- المختص في الشأن الاقتصادي محمد الجراية لـ"الصباح": تراجع الدينار ليس خطيرا.. و "البريكس" ستنهي سيطرة الدولار وستساعد على خلق صندوق عالمي منافسا لصندوق النقد
تونس-الصباح
بعد ان حافظ الدينار التونسي على استقراره أمام العملات الأجنبية المرجعية وعلى صموده النسبي في الآونة الأخيرة، يسجل هذا الشهر تغيرات طفيفة لينزلق أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات بعد ان تجاوز الدولار الواحد عتبة الثلاث دينارات تحديدا 3.003 دينار، حسب المؤشرات النقدية والمالية التي تولى نشرها البنك المركزي التونسي.
وبالرغم من تراجع العملة المحلية في مناسبتين في العشرية الأخيرة، بنسبة اكبر من النسبة الحالية أمام العملات الأجنبية المرجعية الدولار والاورو؛ الأولى خلال سنة 2017 والثانية خلال سنة 2019، إلا أن انزلاقها الأخير أثار جدلا واسعا بين التونسيين تزامنا مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعيش على وقعها البلاد وتحمل معها كل المؤشرات السلبية على مستوى المالية العمومية، بدء بتوسع في العجز التجاري، مرورا بارتفاع نسبة التضخم وتدهور المقدرة الشرائية، وصولا الى عجز الحكومة عن تعبئة تمويلات جديدة ...
وقبل سنة فقط، كان المشهد في سوق الصرف مختلفا تماما حيث عرف سعر صرف الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأجنبية الرئيسية، باستثناء الدولار تراجعا ملحوظا، قفزت قيمة الاورو الواحد وقتها الى 3.286 دينار، في حين عرفت قيمة الدينار مقابل الدولار تحسنا، إذ بالإمكان صرف الأخير وقتها بما يناهز الـ2.730 دينار، وطرحت آنذاك تلك المفارقة العجيبة بين انخفاض وارتفاع للدينار التونسي مقابل أهم عملتين مرجعيتين في العالم عدة نقاط استفهام اختلف المتدخلون في الشأن المالي والاقتصادي في تفسيرها ...
حول حقيقة نسبة انزلاق الدينار أمام واحدة من أهم العملات الأجنبية المرجعية والأسباب والتداعيات المباشرة على المالية العمومية، أفاد المختص في الشأن المالي والاقتصادي محمد الجراية في تصريح لـ "الصباح" بان هذا التراجع لا يمكن ان نصفه بالانزلاق الخطير باعتباره شمل فقط الدولار وبقيت عملتنا مستقرة امام بقية العملات وأبرزها الاورو..
وأضاف الجراية أن هذا التغير يعكس الانتعاشة التي يسجلها الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة في علاقة بكل العملات العالمية، ولا يتعلق الأمر بالعملة المحلية فقط "الدينار"، حسب تعبيره ..
فقبل سنة فقط، عرف الدولار الأمريكي انزلاقا غير مسبوق بنحو 7% من قيمته وذلك راجع بالأساس إلى تداعيات الجائحة الصحية "كورونا" التي ضربت اقتصاد العملة الأمريكية كما كانت التوقعات آنذاك موجهة نحو مزيد انزلاق الدولار وهو ما سرع بإقرار ضخ أكثر من 10 مليارات دولار لاستقطاب المستثمرين والأفراد والصناديق الاستثمارية الكبرى التي راهنت على مزيد نزول الدولار..
الطلب غير المسبوق على الدولار ساهم في انتعاشته
وبين الجراية أن ابرز أسباب التراجع الطفيف والوحيد الذي شمل هذا الشهر الدولار الأمريكي في علاقة بالدينار التونسي هي التغيرات التي تمر بها دول العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث عرف الطلب على الدولار ارتفاعا غير مسبوق في السوق العالمية لتضمن الدول عقود الطاقة من نفط وغاز وعقود الحبوب في منطقة الحرب الدائرة جغرافيا، باعتبار ان العملة الروسية " الروبل" والعملة الصينية "اليان" غير متداولة عالميا..
وأشار المختص في الشأن الاقتصادي في هذا السياق إلى أن روسيا والصين قامت بتخزين مخزون هام من النقد الأمريكي "الدولار" لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بهدف ضمانها لتواصل التعامل على السوق العالمية..
كما ان تدخل الخزينة الأمريكية مؤخرا عن طريق ضخ كميات كبيرة من العملة الأمريكية للمحافظة على القيمة المصرفية للدولار دون الرجوع إلى مخزون الذهب نظرا للطلب الهائل على الدولار، من ابرز الأسباب التي ساهمت في انتعاشة العملة الأمريكية عالميا بنسبة طفيفة. حسب ما أوضحه محدثنا.
ارتفاع تكاليف القروض واستيراد السلع ابرز التداعيات
اما في ما يتعلق بتداعيات تراجع الدينار التونسي امام الدولار الأمريكي على الداخل التونسي على مستوى المالية العمومية، فقد افاد الجراية في ذات التصريح بان أبرزها ارتفاع تكاليف القروض الخارجية بالعملة الأمريكية التي ستقوم بلادنا قريبا بسدادها وكذلك خدمة الدين والآجال السنوية، مضيفا ان عقود استيراد السلع والبضائع واهما الحبوب هي الأخرى سترتفع.
وعرج محدثنا في هذا السياق على أهمية التوجه في حال تواصل تراجع الدينار أمام العملات الأجنبية في قادم الايام الى ابرام عقود داخلية لاقتناء السلع والبضائع خاصة المواد الاولية المتوفرة في السوق التونسية لنتجنب ارتفاع تكاليفها في حال تم استيرادها من الخارج، وكذلك تفاقم التضخم المستورد..
واشار الجراية ان تونس اليوم كغيرها من بلدان العالم تعيش تحت تاثير معركة خارجية بين القوى الاقتصادية العالمية، مبينا ان المشهد بالتأكيد سيتغير قريبا خاصة ان مجموعة "البريكس" التي تضمن البرازيل وروسيا والصين والهند وافريقيا تسعى الى تغييره حسب الاهداف التي رسمتها في برنامجها الذي يعود الى سنة 2018، واهمها اصدار عملة جديدة تكون منافسة للدولار الامريكي لتصبح هذه البلدان لها استقلاليتها على مستوى العملة مما سيخلق توازنا اقتصاديا.
وأشار الجراية في هذا الصدد ان هذه العملة الجديد ستنهي احتكار الدولار على السوق العالمية، مضيفا ان من بين الاهداف ايضا خلق صندوق عالمي للعملة يكون منافسا لصندوق النقد الدولي، لتصبح بالتالي هناك خيارات امام دول العالم التي تطلب تمويلات ..
اما عن الهدف الثالث من بين اهداف "البريكس"فهو يستهدف خلق صناعات جديدة في مجالي التكنولوجيا والاسلحة خاصة بالمعسكر الشرقي تكون منافسة. حسب ما افاد به محدثنا.
تونس وحظوظ تموقعها في المشهد الاقتصادي الجديد
وامام هذه التغيرات التي سيشهدها العالم قريبا، يرى المختص في الشان الاقتصادي في تصريحه لـ "الصباح" انه على الدولة اليوم ان تحسن الاستفادة من هذه التغيرات عن طريق الاقتناص الجيد للفرص من اجل حسن التموقع في المشهد الاقتصادي الجديد..
واكد الجراية في ذات السياق على اهمية الخطاب السياسي وتفعيل الديبلوماسية الاقتصادية من قبل مسؤولي الدولة في اللقاءات والمشاورات القادمة مع نظرائهم من بلدان العالم، منبها من خطورة انحياز تونس لطرف على حساب طرف اخر ونعني هنا في ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية... حسب تعبيره.
وتبقى تونس حذرة من تداعيات التغيرات العالمية على جميع المستويات المالية والاقتصادية خاصة انها اليوم غير قادرة على مواجهة تحديات جديدة قد تفقدها التوازن وهي قادمة على مستحقات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة اهمها الانتخابات التشريعية والمفاوضات مع الجهات المانحة لتعبئة موارد إضافية وزيادات في الأجور ..
وفاء بن محمد
- المختص في الشأن الاقتصادي محمد الجراية لـ"الصباح": تراجع الدينار ليس خطيرا.. و "البريكس" ستنهي سيطرة الدولار وستساعد على خلق صندوق عالمي منافسا لصندوق النقد
تونس-الصباح
بعد ان حافظ الدينار التونسي على استقراره أمام العملات الأجنبية المرجعية وعلى صموده النسبي في الآونة الأخيرة، يسجل هذا الشهر تغيرات طفيفة لينزلق أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات بعد ان تجاوز الدولار الواحد عتبة الثلاث دينارات تحديدا 3.003 دينار، حسب المؤشرات النقدية والمالية التي تولى نشرها البنك المركزي التونسي.
وبالرغم من تراجع العملة المحلية في مناسبتين في العشرية الأخيرة، بنسبة اكبر من النسبة الحالية أمام العملات الأجنبية المرجعية الدولار والاورو؛ الأولى خلال سنة 2017 والثانية خلال سنة 2019، إلا أن انزلاقها الأخير أثار جدلا واسعا بين التونسيين تزامنا مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعيش على وقعها البلاد وتحمل معها كل المؤشرات السلبية على مستوى المالية العمومية، بدء بتوسع في العجز التجاري، مرورا بارتفاع نسبة التضخم وتدهور المقدرة الشرائية، وصولا الى عجز الحكومة عن تعبئة تمويلات جديدة ...
وقبل سنة فقط، كان المشهد في سوق الصرف مختلفا تماما حيث عرف سعر صرف الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأجنبية الرئيسية، باستثناء الدولار تراجعا ملحوظا، قفزت قيمة الاورو الواحد وقتها الى 3.286 دينار، في حين عرفت قيمة الدينار مقابل الدولار تحسنا، إذ بالإمكان صرف الأخير وقتها بما يناهز الـ2.730 دينار، وطرحت آنذاك تلك المفارقة العجيبة بين انخفاض وارتفاع للدينار التونسي مقابل أهم عملتين مرجعيتين في العالم عدة نقاط استفهام اختلف المتدخلون في الشأن المالي والاقتصادي في تفسيرها ...
حول حقيقة نسبة انزلاق الدينار أمام واحدة من أهم العملات الأجنبية المرجعية والأسباب والتداعيات المباشرة على المالية العمومية، أفاد المختص في الشأن المالي والاقتصادي محمد الجراية في تصريح لـ "الصباح" بان هذا التراجع لا يمكن ان نصفه بالانزلاق الخطير باعتباره شمل فقط الدولار وبقيت عملتنا مستقرة امام بقية العملات وأبرزها الاورو..
وأضاف الجراية أن هذا التغير يعكس الانتعاشة التي يسجلها الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة في علاقة بكل العملات العالمية، ولا يتعلق الأمر بالعملة المحلية فقط "الدينار"، حسب تعبيره ..
فقبل سنة فقط، عرف الدولار الأمريكي انزلاقا غير مسبوق بنحو 7% من قيمته وذلك راجع بالأساس إلى تداعيات الجائحة الصحية "كورونا" التي ضربت اقتصاد العملة الأمريكية كما كانت التوقعات آنذاك موجهة نحو مزيد انزلاق الدولار وهو ما سرع بإقرار ضخ أكثر من 10 مليارات دولار لاستقطاب المستثمرين والأفراد والصناديق الاستثمارية الكبرى التي راهنت على مزيد نزول الدولار..
الطلب غير المسبوق على الدولار ساهم في انتعاشته
وبين الجراية أن ابرز أسباب التراجع الطفيف والوحيد الذي شمل هذا الشهر الدولار الأمريكي في علاقة بالدينار التونسي هي التغيرات التي تمر بها دول العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث عرف الطلب على الدولار ارتفاعا غير مسبوق في السوق العالمية لتضمن الدول عقود الطاقة من نفط وغاز وعقود الحبوب في منطقة الحرب الدائرة جغرافيا، باعتبار ان العملة الروسية " الروبل" والعملة الصينية "اليان" غير متداولة عالميا..
وأشار المختص في الشأن الاقتصادي في هذا السياق إلى أن روسيا والصين قامت بتخزين مخزون هام من النقد الأمريكي "الدولار" لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بهدف ضمانها لتواصل التعامل على السوق العالمية..
كما ان تدخل الخزينة الأمريكية مؤخرا عن طريق ضخ كميات كبيرة من العملة الأمريكية للمحافظة على القيمة المصرفية للدولار دون الرجوع إلى مخزون الذهب نظرا للطلب الهائل على الدولار، من ابرز الأسباب التي ساهمت في انتعاشة العملة الأمريكية عالميا بنسبة طفيفة. حسب ما أوضحه محدثنا.
ارتفاع تكاليف القروض واستيراد السلع ابرز التداعيات
اما في ما يتعلق بتداعيات تراجع الدينار التونسي امام الدولار الأمريكي على الداخل التونسي على مستوى المالية العمومية، فقد افاد الجراية في ذات التصريح بان أبرزها ارتفاع تكاليف القروض الخارجية بالعملة الأمريكية التي ستقوم بلادنا قريبا بسدادها وكذلك خدمة الدين والآجال السنوية، مضيفا ان عقود استيراد السلع والبضائع واهما الحبوب هي الأخرى سترتفع.
وعرج محدثنا في هذا السياق على أهمية التوجه في حال تواصل تراجع الدينار أمام العملات الأجنبية في قادم الايام الى ابرام عقود داخلية لاقتناء السلع والبضائع خاصة المواد الاولية المتوفرة في السوق التونسية لنتجنب ارتفاع تكاليفها في حال تم استيرادها من الخارج، وكذلك تفاقم التضخم المستورد..
واشار الجراية ان تونس اليوم كغيرها من بلدان العالم تعيش تحت تاثير معركة خارجية بين القوى الاقتصادية العالمية، مبينا ان المشهد بالتأكيد سيتغير قريبا خاصة ان مجموعة "البريكس" التي تضمن البرازيل وروسيا والصين والهند وافريقيا تسعى الى تغييره حسب الاهداف التي رسمتها في برنامجها الذي يعود الى سنة 2018، واهمها اصدار عملة جديدة تكون منافسة للدولار الامريكي لتصبح هذه البلدان لها استقلاليتها على مستوى العملة مما سيخلق توازنا اقتصاديا.
وأشار الجراية في هذا الصدد ان هذه العملة الجديد ستنهي احتكار الدولار على السوق العالمية، مضيفا ان من بين الاهداف ايضا خلق صندوق عالمي للعملة يكون منافسا لصندوق النقد الدولي، لتصبح بالتالي هناك خيارات امام دول العالم التي تطلب تمويلات ..
اما عن الهدف الثالث من بين اهداف "البريكس"فهو يستهدف خلق صناعات جديدة في مجالي التكنولوجيا والاسلحة خاصة بالمعسكر الشرقي تكون منافسة. حسب ما افاد به محدثنا.
تونس وحظوظ تموقعها في المشهد الاقتصادي الجديد
وامام هذه التغيرات التي سيشهدها العالم قريبا، يرى المختص في الشان الاقتصادي في تصريحه لـ "الصباح" انه على الدولة اليوم ان تحسن الاستفادة من هذه التغيرات عن طريق الاقتناص الجيد للفرص من اجل حسن التموقع في المشهد الاقتصادي الجديد..
واكد الجراية في ذات السياق على اهمية الخطاب السياسي وتفعيل الديبلوماسية الاقتصادية من قبل مسؤولي الدولة في اللقاءات والمشاورات القادمة مع نظرائهم من بلدان العالم، منبها من خطورة انحياز تونس لطرف على حساب طرف اخر ونعني هنا في ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية... حسب تعبيره.
وتبقى تونس حذرة من تداعيات التغيرات العالمية على جميع المستويات المالية والاقتصادية خاصة انها اليوم غير قادرة على مواجهة تحديات جديدة قد تفقدها التوازن وهي قادمة على مستحقات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة اهمها الانتخابات التشريعية والمفاوضات مع الجهات المانحة لتعبئة موارد إضافية وزيادات في الأجور ..