تواترت تصريحات عدد من السياسيين خلال الأيام الأخيرة محذرة من مغبة مُضيّ رئيس الجمهورية قيس سعيد لهندسة مسار سياسي جديد ينحرف بالنظام من ديمقراطي إلى استبدادي. وما يعزز هذه المخاوف هو الجدل المتواصل والاختلافات القائمة حول مدى دستورية قرارات سعيد وتأويل أو تطبيق الفصل 80 من الدستور واختلاف التفسير بين دواعي القراءات الدستورية والقراءات السياسية وما تتطلبه المرحلة للخروج من البوتقة الضيقة والخانقة التي أصبح عليها الوضع العام في البلاد بعد أقل من عامين من انتخابات أكتوبر 2019 وما أفرزته من تلوينات حزبية مكونة للمشهد السياسي. مقابل ما وعد به رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة وأكده المستشار في نفس المؤسسة وليد الحجام منذ يومين باحترام الآجال الدستورية وعدم الحياد عن الخط القانوني والدستوري للبلاد خلال المرحلة القادمة.
إذ تتجه اهتمامات وأنظار الطبقة السياسية كما المواطنين إلى الخطوة القادمة للمسار السياسي الجديد الذي وضع أولى لبناته رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية الماضي، وسط تخوف البعض والتوجس من إمكانية العودة بالنظام إلى مربع ما قبل 14 جانفي 2011 وما تمثله من رمزية للديكتاتورية، وانتظارات البعض الآخر لمنظومة وخيارات تحقق تطلعاتهم وتقطع شكلا ومضمونا مع منظومة الحكم خلال السنوات العشر الأخيرة بما تحمله من عناوين الفشل وسياسة الفساد والمحسوبية والانتهازية التي طغت بشكل لافت في السنوات العشر الماضية وتكرس مبدأ وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والمحاسبة العادلة ليكتمل المشهد والصورة لهذه المنظومة الجديدة.
فغازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي دوّن منذ أيام على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي "لا مجال للعودة إلى المشهد التعيس التي كانت تعيشه بلادنا قبل 25 جويلية الفارط ولا بد من الاستثمار في هذه الأزمة المركبة والمعقدة وتحويلها إلى فرصة للإنقاذ وانطلاقة جديدة في اتجاه استكمال مسار الانتقال الديمقراطي على أسس سليمة وصحيحة بعد القيام بالمراجعات اللازمة والتي تحتمها المرحلة مع تحقيق الإصلاحات الضرورية في كل المجالات وجلب التنمية والرفاه لكل فئات الشعب وبناء دولة القانون والمؤسسات". وقد اختزل في ذلك موقف حزب التيار الديمقراطي وعدد من السياسيين في أحزاب وتيارات سياسية مختلفة من المرحلة.
وذهب عدد من السياسيين أيضا إلى نفس التمشي في المطالبة بضرورة القطع مع منظومة ما قبل 25 جويلية لكن مع المحافظة على مؤسسات الدولة والمناخ الديمقراطي في إرساء وبناء مقومات الجمهورية الثالثة وما تتطلبه من نظام انتخابي وتعديل للدستور وبرنامج اقتصادي واجتماعي واضح يحدد ملامح الجمهورية والمنظومة الجديدة التي ستتولى تسيير دواليب الدولة. وهو ما أكده محسن مرزوق أمين عام حركة مشروع تونس، منبها في نفس السياق إلى التأني والرصانة في التعاطي مع المرحلة والاعتبار من "تخميرة" 2011 التي كانت نتائجها وخيمة على الجميع حسب تقديره.
فيما شبه نبيل حجي القيادي في حزب التيار الديمقراطي وعضو الكتلة الديمقراطية أن في عودة الوضع في البرلمان إلى ما كان عليه قبل 25جويلية، انتحار سياسي لقيس سعيد. خاصة أنه يعتبر الجميع اليوم في مفترق طرق في ظل تواصل تعتيم رئاسة الجمهوري حول المسار المنتظر وعدم انفتاحها على بقية مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية رغم أن جل هذه الأحزاب يحملها المواطن وسعيد جانبا كبيرا من مسؤولية تردي وتعفن الوضع والأزمات الخانقة.
كما عبرت قيادات من حركة الشعب عن مساندتها نفس التمشي لرئاسة الجمهورية في قطع الطريق أمام عودة المنظومة السابقة التي حكمت البلاد طيلة عشر سنوات ماضية وكانت سببا رئيسيا في الانتكاسة والتأزم.
المعادلة المشتركة
والقاسم المشترك بين أغلب الآراء في تواصل الضبابية والتعتيم الذي تنتهجه رئاسة الجمهورية التي تتفرد بالقرار والسلطة في هذا الوضع الاستثنائي إلى حد الآن وعدم الكشف بعد عن خارطة الطريق الخاصة بإدارة المرحلة القادمة هو الاتفاق حول المعادلة المطلوبة لتحقيق التوازن بين خيار ومتطلبات تعديل المسار وعدم العودة إلى مربعات سابقة من ناحية والمحافظة على مقومات النظام الديمقراطي والحريات دون الانحراف عنه إلى نظام ديكتاتوري تسلطي وتكريس مبدأ مقاومة الفساد مليا بما يعيد الاعتبار للقانون والدولة من ناحية أخرى باعتبارها من العناوين التي بنى عليها سعيد حملته الانتخابية وكانت دفعا لأعداد كبير من المواطنين لتنتخبه خاصة بعد التفشي الكبير للفساد في مؤسسات الدولة في السنوات ما بعد الثورة تحت غطاء سياسي وحزبي.
ومن الدوافع الأخرى التي جعلت البعض يتخوف من المسار الجديد للدولة الذي يوعد به سعيد خاصة أمام عزمه على تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي من شبه برلماني إلى رئاسي على نحو يحد من دور الأحزاب في التحكم في مسارات الحكم والتسيير للدولة بعد فشل التجربة في المرحلة الماضية، هو ما يحيل إليه شعار حملته الانتخابية "الشعب يريد" وما يذهب إليه من يقين بضرورة وجود حكم أو سلطة جهوية في شكل تنسيقيات وهو ما كان محل انتقاد واسع على اعتبار أن ما يشبهونه بـ"اللجان الشعبية" مسألة غير ممكنة التحقق في دولة المؤسسات والقانون.
ولكن لا تزال التخوفات قائمة حيال الجزء الثاني من "زلزال" سعيد خاصة أمام الصعوبات التي يواجهها في مستوى تطبيق القانون في علاقة بملفات تلقي بعض الأحزاب لتمويل أجنبي أو غيرها من ملفات الفساد الأخرى بسبب تواصل العطلة القضائية في هذه المرحلة الاستثنائية وإصراره على رفض مبدأ التشاركية في القرار والتفكير رغم الوعود المقدمة باحترام النواميس الدستورية وعدم الخروج عن دائرتها في المسار الجديد المرسوم وما قدمه من طمأنة ووعود للتونسيين في الداخل والمتابعين لما يجري في بلادنا من شركاء ومجتمع دولي. ويذكر أن رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمد بقرار رئاسي راشد الغنوشي قال في تصريح مؤخرا لوكالة الأنباء الفرنسية إنه إن لم يكن هناك اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، فإنه سيدعو الشارع للدفاع عن ديمقراطيته، وفرض رفع الأقفال عن البرلمان".
مما يعني أن النهضة لا تزال مصرة على المراهنة على الشارع وتهديد السلم الاجتماعي من أجل الحيلولة دون تغيير المنظومة. وهو خيار، أي الدفع للعنف والاقتتال، اعتبرته بعض الآراء لم يعد قائما في ظل تلاشي قواعد هذا الحزب من ناحية ورغبة أعداد كبير من التونسيين في التغيير ودعمها لكل خيارات قيس سعيد الذي يعتبرون أن فلسفة سياسته نابعة من رحم الشارع ووجعه وهمومه.
لذلك فإن عديد القراءات تذهب إلى أن الرجة من المنتظر أن تكتمل خلال الأيام القادمة أي قبل 25 من الشهر الجاري كآخر أجل للمرحلة الاستثنائية التي أقرها قيس سعيد لتقديم خارطة طريق جديدة تبين كل المؤشرات أنها لن تخرج عن السياق الدستوري لكن وفق ما تتطلبه المرحلة.
نزيهة الغضباني
مع المطالبة بالقطع مع منظومة ما قبل 25 جويلية
تونس – الصباح
تواترت تصريحات عدد من السياسيين خلال الأيام الأخيرة محذرة من مغبة مُضيّ رئيس الجمهورية قيس سعيد لهندسة مسار سياسي جديد ينحرف بالنظام من ديمقراطي إلى استبدادي. وما يعزز هذه المخاوف هو الجدل المتواصل والاختلافات القائمة حول مدى دستورية قرارات سعيد وتأويل أو تطبيق الفصل 80 من الدستور واختلاف التفسير بين دواعي القراءات الدستورية والقراءات السياسية وما تتطلبه المرحلة للخروج من البوتقة الضيقة والخانقة التي أصبح عليها الوضع العام في البلاد بعد أقل من عامين من انتخابات أكتوبر 2019 وما أفرزته من تلوينات حزبية مكونة للمشهد السياسي. مقابل ما وعد به رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة وأكده المستشار في نفس المؤسسة وليد الحجام منذ يومين باحترام الآجال الدستورية وعدم الحياد عن الخط القانوني والدستوري للبلاد خلال المرحلة القادمة.
إذ تتجه اهتمامات وأنظار الطبقة السياسية كما المواطنين إلى الخطوة القادمة للمسار السياسي الجديد الذي وضع أولى لبناته رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية الماضي، وسط تخوف البعض والتوجس من إمكانية العودة بالنظام إلى مربع ما قبل 14 جانفي 2011 وما تمثله من رمزية للديكتاتورية، وانتظارات البعض الآخر لمنظومة وخيارات تحقق تطلعاتهم وتقطع شكلا ومضمونا مع منظومة الحكم خلال السنوات العشر الأخيرة بما تحمله من عناوين الفشل وسياسة الفساد والمحسوبية والانتهازية التي طغت بشكل لافت في السنوات العشر الماضية وتكرس مبدأ وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والمحاسبة العادلة ليكتمل المشهد والصورة لهذه المنظومة الجديدة.
فغازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي دوّن منذ أيام على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي "لا مجال للعودة إلى المشهد التعيس التي كانت تعيشه بلادنا قبل 25 جويلية الفارط ولا بد من الاستثمار في هذه الأزمة المركبة والمعقدة وتحويلها إلى فرصة للإنقاذ وانطلاقة جديدة في اتجاه استكمال مسار الانتقال الديمقراطي على أسس سليمة وصحيحة بعد القيام بالمراجعات اللازمة والتي تحتمها المرحلة مع تحقيق الإصلاحات الضرورية في كل المجالات وجلب التنمية والرفاه لكل فئات الشعب وبناء دولة القانون والمؤسسات". وقد اختزل في ذلك موقف حزب التيار الديمقراطي وعدد من السياسيين في أحزاب وتيارات سياسية مختلفة من المرحلة.
وذهب عدد من السياسيين أيضا إلى نفس التمشي في المطالبة بضرورة القطع مع منظومة ما قبل 25 جويلية لكن مع المحافظة على مؤسسات الدولة والمناخ الديمقراطي في إرساء وبناء مقومات الجمهورية الثالثة وما تتطلبه من نظام انتخابي وتعديل للدستور وبرنامج اقتصادي واجتماعي واضح يحدد ملامح الجمهورية والمنظومة الجديدة التي ستتولى تسيير دواليب الدولة. وهو ما أكده محسن مرزوق أمين عام حركة مشروع تونس، منبها في نفس السياق إلى التأني والرصانة في التعاطي مع المرحلة والاعتبار من "تخميرة" 2011 التي كانت نتائجها وخيمة على الجميع حسب تقديره.
فيما شبه نبيل حجي القيادي في حزب التيار الديمقراطي وعضو الكتلة الديمقراطية أن في عودة الوضع في البرلمان إلى ما كان عليه قبل 25جويلية، انتحار سياسي لقيس سعيد. خاصة أنه يعتبر الجميع اليوم في مفترق طرق في ظل تواصل تعتيم رئاسة الجمهوري حول المسار المنتظر وعدم انفتاحها على بقية مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية رغم أن جل هذه الأحزاب يحملها المواطن وسعيد جانبا كبيرا من مسؤولية تردي وتعفن الوضع والأزمات الخانقة.
كما عبرت قيادات من حركة الشعب عن مساندتها نفس التمشي لرئاسة الجمهورية في قطع الطريق أمام عودة المنظومة السابقة التي حكمت البلاد طيلة عشر سنوات ماضية وكانت سببا رئيسيا في الانتكاسة والتأزم.
المعادلة المشتركة
والقاسم المشترك بين أغلب الآراء في تواصل الضبابية والتعتيم الذي تنتهجه رئاسة الجمهورية التي تتفرد بالقرار والسلطة في هذا الوضع الاستثنائي إلى حد الآن وعدم الكشف بعد عن خارطة الطريق الخاصة بإدارة المرحلة القادمة هو الاتفاق حول المعادلة المطلوبة لتحقيق التوازن بين خيار ومتطلبات تعديل المسار وعدم العودة إلى مربعات سابقة من ناحية والمحافظة على مقومات النظام الديمقراطي والحريات دون الانحراف عنه إلى نظام ديكتاتوري تسلطي وتكريس مبدأ مقاومة الفساد مليا بما يعيد الاعتبار للقانون والدولة من ناحية أخرى باعتبارها من العناوين التي بنى عليها سعيد حملته الانتخابية وكانت دفعا لأعداد كبير من المواطنين لتنتخبه خاصة بعد التفشي الكبير للفساد في مؤسسات الدولة في السنوات ما بعد الثورة تحت غطاء سياسي وحزبي.
ومن الدوافع الأخرى التي جعلت البعض يتخوف من المسار الجديد للدولة الذي يوعد به سعيد خاصة أمام عزمه على تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي من شبه برلماني إلى رئاسي على نحو يحد من دور الأحزاب في التحكم في مسارات الحكم والتسيير للدولة بعد فشل التجربة في المرحلة الماضية، هو ما يحيل إليه شعار حملته الانتخابية "الشعب يريد" وما يذهب إليه من يقين بضرورة وجود حكم أو سلطة جهوية في شكل تنسيقيات وهو ما كان محل انتقاد واسع على اعتبار أن ما يشبهونه بـ"اللجان الشعبية" مسألة غير ممكنة التحقق في دولة المؤسسات والقانون.
ولكن لا تزال التخوفات قائمة حيال الجزء الثاني من "زلزال" سعيد خاصة أمام الصعوبات التي يواجهها في مستوى تطبيق القانون في علاقة بملفات تلقي بعض الأحزاب لتمويل أجنبي أو غيرها من ملفات الفساد الأخرى بسبب تواصل العطلة القضائية في هذه المرحلة الاستثنائية وإصراره على رفض مبدأ التشاركية في القرار والتفكير رغم الوعود المقدمة باحترام النواميس الدستورية وعدم الخروج عن دائرتها في المسار الجديد المرسوم وما قدمه من طمأنة ووعود للتونسيين في الداخل والمتابعين لما يجري في بلادنا من شركاء ومجتمع دولي. ويذكر أن رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمد بقرار رئاسي راشد الغنوشي قال في تصريح مؤخرا لوكالة الأنباء الفرنسية إنه إن لم يكن هناك اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، فإنه سيدعو الشارع للدفاع عن ديمقراطيته، وفرض رفع الأقفال عن البرلمان".
مما يعني أن النهضة لا تزال مصرة على المراهنة على الشارع وتهديد السلم الاجتماعي من أجل الحيلولة دون تغيير المنظومة. وهو خيار، أي الدفع للعنف والاقتتال، اعتبرته بعض الآراء لم يعد قائما في ظل تلاشي قواعد هذا الحزب من ناحية ورغبة أعداد كبير من التونسيين في التغيير ودعمها لكل خيارات قيس سعيد الذي يعتبرون أن فلسفة سياسته نابعة من رحم الشارع ووجعه وهمومه.
لذلك فإن عديد القراءات تذهب إلى أن الرجة من المنتظر أن تكتمل خلال الأيام القادمة أي قبل 25 من الشهر الجاري كآخر أجل للمرحلة الاستثنائية التي أقرها قيس سعيد لتقديم خارطة طريق جديدة تبين كل المؤشرات أنها لن تخرج عن السياق الدستوري لكن وفق ما تتطلبه المرحلة.