع، عن الشباب التائه العاطل عن العمل كما المناطق الفقيرة التي تعاني من التمييز، وطبعا لما ترك اليسار هذا الفراغ دخلت قوى أخرى لتستغل الدين وتستهوي تلك الفئات المفقرة التي انطلت عليها الحيلة بل اشتريت الذمم بالطريقة التي نعرف وليس بالمشاريع والتصورات..، من نجح في الانتخابات؟ نجح من باع الوهم واشترى الذمم في تلك المرحلة واستغل الواقع.

واقع اليوم أسوأ بدليل أن قرارات 25جويلية اختلف فيها اليسار واختلف في تقييمها..، هناك من اليسار من تمسك بفكرة أن ما حصل "انقلاب" وهناك من اعتبر من القوى اليسارية أنه خطوة مهمة في اتجاه تأسيس مسار جديد يقطع مع المنظومة السابقة..

شيء واحد تقريبا لا يزال يجمع اليساريين وهو المقابر، ذلك أنه عند وفاة احد رموز اليسار لا يبحثون في مسألة إن كان تحريفيا أو شيوعيا متطرفا..، تقريبا الكل يمجدون جورج عدة عندما غادر الدنيا أو غيره من اليساريين...، نتذكر أننا يساريون عندما نلتقي أثناء توديع رموز اليسار ولا نبحث حينها عن الجذور اليسارية..، ليت الفكرة تتسع أكثر وتصبح في التعامل اليومي لان تونس في خطر وهي تحتاج إلى توجه سياسي معين خاصة وأن اليساريين هم الأقرب إلى الجانب الاجتماعي والرؤية الاجتماعية..، متى نفهم أن المرحلة الحالية تحتاج إلى بروز اليسار من جديد لمقاومة الليبرالية في مظهريها الديني والاقتصادي..

*ألا ترى أن اليسار يشهد تباينا بين فهم الواقع والتعامل معه؟

- بالضبط المشكل الرئيسي في التعامل مع الواقع والاهتداء إلى أرضية معينة تحدد الأولويات في المرحلة الحالية وبالتالي يصبح قادرا على تطوير النظام اليساري إلى جبهة مدنية ديمقراطية اجتماعية واسعة تحتاجها البلاد في الوضع الراهن..، للدفاع عن الديمقراطية في بعدها السياسي وفي بعدها الاجتماعي..، والديمقراطية في بعدها السياسي لا تعني شيئا ما لم تقترن بالديمقراطية في بعدها الاجتماعي..، واليسار قد يهتدي إلى أكثر من هذا لو تخلص من الأنانية وحب الزعامة والتمسك بالجانب الإيديولوجي الصرف..

* كأمين عام لحركة تونس إلى الأمام القائمة على فكرة التجميع ألم تبادروا بتقديم برنامج إصلاحي؟

-  بادرنا في عديد المناسبات ذلك أننا في المؤتمر التأسيسي الذي حضرته أحزاب سياسية ومستقلون أعددنا برنامجا اقتصاديا واجتماعيا وأيضا سياسيا ومن حسن حظنا أن المشرف على البرنامج كان الدكتور الهادي التيمومي حيث ترأس لجنة خبراء مع مناضلين..، أما جوهر البرنامج فهو الوقوف عند خيارات ما بعد 2011 والتي لم تتجه نحو الايجابي بل جعلت الأوضاع تزاد سوءا، هذا من حيث التقييم وتقريبا منظومة ما بعد 2011 لم تفعل سوى رسكلة المنطومة السابقة التي ثار ضدها الشعب.. في مختلف المجالات.. وقلنا أن بعد 2011 ثمة تفاعل غنائمي مع السلطة وإغراق الوظيفة العمومية بالانتدابات كذلك هو تعامل غنائمي.. إلى جانب عدم القدرة على التسيير السياسي في تلك المرحلة أدى إلى إجراءات هتكت البلاد وأغرقتها في الديون.. الفساد استشرى إلى حد كبير.. جماعة شعار نظام "الخلافة السادسة".. كلها أسباب ساهمت بشكل كبير في تدمير الدولة لتتحول إلى جثة غير قادرة على التفاعل مع الواقع مقابل اختراقات للمؤسسات الأمنية ومحاولات لاختراق المؤسسة العسكرية.. إضافة إلى التمكن من الإدارة واختراق القضاء..، من أجل التحكم في كل مفاصل الدولة وتكريس مسار تدميري ممنهج ما بعد 2011..وهو ما أدى إلى انعدام الثقة بين الجميع وأدى إلى الفوضى والتداين..

برنامجنا في "حركة تونس إلى الأمام" كان منقسما إلى قسمين، أولا لابد لأي سائس يريد أن يستمر نشاطه من اتخاذ إجراءات عاجلة تخلق حدا أدنى من الثقة بين مكونات المجتمع وبين الحاكم والمحكوم، تلك الثقة تخلق بالضرورة أرضية للإصلاحات الكبرى..

كما قدمنا مقترحات إجراءات حينية يمكن اقتراحها على غرار ضرورة التخفيض في امتيازات الساسة وأعضاء مجلس النواب، أيضا ضرورة طمأنة الشباب المعطل عن العمل وإنشاء صندوق بطالة يضمن له منحة شهرية.. كلها اقتراحات كنا قد اقترحناها في كتيب تحت عنوان "البرنامج" ونوقش كثيرا إلى جانب تقديم الإصلاحات الكبرى المستقبلية التي من شأنها أن تخلق توازنات جهوية..

إضافة إلى أننا أشرنا إلى مسألتين هامتين ما لم يقع فضهمها لن نتقدم إلى الأمام، أولا المسالة الأمنية التي لا يزال التعامل معها عن طريق المقايضة بالملفات حيث التقى الفساد والإرهاب والتهريب في كتل انتخابية واحدة للمسك بالسلطة..، ثانيا الفساد المالي وجلب الأموال لأنه من أسباب سقوط المنظومة السابقة انها عولت على التداين والجباية والترفيع فيها ليصبح المواطن التونسي في وضع سيء جدا ثم الضغط على الخدمات الاجتماعية مثل النظام السابق ذلك أن ميزانية الدولة سابقا كانت تراهن على الصحة والتعليم والنقل فأصبحت اليوم تمثل ضغطا على تلك لخدمات..

من الحلول أيضا أنه لابد من استجلاب الأموال من مواقعها وقد قدمنا وثائق في ما يخص الأموال الموجودة في الخارج..، كما تحدثنا عن إصلاح التعليم وخضنا العديد من المسائل كمسألة المساواة والتي لا يمكن أن تطرح إلا بتغيير العقليات والإصلاح الجوهري للتعليم والقطع مع انسداد آفاق التشغيل..

ومن ثمة نستطيع الحديث عن هدنة اجتماعية فعلية قائمة على إجراءات مرئية من شأنها أن تؤهلنا إلى إعادة النظر في كل شيء..، وبالتالي التأسيس لدولة قوية متماسكة تنطلق بتصور عادل قادر على خوض الإصلاحات في إطار التوافق بل  الاتفاق بين مختلف مكونات المجتمع.

*أنتم بصفتكم من أبرز النقابيين سابقا في تونس وفي اتحاد الشغل على وجه الخصوص ما تقييمكم لدور المنظمة الشغيلة..، ومتى يمكن لها أن تكون مصدر قوة في البلاد، ومتى تكون عكس ذلك؟

- التقييم الحاصل وأنا أتكلم الآن من خارج الاتحاد هو أن الجميع له الحق في التعامل النقدي مع الاتحاد لكن هناك نقد يدفع الاتحاد إلى المضي قدما نحو الانجازات وتطوير البرامج وأن يظل دائما عنصر توازن في البلاد..، وهناك من لم ولن يؤمن بالعمل النقابي وهو تصور تخريبي..

أما التصور البناء حسب اعتقادي فأقول: من يدخل في صدامات مع الاتحاد لن ينجح والتاريخ أثبت ذلك في العديد من المناسبات..

كما أن الاتحاد يستطيع أن يتبنى التهدئة والهدنة الاجتماعية خاصة إذا تم الانطلاق من أعلى الهرم إلى أدناه في الخروج من الأزمة يعني "ابدأ بروحك تنقص من امتيازاتك ابدأ بالسراق وجيب الفلوس والرئيس لتوا يقول موجودين وبكثرة.. اضرب على يدين المهربين.. وقتها ايجا نحكيو على هدنة اجتماعية..".

وأنا أعتقد أن اتحاد الشغل وكافة العاملين حين يلاحظون أن ثمة برنامجا حقيقيا للإصلاح غير قائم على الشعارات سيتم الانضمام إلى صف الدعاة إلى التهدئة الاجتماعية ودعم الإنتاج لان الحل الوحيد لجلب المستثمر في المرحلة الحالية هو ضمان الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي..

*ماذا عن قرارات 25 جويلية؟

-حسب رأيي المشاكل لا تحل إلا بقرارات سياسية جريئة وما استحسنه هنا بعد قرارات 25 جويلية أن رئيس الدولة لم يمس الدولة (القضاء..،المؤسسات الأمنية والعسكرية والإدارة )

هناك من يقول أنه مع الرئيس إطلاقا، وأقول لهم عندها ستكونون خطرا على الرئيس وستساهمون في صنع مسار يقوم على الفردية والتاريخ تحركه المجموعة وليس الأفراد..

شق آخر يقولون أنهم مع قرارات الرئيس ولكن تعاملهم سيكون نقديا واكبر نقد يوجه الآن إلى الرئيس انه كلما تأخرت الانجازات ترك فراغا واستغله الانتهازيون والمشككون في الانطلاقة..

أعتقد أنه تأخر في مسالة مهمة جدا وهي أن الإصلاحات الكبرى لا يمكن أن تتم والحال أن بارونات الفساد لا يزالون يرتعون في البلاد، وسيعملون على تعطيل تلك الإجراءات وهو يدرك ذلك جيدا..، إذ لا بد من دولة متماسكة لتفكيك منظومة الفساد..

سابقا من بين أسباب الفشل هو التعامل العاطفي مع التحولات ونحن نتذكر الباجي قايد السبسي حين أراد التخلص من الإخوان المسلمين وإذ به في أول خطوة يخون ناخبيه..

والآن نخشى ما نخشاه أن لا يتحول رصيد الرئيس الذي لم ينتم إلى هيكل التجمع ولا إلى النهضة إلى تفكير عقلاني ينقذ البلاد لان الخيبة المقيلة ما بعد 25جويلية لا قدر الله ستفتح بوابة كبيرة لأناس خرجوا من النوافذ على غرار ما حصل بعد 14جانفي.

  الرئيس أجابنا عن سؤال إلى أين نمضي ولكن لم يجب بعد على سؤالي كيف ومع من..، ونحن متفقون معه في كل الشعارات ولكن التمشي يقتضي منطق التشاور..

* ما السبيل إلى الخروج من الأزمة حسب حركة تونس إلى الأمام؟

- بالنسبة إلينا كحركة تونس إلى الأمام مجلس النواب انتهى والحكومة انتهت والمسار السابق انتهى، وأفضل طريقة الآن أن يكلف رئيس الدولة هيئة دستورية متخصصة تعد مشروع دستور جديد يتجاوز الثغرات السابقة ويراجع النظام السياسي ويعد قانونا انتخابيا جديدا ويطرح استفتاء شعبيا وما بعد الاستفتاء تحدد المرحلة المستقبلية لانتخابات سابقة لأوانها..، لان كل محاولة للانتكاس على هذا المسار هو عودة للمنظومة السابقة وكل ضعف يشعر به الرئيس إزاء جبهة أخرى سيسقطنا في هذا المسار..

*هل يمكن للإسلام السياسي في تونس أن يتغلغل مرة أخرى؟

حيث ما حصل خلط بين السياسة والدين ساءت كل الأمور..ثم إن دور السياسي لا يقتصر على مد صكوك الغفران..، والإسلام السياسي في تونس لن ينجح إلا في حالة واحدة.. إذا فشلت المرحلة المقبلة في تحقيق الأهداف التي رُسمت يوم 25جويلية ونتمنى ألا يتحقق ذلك لأننا واكبنا كل شيء في عهد الإخوان المسلمين من اغتيالات سياسية والقذف والتشويه وانهيار القيم والجوع وبيع الوهم..   

*هل أنت متفائل؟

- أنا متشائل في علاقة بمستقبل تونس..، لست متشائما ولست متفائلا..، متفائل في جزء ما لأن انطلاقة الرئيس ممتازة فيها استجابة إلى ما دعونا إليه وما رغب فيه جزء كبير من الشعب التونسي، ومتشائم إزاء هذا الارتخاء في تشكيل حكومة إنقاذ أو سمها ما شئت تتخذ لذاتها برنامجا واضحا يبنى على قاعدة ما صرح به رئيس الدولة ليلة الحسم في البرلمان والحكومة.                       

                         

حوار: وليد عبد اللاوي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews