أعاد الحصن الجنوي بطبرقة فتح أبوابه للعموم أمس بعد ثلاثة عقود من الغلق وذلك ببادرة من جمعية التاريخ والآثار بطبرقة..."
هكذا عنونت الإذاعة الوطنية نشرتها الإخبارية بتاريخ 21 مارس 2016 حول إعادة فتح الحصن الجنوي بطبرقة بعد سنين طوال من الإهمال والنسيان.
الحصن الجنوي هو أحد أشهر وأبرز المعالم الأثرية والسياحية بمدينة طبرقة، إلا أن هذا الحصن لم يبقى يصمد أمام سنوات الإهمال التي مر بها في السنوات الأخيرة، ما جعله مهدد بالسقوط في أي لحظة، خاصة في جهته الخلفية المتاخمة للبحر، وكأن قسوة المعارك ودّك الحروب التي شهدها كانت أقل قسوة مما عاشه المعلم الرمز في العقود الأخيرة.
ويعتبر الحصن الجنوي أحد المعالم الأثرية والثقافية والسياحية الهامة التي تمثل جزء من هوية مدينة طبرقة، لكنه لم يعد كذلك الآن بعد أن خذله مسؤولو الجهة الذين قصروا في تثمين قيمته ولم يساهموا ولوا بالقليل في إحيائه، ليظل موصدا أما زواره.
ينفى الواقع الذي عليه الحصن الجنوي اليوم ما ورد في المقال المنشور عبر موقع الإذاعة الوطنية، وتؤكد الحالة التي عليها الحصن اليوم أمران لا ثالث لهما، وهما إما أن مسؤولي الجهة يحتفلون ويسوقون لإنجازات وهمية، أو أنه فعلا أعيد فتح المعلم ثم أُعيد إغلاقه لأي من الأسباب التي ستجبرنا على الانتظار 30 سنة أخرى ليفتح من جديد، وهذا الأخطر لأن في الأول مسؤولية يتحملها مسؤولي الجهة، أما الثانية لا يعفى منها مسؤولي الجهة بقدر ما تضاف إليهم الدولة المسؤولة عن تهميش معالمها والمواطن المساهم بتخاذله في تعاظم هذه الظواهر.
اليوم 10 جويلية 2021 الحصن الجنوي أبوابه موصدة أما العموم، في حالة كارثية، مهدد بالسقوط، يعاني من الإهمال والأوساخ التي مسحت تفاصيل جدرانه والغبار والأعشاب التي أغرقت معالم أرضيته.
تأكيدنا على تاريخ زيارتنا مهم، حتى نقيم أين وصلت "المجهودات الحثيثة لإعادة بريق هذا المعلم الأثري" والتي حدثنا عنها كل مسؤولي الجهة الذين تواصلنا معهم حول وضعية هذا المعلم.
معلم مجهول بأبواب موصدة
يأتي اليوم المواطنين من أبناء الجهة ومن مختلف ولايات الجمهورية لزيارة هذا المعلم الأثري الذي لا يختلف اثنان في كونه الوجهة الأولى التي يقرر أي زائر لمدينة طبرقة في الذهاب إليها واكتشاف أسرارها وتاريخها. لكنهم يصدمون بأبوابه الموصدة دون إشارة إلى أسباب غلقه وما إن كانت ظرفية أو متواصلة.
يظل الزائر ينتظر حتى يرغمه الملل على المغادر، حاملا هم طريق العودة بعد أن ذاق مرارة الصعود عبر تلك الطريق الكارثية.
صابر شرادة، تونسي مقيم بفرنسا، قاده شغفه لاكتشاف الحصن الجنوي بعد أن قرر قضاء عطلته بمدينة طبرقة. يقول صابر في حديثه لـ "مراسلون": "كيف أن أتواجد بطبرقة ولا أقوم باكتشاف ذلك الحصن الشامخ"، متابعا بأن الأكيد أنه لكن زاوية من زوايا هذا الحصن قصة، ووراء كل صخرة منه عبرة، وفي كل شبر منه معلومة عن ملحمة أو حرب شهدتها هذه المنطقة، معبرا عن سعادته بأن يتكشف كل ذلك وأن يعرُف أطفاله على تاريخ بلاده الذي يرغب في أن يحملوه معهم منذ صغرهم أينما ذهبوا.
في لقاءنا به للحديث عن خصائص الحصن الجنوي والنقائص التي يعاني منها وحول مظاهر الإهمال التي قمنا بمعاينها، تحدث رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة عبد العزيز الهميسي عن عديد النقائص والإخلالات التي يشكو منها الحصن الجنوي.
محملا المسؤولية لبلدية طبرقة التي يقع هذا المعلم التاريخي ضمن مجالها الترابي إلى جانب عدد أخر من مسؤولي الجهة، ليس فقط المتخاذلين منهم، حسب تعبيره، بل حتى الذين لم يبذلوا مجهودات إضافية لإحياء موروث مدينة طبرقة وتثمين تراثها ومعالمها الثقافية.
وتابع عبد العزيز بأن هذه الإخلالات والتخاذل الذي فتك بالجهة جعلها تفقد قيمة معالمها الثقافية على غرار الحصن الجنوي المغلق منذ سنوات دون البحث في حلول جدية لإعادة بريقه ومكانته ضمن المعالم الأثرية في تونس.
متحدثا أيضا عن المرسى القديم بطبرقة المنسي، والشاطئ الذي كُلف بإنجازه مهندسين غير أكفاء، حسب تعبيره، ساهموا في تدمير مميزاته وجعله غير صالح للسباحة.
واعتبر الهميسي أن غالبية هذه الإشكاليات تتعاظم بسبب ضعف معرفة مسؤولي الجهة والمكلفين بإنجاز المشاريع بالخصائص الثقافية لمدينة طبرقة، فيما بعض الإخلالات الأخرى تتسبب فيها أطراف بعينها تريد التوسع والاستفادة على حساب معالم طبرقة المهملة.
وحذر الهميسي من التطبيع مع ظاهرة إهمال للمعالم الأثرية التي أصبحت تعيشها الجهة، والتي أصبح إحياء المناطق الأثرية والأنشطة الثقافية في ذيل سلم أولويات عمل البلديات والمجالس الجهوية.
معتبر ذلك ساهم في اندثار عدد من الأنشطة الثقافية على غرار مهرجان الجاز بطبرقة الذي لم تبذل البلدية أي مجهود لإعادة إحيائه بعد أن كان زخم موسيقاه يطرب أرجاء المدينة على مدى شهرين، كذلك الجامعة الصيفية بطبرقة التي اندثرت.
ودعى رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة السلط المحلية إلى تمكين الشباب والجمعيات الناشطة بالجهة والمتطوعة الراغبة في خدمة هذه المعالم الأثرية والمحافظة عليها ودعمها لتثمينها، مشدد على أن نهضة الجهة وتطورها بيد أبنائها ومسؤوليها، أولهم البلديات التي يجب أن يعي موظفيها قيمة وأهمية مخزوناتهم الأثرية والثقافية والتاريخية والاقتصادية.
وعبر الهميسي عن فخره بنشأة جيل جديد حازم على خدمة المنطقة وإحياء تراثها، جيل ذو روح شبابية يسعى لإعادة بريق هذا الحصن الذي مازال ثابتا محافظ على شموخه وسط عاصفة الإهمال.
ويتطلع رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة إلى إعادة الحياة إلى هذا المعلم التاريخي الذي سيعود افتتاحه بالفائدة على مختلف الفئات من الطلبة والأهالي، إلى جانب توفير موارد رزق لعدد كبير من التجار وتوفير مواطن شغل جديدة، فضلا عن أنه يمكن أن يمثل موردا اقتصاديا مهما للبلدية يساهم في تطويرها اقتصاديا.
إلى جانب كونه معلم تاريخي، يعتبر الحصن الجنوي مورد رزقا لعديد العائلات، إذا ينتصب أما ساحته عديد الباعة الذي يسعدون بقدر سعادة المعلم نفسه بقدوم قافلة لاكتشافه.
وبحسب عدد منهم فإن تجارتهم تزدهر مع ارتفاع عدد الزوار وكلما ازدادت الحركية في المنطقة بأكملها، لكنهم الآن يعيشون فترة من الركود بسبب تواصل غلق المعلم من جهة، وبسبب الحالة الصحية التي تعيشها البلاد.
لكن تعتبر أيضا الطريقة التي ينتصبون بها أمام المعلم الغير منتظمة وغير مهيكلة سببا ساهم في إفساد جمالية مدخل الحصن، وتقلل من قيمة سلعهم المرجانية الخالصة.
ذلك إلى جانب ما قد يتعرضون له من مضايقات من البلدية التي تقوم برفع سلعهم، كأسهل إجراء تتخذه ضدهم، دون بحثها عن حلول بديلة تنظم نشاطهم وتحافظ على مورد رزق هؤلاء الباعة ومورد رزق عائلاتهم.
يتميز الحصن الجنوي بموقع إستراتيجي يعتلي عبره قمة جبل يحيط بها البحر الأبيض المتوسط من الاتجاهات الأربع، شامخ يجعل كامل مدينة طبرقة تحت محط أنظاره، ويجذب في الآن ذاته أنظار كل من يتجول في المدينة إليه، نظرا لشموخه وعلوه وحصانة جدرانه، ليبدو وكأنه يعدل لوحده كفة المدينة ويحافظ على توازنها.
تحيط به أشجار البلوط والفلين في نسيج غابي طبيعي امتزج مع رمال شواطئ طبرقة الذهبية وصفاوة بحرها ليشكل لوحة فنية نادر وجودها في العالم.
من بين مهام البلدية باعتبارها سلطة محلية مستقلة المحافظة على خصوصية المعالم الأثرية التي ضمن تقسيمها الترابي وتنميتها، وإنجاز التجهيزات الجماعيّة ذات الصبغة الاجتماعية والرّياضيّة والثقافيّة والبيئيّة والسياحيّة كدور الثقافة والمتاحف... بحسب الفصل 243 من مجلة الجماعات المحلية، الذي يحدد جملة من المهام التي تقوم بها البلدية بالشراكة مع السلط المركزية وفق ما نص عليه الفصل 13 من المجلة الذي يضبط شروط وإجراءات تنفيذ الصلاحيات المشتركة.
بتعداد هذه المهام، ووفق ما حدثنا به رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة وما ذكره بعض المواطنين، وبحسب ما قمنا بمعاينته، رصدنا حالات إهمال عدة، واعتداءات جسيمة أضرت بخصائص هذا المعلم التاريخي، بما يجعل البلدية في وضعية تقصير في أداء مهاهما على ضوء الفصلين 13 و243.
وفي هذا التقرير رصد لحالة الإهمال التي يعيشها المعلم الأثري بطبرقة:
في حديثنا مع رئيس بلدية طبرقة المولدي العلوي أوضح أن أحد أكبر الإشكاليات التي يعاني منها الحصن الجنوي هي تلك المتعلقة بملكيته والأطراف المتصرفة فيه.
وأوضح المولدي العلوي أن منارة الحصن على ذمة وزارة الدفاع الوطني، فيما بقية أجزائه تابعة لأملاك الدولة. أما مراقبة الحصن فهي من مهام المعهد الوطني للتراث، وتهيئة الطريق المؤدية إليه من مهام وزارة السياحة، ويقتصر دور البلدية على الإضاءة الخارجية للمعلم ونظافة محيطه فقط.
واعترف رئيس بلدية طبرقة بالتقصير فيما يخص العناية بهذا المعلم الذي لا يتجزأ من هوية طبرقة، مبررا ذلك بنقص الإمكانيات.
مضيفا أن البلدية تحاول قدر الإمكان الالتزام بأولويات عملها وسط المدينة المتمثلة في التهيئة ورفع الفضلات، خاصة في ظل نقص عدد أعوانها، معتبرا أن اهتمام البلدية بهذا المعلم يقتصر فقط على بعض المناسبات.
وفي حديثه أشار رئيس بلدية طبرقة إلى عدد من الحلول التي يمكن عبرها إنقاذ هذا المعلم الأثري ونفض الغبار عنه، والتي من بينها أن تقوم البلدية بإمضاء اتفاقية تعاون من أجل صيانة وتثمين المعلم بالشراكة مع المعهد الوطني للتراث، ويقوم كل منهما بدوره حسب اختصاصه.
وفي سؤاله حول ذلك، وما إن انطلقت البلدية في التحضير لمثل هذه الاتفاقية، أكد رئيس البلدية أن الموضوع هو مجرد فكرة لم ينطلقوا في طرحها على الهياكل المتدخلة إلى حد الآن.
وبالبحث أكثر عن مختلف المتدخلين المسؤولين عن إحياء المناطق السياحة والأثرية بالشمال الغربي وبالحصن الجنوي بطبرقة على وجه الخصوص، اعتبر المندوب الجهوي للسياحة بطبرقة وعين دراهم عيسى المرواني أن دورهم كمندوبية يتمثل في الترويج لهذا المعلم عندما يكون جاهز ومهيأ وآمنا لاستقبال الزوار.
موضحا بأن تواصل غلق الحصن الجنوي بسبب دواعي السلامة ليس إلا، وذلك بسبب ما يعانيه المعلم من تصدعات وشقوق عميقة تتطلب دراسة معمقة من أجل صيانته وترميمه.
وتابع المرواني بأنه يقوم بإثارة ملف الحصن الجنوي في كل المجالس الجهوية وفي مختلف الجلسات المنعقدة مع وزارة السياحة، والتي فيها يؤكد على ضرورة التدخل لإيجاد حل جذري وسريع لهذا الرمز التاريخي الذي ستساهم إعادة فتح أبوابه في حلحلة عديد الإشكاليات الثقافية بالجهة.
وأشار المندوب الجهوي للسياحة بطبرقة وعين دراهم بأن الاعتمادات المالية الضخمة التي تحتاجها عملية الترميم هي التي تقف عائقا لإيجاد حل لهذا المعلم الذي يشكل جزء لا يتجزأ من هوية مدينة طبرقة.
بدا دور المعهد الوطني للتراث جليا في هذا الموضوع الذي يمثل أحد أطرافه الرئيسية الماسكة بزمام الأمور، وهو ما دفعنا للتواصل معه للحديث عن دوره ومهامه في هذا الموضوع.
وفي السؤال عن أسباب تعطل إيجاد حلول لهذا المعلم الأثري، كان لنا هذا التصريح من متفقد التراث بالشمال الغربي محي الدين الشوالي، والذي طرح عدد من الحلول التي يمكن أن تساهم في تسوية وضعية الحصن الجنوي بطبرقة.
يعتبر ملف الحصن الجنوي بطبرقة بالوضعية التي عليها الآن، أحد أعقد الملفات التي على طاولة بلدية طبرقة وأهمها، والتي يجب الإسراع في دراستها تفاديا لتعاظم الأضرار التي يعاني منها المعلم الرمز الذي أصبح مهددا بالسقوط.
ولعل من أهم العراقيل التي تعيق حلحلة هذا الملف هو كثرة المتدخلين فيه دون وجود توافق بينهم على خدمة هذا المعلم الذي يحتاج وقفة حازمة وإجماع من الكل على تثمينه
وتعتبر البلدية هي الطرف الرئيسي في هذا الملف نظرا لمسؤوليتها المجتمعية باعتبار أن المعلم يقع ضمن نطاقها الترابي أولا، ونظرا لأنها المستفيدة من إعادة فتح هذا المعلم، إلى جانب كونه سيساعدها على حلحلة عدد من الإشكاليات على غرار توفير عدد من مواطن الشغل وزيادة عدد زوار المنطقة.
وفي انتظار أن تعطي "المجهودات الحثيثة لإعادة بريق هذا المعلم الأثري" التي أجمع حولها محدثينا أُكلها، تبقى أبواب الحصن الجنوي بـ "تابراكا" مغلقة... إلى حين إشعار أخر.
أنجز هذا العمل في إطار برنامج مراسلون "مراسلو الديمقراطية المحلية" تحت إشراف المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES تونس، الهادف إلى المساهمة في إنشاء صحافة محلية ناجعة تعمل على ترسيخ قيم ومبادئ الحكم المحلي ومتابعة العمل البلدي.
أحمد كحلاني - مراسلون
"فتح الحصن الجنوي بطبرقة بعد غلقه لمدة 30 سنة...
أعاد الحصن الجنوي بطبرقة فتح أبوابه للعموم أمس بعد ثلاثة عقود من الغلق وذلك ببادرة من جمعية التاريخ والآثار بطبرقة..."
هكذا عنونت الإذاعة الوطنية نشرتها الإخبارية بتاريخ 21 مارس 2016 حول إعادة فتح الحصن الجنوي بطبرقة بعد سنين طوال من الإهمال والنسيان.
الحصن الجنوي هو أحد أشهر وأبرز المعالم الأثرية والسياحية بمدينة طبرقة، إلا أن هذا الحصن لم يبقى يصمد أمام سنوات الإهمال التي مر بها في السنوات الأخيرة، ما جعله مهدد بالسقوط في أي لحظة، خاصة في جهته الخلفية المتاخمة للبحر، وكأن قسوة المعارك ودّك الحروب التي شهدها كانت أقل قسوة مما عاشه المعلم الرمز في العقود الأخيرة.
ويعتبر الحصن الجنوي أحد المعالم الأثرية والثقافية والسياحية الهامة التي تمثل جزء من هوية مدينة طبرقة، لكنه لم يعد كذلك الآن بعد أن خذله مسؤولو الجهة الذين قصروا في تثمين قيمته ولم يساهموا ولوا بالقليل في إحيائه، ليظل موصدا أما زواره.
ينفى الواقع الذي عليه الحصن الجنوي اليوم ما ورد في المقال المنشور عبر موقع الإذاعة الوطنية، وتؤكد الحالة التي عليها الحصن اليوم أمران لا ثالث لهما، وهما إما أن مسؤولي الجهة يحتفلون ويسوقون لإنجازات وهمية، أو أنه فعلا أعيد فتح المعلم ثم أُعيد إغلاقه لأي من الأسباب التي ستجبرنا على الانتظار 30 سنة أخرى ليفتح من جديد، وهذا الأخطر لأن في الأول مسؤولية يتحملها مسؤولي الجهة، أما الثانية لا يعفى منها مسؤولي الجهة بقدر ما تضاف إليهم الدولة المسؤولة عن تهميش معالمها والمواطن المساهم بتخاذله في تعاظم هذه الظواهر.
اليوم 10 جويلية 2021 الحصن الجنوي أبوابه موصدة أما العموم، في حالة كارثية، مهدد بالسقوط، يعاني من الإهمال والأوساخ التي مسحت تفاصيل جدرانه والغبار والأعشاب التي أغرقت معالم أرضيته.
تأكيدنا على تاريخ زيارتنا مهم، حتى نقيم أين وصلت "المجهودات الحثيثة لإعادة بريق هذا المعلم الأثري" والتي حدثنا عنها كل مسؤولي الجهة الذين تواصلنا معهم حول وضعية هذا المعلم.
معلم مجهول بأبواب موصدة
يأتي اليوم المواطنين من أبناء الجهة ومن مختلف ولايات الجمهورية لزيارة هذا المعلم الأثري الذي لا يختلف اثنان في كونه الوجهة الأولى التي يقرر أي زائر لمدينة طبرقة في الذهاب إليها واكتشاف أسرارها وتاريخها. لكنهم يصدمون بأبوابه الموصدة دون إشارة إلى أسباب غلقه وما إن كانت ظرفية أو متواصلة.
يظل الزائر ينتظر حتى يرغمه الملل على المغادر، حاملا هم طريق العودة بعد أن ذاق مرارة الصعود عبر تلك الطريق الكارثية.
صابر شرادة، تونسي مقيم بفرنسا، قاده شغفه لاكتشاف الحصن الجنوي بعد أن قرر قضاء عطلته بمدينة طبرقة. يقول صابر في حديثه لـ "مراسلون": "كيف أن أتواجد بطبرقة ولا أقوم باكتشاف ذلك الحصن الشامخ"، متابعا بأن الأكيد أنه لكن زاوية من زوايا هذا الحصن قصة، ووراء كل صخرة منه عبرة، وفي كل شبر منه معلومة عن ملحمة أو حرب شهدتها هذه المنطقة، معبرا عن سعادته بأن يتكشف كل ذلك وأن يعرُف أطفاله على تاريخ بلاده الذي يرغب في أن يحملوه معهم منذ صغرهم أينما ذهبوا.
في لقاءنا به للحديث عن خصائص الحصن الجنوي والنقائص التي يعاني منها وحول مظاهر الإهمال التي قمنا بمعاينها، تحدث رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة عبد العزيز الهميسي عن عديد النقائص والإخلالات التي يشكو منها الحصن الجنوي.
محملا المسؤولية لبلدية طبرقة التي يقع هذا المعلم التاريخي ضمن مجالها الترابي إلى جانب عدد أخر من مسؤولي الجهة، ليس فقط المتخاذلين منهم، حسب تعبيره، بل حتى الذين لم يبذلوا مجهودات إضافية لإحياء موروث مدينة طبرقة وتثمين تراثها ومعالمها الثقافية.
وتابع عبد العزيز بأن هذه الإخلالات والتخاذل الذي فتك بالجهة جعلها تفقد قيمة معالمها الثقافية على غرار الحصن الجنوي المغلق منذ سنوات دون البحث في حلول جدية لإعادة بريقه ومكانته ضمن المعالم الأثرية في تونس.
متحدثا أيضا عن المرسى القديم بطبرقة المنسي، والشاطئ الذي كُلف بإنجازه مهندسين غير أكفاء، حسب تعبيره، ساهموا في تدمير مميزاته وجعله غير صالح للسباحة.
واعتبر الهميسي أن غالبية هذه الإشكاليات تتعاظم بسبب ضعف معرفة مسؤولي الجهة والمكلفين بإنجاز المشاريع بالخصائص الثقافية لمدينة طبرقة، فيما بعض الإخلالات الأخرى تتسبب فيها أطراف بعينها تريد التوسع والاستفادة على حساب معالم طبرقة المهملة.
وحذر الهميسي من التطبيع مع ظاهرة إهمال للمعالم الأثرية التي أصبحت تعيشها الجهة، والتي أصبح إحياء المناطق الأثرية والأنشطة الثقافية في ذيل سلم أولويات عمل البلديات والمجالس الجهوية.
معتبر ذلك ساهم في اندثار عدد من الأنشطة الثقافية على غرار مهرجان الجاز بطبرقة الذي لم تبذل البلدية أي مجهود لإعادة إحيائه بعد أن كان زخم موسيقاه يطرب أرجاء المدينة على مدى شهرين، كذلك الجامعة الصيفية بطبرقة التي اندثرت.
ودعى رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة السلط المحلية إلى تمكين الشباب والجمعيات الناشطة بالجهة والمتطوعة الراغبة في خدمة هذه المعالم الأثرية والمحافظة عليها ودعمها لتثمينها، مشدد على أن نهضة الجهة وتطورها بيد أبنائها ومسؤوليها، أولهم البلديات التي يجب أن يعي موظفيها قيمة وأهمية مخزوناتهم الأثرية والثقافية والتاريخية والاقتصادية.
وعبر الهميسي عن فخره بنشأة جيل جديد حازم على خدمة المنطقة وإحياء تراثها، جيل ذو روح شبابية يسعى لإعادة بريق هذا الحصن الذي مازال ثابتا محافظ على شموخه وسط عاصفة الإهمال.
ويتطلع رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة إلى إعادة الحياة إلى هذا المعلم التاريخي الذي سيعود افتتاحه بالفائدة على مختلف الفئات من الطلبة والأهالي، إلى جانب توفير موارد رزق لعدد كبير من التجار وتوفير مواطن شغل جديدة، فضلا عن أنه يمكن أن يمثل موردا اقتصاديا مهما للبلدية يساهم في تطويرها اقتصاديا.
إلى جانب كونه معلم تاريخي، يعتبر الحصن الجنوي مورد رزقا لعديد العائلات، إذا ينتصب أما ساحته عديد الباعة الذي يسعدون بقدر سعادة المعلم نفسه بقدوم قافلة لاكتشافه.
وبحسب عدد منهم فإن تجارتهم تزدهر مع ارتفاع عدد الزوار وكلما ازدادت الحركية في المنطقة بأكملها، لكنهم الآن يعيشون فترة من الركود بسبب تواصل غلق المعلم من جهة، وبسبب الحالة الصحية التي تعيشها البلاد.
لكن تعتبر أيضا الطريقة التي ينتصبون بها أمام المعلم الغير منتظمة وغير مهيكلة سببا ساهم في إفساد جمالية مدخل الحصن، وتقلل من قيمة سلعهم المرجانية الخالصة.
ذلك إلى جانب ما قد يتعرضون له من مضايقات من البلدية التي تقوم برفع سلعهم، كأسهل إجراء تتخذه ضدهم، دون بحثها عن حلول بديلة تنظم نشاطهم وتحافظ على مورد رزق هؤلاء الباعة ومورد رزق عائلاتهم.
يتميز الحصن الجنوي بموقع إستراتيجي يعتلي عبره قمة جبل يحيط بها البحر الأبيض المتوسط من الاتجاهات الأربع، شامخ يجعل كامل مدينة طبرقة تحت محط أنظاره، ويجذب في الآن ذاته أنظار كل من يتجول في المدينة إليه، نظرا لشموخه وعلوه وحصانة جدرانه، ليبدو وكأنه يعدل لوحده كفة المدينة ويحافظ على توازنها.
تحيط به أشجار البلوط والفلين في نسيج غابي طبيعي امتزج مع رمال شواطئ طبرقة الذهبية وصفاوة بحرها ليشكل لوحة فنية نادر وجودها في العالم.
من بين مهام البلدية باعتبارها سلطة محلية مستقلة المحافظة على خصوصية المعالم الأثرية التي ضمن تقسيمها الترابي وتنميتها، وإنجاز التجهيزات الجماعيّة ذات الصبغة الاجتماعية والرّياضيّة والثقافيّة والبيئيّة والسياحيّة كدور الثقافة والمتاحف... بحسب الفصل 243 من مجلة الجماعات المحلية، الذي يحدد جملة من المهام التي تقوم بها البلدية بالشراكة مع السلط المركزية وفق ما نص عليه الفصل 13 من المجلة الذي يضبط شروط وإجراءات تنفيذ الصلاحيات المشتركة.
بتعداد هذه المهام، ووفق ما حدثنا به رئيس الجمعية التونسية للسياحة العادلة والمتضامنة بطبرقة وما ذكره بعض المواطنين، وبحسب ما قمنا بمعاينته، رصدنا حالات إهمال عدة، واعتداءات جسيمة أضرت بخصائص هذا المعلم التاريخي، بما يجعل البلدية في وضعية تقصير في أداء مهاهما على ضوء الفصلين 13 و243.
وفي هذا التقرير رصد لحالة الإهمال التي يعيشها المعلم الأثري بطبرقة:
في حديثنا مع رئيس بلدية طبرقة المولدي العلوي أوضح أن أحد أكبر الإشكاليات التي يعاني منها الحصن الجنوي هي تلك المتعلقة بملكيته والأطراف المتصرفة فيه.
وأوضح المولدي العلوي أن منارة الحصن على ذمة وزارة الدفاع الوطني، فيما بقية أجزائه تابعة لأملاك الدولة. أما مراقبة الحصن فهي من مهام المعهد الوطني للتراث، وتهيئة الطريق المؤدية إليه من مهام وزارة السياحة، ويقتصر دور البلدية على الإضاءة الخارجية للمعلم ونظافة محيطه فقط.
واعترف رئيس بلدية طبرقة بالتقصير فيما يخص العناية بهذا المعلم الذي لا يتجزأ من هوية طبرقة، مبررا ذلك بنقص الإمكانيات.
مضيفا أن البلدية تحاول قدر الإمكان الالتزام بأولويات عملها وسط المدينة المتمثلة في التهيئة ورفع الفضلات، خاصة في ظل نقص عدد أعوانها، معتبرا أن اهتمام البلدية بهذا المعلم يقتصر فقط على بعض المناسبات.
وفي حديثه أشار رئيس بلدية طبرقة إلى عدد من الحلول التي يمكن عبرها إنقاذ هذا المعلم الأثري ونفض الغبار عنه، والتي من بينها أن تقوم البلدية بإمضاء اتفاقية تعاون من أجل صيانة وتثمين المعلم بالشراكة مع المعهد الوطني للتراث، ويقوم كل منهما بدوره حسب اختصاصه.
وفي سؤاله حول ذلك، وما إن انطلقت البلدية في التحضير لمثل هذه الاتفاقية، أكد رئيس البلدية أن الموضوع هو مجرد فكرة لم ينطلقوا في طرحها على الهياكل المتدخلة إلى حد الآن.
وبالبحث أكثر عن مختلف المتدخلين المسؤولين عن إحياء المناطق السياحة والأثرية بالشمال الغربي وبالحصن الجنوي بطبرقة على وجه الخصوص، اعتبر المندوب الجهوي للسياحة بطبرقة وعين دراهم عيسى المرواني أن دورهم كمندوبية يتمثل في الترويج لهذا المعلم عندما يكون جاهز ومهيأ وآمنا لاستقبال الزوار.
موضحا بأن تواصل غلق الحصن الجنوي بسبب دواعي السلامة ليس إلا، وذلك بسبب ما يعانيه المعلم من تصدعات وشقوق عميقة تتطلب دراسة معمقة من أجل صيانته وترميمه.
وتابع المرواني بأنه يقوم بإثارة ملف الحصن الجنوي في كل المجالس الجهوية وفي مختلف الجلسات المنعقدة مع وزارة السياحة، والتي فيها يؤكد على ضرورة التدخل لإيجاد حل جذري وسريع لهذا الرمز التاريخي الذي ستساهم إعادة فتح أبوابه في حلحلة عديد الإشكاليات الثقافية بالجهة.
وأشار المندوب الجهوي للسياحة بطبرقة وعين دراهم بأن الاعتمادات المالية الضخمة التي تحتاجها عملية الترميم هي التي تقف عائقا لإيجاد حل لهذا المعلم الذي يشكل جزء لا يتجزأ من هوية مدينة طبرقة.
بدا دور المعهد الوطني للتراث جليا في هذا الموضوع الذي يمثل أحد أطرافه الرئيسية الماسكة بزمام الأمور، وهو ما دفعنا للتواصل معه للحديث عن دوره ومهامه في هذا الموضوع.
وفي السؤال عن أسباب تعطل إيجاد حلول لهذا المعلم الأثري، كان لنا هذا التصريح من متفقد التراث بالشمال الغربي محي الدين الشوالي، والذي طرح عدد من الحلول التي يمكن أن تساهم في تسوية وضعية الحصن الجنوي بطبرقة.
يعتبر ملف الحصن الجنوي بطبرقة بالوضعية التي عليها الآن، أحد أعقد الملفات التي على طاولة بلدية طبرقة وأهمها، والتي يجب الإسراع في دراستها تفاديا لتعاظم الأضرار التي يعاني منها المعلم الرمز الذي أصبح مهددا بالسقوط.
ولعل من أهم العراقيل التي تعيق حلحلة هذا الملف هو كثرة المتدخلين فيه دون وجود توافق بينهم على خدمة هذا المعلم الذي يحتاج وقفة حازمة وإجماع من الكل على تثمينه
وتعتبر البلدية هي الطرف الرئيسي في هذا الملف نظرا لمسؤوليتها المجتمعية باعتبار أن المعلم يقع ضمن نطاقها الترابي أولا، ونظرا لأنها المستفيدة من إعادة فتح هذا المعلم، إلى جانب كونه سيساعدها على حلحلة عدد من الإشكاليات على غرار توفير عدد من مواطن الشغل وزيادة عدد زوار المنطقة.
وفي انتظار أن تعطي "المجهودات الحثيثة لإعادة بريق هذا المعلم الأثري" التي أجمع حولها محدثينا أُكلها، تبقى أبواب الحصن الجنوي بـ "تابراكا" مغلقة... إلى حين إشعار أخر.
أنجز هذا العمل في إطار برنامج مراسلون "مراسلو الديمقراطية المحلية" تحت إشراف المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES تونس، الهادف إلى المساهمة في إنشاء صحافة محلية ناجعة تعمل على ترسيخ قيم ومبادئ الحكم المحلي ومتابعة العمل البلدي.