إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نذير وسفيان.. اللغز الذي عجزت الدولة عن حله!

 

*والدة نذير القطاري لـ»الصباح": الجميع خذلني.. وكل الرؤساء بما في ذلك سعيد تعهدوا بالتكفل بالقضية

تونس- الصباح

بعد 6 سنوات من الانتظار المضني.. ما زالت سنية رجب والدة المصور الصحفي المختفي قسريا في ليبيا منذ 7 سنوات، نذير القطاري، تنتظر عودة ابنها مع رفيقه في رحلة الآلام والعذاب تلك، الصحفي سفيان الشورابي.. الأم الملتاعة لم تفقد الأمل يوما في عودتهما وهي على قناعة تامة إنهما معتقلان في أحد تلك السجون السرية التي يشرف عليها خليفة حفتر، رغم تداول أخبار غير رسمية تفيد بتصفيتهما من طرف تنظيم داعش بدرنة وفق عدة تقارير إعلامية ليبية وجزائرية بالأساس.

والى اليوم بقي ملف سفيان ونذير، لغزا كبيرا، فشل الجميع في كشف تفاصيله وتقديم أجوبة مقنعة حوله.. فتلك المهمة الصحفية التي انطلقت بتاريخ 2 سبتمبر 2014، بصفة عادية، وجمعت الصحفي سفيان الشورابي والمصور الصحفي نذير القطاري، ولكن نهاية هذه المهمة الصحفية ستكون مأساوية ودراما متواصلة منذ سنوات... سنوات من الانتظار القاتل والحزن والألم، حولت حياة عائلتي نذير القطاري وسفيان الشورابي الى جحيم، وفي تصريح لـ "الصباح" تقول سنية رجب وقد خنقتها العبرات:"أنا أكاد أفقد عقلي، بعد أن خذلني الجميع..، لقد خذلتني بلادي وتخلت عني الدولة التي يفترض انها مجبرة على حماية مواطنيها..، ونذير وسفيان هما مواطنان تونسيان ولكن الحكومات المتعاقبة والرؤساء المتعاقبون جردوهم من مواطنتهما وتخليا عنهما وتركوهم للأسر والمعتقلات والمعاملة اللاانسانية..، الجميع باع قضيتهم وتخلى عنهم.. اكتفوا بإطلاق التصريحات دون متابعة جدية للملف..، المعلومات متوفرة وهناك شهود أكدوا انهم كانوا مع نذير وسفيان في سجن قرنادة والسجن كان تحت سيطرة حفتر وأنا مقتنعة تماما ان خليفة حفتر له يد في ما وقع لابني ولسفيان الشورابي..، هناك أيضا أطراف تونسية تعرف حقيقة ما حصل لهما، فسفيان كان معاديا لحركة النهضة وللإسلام السياسي وبالنظر لعلاقة النهضة مع أطراف ليبية هي دون شك تعرف ما حل به ثم ان شفيق جراية المودع بالسجن اليوم والممنوع من الكلام يعرف كل الأسرار ويملك كل الحقائق".

تحدثت أيضا سنية رجب عن ملف الأسرى الأجانب بليبيا الذي يتحاشى الجميع طرحه أو الخوض فيه بما في ذلك دول الجوار والتي سعى بعضها مثل الجزائر ومصر إلى تحرير مواطنيهم الأسرى في ليبيا ونجحوا في ذلك عكس تونس التي لم تستفد يوما من علاقتها مع الحكومات الليبية في تحرير مواطنيها الأسرى رغم ورقات الضغط الكثيرة التي تملكها وكان يمكن ان تجبر من خلالها الجانب الليبي على كشف حقيقة الاختفاء القسري لنذير وسفيان، وتضيف سنية رجب : »أنا قررت الاعتصام أمام القصر الرئاسي بعد ان راسلت رئيس الجمهورية من أجل مقابلته وتم تجاهل مطلبي ولكن اليوم انا مصرة على مقابلته خاصة وانه تعهد في زيارته الأخيرة الى ليبيا بأن يضمن عودتهما ولكن اكتفى بذلك التصريح ولم يتابع الملف لا هو ولا وزير الخارجية الذي اسقط هذا الملف من جدول أعماله رغم انه من المفروض عليه ان يعرف مصير كل تونسي خارج البلاد..، ولكن للأسف ومنذ 7 سنوات هذه الدولة لا تفعل شيئا إلا خذلاني وزيادة ألمي ولوعتي".

قيس سعيد وملف نذير وسفيان

أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد في زيارته الأخيرة الى ليبيا أنه تم طرح ملف الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري، مبينا أن البحث متواصل في هذا البلد عنهما، مشيرا إلى أن النائب العام الليبي يُشرف على العملية..، وكان هذا التصريح المطمئن أثار بلبلة في تونس بعد ترويج بعض الأخبار حول تسلم تونس لنذير وسفيان عقب زيارة سعيد الى طرابلس وأن هذا التسلم سيكون في غضون الأيام التي تلت الزيارة وهو ما نفته بعد ذلك وزارة الداخلية.

كما شدد رئيس الجمهورية في تلك الزيارة على أن الليبيين لن يتوانوا عن التوصل إلى الحقيقة في هذه القضية، وقال 'أنا على يقين أن أشقاءنا في ليبيا سيبحثون عن الحقيقة'.

ولكن مضت الأشهر ولم تكشف رئاسة الجمهورية عن أي حقيقة في علاقة بملف اختفاء القطاري والشورابي، قسريا، في ليبيا، وتتهم عائلتي الشورابي والقطاري اليوم رئيس الجمهورية أنه مثله مثل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي أهمل الملف ولم يأخذ الأمر بجدية خاصة وأن وزارة الداخلية بقيادة الجراندي تجاهلت المسألة تماما ولم تأذن بمتابعة هذه القضية ولم تحرص على معرفة مصيرهما في ليبيا، وتؤكد سنية رجب والدة نذير انه كان يفترض تشكيل فريق عمل مشترك مع ليبيا تكون مهمته كشف الحقيقة دون خوف من أي جهة ولكن اليوم تأكد أن هناك جهات تخشى كشف الحقيقة حتى لا تتورط في جريمة ضد الإنسانية بسبب تعمد إخفاء أشخاص قسريا وهو ما حدث مع نذير وسفيان.

 

نقيب الصحفيين التونسيين لـ«الصباح»:عائلتا نذير وسفيان من حقها معرفة مصيرهما والدولة مطالبة بتقديم إجابة مقنعة ونهائية

 

خلال كل السنوات الماضية حاولت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الضغط على السلطات التونسية من أجل كشف مصير وحقيقة اختفاء سفيان الشورابي ونذير القطاري ولكن رغم ذلك لم يحرز الملف أي تقدم ولم تُقدم أجوبة مقنعة الى اليوم مصيرهما حيث ظلت كل المعطيات والمعلومات مبتورة وفي انتظار التأكيد..

نقيب الصحفيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، وفي تصريح لـ»الصباح «أكد أن: »هذا الملف ما يزال يراوح مكانه منذ اكثر من 6 سنوات وتعامل السلطات والدولة التونسية مع هذا الملف وفي علاقة بكشف حقيقة اختفاء سفيان الشورابي ونذير القطاري كان دون المأمول ولا يليق بالدولة التونسية باعتبار أن الصحفيين المختفيين هما مواطنان تونسيان ومن واجب الدولة حمايتهما ومعرفة مصيرهما، ولكن الدولة لم تفعل ذلك بالرغم من تنقل قاضي التحقيق الى ليبيا لكن لا يمكن اعتبار ذلك جهدا كبيرا يذكر فيشكر.. اليوم عائلتا الشورابي والقطاري من حقهما أن تعرفا مصير أبنائهما ومن واجب الدولة ان تحقق في ذلك وتتحرى وتخبرنا بالحقيقة كاملة مع كل الأدلة والإثباتات". 

نقيب الصحفيين أشار أيضا الى أن السلطات الليبية تقاعست في أداء واجبها في هذا الملف بالذات وكانت في كل مرة تقدم رواية مبتورة تفتقد الى ما يؤكدها بصفة قاطعة لا تقبل الدحض، قائلا : "لكن ربما ما يجعلنا نشعر بالاستياء هو أننا لم نر الدولة التونسية كباقي دول العالم حريصة على معرفة مصير أبنائها في ليبيا وحريصة على معرفة الحقيقة وحريصة على كشف أماكن تواجد مواطنيها واعادتهم الى أرض الوطن"،  وقد أكد الجلاصي أن نقابة الصحفيين ستظل تطالب بمعرفة الحقيقة وبكشف مصير نذير وسفيان وان النقابة توجهت الى المجتمع الدولي بما في ذلك البعثة الأممية في ليبيا وأنها ستواصل التواصل مع مختلف الأطراف الدولية حتى تكشف حقيقة هذا الملف .

أما على المستوى الوطني وفي علاقة بالسلطات التونسية قال نقيب الصحفيين: »أنا أتوجه برسالة مباشرة الى رئيس الجمهورية باعتباره يقود السياسية الخارجية لأقول له من واجب رئيس الجمهورية حماية أي مواطن تونسي خارج وداخل البلاد ونذير وسفيان من أبناء تونس ومنصبك يحتم عليك تقديم إجابات واضحة وصريحة لعائلتيهما حول مصيرهما ".

 

أهم الأحداث والتطورات التي شهدتها قضية اختفاء سفيان ونذير

2 سبتمبر 2014: اختفاء غامض..

 سفيان الشورابي ونذير القطاري غادرا تونس باتجاه ليبيا، للقيام بتحقيق تلفزيوني لصالح قناة "فورست تي في" الخاصة حول حرس المنشآت النفطية في منطقة أجدابيا الليبية، لتنقطع أخبارهما كليا بعد ذلك ومنذ تاريخ 8 سبتمبر 2014.

8 جانفي 2015: داعش يعلن أعدمهما..

نشر موقع مرتبط بمجموعات مسلحة بيانا باسم "ولاية برقة"، وهي مجموعة بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، أعلن فيه إعدام سفيان الشورابي ونذير القطاري لأنهما كانا "يعملان في قناة تلفزيونية معادية للدين"، وفق نص البيان وتضمن البيان صورا لهما ولكنه لم يقدم أي أدلة تثبت تعرضهما إلى القتل.

 

2016: والدة نذير ورحلة بحث مضنية في ليبيا

بحثا عن إجابة واضحة حول مصير ابنها تشفي غليلها تنقلت والدة نذير الى ليبيا في رحلة بحث مضنية ومحفوفة بالمخاطر والصعوبات ولكنها تمكنت من الوصول إلى الشرق الليبي، حيث أكدت ان سفيان ونذير موجودان هناك وأنهم أحياء. كما صرحت وقتها انه بمساعدة بعض الليبيين، تمكن والدا نذير من الوصول إلى المنطقة التي احتجزا فيها، والتقيا بعنصر ذي نفوذ كبير نظم لهما لقاء مع عشرين فردا رافقوا والتقوا بنذير وسفيان. كما أجرت سنية رجب مواجهة أمام القضاء مع السائق الذي أقل الصحفييْن التونسيين من المنزل الذي احتجزا فيه أول مرة، وهي شبه متأكدة أنه هو خاطف ابنها وصديقه بحسب معطياتها وتحرياتها، على عكس ما يدعيه من أن تنظيم الدولة الإسلامية هو من قام باختطافهما.

30 أفريل 2015: الحكومة الليبية تعلن مقتل نذير وسفيان

أكدت الحكومة الليبية وقتها أن 5 موقوفين اعترفوا بمسؤوليتهم عن قتل خمسة صحافيين وهم طاقم قناة برقة المحلية، اضافة الى صحافيين تونسيين مختطفان منذ اشهر.

حيث ذكر البيان أن الموقوفين اعترفوا بمسؤوليتهم عن "قتل الصحافيين التونسيين في ليبيا وهما سفيان الشورابي ونذير القطاري اللذين اختطفا في ليبيا منذ سبتمبر الماضي".

كما أشار بيان الحكومة الليبية  إلى أن الجهات الامنية لم تستطع العثور على الجثث حتى الآن "كونها دفنت في ضواحي مدينة درنة في الشرق التي تسيطر عليها جماعات جهادية من بينها تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف".

جانفي 2017: ..دُفنا في غابة درنة!

بثت قناة "ليبيا الحدث" ضمن برنامج "وثائق خاصة" تحقيقا مع احد الدواعش الذين قبض عليهم تحدث فيه عن عملية إعدام الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي. وقال الداعشي الليبي عبد الرزاق عبد الناصر ان قيادات تونسية داعشية هي التي ألقت القبض على الصحفيين... كما أكد الداعشي أن الشخص الذي قام بقتل الصحفيين هو شخص "تشادي" اسمه احمد مع شخص آخر من الجنسية التشادية اسمه ابو عبد الله سجن في السعودية وقد فجر نفسه في إحدى العمليات الانتحارية. وقال الداعشي الليبي أن عملية قتل ودفن الصحفيين تمت في غابة "درنة".

سبتمبر 2017: الأبحاث تؤكد الاختطاف وليس الإعدام

  كشف الصديق الصور رئيس مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام بليبيا في ندوة صحافية  أنّ الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي، كانا قد اختطفا بالطريق العام بين مدينتي درنة وأجدابيا من قبل تنظيم داعش الإرهابي، معربا عن تحفظه عن ذكر المزيد من التفاصيل بشأنهما وذلك احتراما لسرية التحقيق، وقال الصديق الصور إنّ قيادات ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي، قد أدلت بمعطيات أولية خلال التحقيق معهم حول كيفية اختطاف القطاري والشورابي وأين تم اقتيادهم، معربا عن أمله في أن تؤدي المعلومات الأولية التي تم الحصول عليها، إلى الوصول لنتائج حقيقية حول عملية الاختطاف والتي كانت تمت في أوائل شهر سبتمبر من سنة 2014.

9 مارس 2017: مقايضة بعناصر من أنصار الشريعة

اتهمت لجنة الدفاع عن سفيان الشورابي ونذير القطاري المختطفين في ليبيا منذ 2014، قاضي التحقيق بالتقصير وبحصول مقايضة في ملف القضية. حيث قال عضو لجنة الدفاع عن الشورابي والقطاري أيوب الغدامسي إن قاضي التحقيق تعامل مع العديد من المعطيات المتضاربة والمتناقضة في الملف وكأنها معطيات ثانوية في الوقت الذي تُعتبر مهمة جدا.

وأكد الغدامسي أن قاضي التحقيق تجاهل المعطيات، معبرا عن خشيته أن تكون تلك المعطيات قد اختفت. وأضاف أن ملف نذير وسفيان عرف مقايضة حيث  طلب طرف إطلاق سراح قيادات من أنصار الشريعة من سجن المرناقية مقابل إرسال فيديو يُثبت أن المخطوفين على قيد الحياة، ونُفذت المقايضة دون إرسال الفيديو!

8 سبتمبر 2018: تدويل القضية

طلبت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين، في رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريس، التدخل العاجل من منظمة الأمم المتحدة للكشف عن الحقيقة بخصوص مصير الزميلين سفيان الشورابي ونذير القطاري.

22مارس 2019: جلب العينات الجينية من ليبيا..

أكد مدير الاتصال والإعلام بوزارة الشؤون الخارجية بوراوي ليمام، أن الفريق الفني التونسي الذي تنقل إلى ليبيا لجلب عينات وراثية جينية يُشتبه أنها للصحفي سفيان الشورابي والمصور الصحفي نذير القطاري، أدى مهمته على أحسن ما يرام وحقق الهدف الذي ذهب من أجله.

5 أفريل 2019: العينات الجينية ليست متطابقة

أعلنت سنية رجب والدة نذير القطاري أن قاضي التحقيق المكلف بالقضية أكد لها أن العينات التي تم جلبها من ليبيا للجثتين المزعومتين لا تتطابق مع عينات نذير وسفيان، وذكرت أنها كانت متأكدة من هذه النتيجة كما انها متأكدة من أن نذير وسفيان ما يزالان على قيد الحياة.

جويلية 2019: مرة أخرى.. اعترافات حول الإعدام المزعوم

بثت قناة الشروق الجزائرية تحقيقا عن عدد من الإرهابيين المحكومين بالإعدام في السجون الليبية لمشاركتهم في أعمال إرهابية وقتالية مع تنظيم داعش الارهابي في ليبيا.

وأظهر التقرير اعترافات أحد الارهابيين عن مكان قتل ودفن الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي في غابة  بوسافر بمدينة درنة. وأقر بأن من نفذا عملية قتل نذير وسفيان هما من الجنسية السودانية.

فيفري 2021:  «أجل.. كنت معهما في سجن قرنادة»!

صرّح أحد التونسيين العائدين من سجون ليبيا أنه لمح سفيان ونذير عن قرب أيام 17 و18 و19 أفريل عام 2018 بالسجن العسكري بقرنادة في الشرق الليبي وهي المناطق الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر، مؤكّدا أنهما لم يتعرّضا لأي سوء.
وأضاف قائلا: »إن نذير وسفيان كانا يرتديان لباسا أحمر يلبسه عادة الموقوفون بتهم تتعلق بالإرهاب" .

17 مارس 2021: سعيد يتكفل بالقضية

أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارته إلى ليبيا، أنه تم طرح ملف الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري، مبينا أن البحث متواصل في هذا البلد عنهما، مشيرا إلى أن النائب العام الليبي يُشرف على العملية.

وشدد رئيس الدولة على أن الليبيين لن يتوانوا عن التوصل إلى الحقيقة في هذه القضية، وقال 'أنا على يقين أن أشقاءنا في ليبيا سيبحثون عن الحقيقة'.

منية العرفاوي

 

نذير وسفيان.. اللغز الذي عجزت الدولة عن حله!

 

*والدة نذير القطاري لـ»الصباح": الجميع خذلني.. وكل الرؤساء بما في ذلك سعيد تعهدوا بالتكفل بالقضية

تونس- الصباح

بعد 6 سنوات من الانتظار المضني.. ما زالت سنية رجب والدة المصور الصحفي المختفي قسريا في ليبيا منذ 7 سنوات، نذير القطاري، تنتظر عودة ابنها مع رفيقه في رحلة الآلام والعذاب تلك، الصحفي سفيان الشورابي.. الأم الملتاعة لم تفقد الأمل يوما في عودتهما وهي على قناعة تامة إنهما معتقلان في أحد تلك السجون السرية التي يشرف عليها خليفة حفتر، رغم تداول أخبار غير رسمية تفيد بتصفيتهما من طرف تنظيم داعش بدرنة وفق عدة تقارير إعلامية ليبية وجزائرية بالأساس.

والى اليوم بقي ملف سفيان ونذير، لغزا كبيرا، فشل الجميع في كشف تفاصيله وتقديم أجوبة مقنعة حوله.. فتلك المهمة الصحفية التي انطلقت بتاريخ 2 سبتمبر 2014، بصفة عادية، وجمعت الصحفي سفيان الشورابي والمصور الصحفي نذير القطاري، ولكن نهاية هذه المهمة الصحفية ستكون مأساوية ودراما متواصلة منذ سنوات... سنوات من الانتظار القاتل والحزن والألم، حولت حياة عائلتي نذير القطاري وسفيان الشورابي الى جحيم، وفي تصريح لـ "الصباح" تقول سنية رجب وقد خنقتها العبرات:"أنا أكاد أفقد عقلي، بعد أن خذلني الجميع..، لقد خذلتني بلادي وتخلت عني الدولة التي يفترض انها مجبرة على حماية مواطنيها..، ونذير وسفيان هما مواطنان تونسيان ولكن الحكومات المتعاقبة والرؤساء المتعاقبون جردوهم من مواطنتهما وتخليا عنهما وتركوهم للأسر والمعتقلات والمعاملة اللاانسانية..، الجميع باع قضيتهم وتخلى عنهم.. اكتفوا بإطلاق التصريحات دون متابعة جدية للملف..، المعلومات متوفرة وهناك شهود أكدوا انهم كانوا مع نذير وسفيان في سجن قرنادة والسجن كان تحت سيطرة حفتر وأنا مقتنعة تماما ان خليفة حفتر له يد في ما وقع لابني ولسفيان الشورابي..، هناك أيضا أطراف تونسية تعرف حقيقة ما حصل لهما، فسفيان كان معاديا لحركة النهضة وللإسلام السياسي وبالنظر لعلاقة النهضة مع أطراف ليبية هي دون شك تعرف ما حل به ثم ان شفيق جراية المودع بالسجن اليوم والممنوع من الكلام يعرف كل الأسرار ويملك كل الحقائق".

تحدثت أيضا سنية رجب عن ملف الأسرى الأجانب بليبيا الذي يتحاشى الجميع طرحه أو الخوض فيه بما في ذلك دول الجوار والتي سعى بعضها مثل الجزائر ومصر إلى تحرير مواطنيهم الأسرى في ليبيا ونجحوا في ذلك عكس تونس التي لم تستفد يوما من علاقتها مع الحكومات الليبية في تحرير مواطنيها الأسرى رغم ورقات الضغط الكثيرة التي تملكها وكان يمكن ان تجبر من خلالها الجانب الليبي على كشف حقيقة الاختفاء القسري لنذير وسفيان، وتضيف سنية رجب : »أنا قررت الاعتصام أمام القصر الرئاسي بعد ان راسلت رئيس الجمهورية من أجل مقابلته وتم تجاهل مطلبي ولكن اليوم انا مصرة على مقابلته خاصة وانه تعهد في زيارته الأخيرة الى ليبيا بأن يضمن عودتهما ولكن اكتفى بذلك التصريح ولم يتابع الملف لا هو ولا وزير الخارجية الذي اسقط هذا الملف من جدول أعماله رغم انه من المفروض عليه ان يعرف مصير كل تونسي خارج البلاد..، ولكن للأسف ومنذ 7 سنوات هذه الدولة لا تفعل شيئا إلا خذلاني وزيادة ألمي ولوعتي".

قيس سعيد وملف نذير وسفيان

أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد في زيارته الأخيرة الى ليبيا أنه تم طرح ملف الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري، مبينا أن البحث متواصل في هذا البلد عنهما، مشيرا إلى أن النائب العام الليبي يُشرف على العملية..، وكان هذا التصريح المطمئن أثار بلبلة في تونس بعد ترويج بعض الأخبار حول تسلم تونس لنذير وسفيان عقب زيارة سعيد الى طرابلس وأن هذا التسلم سيكون في غضون الأيام التي تلت الزيارة وهو ما نفته بعد ذلك وزارة الداخلية.

كما شدد رئيس الجمهورية في تلك الزيارة على أن الليبيين لن يتوانوا عن التوصل إلى الحقيقة في هذه القضية، وقال 'أنا على يقين أن أشقاءنا في ليبيا سيبحثون عن الحقيقة'.

ولكن مضت الأشهر ولم تكشف رئاسة الجمهورية عن أي حقيقة في علاقة بملف اختفاء القطاري والشورابي، قسريا، في ليبيا، وتتهم عائلتي الشورابي والقطاري اليوم رئيس الجمهورية أنه مثله مثل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي أهمل الملف ولم يأخذ الأمر بجدية خاصة وأن وزارة الداخلية بقيادة الجراندي تجاهلت المسألة تماما ولم تأذن بمتابعة هذه القضية ولم تحرص على معرفة مصيرهما في ليبيا، وتؤكد سنية رجب والدة نذير انه كان يفترض تشكيل فريق عمل مشترك مع ليبيا تكون مهمته كشف الحقيقة دون خوف من أي جهة ولكن اليوم تأكد أن هناك جهات تخشى كشف الحقيقة حتى لا تتورط في جريمة ضد الإنسانية بسبب تعمد إخفاء أشخاص قسريا وهو ما حدث مع نذير وسفيان.

 

نقيب الصحفيين التونسيين لـ«الصباح»:عائلتا نذير وسفيان من حقها معرفة مصيرهما والدولة مطالبة بتقديم إجابة مقنعة ونهائية

 

خلال كل السنوات الماضية حاولت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الضغط على السلطات التونسية من أجل كشف مصير وحقيقة اختفاء سفيان الشورابي ونذير القطاري ولكن رغم ذلك لم يحرز الملف أي تقدم ولم تُقدم أجوبة مقنعة الى اليوم مصيرهما حيث ظلت كل المعطيات والمعلومات مبتورة وفي انتظار التأكيد..

نقيب الصحفيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، وفي تصريح لـ»الصباح «أكد أن: »هذا الملف ما يزال يراوح مكانه منذ اكثر من 6 سنوات وتعامل السلطات والدولة التونسية مع هذا الملف وفي علاقة بكشف حقيقة اختفاء سفيان الشورابي ونذير القطاري كان دون المأمول ولا يليق بالدولة التونسية باعتبار أن الصحفيين المختفيين هما مواطنان تونسيان ومن واجب الدولة حمايتهما ومعرفة مصيرهما، ولكن الدولة لم تفعل ذلك بالرغم من تنقل قاضي التحقيق الى ليبيا لكن لا يمكن اعتبار ذلك جهدا كبيرا يذكر فيشكر.. اليوم عائلتا الشورابي والقطاري من حقهما أن تعرفا مصير أبنائهما ومن واجب الدولة ان تحقق في ذلك وتتحرى وتخبرنا بالحقيقة كاملة مع كل الأدلة والإثباتات". 

نقيب الصحفيين أشار أيضا الى أن السلطات الليبية تقاعست في أداء واجبها في هذا الملف بالذات وكانت في كل مرة تقدم رواية مبتورة تفتقد الى ما يؤكدها بصفة قاطعة لا تقبل الدحض، قائلا : "لكن ربما ما يجعلنا نشعر بالاستياء هو أننا لم نر الدولة التونسية كباقي دول العالم حريصة على معرفة مصير أبنائها في ليبيا وحريصة على معرفة الحقيقة وحريصة على كشف أماكن تواجد مواطنيها واعادتهم الى أرض الوطن"،  وقد أكد الجلاصي أن نقابة الصحفيين ستظل تطالب بمعرفة الحقيقة وبكشف مصير نذير وسفيان وان النقابة توجهت الى المجتمع الدولي بما في ذلك البعثة الأممية في ليبيا وأنها ستواصل التواصل مع مختلف الأطراف الدولية حتى تكشف حقيقة هذا الملف .

أما على المستوى الوطني وفي علاقة بالسلطات التونسية قال نقيب الصحفيين: »أنا أتوجه برسالة مباشرة الى رئيس الجمهورية باعتباره يقود السياسية الخارجية لأقول له من واجب رئيس الجمهورية حماية أي مواطن تونسي خارج وداخل البلاد ونذير وسفيان من أبناء تونس ومنصبك يحتم عليك تقديم إجابات واضحة وصريحة لعائلتيهما حول مصيرهما ".

 

أهم الأحداث والتطورات التي شهدتها قضية اختفاء سفيان ونذير

2 سبتمبر 2014: اختفاء غامض..

 سفيان الشورابي ونذير القطاري غادرا تونس باتجاه ليبيا، للقيام بتحقيق تلفزيوني لصالح قناة "فورست تي في" الخاصة حول حرس المنشآت النفطية في منطقة أجدابيا الليبية، لتنقطع أخبارهما كليا بعد ذلك ومنذ تاريخ 8 سبتمبر 2014.

8 جانفي 2015: داعش يعلن أعدمهما..

نشر موقع مرتبط بمجموعات مسلحة بيانا باسم "ولاية برقة"، وهي مجموعة بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، أعلن فيه إعدام سفيان الشورابي ونذير القطاري لأنهما كانا "يعملان في قناة تلفزيونية معادية للدين"، وفق نص البيان وتضمن البيان صورا لهما ولكنه لم يقدم أي أدلة تثبت تعرضهما إلى القتل.

 

2016: والدة نذير ورحلة بحث مضنية في ليبيا

بحثا عن إجابة واضحة حول مصير ابنها تشفي غليلها تنقلت والدة نذير الى ليبيا في رحلة بحث مضنية ومحفوفة بالمخاطر والصعوبات ولكنها تمكنت من الوصول إلى الشرق الليبي، حيث أكدت ان سفيان ونذير موجودان هناك وأنهم أحياء. كما صرحت وقتها انه بمساعدة بعض الليبيين، تمكن والدا نذير من الوصول إلى المنطقة التي احتجزا فيها، والتقيا بعنصر ذي نفوذ كبير نظم لهما لقاء مع عشرين فردا رافقوا والتقوا بنذير وسفيان. كما أجرت سنية رجب مواجهة أمام القضاء مع السائق الذي أقل الصحفييْن التونسيين من المنزل الذي احتجزا فيه أول مرة، وهي شبه متأكدة أنه هو خاطف ابنها وصديقه بحسب معطياتها وتحرياتها، على عكس ما يدعيه من أن تنظيم الدولة الإسلامية هو من قام باختطافهما.

30 أفريل 2015: الحكومة الليبية تعلن مقتل نذير وسفيان

أكدت الحكومة الليبية وقتها أن 5 موقوفين اعترفوا بمسؤوليتهم عن قتل خمسة صحافيين وهم طاقم قناة برقة المحلية، اضافة الى صحافيين تونسيين مختطفان منذ اشهر.

حيث ذكر البيان أن الموقوفين اعترفوا بمسؤوليتهم عن "قتل الصحافيين التونسيين في ليبيا وهما سفيان الشورابي ونذير القطاري اللذين اختطفا في ليبيا منذ سبتمبر الماضي".

كما أشار بيان الحكومة الليبية  إلى أن الجهات الامنية لم تستطع العثور على الجثث حتى الآن "كونها دفنت في ضواحي مدينة درنة في الشرق التي تسيطر عليها جماعات جهادية من بينها تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف".

جانفي 2017: ..دُفنا في غابة درنة!

بثت قناة "ليبيا الحدث" ضمن برنامج "وثائق خاصة" تحقيقا مع احد الدواعش الذين قبض عليهم تحدث فيه عن عملية إعدام الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي. وقال الداعشي الليبي عبد الرزاق عبد الناصر ان قيادات تونسية داعشية هي التي ألقت القبض على الصحفيين... كما أكد الداعشي أن الشخص الذي قام بقتل الصحفيين هو شخص "تشادي" اسمه احمد مع شخص آخر من الجنسية التشادية اسمه ابو عبد الله سجن في السعودية وقد فجر نفسه في إحدى العمليات الانتحارية. وقال الداعشي الليبي أن عملية قتل ودفن الصحفيين تمت في غابة "درنة".

سبتمبر 2017: الأبحاث تؤكد الاختطاف وليس الإعدام

  كشف الصديق الصور رئيس مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام بليبيا في ندوة صحافية  أنّ الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي، كانا قد اختطفا بالطريق العام بين مدينتي درنة وأجدابيا من قبل تنظيم داعش الإرهابي، معربا عن تحفظه عن ذكر المزيد من التفاصيل بشأنهما وذلك احتراما لسرية التحقيق، وقال الصديق الصور إنّ قيادات ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي، قد أدلت بمعطيات أولية خلال التحقيق معهم حول كيفية اختطاف القطاري والشورابي وأين تم اقتيادهم، معربا عن أمله في أن تؤدي المعلومات الأولية التي تم الحصول عليها، إلى الوصول لنتائج حقيقية حول عملية الاختطاف والتي كانت تمت في أوائل شهر سبتمبر من سنة 2014.

9 مارس 2017: مقايضة بعناصر من أنصار الشريعة

اتهمت لجنة الدفاع عن سفيان الشورابي ونذير القطاري المختطفين في ليبيا منذ 2014، قاضي التحقيق بالتقصير وبحصول مقايضة في ملف القضية. حيث قال عضو لجنة الدفاع عن الشورابي والقطاري أيوب الغدامسي إن قاضي التحقيق تعامل مع العديد من المعطيات المتضاربة والمتناقضة في الملف وكأنها معطيات ثانوية في الوقت الذي تُعتبر مهمة جدا.

وأكد الغدامسي أن قاضي التحقيق تجاهل المعطيات، معبرا عن خشيته أن تكون تلك المعطيات قد اختفت. وأضاف أن ملف نذير وسفيان عرف مقايضة حيث  طلب طرف إطلاق سراح قيادات من أنصار الشريعة من سجن المرناقية مقابل إرسال فيديو يُثبت أن المخطوفين على قيد الحياة، ونُفذت المقايضة دون إرسال الفيديو!

8 سبتمبر 2018: تدويل القضية

طلبت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين، في رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريس، التدخل العاجل من منظمة الأمم المتحدة للكشف عن الحقيقة بخصوص مصير الزميلين سفيان الشورابي ونذير القطاري.

22مارس 2019: جلب العينات الجينية من ليبيا..

أكد مدير الاتصال والإعلام بوزارة الشؤون الخارجية بوراوي ليمام، أن الفريق الفني التونسي الذي تنقل إلى ليبيا لجلب عينات وراثية جينية يُشتبه أنها للصحفي سفيان الشورابي والمصور الصحفي نذير القطاري، أدى مهمته على أحسن ما يرام وحقق الهدف الذي ذهب من أجله.

5 أفريل 2019: العينات الجينية ليست متطابقة

أعلنت سنية رجب والدة نذير القطاري أن قاضي التحقيق المكلف بالقضية أكد لها أن العينات التي تم جلبها من ليبيا للجثتين المزعومتين لا تتطابق مع عينات نذير وسفيان، وذكرت أنها كانت متأكدة من هذه النتيجة كما انها متأكدة من أن نذير وسفيان ما يزالان على قيد الحياة.

جويلية 2019: مرة أخرى.. اعترافات حول الإعدام المزعوم

بثت قناة الشروق الجزائرية تحقيقا عن عدد من الإرهابيين المحكومين بالإعدام في السجون الليبية لمشاركتهم في أعمال إرهابية وقتالية مع تنظيم داعش الارهابي في ليبيا.

وأظهر التقرير اعترافات أحد الارهابيين عن مكان قتل ودفن الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي في غابة  بوسافر بمدينة درنة. وأقر بأن من نفذا عملية قتل نذير وسفيان هما من الجنسية السودانية.

فيفري 2021:  «أجل.. كنت معهما في سجن قرنادة»!

صرّح أحد التونسيين العائدين من سجون ليبيا أنه لمح سفيان ونذير عن قرب أيام 17 و18 و19 أفريل عام 2018 بالسجن العسكري بقرنادة في الشرق الليبي وهي المناطق الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر، مؤكّدا أنهما لم يتعرّضا لأي سوء.
وأضاف قائلا: »إن نذير وسفيان كانا يرتديان لباسا أحمر يلبسه عادة الموقوفون بتهم تتعلق بالإرهاب" .

17 مارس 2021: سعيد يتكفل بالقضية

أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارته إلى ليبيا، أنه تم طرح ملف الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري، مبينا أن البحث متواصل في هذا البلد عنهما، مشيرا إلى أن النائب العام الليبي يُشرف على العملية.

وشدد رئيس الدولة على أن الليبيين لن يتوانوا عن التوصل إلى الحقيقة في هذه القضية، وقال 'أنا على يقين أن أشقاءنا في ليبيا سيبحثون عن الحقيقة'.

منية العرفاوي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews