تجد تونس اليوم صعوبات جمّة في الخروج إلى الأسواق الدولية للحصول على قروض بعد التصنيفات السيئة الصادرة عن وكالات التصنيف السيادي، ولم تجد إلى الآن السبيل للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ، ويزداد الامر صعوبة بسبب المخاطر المالية العالية في البلاد ، بالاضافة الى هامش تحرك ضيق من البنك المركزي لتمويل الحكومة بسبب قانونه الاساسي ، مما دفع بمحافظ البنك المركزي في خطابه الاخير من قصر قرطاج الى الحث على مواصلة استئناف كافة القطاعات المصدرة لنشاطها دون انقطاع بما فيها الفسفاط ومشتقاته وزيت الزيتون وانعاش القطاع السياحي.
ونجحت تونس في سنة 2020 من تعبئة موارد مالية لتمويل ميزانية الدولة من خلال توقيع اتفاقية مع 14 مؤسسة بنكية محلية، حصلت على اثرها على قرض مالي بالعملة الأجنبية بقيمة إجمالية في حدود 465 مليون دولار موزّعة بين 150 مليون دولار و260 مليون يورو ، وخصصت هذه القروض لتعبئة موارد لفائدة ميزانية الدّولة في إطار ما تمّ إدراجه في قانون الماليّة لسنة 2021، في ظل صعوبة خروج تونس إلى السوق المالية.
وورد في الاتفاقية المبرمة بين الدولة والبنوك أن فترة سداد القرض ستكون على مدى 5 سنوات (سداد سنوي أو على قسطين متساويين)، ويحل القسط الأول بعد 3 سنوات إمهال، وتكون نسبة الفائدة 2% سنوياً في حال اختيار طريقة سداد سنوي و2.75% في حال اختيار طريقة سداد الأصل على قسطين، وذلك بالنسبة للمبالغ باليورو.
الميزانية تستنزف موارد البنوك المحلية
وكان الرئيس السابق للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية ، أحمد كرم ، قد أقر في تصريح سابق لـ"الصباح"، بصعوبة الاوضاع المالية في تونس ، خاصة في ظل عدم توفر تمويلات خارجية اضافية لميزانية الدولة ، معتبرا ان البنوك التونسية مستمرة في دعم جهود الدولة ، لكن ذلك سيكون على حساب الاستهلاك للأفراد.
وبين كرم انه في ظل غياب قانون تكميلي لميزانية الدولة للسنة الحالية، يكشف عن أوضاع صعبة تمر بها المالية العمومية، وستنعكس سلبا على الوضع الاقتصادي ، ومن الضروري العمل منذ اليوم على ارساء مخطط انعاش واضح يضمن توفير التمويلات الضرورية اللازمة لإنقاذ البلاد.
ويؤكد جل الخبراء ان التصنيف الائتماني لتونس تراجع خلال العام الماضي ومع موفى السنة الحالية ليصل الى مستويات شبيهة بالسيناريو اليوناني واعلان حالة الافلاس، خاصة بعد ان وضعت وكالة موديز تونس قيد المراجعة نحو التخفيض Caa1، وقامت وكالة التصنيف الأمريكية فيتش رايتنغ بمراجعة تصنيف تونس بتخفيضه إلى بي مع آفاق سلبية، بعد ان كان في ذات المستوى مع افاق مستقرة، وهذه المؤشرات تقضي على آفاق تونس مستقبلا في الحصول على قروض جديدة من المؤسسات المالية العالمية، وتزيد من تردد المقرضين أمام الوضعية الاقتصادية الخطيرة التي تعيشها أغلب مؤسسات الدولة.
وتتخوف الأوساط الاقتصادية من إقرار ضرائب جديدة تثقل كاهل المواطنين والشركات وتنذر باحتقان اجتماعي قد يكلف البلاد خسائر لا تقوى على تحملها وتفتح الباب على مصراعيه أمام اضطرابات اجتماعية ستزيد في صعوبة محاولات الانقاذ التي تبدو في الوقت الحالي منعدمة.
الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، كان قد كشف لـ"الصباح" في وقت سابق إن تراجع تصنيف تونس الائتماني 8 مرات منذ سنة 2011، مع ظهور بوادر ازمة مع صندوق النقد الدولي، نتيجة عدم الالتزام بتعهداتها ، سيزيد من صعوبة خروج بلادنا الى الاسواق المالية ، أو حتى مجرد الاقتراض منها بسبب اهتزاز صورتها أمام البنوك العالمية، وتواصل التصنيفات السلبية من أشهر الوكالات العالمية.
ضغوط دولية لدفع الاصلاحات
وأثر عدم التزام تونس بإصلاح المؤسسات العمومية التي أشهرت العشرات منها افلاسها، وعدم الضغط على الأجور المتضخمة موفى 2020، وتوجيه القروض الخارجية نحو سداد الأجور ونفقات التسيير بدلا من الاستثمار، في التصنيف الائتماني للبلاد لدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية ، وأصبح الامر يستدعي عودة تونس الى العمل على رفع تصنيفها الائتماني عالميا حتى تتمكن من جلب الاستثمارات، وهي عملية تبدو صعبة في الوقت الراهن ، فكلما تضاعفت المدة دون اصلاحات زاد الخطر على عدم قدرة البلاد الحصول على موارد مالية لسد العجز في الميزانية الحالية .
ورغم توجه تونس هذا العام نحو اصدار سندات بقيمة ناهزت 3 مليارات دولار فإن تراجع قيمتها السوقية في الآونة الاخيرة ، زاد في مأزق الموارد المالية للدولة، واثر سلبا مستقبلا على جلب الاستثمارات ، خصوصا وان التقارير الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني العالمية ، تحول دون استقطاب رؤوس الاموال الاجنبية.
التعاون الثنائي حل وقتي
وفي ظل عجز مالي بلغ 9 في المائة خلال العام الحالي حسب ما اكده محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ودين عام تجاوز 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كتلة الاجور الى أكثر من 20 مليار دينار هذا العام، من إجمالي ميزانية البلاد البالغة 52 مليار دينار ، فإن الوضع أصبح صعبا للغاية، ويحتاج الى حلول عملية وفورية ، علما وان تونس تحتاج خلال ما تبقى من العام الى قرابة 3 مليار دولار لسداد عجز الميزانية، وهو أعلى مستوى بلغته تونس منذ عقد من الزمن.
وامام الصعوبات التي تواجهها تونس في الاسابيع الاخيرة ، بقي هامش المناورة ضئيلا لتحصيل الموارد المالية المطلوبة ، واقتصر على التعاون الثنائي بين الدول وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية ، وآخرها زيارة رئيسة الحكومة نجلاء بودن الى السعودية، والتي لم تسفر الى الآن عن اي تعاون فعلي من الجانب السعودي، ونفس الامر بالنسبة للجزائر، علما وان الحل الاخير لضمان سداد عجز الميزانية للسنة الحالية يكمن في الاقتراض من الدول الشقيقة بنسبة فائدة مقبولة، عكس الصناديق الدولية التي تحجم عن اقراض تونس في الوقت الراهن بسبب تدني ترقيمها السيادي ، بالاضافة الى الرفع من نسب الفائدة للقروض الممولة الى اكثر من 12 بالمائة.
وامام هذه الوضعية الحرجة ، تحتاج تونس الى التعويل على مواردها الذاتية من خلال الترفيع في حجم الصادرات ودفع الانتاج في قطاعي المحروقات والفسفاط ، والرفع من الايرادات السياحية، بالاضافة الى البحث عن موارد مالية اضافية في شكل قروض ثنائية في اطار التعاون الدولي ، ومن الوارد أن تجد تونس نفسها غير قادرة على صرف الأجور، وايضا لا تجد المال لشراء الأدوية واقتناء المواد الأولية التي تستحقها، وهذا في حد ذاته سيناريو خطير، في حال فشلت جميع الجهود في اطار التعاون الثنائي بين الدول.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
تجد تونس اليوم صعوبات جمّة في الخروج إلى الأسواق الدولية للحصول على قروض بعد التصنيفات السيئة الصادرة عن وكالات التصنيف السيادي، ولم تجد إلى الآن السبيل للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ، ويزداد الامر صعوبة بسبب المخاطر المالية العالية في البلاد ، بالاضافة الى هامش تحرك ضيق من البنك المركزي لتمويل الحكومة بسبب قانونه الاساسي ، مما دفع بمحافظ البنك المركزي في خطابه الاخير من قصر قرطاج الى الحث على مواصلة استئناف كافة القطاعات المصدرة لنشاطها دون انقطاع بما فيها الفسفاط ومشتقاته وزيت الزيتون وانعاش القطاع السياحي.
ونجحت تونس في سنة 2020 من تعبئة موارد مالية لتمويل ميزانية الدولة من خلال توقيع اتفاقية مع 14 مؤسسة بنكية محلية، حصلت على اثرها على قرض مالي بالعملة الأجنبية بقيمة إجمالية في حدود 465 مليون دولار موزّعة بين 150 مليون دولار و260 مليون يورو ، وخصصت هذه القروض لتعبئة موارد لفائدة ميزانية الدّولة في إطار ما تمّ إدراجه في قانون الماليّة لسنة 2021، في ظل صعوبة خروج تونس إلى السوق المالية.
وورد في الاتفاقية المبرمة بين الدولة والبنوك أن فترة سداد القرض ستكون على مدى 5 سنوات (سداد سنوي أو على قسطين متساويين)، ويحل القسط الأول بعد 3 سنوات إمهال، وتكون نسبة الفائدة 2% سنوياً في حال اختيار طريقة سداد سنوي و2.75% في حال اختيار طريقة سداد الأصل على قسطين، وذلك بالنسبة للمبالغ باليورو.
الميزانية تستنزف موارد البنوك المحلية
وكان الرئيس السابق للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية ، أحمد كرم ، قد أقر في تصريح سابق لـ"الصباح"، بصعوبة الاوضاع المالية في تونس ، خاصة في ظل عدم توفر تمويلات خارجية اضافية لميزانية الدولة ، معتبرا ان البنوك التونسية مستمرة في دعم جهود الدولة ، لكن ذلك سيكون على حساب الاستهلاك للأفراد.
وبين كرم انه في ظل غياب قانون تكميلي لميزانية الدولة للسنة الحالية، يكشف عن أوضاع صعبة تمر بها المالية العمومية، وستنعكس سلبا على الوضع الاقتصادي ، ومن الضروري العمل منذ اليوم على ارساء مخطط انعاش واضح يضمن توفير التمويلات الضرورية اللازمة لإنقاذ البلاد.
ويؤكد جل الخبراء ان التصنيف الائتماني لتونس تراجع خلال العام الماضي ومع موفى السنة الحالية ليصل الى مستويات شبيهة بالسيناريو اليوناني واعلان حالة الافلاس، خاصة بعد ان وضعت وكالة موديز تونس قيد المراجعة نحو التخفيض Caa1، وقامت وكالة التصنيف الأمريكية فيتش رايتنغ بمراجعة تصنيف تونس بتخفيضه إلى بي مع آفاق سلبية، بعد ان كان في ذات المستوى مع افاق مستقرة، وهذه المؤشرات تقضي على آفاق تونس مستقبلا في الحصول على قروض جديدة من المؤسسات المالية العالمية، وتزيد من تردد المقرضين أمام الوضعية الاقتصادية الخطيرة التي تعيشها أغلب مؤسسات الدولة.
وتتخوف الأوساط الاقتصادية من إقرار ضرائب جديدة تثقل كاهل المواطنين والشركات وتنذر باحتقان اجتماعي قد يكلف البلاد خسائر لا تقوى على تحملها وتفتح الباب على مصراعيه أمام اضطرابات اجتماعية ستزيد في صعوبة محاولات الانقاذ التي تبدو في الوقت الحالي منعدمة.
الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، كان قد كشف لـ"الصباح" في وقت سابق إن تراجع تصنيف تونس الائتماني 8 مرات منذ سنة 2011، مع ظهور بوادر ازمة مع صندوق النقد الدولي، نتيجة عدم الالتزام بتعهداتها ، سيزيد من صعوبة خروج بلادنا الى الاسواق المالية ، أو حتى مجرد الاقتراض منها بسبب اهتزاز صورتها أمام البنوك العالمية، وتواصل التصنيفات السلبية من أشهر الوكالات العالمية.
ضغوط دولية لدفع الاصلاحات
وأثر عدم التزام تونس بإصلاح المؤسسات العمومية التي أشهرت العشرات منها افلاسها، وعدم الضغط على الأجور المتضخمة موفى 2020، وتوجيه القروض الخارجية نحو سداد الأجور ونفقات التسيير بدلا من الاستثمار، في التصنيف الائتماني للبلاد لدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية ، وأصبح الامر يستدعي عودة تونس الى العمل على رفع تصنيفها الائتماني عالميا حتى تتمكن من جلب الاستثمارات، وهي عملية تبدو صعبة في الوقت الراهن ، فكلما تضاعفت المدة دون اصلاحات زاد الخطر على عدم قدرة البلاد الحصول على موارد مالية لسد العجز في الميزانية الحالية .
ورغم توجه تونس هذا العام نحو اصدار سندات بقيمة ناهزت 3 مليارات دولار فإن تراجع قيمتها السوقية في الآونة الاخيرة ، زاد في مأزق الموارد المالية للدولة، واثر سلبا مستقبلا على جلب الاستثمارات ، خصوصا وان التقارير الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني العالمية ، تحول دون استقطاب رؤوس الاموال الاجنبية.
التعاون الثنائي حل وقتي
وفي ظل عجز مالي بلغ 9 في المائة خلال العام الحالي حسب ما اكده محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ودين عام تجاوز 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كتلة الاجور الى أكثر من 20 مليار دينار هذا العام، من إجمالي ميزانية البلاد البالغة 52 مليار دينار ، فإن الوضع أصبح صعبا للغاية، ويحتاج الى حلول عملية وفورية ، علما وان تونس تحتاج خلال ما تبقى من العام الى قرابة 3 مليار دولار لسداد عجز الميزانية، وهو أعلى مستوى بلغته تونس منذ عقد من الزمن.
وامام الصعوبات التي تواجهها تونس في الاسابيع الاخيرة ، بقي هامش المناورة ضئيلا لتحصيل الموارد المالية المطلوبة ، واقتصر على التعاون الثنائي بين الدول وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية ، وآخرها زيارة رئيسة الحكومة نجلاء بودن الى السعودية، والتي لم تسفر الى الآن عن اي تعاون فعلي من الجانب السعودي، ونفس الامر بالنسبة للجزائر، علما وان الحل الاخير لضمان سداد عجز الميزانية للسنة الحالية يكمن في الاقتراض من الدول الشقيقة بنسبة فائدة مقبولة، عكس الصناديق الدولية التي تحجم عن اقراض تونس في الوقت الراهن بسبب تدني ترقيمها السيادي ، بالاضافة الى الرفع من نسب الفائدة للقروض الممولة الى اكثر من 12 بالمائة.
وامام هذه الوضعية الحرجة ، تحتاج تونس الى التعويل على مواردها الذاتية من خلال الترفيع في حجم الصادرات ودفع الانتاج في قطاعي المحروقات والفسفاط ، والرفع من الايرادات السياحية، بالاضافة الى البحث عن موارد مالية اضافية في شكل قروض ثنائية في اطار التعاون الدولي ، ومن الوارد أن تجد تونس نفسها غير قادرة على صرف الأجور، وايضا لا تجد المال لشراء الأدوية واقتناء المواد الأولية التي تستحقها، وهذا في حد ذاته سيناريو خطير، في حال فشلت جميع الجهود في اطار التعاون الثنائي بين الدول.