" مستقبل التنمية بالحوض المنجمي بعد أو بدون فسفاط" عنوان لكتاب قدمه مؤخرا خلال ورشة عمل انعقدت للغرض في ولاية قفصة وأشرف على تنظيمها مكتب شمال إفريقيا لمؤسسة "روزا لكسمبورغ"
الكتاب جاء في ثلاثة أقسام ،القسم الأول منه خصصه الكاتب لتشخيص الواقع الحالي للحوض المنجمي وتقييم آثار استغلال الفسفاط والقسم الثاني أبرز خلاله الكاتب الإمكانات الطبيعية والبشرية للتنمية بمدن الحوض المنجمي والقسم الثالث والأخير خصصه "الرحيلي" لمعالجة وتحليل الاستبيان الميداني واقتراح لمشاريع تنموية
الفسفاط صانع تاريخ ولاية..ودولة باكملها
وقدم "حسين الرحيلي" لمحة تاريخية عن اكتشاف الفسفاط منذ سنة 1883وصولا إلى سنة 1963 حين تقرر فصل إنتاج الفسفاط عن نقل المادة وتكوين شركة فسفاط قفصة والشركة الوطنية للسكك الحديدية ، ليتجاوز اليوم تاريخ استغلال الفسفاط 130سنة وهو تأكيد على أن الفسفاط لم يكن مجرد ثروة فقط بل صانعا لتاريخ هذا البلد لأكثر من قرن
يبين الكاتب الدور المحوري للشركة في الجهة بل كانت هي الدولة فقد كانت تؤمن من البداية الشغل لمئات العمال من تونس وخارجها وأحياء "الطرابلسية" والسوافة" والمروك" لا تزال شاهدة.
ولكن منذ برنامج الإصلاح الهيكلي الذي تم فرضه على النظام البورقيبي المتهاوي بحسب قول الكاتب تخلت الشركة عن دورها التشغيلي في حوض قائم على استخراج الفسفاط لأكثر من قرن من الزمن
الثروة التي تحولت الى نقمة
يصل استغلال شركة الفسفاط للماء حوالي 25 مليون متر مكعب سنويا إلى حوالي أربع مرات الكمية المخصصة للماء الصالح للشرب لكامل سكان ولاية قفصة مع أكثر من 11مليون متر مكعب سنويا مياه ملوثة تفرزها مغاسل الفسفاط ،إضافة إلى تلوث الهواء وتراكم أكوام من النفايات الفسفاطية بالمناطق السكنية وتحويل مناطق بأكملها إلى أكوام من الحجارة والحصى والأتربة .
وفي سنة 2010 وصلت عائدات الفسفاط المباشرة إلى حدود2100 مليار ورغم ذلك لم تفكر "منظومة بن علي" في معالجة التلوث وتحسين خدمات التعليم أو تعبيد الطرق داخل الأحياء .
يقدم الكاتب واعتمادا على الدراسة التي أنجزها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات سنة 2018 ان مؤشر التنمية لسنة 2018 لجهة قفصة لم يتجاوز0.456 وهو ما يعطي لجهة قفصة المرتبة 17على المستوى الوطني من جملة 24 ولاية كما أن مؤشر الجاذبية الترابية لجهة قفصة لسنة 2016 يساوي1.96 وهو اقل من المعدل الوطني الذي يساوي 2012.
ويعطي الكاتب حيزا هاما لتقديم فكرة شاملة عن الثروات الطبيعية التي تزخر بها الجهة بعيدا عن الفسفاط ويوضح مدى أهمية هذه الثروات الطبيعية لخلق الثروة بعيدا عن استخراج الفسفاط من ذلك توفر الجهة على مخزون من الحجارة الكلسية ومادة الطين والجبس إضافة إلى المواد الناتجة عن نشاط شركة فسفاط قفصة والتي يمكن أن تكون مصدرا للتنمية وانجاز المشاريع خارج دائرة استغلال الفسفاط من خلال المقاربة السيسيولوجية للمعوقات التنموية بمدن الحوض المنجمي يستنتج من الدراسة التي أعدها خالد طبابي، الباحث في علم الاجتماع بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ، أن المراحل التنموية في تونس مرت بثلاث مراحل فخلال فترة الاستقلال وعقد الستينات، الذي شهد خططا للتوسع التعليمي والصناعي، وفترة السبعينات والثمانينات، مرحلة ما يعرف بسياسة الانفتاح الاقتصادي الليبرالي ، وصولا الى برنامج الإصلاح الهيكلي والتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وهو تبادل غير متكافئ، ليبين "الطبابي"ان السياسات التنموية منذ دولة الاستقلال لا تزال في طبيعة العوامل التي شكلت عائقا أمام التطور التنموي بالحوض المنجمي ، كما افرد الطبابي حيزا هاما تأثير الفاعلون المحليون من نخب سياسية ونقابية ودورهم في تحديد السياسات ومن خلال البحث يتبين أن للنقابات دورا هاما في ما آل له الوضع الاجتماعي أساسا ، فالنقابات في الحوض المنجمي جذّرت العامل القبلي وكانت إلى وقت قريب سند السلطة في وأد الحراك الاجتماعي ومشجع على تقبل الخيارات التنموية .
بعد أن كان محددا للتنمية تحول الفسفاط إلى نقمة ولم تعد شركة فسفاط قفصة إرثا وطنيا قادرا على الإنتاج لصالح كل التونسيين ، وحتى يعود الفسفاط نعمة وثروة طبيعية وجب أن تتحرر المنطقة من أسطوة الفسفاط ،فالتنمية في ولاية قفصة عموما دون فسفاط ممكنة بوجود المقومات الطبيعية والبشرية القادرة على تحويل الجهة إلى قطب تنموي خاصة إذا ما تدخلت الدولة بكل ثقلها وأنجزت المشاريع العمومية تشجيعا للقطاع الخاص كي ينتصب بالجهة والاهم أن لا تبقى شركة فسفاط قفصة بقرة حلوب وتتحول إلى شركة عمومية تعمل في قطاع تنافسي مطالبة بان تنجح وتراكم الثروة للشعب.
واقع واستشراف قدمه حسين الرحيلي، الذي يدرس حاليا بكلية العلوم بتونس ومكوّن في مجالات الحوكمة المحلية وعمل في 1993 بالوكالة الوطنية لحماية المحيط منذ 1993 وله عديد الكتب المنشورة منها "التنمية في تونس"و"الاقتصاد التونسي بين فشل الساسة وأحلام الفقراء" و"الماء والعدالة الاجتماعية بالحوض المنجمي" و"العولمة ما بعد كورونا " وصولا إلى كتابه الأخير "مستقبل التنمية بالحوض المنجمي بعد او دون فسفاط"
كما ساهم في إعداد الكتاب السيد خالد طبابي الباحث في علم الاجتماع بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس،حيث اشرف على انجاز المحور المتعلق بالمقارنة السوسيولوجية لمعوقات التنمية بمدن الحوض المنجمي. كتاب يصور الواقع بكل دقة وكثير المعرفة لما تعانيه المنطقة واقتراح الحلول الممكنة حتى تتجاوز الوضع الراهن.
الهادي رداوي
قفصة_الصباح
" مستقبل التنمية بالحوض المنجمي بعد أو بدون فسفاط" عنوان لكتاب قدمه مؤخرا خلال ورشة عمل انعقدت للغرض في ولاية قفصة وأشرف على تنظيمها مكتب شمال إفريقيا لمؤسسة "روزا لكسمبورغ"
الكتاب جاء في ثلاثة أقسام ،القسم الأول منه خصصه الكاتب لتشخيص الواقع الحالي للحوض المنجمي وتقييم آثار استغلال الفسفاط والقسم الثاني أبرز خلاله الكاتب الإمكانات الطبيعية والبشرية للتنمية بمدن الحوض المنجمي والقسم الثالث والأخير خصصه "الرحيلي" لمعالجة وتحليل الاستبيان الميداني واقتراح لمشاريع تنموية
الفسفاط صانع تاريخ ولاية..ودولة باكملها
وقدم "حسين الرحيلي" لمحة تاريخية عن اكتشاف الفسفاط منذ سنة 1883وصولا إلى سنة 1963 حين تقرر فصل إنتاج الفسفاط عن نقل المادة وتكوين شركة فسفاط قفصة والشركة الوطنية للسكك الحديدية ، ليتجاوز اليوم تاريخ استغلال الفسفاط 130سنة وهو تأكيد على أن الفسفاط لم يكن مجرد ثروة فقط بل صانعا لتاريخ هذا البلد لأكثر من قرن
يبين الكاتب الدور المحوري للشركة في الجهة بل كانت هي الدولة فقد كانت تؤمن من البداية الشغل لمئات العمال من تونس وخارجها وأحياء "الطرابلسية" والسوافة" والمروك" لا تزال شاهدة.
ولكن منذ برنامج الإصلاح الهيكلي الذي تم فرضه على النظام البورقيبي المتهاوي بحسب قول الكاتب تخلت الشركة عن دورها التشغيلي في حوض قائم على استخراج الفسفاط لأكثر من قرن من الزمن
الثروة التي تحولت الى نقمة
يصل استغلال شركة الفسفاط للماء حوالي 25 مليون متر مكعب سنويا إلى حوالي أربع مرات الكمية المخصصة للماء الصالح للشرب لكامل سكان ولاية قفصة مع أكثر من 11مليون متر مكعب سنويا مياه ملوثة تفرزها مغاسل الفسفاط ،إضافة إلى تلوث الهواء وتراكم أكوام من النفايات الفسفاطية بالمناطق السكنية وتحويل مناطق بأكملها إلى أكوام من الحجارة والحصى والأتربة .
وفي سنة 2010 وصلت عائدات الفسفاط المباشرة إلى حدود2100 مليار ورغم ذلك لم تفكر "منظومة بن علي" في معالجة التلوث وتحسين خدمات التعليم أو تعبيد الطرق داخل الأحياء .
يقدم الكاتب واعتمادا على الدراسة التي أنجزها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات سنة 2018 ان مؤشر التنمية لسنة 2018 لجهة قفصة لم يتجاوز0.456 وهو ما يعطي لجهة قفصة المرتبة 17على المستوى الوطني من جملة 24 ولاية كما أن مؤشر الجاذبية الترابية لجهة قفصة لسنة 2016 يساوي1.96 وهو اقل من المعدل الوطني الذي يساوي 2012.
ويعطي الكاتب حيزا هاما لتقديم فكرة شاملة عن الثروات الطبيعية التي تزخر بها الجهة بعيدا عن الفسفاط ويوضح مدى أهمية هذه الثروات الطبيعية لخلق الثروة بعيدا عن استخراج الفسفاط من ذلك توفر الجهة على مخزون من الحجارة الكلسية ومادة الطين والجبس إضافة إلى المواد الناتجة عن نشاط شركة فسفاط قفصة والتي يمكن أن تكون مصدرا للتنمية وانجاز المشاريع خارج دائرة استغلال الفسفاط من خلال المقاربة السيسيولوجية للمعوقات التنموية بمدن الحوض المنجمي يستنتج من الدراسة التي أعدها خالد طبابي، الباحث في علم الاجتماع بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ، أن المراحل التنموية في تونس مرت بثلاث مراحل فخلال فترة الاستقلال وعقد الستينات، الذي شهد خططا للتوسع التعليمي والصناعي، وفترة السبعينات والثمانينات، مرحلة ما يعرف بسياسة الانفتاح الاقتصادي الليبرالي ، وصولا الى برنامج الإصلاح الهيكلي والتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وهو تبادل غير متكافئ، ليبين "الطبابي"ان السياسات التنموية منذ دولة الاستقلال لا تزال في طبيعة العوامل التي شكلت عائقا أمام التطور التنموي بالحوض المنجمي ، كما افرد الطبابي حيزا هاما تأثير الفاعلون المحليون من نخب سياسية ونقابية ودورهم في تحديد السياسات ومن خلال البحث يتبين أن للنقابات دورا هاما في ما آل له الوضع الاجتماعي أساسا ، فالنقابات في الحوض المنجمي جذّرت العامل القبلي وكانت إلى وقت قريب سند السلطة في وأد الحراك الاجتماعي ومشجع على تقبل الخيارات التنموية .
بعد أن كان محددا للتنمية تحول الفسفاط إلى نقمة ولم تعد شركة فسفاط قفصة إرثا وطنيا قادرا على الإنتاج لصالح كل التونسيين ، وحتى يعود الفسفاط نعمة وثروة طبيعية وجب أن تتحرر المنطقة من أسطوة الفسفاط ،فالتنمية في ولاية قفصة عموما دون فسفاط ممكنة بوجود المقومات الطبيعية والبشرية القادرة على تحويل الجهة إلى قطب تنموي خاصة إذا ما تدخلت الدولة بكل ثقلها وأنجزت المشاريع العمومية تشجيعا للقطاع الخاص كي ينتصب بالجهة والاهم أن لا تبقى شركة فسفاط قفصة بقرة حلوب وتتحول إلى شركة عمومية تعمل في قطاع تنافسي مطالبة بان تنجح وتراكم الثروة للشعب.
واقع واستشراف قدمه حسين الرحيلي، الذي يدرس حاليا بكلية العلوم بتونس ومكوّن في مجالات الحوكمة المحلية وعمل في 1993 بالوكالة الوطنية لحماية المحيط منذ 1993 وله عديد الكتب المنشورة منها "التنمية في تونس"و"الاقتصاد التونسي بين فشل الساسة وأحلام الفقراء" و"الماء والعدالة الاجتماعية بالحوض المنجمي" و"العولمة ما بعد كورونا " وصولا إلى كتابه الأخير "مستقبل التنمية بالحوض المنجمي بعد او دون فسفاط"
كما ساهم في إعداد الكتاب السيد خالد طبابي الباحث في علم الاجتماع بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس،حيث اشرف على انجاز المحور المتعلق بالمقارنة السوسيولوجية لمعوقات التنمية بمدن الحوض المنجمي. كتاب يصور الواقع بكل دقة وكثير المعرفة لما تعانيه المنطقة واقتراح الحلول الممكنة حتى تتجاوز الوضع الراهن.