-
الصندوق يدقق في البرنامج في الخارج والاتحاد يلزم الصمت في الداخل
تونس-الصباح
استبشرت الأوساط التونسية مباشرة بعد تصريح المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا بخصوص الملف التونسي المعروض في اجتماعات الربيع السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تنتظم كامل الأسبوع الجاري بواشنطن.
هذا التصريح الذي أكدت فيه المسؤولة بالصندوق أن مسار المحادثات الفنية مع الوفد الرسمي التونسي يتقدم بشكل جيد، مبينة أن الصندوق بصدد فهم نقاط البرنامج الإصلاحي الذي تقدمت به الحكومة التونسية والمتعلق بعدة مسائل على غرار التداين وكيفية سداد الديون التونسية حتى يتم التوصل إلى اتفاق ايجابي في أقرب الآجال..
وتأتي هذه التصريحات الايجابية في الوقت الذي صاحبت فيه زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن انتقادات كبيرة بدءا بهوية أعضاء البعثة الرسمية التي ستتفاوض مع الجهات المانحة -وحقيقة غياب وزيرة المالية عن هذه الزيارة- وصولا إلى البرنامج الذي عرضته الحكومة لدى هذه الجهات وما يكتنفه من غموض في ظل غياب توافق مع ابرز الجهات المتدخلة على غرار المنظمات المدنية..
ففي ما يتعلق بالفريق التونسي المفاوض، يرى العديد من الفاعلين الاقتصاديين انه من الضروري مرافقة أعضاء دبلوماسيين للبعثة الرسمية لإقناع المؤسسات المانحة وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية عن طريق تنظيم لقاءات رسمية مع الإدارة الأمريكية والحكومات المؤثرة والأكثر وزنا داخل المؤسسات المالية المانحة..
في حين، اكتفت الحكومة التونسية ببعثة متكونة من عدد قليل من مسؤولي الدولة برئاسة محافظ البنك المركزي مروان العباسي ووزير الاقتصاد سمير سعيد مع غياب لوزيرة المالية العنصر الأهم في مثل هذه المحادثات الفنية والتقنية..
أما بخصوص البرنامج الإصلاحي، فيبدو انه ليس هينا وهذا ما أشارت إليه المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في تصريحها الأخير وهي تؤكد أن الصندوق بصدد النقاش مع الفريق التونسي حول نقاط البرنامج وسيواصل دراسة آلياته كامل هذا الأسبوع، وهو ما يؤكد أن النقاط المعروضة ستكون بمثابة السيف المسلط على الرقاب وسيحرص الصندوق على فهمها جيدا حتى بعد اجتماعات الربيع والانتهاء من زيارة الوفد التونسي.
حيث سيواصل الصندوق التثبت جيدا منها على مستوى حقيقة النسب والأرقام المعروضة ومدى تحققها واعتبارها ضمانا لمنح تونس تمويلات جديدة مستقبلا، وهي عبارة عن تحديات كبيرة قد تضرب السلم الاجتماعية في قادم الأيام.
هذه التحديات الممثلة في برنامج الإصلاحات تتعلق بالأساس بعدة مجالات اقتصادية واجتماعية، أهمها إلغاء منظومة الدعم ووضعية المؤسسات العمومية والتقليص من كتلة الأجور ووقف الانتدابات بالوظيفة العمومية..، وهذا ما أكدته الحكومة قبيل توجهها إلى واشنطن للمشاركة في المحادثات الفنية الجدية مع صندوق النقد، حيث بين وزير الاقتصاد سمير سعيد من جهته، أنه قد تم عقد سلسلة من جلسات العمل بين خبراء صندوق النقد الدولي والفريق الحكومي في الزيارة الأخيرة في تونس وتم خلالها عرض الخطة الإصلاحية في عدة مجالات على غرار الوظيفة العمومة والمؤسسات العمومية والدعم والجباية والتوازنات المالية على المدى البعيد.
كما أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة الدخول في إصلاحات مؤلمة لتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، فضلا عن تأكيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن من جهتها أن الحكومة جهزت برنامج إصلاحات لعرضه على الصندوق يشمل المؤسسات العمومية ومنظومة الدعم وكتلة الأجور...
بالمقابل، كانت الخطة الاصلاحية المعروضة على الصندوق قد أثارت جدلا واسعا بين الأحزاب والمنظمات المدنية، من ذلك شدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي قبل الزيارة على ضرورة تصدي المنظمة الشغيلة لكل إجراءات تمس من مقدرة الأجراء ومن وضعهم الاجتماعي، واصفا الإصلاحات "باللاشعبية لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية للتونسيين"، حسب تعبيره.
واليوم، تلزم المنظمة الشغيلة الصمت التام تزامنا مع انطلاق المحادثات الفنية في واشنطن كي لا تكون طرفا معرقلا لها إلى حين كشف النقاب عن نتائج هذه الزيارة في أعقاب الأسبوع الحالي وخاصة معرفة الإصلاحات التي تم الاتفاق بشأنها حتى تتخذ موقفها الرسمي وما سيتبعه من مواقف أخرى لبقية المنظمات المدنية على غرار منظمة الأعراف إلى جانب الأحزاب...
وتسعى تونس من خلال مشاركتها في هذا الموعد الاقتصادي الكبير إلى عقد شراكات واتفاقيات دعم مالي مع المؤسسات المانحة وأهمها إبرام برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي، من خلال طرحها لبرنامج الإصلاحات الذي وصفته الحكومة بـ "البرنامج الجدي"..
كما تأمل الحكومة التونسية من خلال هذه الزيارة الظفر بعقد برنامج تمويل جديد مع الصندوق بعد أن بلغت أشواطا متقدمة وايجابية في المحادثات التقنية التي تمت مؤخرا بين الجانبين، بهدف تعبئة موارد بقيمة 4 مليارات دولار لتمويل الميزانية العمومية وهي التي كانت تسعى منذ سنتين إلى التوصل إلى هذا الاتفاق، لتكون هذه الزيارة والمشاركة الرسمية في اجتماعات الربيع السنوية خطوة لتعميق التفاوض والمحادثات من أجل الوصول لاتفاق جديد بين الحكومة التونسية والصندوق.
وأمام التحديات الجديدة التي فرضها تغير المشهد العالمي مؤخرا، تبقى تونس مطالبة بالبحث عن مصادر تمويلية بديلة في اقرب الآجال وتسوية بعض المستحقات الخارجية من الديون لتخفيف عبء الميزانية وهاجس التمويل، في انتظار ما ستؤول إليه المشاورات بين الدولة التونسية وصندوق النقد الدولي في الأيام القليلة القادمة..
وفاء بن محمد