لا احد قادر على قراءة أفكار الرئيس وأي طريق يسلكه بنا.. فمؤسسة رئاسة الجمهورية اتخذت من الغموض والضبابية شعارها الذي أصبح يؤرق جل التونسيين فحتى إن بارك جزء هام من التونسيين إجراءات الرئاسة ليلة 25 جويلية المنقضي والتي مرّ عليها شهر كامل مع التمديد إلى اجل غير مسمى أو الى "إشعار آخر" مثلما جاء في بيان الرئاسة الأخير.
هذا الوضع فتح باب التأويلات على مصراعيه حيث يرى البعض أن الرئيس "قفز" على الفصل 80 وهي إشارة إلى إمكانية الاستغناء عن دستور 2014 فيما يرجح البعض الآخر أن سعيد لا يمكنه أن يعلّق العمل بالدستور لأنه يستمد منه شرعية قراراته وان كان ذلك شكلا فقط.
هذا وتبقى جميع القراءات والفرضيات مطروحة في ظل غياب خارطة طريق واضحة يمكن من خلالها الخروج عن منطق الفراغ القانوني وفرض سياسة الأمر الواقع حتى وان كان هناك دعم شعبي لرئيس الجهمورية لما اتخذه من إجراءات منذ شهر.
الباحث في القانون كريم المرزوقي فسّر التمديد في الحالة الاستثنائية قائلا "في البداية من المهم التوضيح أن التدابير الاستثنائية المعلنة يوم 25 جويلية نوعان، الأولى فحواها توحيد السلطة التنفيذية بتولي رئيس الجمهورية رئاستها وهذه لم يعلن عن أجل بخصوصها، والثانية تتعلق بتعليق اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وحددت الرئاسة مدة شهر واحد، وهو أجل حدده رئيس الجمهورية لنفسه، وقد تحرر من قيده مع تمديد تعليق اختصاصات البرلمان إلى "إشعار آخر" وعلى هذا الأساس فآجال حالة الاستثنائية غير محددة في الزمن أصالة وهي تزول بزوال أسبابها، والتقدير يعود دائما لرئيس الجمهورية لوحده في ظل غياب رقابة المحكمة الدستورية".
وعلّق الباحث في القانون في حديثه لـ"الصباح" بان تمديد تعليق اختصاصات البرلمان يطرح سؤالا عن الخطوة القادمة، ويبدو أن الرئيس يتحسس من عبارة "خارطة الطريق" ولكن بغض النظر عن اللفظ المستعمل، المطلوب إعلان رؤيته للمرحلة المقبلة للعودة إلى الوضع العادي، كما ان تعليق اختصاصات البرلمان، بغض النظر عن أداء مكوناته، لأجل غير محدد يثير المخاوف حول مستقبل الديمقراطية الناشئة فعلاج الديمقراطية الفاسدة لا يكون بالدخول في مغامرات قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة مع غياب خطة واضحة اليوم للعودة للتنظيم المؤسساتي العادي.
وفي إجابته عن سؤلنا حول إن كان الرئيس قد خرج عن الفصل 80 من الدستور؟، أجاب المرزوقي قائلا "اعتقد أن رئيس الجمهورية تعسّف في تأويل الفصل 80 من الدستور، إن تجاوزنا تقدير إذا ما كان الوضع يستلزم إعلان الحالة الاستثنائية بتلك الطريقة، فإن تعليق اختصاصات البرلمان يتناقض مع صريح الفصل الذي يجعل البرلمان في حالة انعقاد دائم، بهدف ممارسة حد أدنى من الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية." كما ان تطبيق الحالة الاستثنائية في التجارب المقارنة بما تعنيه من تركيز للسلطة أولا وتقييد للحقوق والحريات ثانيا لا تعني إطلاق يد رئيس الدولة دون حسيب أو رقيب، ولكن للأسف اليوم تم تطبيق الفصل 80 بتغييب الرقابة البرلمانية أولا، عدا عن غياب الرقابة الدستورية بسبب عدم إرساء المحكمة الدستورية ثانيا.
السؤال الحارق والذي يطرح نفسه بشدة ويتبادر إلى أذهان جل التونسيين هو أين نحن متجهون خاصة في علاقة بوضع مؤسسات الدولة بعد قرار التمديد دون ضبط آجال محددة بخصوص الحالة الاستثنائية؟ حسب الباحث في القانون كريم المرزوقي فان كل المؤشرات تدل اليوم أننا نعيش مرحلة انتقالية جديدة في تونس بما تعنيه من ضبابية، والمأمول العودة إلى الحياة الدستورية العادية مع معالجة الأسباب العميقة للأزمة المركبة للبلاد على المستويين السياسي والاقتصادي.
كما انه منذ صدور بيان الرئاسة حول استمرار العمل بالإجراءات الاستثنائية إلى إشعار آخر بدأت تتردد عديد السيناريوهات في علاقة بتعليق العمل بالدستور أو محافظة الرئيس عليه شكلا فقط ليحتمي به في أي إجراء يتخذه مستقبلا حتى وان استمرت الحالة الاستثنائية، حيث اعتبر محدثنا في هذا الصدد أن كل الاحتمالات مطروحة اليوم، وكل التقديرات مهما كانت قابلة للتحقق، لكن تعليق العمل بالدستور يعني الخروج عن الشرعية الدستورية والدخول في متاهة لا ضمان للخروج منها. لدينا دستور هو الحكم بيننا ورغم كل الخلاف حول تأويله ورغم غياب المحكمة الدستورية التي يجب الإسراع لإرسائها، يظل هو أرضية إدارة الخلافات والمربع الذي يتحرك الجميع داخله.
وأضاف الباحث في القانون كريم المرزوقي "كما ذكرت أعلاه الحديث عن دستور جديد يعني الخروج عن الشرعية الدستورية التي لازال الرئيس يعلن أنه ملتزم بها، نعم تصاعدت الأصوات مؤخرا للمطالبة بتعليق الدستور برمّته وصياغة دستور جديد، وهذا مؤسف فدستورنا ضحينا كثيرا من أجل صياغته ودفعنا دماء الشهداء لإتمامه حينما كان يُراد إجهاضه، صغنا عقدا توافقيا جامعا لكل التونسيين، تنازلات متبادلة وسعي مشترك من أجل ميثاق اجتماعي وسياسي نبني على أساسه ديمقراطيتنا، وقد صادقت عليه كل الحساسيات الأيديولوجية والفكرية وصوت لفائدته 200 من أصل 217 نائبا".
واعتبر محدثنا أن رفض النظام السياسي المعتمد والسعي المشروع لتغييره لا يعني المس من كل الدستور، لأنه توجد مكاسب لا سبيل للتنازل عليها في أبواب الحقوق والحريات .
المبادئ العامة والسلطة القضائية والسلطة المحلية زمن طويل ونقاشات فكرية وسياسية لثلاث سنوات من أجل الوصول للمشترك الوطني، لا سبيل لتجاوزها ودستور 2014 فهو ليس دستور أي طرف سياسي، بل دستور كل التونسيين الذين ضحوا من أجله وتوافقوا عليه عقدا جامعا بينهم، ولم نختبر بعد عديد مواده مع تعطل المحكمة الدستورية والحفاظ عليه هو خط الدفاع الأخير تصديا لأي مغامرة قد تهدد ديمقراطيتنا ومساحة المشترك الوطني بيننا.
جهاد الكلبوسي
تونس – الصباح
لا احد قادر على قراءة أفكار الرئيس وأي طريق يسلكه بنا.. فمؤسسة رئاسة الجمهورية اتخذت من الغموض والضبابية شعارها الذي أصبح يؤرق جل التونسيين فحتى إن بارك جزء هام من التونسيين إجراءات الرئاسة ليلة 25 جويلية المنقضي والتي مرّ عليها شهر كامل مع التمديد إلى اجل غير مسمى أو الى "إشعار آخر" مثلما جاء في بيان الرئاسة الأخير.
هذا الوضع فتح باب التأويلات على مصراعيه حيث يرى البعض أن الرئيس "قفز" على الفصل 80 وهي إشارة إلى إمكانية الاستغناء عن دستور 2014 فيما يرجح البعض الآخر أن سعيد لا يمكنه أن يعلّق العمل بالدستور لأنه يستمد منه شرعية قراراته وان كان ذلك شكلا فقط.
هذا وتبقى جميع القراءات والفرضيات مطروحة في ظل غياب خارطة طريق واضحة يمكن من خلالها الخروج عن منطق الفراغ القانوني وفرض سياسة الأمر الواقع حتى وان كان هناك دعم شعبي لرئيس الجهمورية لما اتخذه من إجراءات منذ شهر.
الباحث في القانون كريم المرزوقي فسّر التمديد في الحالة الاستثنائية قائلا "في البداية من المهم التوضيح أن التدابير الاستثنائية المعلنة يوم 25 جويلية نوعان، الأولى فحواها توحيد السلطة التنفيذية بتولي رئيس الجمهورية رئاستها وهذه لم يعلن عن أجل بخصوصها، والثانية تتعلق بتعليق اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وحددت الرئاسة مدة شهر واحد، وهو أجل حدده رئيس الجمهورية لنفسه، وقد تحرر من قيده مع تمديد تعليق اختصاصات البرلمان إلى "إشعار آخر" وعلى هذا الأساس فآجال حالة الاستثنائية غير محددة في الزمن أصالة وهي تزول بزوال أسبابها، والتقدير يعود دائما لرئيس الجمهورية لوحده في ظل غياب رقابة المحكمة الدستورية".
وعلّق الباحث في القانون في حديثه لـ"الصباح" بان تمديد تعليق اختصاصات البرلمان يطرح سؤالا عن الخطوة القادمة، ويبدو أن الرئيس يتحسس من عبارة "خارطة الطريق" ولكن بغض النظر عن اللفظ المستعمل، المطلوب إعلان رؤيته للمرحلة المقبلة للعودة إلى الوضع العادي، كما ان تعليق اختصاصات البرلمان، بغض النظر عن أداء مكوناته، لأجل غير محدد يثير المخاوف حول مستقبل الديمقراطية الناشئة فعلاج الديمقراطية الفاسدة لا يكون بالدخول في مغامرات قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة مع غياب خطة واضحة اليوم للعودة للتنظيم المؤسساتي العادي.
وفي إجابته عن سؤلنا حول إن كان الرئيس قد خرج عن الفصل 80 من الدستور؟، أجاب المرزوقي قائلا "اعتقد أن رئيس الجمهورية تعسّف في تأويل الفصل 80 من الدستور، إن تجاوزنا تقدير إذا ما كان الوضع يستلزم إعلان الحالة الاستثنائية بتلك الطريقة، فإن تعليق اختصاصات البرلمان يتناقض مع صريح الفصل الذي يجعل البرلمان في حالة انعقاد دائم، بهدف ممارسة حد أدنى من الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية." كما ان تطبيق الحالة الاستثنائية في التجارب المقارنة بما تعنيه من تركيز للسلطة أولا وتقييد للحقوق والحريات ثانيا لا تعني إطلاق يد رئيس الدولة دون حسيب أو رقيب، ولكن للأسف اليوم تم تطبيق الفصل 80 بتغييب الرقابة البرلمانية أولا، عدا عن غياب الرقابة الدستورية بسبب عدم إرساء المحكمة الدستورية ثانيا.
السؤال الحارق والذي يطرح نفسه بشدة ويتبادر إلى أذهان جل التونسيين هو أين نحن متجهون خاصة في علاقة بوضع مؤسسات الدولة بعد قرار التمديد دون ضبط آجال محددة بخصوص الحالة الاستثنائية؟ حسب الباحث في القانون كريم المرزوقي فان كل المؤشرات تدل اليوم أننا نعيش مرحلة انتقالية جديدة في تونس بما تعنيه من ضبابية، والمأمول العودة إلى الحياة الدستورية العادية مع معالجة الأسباب العميقة للأزمة المركبة للبلاد على المستويين السياسي والاقتصادي.
كما انه منذ صدور بيان الرئاسة حول استمرار العمل بالإجراءات الاستثنائية إلى إشعار آخر بدأت تتردد عديد السيناريوهات في علاقة بتعليق العمل بالدستور أو محافظة الرئيس عليه شكلا فقط ليحتمي به في أي إجراء يتخذه مستقبلا حتى وان استمرت الحالة الاستثنائية، حيث اعتبر محدثنا في هذا الصدد أن كل الاحتمالات مطروحة اليوم، وكل التقديرات مهما كانت قابلة للتحقق، لكن تعليق العمل بالدستور يعني الخروج عن الشرعية الدستورية والدخول في متاهة لا ضمان للخروج منها. لدينا دستور هو الحكم بيننا ورغم كل الخلاف حول تأويله ورغم غياب المحكمة الدستورية التي يجب الإسراع لإرسائها، يظل هو أرضية إدارة الخلافات والمربع الذي يتحرك الجميع داخله.
وأضاف الباحث في القانون كريم المرزوقي "كما ذكرت أعلاه الحديث عن دستور جديد يعني الخروج عن الشرعية الدستورية التي لازال الرئيس يعلن أنه ملتزم بها، نعم تصاعدت الأصوات مؤخرا للمطالبة بتعليق الدستور برمّته وصياغة دستور جديد، وهذا مؤسف فدستورنا ضحينا كثيرا من أجل صياغته ودفعنا دماء الشهداء لإتمامه حينما كان يُراد إجهاضه، صغنا عقدا توافقيا جامعا لكل التونسيين، تنازلات متبادلة وسعي مشترك من أجل ميثاق اجتماعي وسياسي نبني على أساسه ديمقراطيتنا، وقد صادقت عليه كل الحساسيات الأيديولوجية والفكرية وصوت لفائدته 200 من أصل 217 نائبا".
واعتبر محدثنا أن رفض النظام السياسي المعتمد والسعي المشروع لتغييره لا يعني المس من كل الدستور، لأنه توجد مكاسب لا سبيل للتنازل عليها في أبواب الحقوق والحريات .
المبادئ العامة والسلطة القضائية والسلطة المحلية زمن طويل ونقاشات فكرية وسياسية لثلاث سنوات من أجل الوصول للمشترك الوطني، لا سبيل لتجاوزها ودستور 2014 فهو ليس دستور أي طرف سياسي، بل دستور كل التونسيين الذين ضحوا من أجله وتوافقوا عليه عقدا جامعا بينهم، ولم نختبر بعد عديد مواده مع تعطل المحكمة الدستورية والحفاظ عليه هو خط الدفاع الأخير تصديا لأي مغامرة قد تهدد ديمقراطيتنا ومساحة المشترك الوطني بيننا.