تونس- الصباح
حذر خبراء المناخ ، مؤخرا، خلال ورشة عمل بالعاصمة من مخاطر التغييرات المناخية على الزراعة والسياحة مستقبلا ، داعين الى ضرورة العمل منذ اليوم على وضع الخطط والاستراتيجيات المناسبة لتلافي أزمة تقلص المساحات المخصصة لزراعة القمح في تونس بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2050 ، نتيجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة الى تراجع مخزون المياه وتعرض السواحل التونسية لخطر الانجراف ، مما يهدد القطاع السياحي برمته.
وبدات تونس تشهد فعلا أضرارا فادحة في القطاع الزراعي خلال الموسم 2017 / 2018 نتيجة التقلبات المناخية، وقدر مسؤولون في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الخسائر بنحو 200 مليون دينار أي قرابة 71.3 مليون دولار، كما تسببت الكوارث وفترات الجفاف في تلك السنوات في تراكم الديون المتراكمة على المزارعين، التي بلغت قيمتها في 2017 نحو 423.8 مليون دولار".
ارتفاع ديون الفلاحين
وحسب محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، بلغت متخلدات القطاع الفلاحي 800.5 مليون دينار سنة 2020 ، وارتفع عدد الفلاحين المديونين الى 25 ألفا ، وهي الاعلى في قطاع يعيش أزمة حتى قبل ظهور جائحة كوفيد-19.
وكشف العباسي، خلال مشاركته، في جلسة عن بعد مع لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات مطلع شهر مارس الماضي ، ان حصة القروض الفلاحية تمثل 2, 4 بالمائة من اجمالي القروض المهنية في حين تمثل 1, 26 بالمائة من المتخلدات ، مشيرا الى ان المديونية في القطاع الفلاحي وصلت الى مستوى مرتفع حتى بالمقارنة مع عدد من دول العالم، مضيفا ان القروض المباشرة وغير المباشرة بلغت مع موفي ديسمبر 2020 زهاء 7165 مليون دينار أي حوالي 10 بالمائة من اجمالي القروض المهنية .
وكشف اتحاد الفلاحة ، مؤخرا ،أن موسم الحبوب بات مهداد منذ بداية البذر بعد ان تراجعت المساحات المبذورة الى قرابة 20 بالمائة (نحو 200 الف هك)، كما ان النقص في مادتي ثاني امونيوم الفسفاط والامونيتر، تسبب في تراجع الانتاج الى 8 ملايين قنطار من الحبوب، والتي لن تغطي سوى 25 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، الامر الذي سيدفع الحكومة الى استيراد 75 بالمائة من الحبوب بالعملة الصعبة في ظل الازمة الصحية الحرجة التي تعيشها البلاد والوضع الاقتصادي الخطير.
تونس بلا امكانيات أمام خطر داهم
وأعلن خبراء المناخ، مؤخرا ، أن تونس من أكثر الدول تعرضا للتداعيات السلبية للتغير المناخي ، نظرا لموقعها الجغرافي وعضويتها لمجموعة الدول التي لا تملك قدرات كبيرة على مواجهة هذه الظاهرة، مشددين على ان تونس "ستتأثر معظم أنشطتها الزراعية والسياحية بشكل أساسي بسبب التداعيات الناجمة عن تغير المناخ وستتأثر المناطق الساحلية بارتفاع منسوب مياه البحر بمقدار 30 و 50 صم بحلول عام 2050".
كما أعلن مجموعة من الخبراء الدوليين ، في ورشة عمل عقدت مؤخرا في العاصمة لتقديم التقرير السادس حول تقييم تأثير تغير المناخ ، ان عدد من المناطق في الجزر والمدن الساحلية المطلة على البحر ، مثل قرقنة وجربة والمدن الشمالية الشرقية ، حيث توجد معظم المرافق الاقتصادية والسياحية وآلاف التجمعات السكنية ، اصبحت مهددة بخطر الانجراف .
وشدد الخبراء على ضرورة انخراط تونس ضمن قائمة الدول لمواجهة تداعيات تغير المناخ ، من خلال الإسراع في تطوير المشاريع القادرة على التعامل مع هذه الظاهرة ، بالإضافة إلى تفعيل محتوى دراسات تتضمن مقترحات وحلول من شأنها أن تخفف التداعيات الخطيرة التي تهدد البلاد.
وتشير الدراسات الرسمية إلى أن تونس تعاني من عجز سنوي في المياه يبلغ 275 مليون متر مكعب ، باستهلاك سنوي يقدر بـ 4845 مليون متر مكعب ، بينما تبلغ مواردها المائية 4503 مليون متر مكعب ، ويعد القطاع الزراعي اكثر القطاعات استهلاكا للمياه ، حيث تبلغ 3600 مليون متر مكعب ، ويتطلب تغير المناخ ، تحولا في أنواع المحاصيل في المناطق الزراعية ، خاصة وأن تغير المناخ سيقلص المساحة المخصصة لزراعة القمح في تونس بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2050.
انتاج زيت الزيتون سيتراجع
كما تشير توقعات وزارة البيئة والتنمية المستديمة أن معدلات الأمطار السنوية ستنخفض بنسبة تتراوح بين 10% بالشمال الغربي و30% بأقصى جنوب البلاد مع حلول سنة 2050 ، وبات تأثير تغير المناخ على الموارد المائية والنظم البيئية والفلاحية (انتاج زيت الزيتون، الأشجار المثمرة، تربية الماشية، الزراعات البعلية) أمرا ملموسا، وسيرفع من حجم الضغوطات على الفلاحين خصوصا أنّ بعض الأنشطة الفلاحية قد لا يمكن لها في المستقبل ان تتأقلم مع الظواهر القصوى للتغيرات المناخية.
ولا تقف تهديدات التغيرات المناخية عند هذا الحد ، فحسب دراسة أعدتها الهيئة الدولية لخبراء المناخ، فإن مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن ان تتعرض الى انجراف بحري ونقص في الخصوبة بدلتا وادي مجردة ، علاوة على إمكانية تعرض منطقة خليج الحمامات الى انجراف بحري على مساحة جملية تناهز 1900 هكتار.
وبحسب أرقام وزارة الفلاحة، تسجل تونس عجزا سنويا يقدر ب 275 مليون متر مكعب، بينما تبلغ مواردها المائية نحو 4503 مليون متر مكعب وذلك نتيجة ارتفاع نسق الاستهلاك وتراجع منسوب المياه المخزنة.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأخضر قد بدأت في نهاية عام 2014، وتهدف إلى استكشاف إمكانيات تطوير الأنشطة الاقتصادية الحالية وتركيز الأنشطة الخضراء الجديدة في العديد من المجالات ، بما في ذلك على وجه الخصوص الزراعة العضوية ، السياحة البيئية ، البنية التحتية المستدامة ، المباني الخضراء ، الصناعات الخضراء ، الطاقة المتجددة ، الحفاظ على المياه ، إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والتخلص المتكامل من النفايات. وتستند هذه الأنشطة بشكل أساسي إلى الخيارات القائمة على التقنيات الجديدة للحد من معدلات التلوث والاعتماد على الطاقة والغذاء ، وحماية البيئة والمساهمة في النمو الاقتصادي الشامل والمتوازن الذي يسمح بخلق فرص عمل إضافية. ومع ذلك ، يشدد خبراء المناخ على اعتماد خطة عمل للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر في تونس من أجل تنفيذ الجوانب القانونية والتنظيمية ، والحوكمة ، وخاصة التمويل.
تمشي يضمن الازدهار الاقتصادي
حتى الآن ، نجحت الدولة التونسية فقط في وضع حلول قصيرة المدى ، ومواردها تعتمد بشكل أساسي على عائدات التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي، وتستورد الكثير من طاقتها ومنتجاتها الغذائية بسبب عدم السيادة في هذا المجال ، وتستورد أيضًا الكثير من المنتجات ذات القيمة المضافة العالية لتشغيل صناعاتها ، وهناك عدة رؤى استراتيجية تم صياغتها في مجال الطاقة الخضراء قد تحول تونس الى مركز لهذه الطاقة فهي تزخر بالسواحل البحرية الهامة وتتمتع بمناخ حار يسمح بتخزين الطاقة وتصديرها، كما يمكن الاستفادة من خطة الهيدروجين النظيفة التي أطلقتها أوروبا ورصدت لها اموال ضخمة، وذلك من خلال تبني محرك اقتصادي جديد يعتمد أساسًا على لبنة تكنولوجية جديدة وطاقات متجددة تسمح بالقضاء نهائيا على انبعاثات غاز الكربون.
سفيان المهداوي