لا تزال حالة الاحتباس السياسي والاقتصادي تسيطر على الوضع العام للبلاد وذلك بسبب ما قيل انه غموض ورؤية غير واضحة لرئيس الدولة منذ إعلانه عن الإجراءات الاستثنائية بتاريخ 25 جويلية وتجديدها أول أمس الاثنين.
وعلى أهميتها نظريا في استعادة الحد الأدنى من الاستقرار السياسي وإعادة إنتاج الثقة بين التونسي والدولة وفق المنظور الرئاسي فقد خلقت ذات الإجراءات عمليا غموضا عند عدد واسع من الناشطين السياسيين والحقوقيين والنقابيين في الداخل والخارج بعد أن شكك جلهم في وضوح رؤية الرئيس واتهمه بعضهم بالضبابية والارتباك بعد أن تأخر الإعلان عن رئيس الحكومة رغم تأكيدات الصفحات القريبة من محيط الرئيس بموعد الإعلان بل ذهب البعض منها إلى حد إعلان التركيبة وزمن نشرها للعموم.
بيد أن ذلك لم يحصل بعد أن أكدت العديد من القراءات السياسة والتقت حول حالة الارتباك الحاصلة في قرطاج نتيجة ضغوطات داخلية وخارجية مازالت ترفض أي إجراءات غير محسوبة العوائق سياسيا واقتصاديا دون الرجوع إلى مجلس نواب الشعب.
قراءة لم يتأخر الرئيس في الرد عليها حيث علق عشية الثلاثاء على تمديد الإجراءات الاستثنائية بالقول "إن المؤسسات السياسية كانت تمثل خطرا جاثما على الدولة معتبرا أن البرلمان نفسه خطر على الدولة في ظل عمليات البيع والشراء داخله من اجل تمرير القوانين لصالح اللوبيات".
كما لم يكن موقف سعيد بتأكيده على المضي قدما دون العودة إلى الوراء موقفا اعتباطيا أو للبروبقندا كما وصفه خصومه حينها.
وقدم التصريحان للرئيس دعما قويا على نية سعيد في إنهاء البرلمان وإعادة إنتاج منظومة سياسية جديدة انطلاقا من تاريخ إعلانه الإجراءات الاستثنائية "إلى اجل غير مسمى"، وهو ما اعتبره المقرر الدائم لدى الاتحاد الأوروبي مايكل غالر في تسجيل مصور "بالأمر المرفوض وضربة قوية في صميم الديمقراطية التونسية".
ودعا المقرر الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية للتدخل الفوري والنظر في خطورة إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد واتخاذ الإجراءات الممكنة لضمان احترام الدستور التونسي".
ولم يكن مايكل غالر وحده "القلق" على "ضرب الديمقراطية التونسية" فقد تم تناقل على موقع "تويتر" بيان للسيناتور الأمريكي ورئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ كريس ميرفي عبر فيه قائلا "اشعر بخيبة أمل لإعلان حالة الطوارئ القصوى إلى اجل غير مسمى بدلا من تعيين رئيس وزراء جديد واستعادة الديمقراطية البرلمانية".
وفي واقع الأمر فان حالة التجميد لم تشمل البرلمان فحسب بل شملت الأحزاب أيضا التي مازالت تراوح مكانها اثر صدمة 25 جويلية والتي تراوحت بين الرفض والانتهازية السياسية التي تبنت خيار الإطاحة بالبرلمان أصلا مع ذهاب بعض المغامرين إلى حد الدعوة إلى كسر ظهر بعض الخصوم الإيديولوجيين.
وقد خلقت كل هذه المواقف والآراء ثقبا اسود في علاقة البرلمان بالميزانية القادمة للبلاد، بمعنى أن تجميد البرلمان إلى اجل غير مسمى قد يؤخر إعلان ميزانية الدولة وهو ما من شانه أن يخلق حالة من الارتباك التي ستنعكس سلبا على الوضع العام المنهار أصلا.
وفي هذا السياق تساءل الوزير الأسبق فوزي عبد الرحمان "كيف ستقع المصادقة على قانون المالية المقبل في ظل التجميد النهائي للمجلس؟
واعتبر "أن هذا المسار الحالي سيوصلنا حتما لتعليق العمل بالدستور لان المصادقة على الحكومة المقبلة وكذلك المصادقة على قانون المالية الهام.. لن يكون ممكنان من غير مجلس نواب بأي صيغة كانت والكل مرتبط في تقديري الشخصي بكيفية التعاطي في إدارة الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرحلة القادمة من طرف رئيس الدولة وخطابه المنتظر الذي سيتوجه به إلى الشعب ورؤيته لكيفية الرجوع إلى شرعية دستورية وتحديد ماهيتها."
يحصل كل ذلك في انتظار الخطوة العملية لحركة النهضة والتي قدمت أمس الأول وفي بيانها الصادر عن رئيس الحزب مخرجا للازمة حيث تناول بيان الحركة تأكيد انشغالها "العميق بالغموض الذي يكتنف مستقبل البلاد بعد الأمر الرئاسي بالتمديد" لتقدم في نفس النقطة عرضا سياسيا يعيد البرلمان بعد التجميد بإقرارها بالعودة إلى الفصل 80 نفسه والذي يتيح لرئيس البرلمان أو 30 من أعضائه حق طلب إنهاء الإجراءات الاستثنائية.
الفصل 80 من الدستور.. الحل في المشكل
حسب نص الفصل 80 من دستور 2014 الخاص بالإجراءات الاستثنائية، فإن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن التدابير في بيان إلى الشعب".
ووفق الفقرة الثانية من الفصل نفسه "يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعدّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".
وتقضي الفقرة الثالثة من الفصل 80 بأنه "بعد مضيّ 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه".
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لا تزال حالة الاحتباس السياسي والاقتصادي تسيطر على الوضع العام للبلاد وذلك بسبب ما قيل انه غموض ورؤية غير واضحة لرئيس الدولة منذ إعلانه عن الإجراءات الاستثنائية بتاريخ 25 جويلية وتجديدها أول أمس الاثنين.
وعلى أهميتها نظريا في استعادة الحد الأدنى من الاستقرار السياسي وإعادة إنتاج الثقة بين التونسي والدولة وفق المنظور الرئاسي فقد خلقت ذات الإجراءات عمليا غموضا عند عدد واسع من الناشطين السياسيين والحقوقيين والنقابيين في الداخل والخارج بعد أن شكك جلهم في وضوح رؤية الرئيس واتهمه بعضهم بالضبابية والارتباك بعد أن تأخر الإعلان عن رئيس الحكومة رغم تأكيدات الصفحات القريبة من محيط الرئيس بموعد الإعلان بل ذهب البعض منها إلى حد إعلان التركيبة وزمن نشرها للعموم.
بيد أن ذلك لم يحصل بعد أن أكدت العديد من القراءات السياسة والتقت حول حالة الارتباك الحاصلة في قرطاج نتيجة ضغوطات داخلية وخارجية مازالت ترفض أي إجراءات غير محسوبة العوائق سياسيا واقتصاديا دون الرجوع إلى مجلس نواب الشعب.
قراءة لم يتأخر الرئيس في الرد عليها حيث علق عشية الثلاثاء على تمديد الإجراءات الاستثنائية بالقول "إن المؤسسات السياسية كانت تمثل خطرا جاثما على الدولة معتبرا أن البرلمان نفسه خطر على الدولة في ظل عمليات البيع والشراء داخله من اجل تمرير القوانين لصالح اللوبيات".
كما لم يكن موقف سعيد بتأكيده على المضي قدما دون العودة إلى الوراء موقفا اعتباطيا أو للبروبقندا كما وصفه خصومه حينها.
وقدم التصريحان للرئيس دعما قويا على نية سعيد في إنهاء البرلمان وإعادة إنتاج منظومة سياسية جديدة انطلاقا من تاريخ إعلانه الإجراءات الاستثنائية "إلى اجل غير مسمى"، وهو ما اعتبره المقرر الدائم لدى الاتحاد الأوروبي مايكل غالر في تسجيل مصور "بالأمر المرفوض وضربة قوية في صميم الديمقراطية التونسية".
ودعا المقرر الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية للتدخل الفوري والنظر في خطورة إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد واتخاذ الإجراءات الممكنة لضمان احترام الدستور التونسي".
ولم يكن مايكل غالر وحده "القلق" على "ضرب الديمقراطية التونسية" فقد تم تناقل على موقع "تويتر" بيان للسيناتور الأمريكي ورئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ كريس ميرفي عبر فيه قائلا "اشعر بخيبة أمل لإعلان حالة الطوارئ القصوى إلى اجل غير مسمى بدلا من تعيين رئيس وزراء جديد واستعادة الديمقراطية البرلمانية".
وفي واقع الأمر فان حالة التجميد لم تشمل البرلمان فحسب بل شملت الأحزاب أيضا التي مازالت تراوح مكانها اثر صدمة 25 جويلية والتي تراوحت بين الرفض والانتهازية السياسية التي تبنت خيار الإطاحة بالبرلمان أصلا مع ذهاب بعض المغامرين إلى حد الدعوة إلى كسر ظهر بعض الخصوم الإيديولوجيين.
وقد خلقت كل هذه المواقف والآراء ثقبا اسود في علاقة البرلمان بالميزانية القادمة للبلاد، بمعنى أن تجميد البرلمان إلى اجل غير مسمى قد يؤخر إعلان ميزانية الدولة وهو ما من شانه أن يخلق حالة من الارتباك التي ستنعكس سلبا على الوضع العام المنهار أصلا.
وفي هذا السياق تساءل الوزير الأسبق فوزي عبد الرحمان "كيف ستقع المصادقة على قانون المالية المقبل في ظل التجميد النهائي للمجلس؟
واعتبر "أن هذا المسار الحالي سيوصلنا حتما لتعليق العمل بالدستور لان المصادقة على الحكومة المقبلة وكذلك المصادقة على قانون المالية الهام.. لن يكون ممكنان من غير مجلس نواب بأي صيغة كانت والكل مرتبط في تقديري الشخصي بكيفية التعاطي في إدارة الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرحلة القادمة من طرف رئيس الدولة وخطابه المنتظر الذي سيتوجه به إلى الشعب ورؤيته لكيفية الرجوع إلى شرعية دستورية وتحديد ماهيتها."
يحصل كل ذلك في انتظار الخطوة العملية لحركة النهضة والتي قدمت أمس الأول وفي بيانها الصادر عن رئيس الحزب مخرجا للازمة حيث تناول بيان الحركة تأكيد انشغالها "العميق بالغموض الذي يكتنف مستقبل البلاد بعد الأمر الرئاسي بالتمديد" لتقدم في نفس النقطة عرضا سياسيا يعيد البرلمان بعد التجميد بإقرارها بالعودة إلى الفصل 80 نفسه والذي يتيح لرئيس البرلمان أو 30 من أعضائه حق طلب إنهاء الإجراءات الاستثنائية.
الفصل 80 من الدستور.. الحل في المشكل
حسب نص الفصل 80 من دستور 2014 الخاص بالإجراءات الاستثنائية، فإن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن التدابير في بيان إلى الشعب".
ووفق الفقرة الثانية من الفصل نفسه "يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعدّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".
وتقضي الفقرة الثالثة من الفصل 80 بأنه "بعد مضيّ 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه".