يعتبر القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد القطاع الوحيد الذي لم يدخل في حالة ركود خلال الوضع العام الذي تعيشه البلاد، منذ بدء انتشار جائحة كورونا.
ويعود الفضل في ذلك إلى عمل النساء الريفيات اللواتي تعملن في ظروف تزداد سوء، على اعتبار أنه لم يتم تلبية مطالبهن بوسائل نقل آمنة من والى أماكن العمل، فضلاً عن المساواة في الأجور والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وظروف العمل اللائقة والآمنة، على الرغم من جهود المجتمع المدني للدفع في سبيل تحقيقي هذه الأهداف.
ظروف عمل صعبة
وحسب البيانات الصادرة عن "وزارة الفِلاحة، تعيش 32% من النساء التونسيّات في مناطق ريفيّة.
وذكر المعهد الوطنيّ للإحصاء أنّ 65% من النساء الريفيّات انقطَعن عن التعليم في سنّ مبكرة، لتتجاوز بذلك نسبة الأمّيّة بين النساء الريفيّات 30%.
وتشكّل النساء 70% من القوى العاملة في القطاع الفلاحي ببلادنا، لكنّ أجورهنّ أقلّ بحوالي 50% من نظرائهن الرجال، ويتمتع عدد قليل للغاية منهنّ بالحماية الاجتماعية، إذ إنّ 33% فقط من النساء العاملات في المجال الزراعيّ لديهنّ ضمان اجتماعيّ، وهو عدد أقلّ أيضاً بكثير من مثيله لدى العاملين الرجال - إذ تستفيد 93,500 سيّدة من نظام الحماية الاجتماعيّة مقابل 377 ألف رجل.
في أحد الحقول بولاية سيدي بوزيد، التقت "الصباح نيوز" بإحدى العاملات في المجال الفلاحي ، التي تدعى ليلي غربي، وهي أم لثلاثة أطفال صغار تبلغ من العمر 31 عاماً، قالت إنّها وكلّ واحدة من زميلاتها العاملات يدفعن دينارين يوميّاً من أجورهنّ مقابل نقلهنّ لمكان العمل، لكنْ منذ شهر ديسمبر المنقضي، طالبت هي وبعض زميلاتها الأخريات زيادة أجورهنّ لتشتمل أجرة المواصلات، وأصبحن الآن يتقاضين 15 ديناراً في اليوم، بدلاً من 12 دينارا ،مقابل 6 ساعات من العمل الشاقّ.
لكنّ ليلي تضطرّ مع ذلك لطلب المساعدة الماليّة من جيرانها عندما تتكبّد أيّة تكاليف باهظة لمعالجة طفلها الذي يعاني من ضعف السمع.
وفي ذات المكان وجدنا، صالحة سعيدي، وهي سيّدة تبلغ من العمر 49 عاماً تعمل في الفِلاحة منذ 20 عاماً.
وتقول صالحة: "عندما أفكّر في قرب قدوم الشتاء أبكي، لأنّي أعلم مدى صعوبة العمل في الحقول الشاسعة خلال الطقس البارد".
وتضيف محدثتنا، أن زوجها، يعاني من مرض خطير وهي نفسها مصابة بفقر الدم، وليس لديهما أيّة تغطية صحّيّة وهو ما يجعلها تواجه صعوبة بالغة في تلبية احتياجات أسرتها ، خاصّة أنّ ابنتها الكبرى لا تعمل، ولديها طفلان آخران، أحدهما في المدرسة الإعداديّة والآخر في الثانويّة.
استغلال وتحرش جنسي
علاوةً على الأجر الزهيد ومهام العمل الشاقّة والخطيرة، تتعرّض العاملات في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد، إلى العنف بمختلف أشكاله رغم دخول القانون الأساسيّ عدد 58 لسنة المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيز التنفيذ.
كريمة في أواخر الثلاثينات من عمرها تعيش في أرياف سيدي بوزيد قالت، إنّ الضرورة دفعتها إلى العمل في الحقول لأوّل مرّة قبل شهرين، مشيرةً إلى أنّها تكافح لتغطية نفقات العيش بينما يكبر أبناءها وتزيد متطلّباتهم، خاصّة في ظلّ ندرة العمل فخلال الموسم الزراعيّ الشحيح، وأثناء رحلة معاناتها في العمل تحقيقا لعيش كريم لأبنائها تعرضت في العديد من المناسبات إلى تحرش جنسي سواء من صاحب الأرض او من الوسيط الذي يقوم بنقلهن بسيارته إلى الحقول للعمل فيها ما دفعها الى غض الطرف حفاظا على لقمة العيش.
سيّدة أخرى، قالت إنها بدأت من فترة قريبة العمل في الفِلاحة، وإنّ الأجر يعتمد على متطلّبات العمل الفِلاحيّ، سواء بالزيادة أو النقصان و عادة ما يكون الأجر 15 ديناراً في اليوم، بينما يتراجع الأجر لدى عدد أخر من أصحاب الحقول و المزارعين ليصل إلى 13 ديناراً تونسيّاً بالرغم من تجاوز ساعات العمل 8 ساعات يوميا.
إضافةً إلى الأجر الزهيد للغاية، تواجه العاملات في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد، مخاطر جسيمة بسبب وسائل النقل غير الآمنة التي تحملهن من وإلى أماكن عملهنّ.
إذ عادة ما ترتاد عاملات الفِلاحة شاحنات مكتظة، وهو ما يؤدّي أحياناً إلى حوادث سير مميتة - الأمر الذي بدأ يتّخذ منحىً مثيراً للقلق خلال السنوات الأخيرة، وتدفع كلّ عاملة جزء من أجرها اليوميّ إلى سائقي الشاحنات الذين كثيراً ما يكدّسون الركّاب داخل الشاحنة لتحقيق ربح أكبر من كلّ رحلة، حتّى لو كان هذا يعني تكديس الشاحنة بصورة مفرطة و في حالات كثيرة، يسكب السائقون مياه على أرضيّة الشاحنة لإجبار النساء على الوقوف وتوفير مساحة إضافيّة تسمح بتحميل عدد أكبر من العاملات في المجال ألفلاحي.
رغم تدخل الدولة… تتواصل المعاناة
وقد تمّ وضع آليّات وطنيّة في السنوات الأخيرة لتعزيز المستوى المعيشيّ للنساء في المناطق الريفيّة، مع تدخّل وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة من أجل زيادة قابليّتهنّ للعمل وتعزيز مساهمتهنّ في الاقتصاد.
وقد كان من بين الخطوات الإيجابيّة إطلاق برنامج "رائدة" لتعزيز ريادة النساء في الأعمال، الذي أنجزته وزارة شؤون المرأة بالتعاون مع البنك التونسيّ للتضامن، مستهدفةً النساء ومنهنّ نساء المناطق الريفيّة، اللواتي يرغبن في إطلاق مشاريع صغيرة أو متوسّطة الحجم.
ومنذ إطلاقه في عام 2016، نفّذ البرنامج الوطنيّ أكثر من 4400 مشروع في جميع ولايات الجمهورية، تغطّي العديد من الأنشطة باستثمارات تُقدَّر بحوالي 37 مليون دينار تونسيّ وتسعى المبادرة، إلى إقامة 8 آلاف مشروع بعموم البلاد.
فبرغم من أنّ المرأة الريفيّة تمثّل الركيزة الأساسيّة للأمن الغذائيّ في تونس، ومورداً حيويّاً ، فإنّ وضعها الذي طال تجاهله، ولم يتغيّر، يشكّل ملامح الواقع القاسي الذي تعانيه النساء الريفيّات كمواطنات من الدرجة الثانية نتيجة وجودها القويّ في الأنشطة الاقتصاديّة غير الرسميّة- من بين أكثر الفئات عُرضة للمخاطر في ظلّ هذه الظروف الصعبة، بدايةً من تدهور ظروف العمل وصولاً إلى فقدان العمل تماماً.
إبراهيم سليمي