رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة لـ"الصباح": افلاس أكثر من 75 ألف مؤسسة صغرى ومتوسطة وفقدان 200 ألف موطن شغل بسبب الأزمة الصحية
افاد رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة شاكر المشرقي، أمس في تصريح لـ"الصباح"
أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعيش اليوم ازمة خانقة عمقتها جائحة كورونا ، حيث بلغ عدد المؤسسات التي أفلست وفق الجامعة أكثر من 75 ألف مؤسسة من مجموع قرابة 750 ألف مؤسسة ، وهو رقم مفزع يعكس مدى تأثير جائحة كوفيد-19 على هذه المؤسسات التي تعد الشريان الحيوي للاقتصاد الوطني.
وحمل شاكر المشرقي الحكومات المتعاقبة مسؤولية الازمة التي يعيشها أهل القطاع، بالاضافة الى عدم اتخاذ البنك التونسي للتضامن والمؤسسات المالية الخاصة اجراءات ناجعة وميسرة لفائدة المهنيين وأصحاب المؤسسات خلال أزمة "كورونا"، لافتا الى ان آلاف المؤسسات الصغرى والمتوسطة المتبقية تعيش أزمة مالية خانقة ، تزامنا مع قرارات وزارة التجارة المتخذة بعد تاريخ 25 جويلية الماضي بتثبيت هامش الربح في حدود 10 بالمائة ، وهو بالكاد يغطي مصاريف المواد الاولية التي تشهد أسعارها ارتفاعا مشطا نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات ، مشيرا الى ان جزء كبير من ارتفاع الاسعار تتحمله المؤسسات الكبرى.
ودعا رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة شاكر المشرقي، رئاسة الجمهورية، الى ايلاء ملف المؤسسات الصغرى والمتوسطة الاهمية القصوى ، في ظل غياب أي حكومة حالية تستمع الى مشاغل أهل القطاع، وذلك من خلال تمتيعها بإجراءات استثنائية في تسديد فواتيرها من استهلاك الكهرباء، وأيضا، من حيث تسديد بعض القروض البسيطة التي وظفت لها نسب فائدة مشطة من قبل البنوك ، ارهقت اصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ودفعت بالبعض الى الغلق القهري واعلان حالة الافلاس.
وبين شاكر المشرقي ، ان أزمة "كورونا" ألحقت خسائر فادحة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة مع تواصل الضغط عليها من خلال تسديد الضرائب الجبائية والبنكية ، الامر الذي حال دون تقدمها، وتسبب ذلك في الزج بالعشرات في السجن بسبب قضايا شيكات دون رصيد، في حين اضطر الآلاف الى غلق مؤسساتهم.
وكشف رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة ، ان وضعية المؤسسات التونسية تعاني اليوم من فقدان المساعدات المالية الفورية، وان وجدت وعلى سبيل المثال الهبة الألمانية الاخيرة، كانت بشروط قاسية وتمتعت بها بعض المؤسسات التي لا تعاني أزمات حادة.
وضعية المؤسسات صعبة للغاية
وحذر المشرقي من فقدان آلاف مواطن الشغل ، مستقبلا بسبب تفاقم ديون المؤسسات ، مشددا على ضرورة العمل على تمتيع كافة المؤسسات الصغرى والمتوسطة بإجراءات استثنائية فورية ، اهمها جدولة ديونها مع البنوك وخاصة البنك التونسي للتضامن واعفاء المؤسسات التي تعاني من ازمة سيولة مالية خانقة من الدفع او تسديد ديونها بنكية مع فترة امهال تتناسب مع الوضعية الحرجة التي تمر بها هذه المؤسسات.
ووصف المشرقي وضعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، الحالية بـ"الكارثية" ، مطالبا كافة السلطات بالتدخل لإنقاذها قبل ان تعصف الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الآونة الاخيرة بآلاف مواطن الشغل، لافتا الى ضرورة وضع خطة انقاذ طارئة لهذه المؤسسات في اقرب الآجال.
ويطالب أهل القطاع بالتدخل العاجل للدولة لتقديم المساعدة المالية لهذه الشركات والبحث عن خطط ناجعة لإنقاذ ما تبقى من هذه المؤسسات التي تسببت في فقدان اكثر من 200 الف موطن شغل منذ بداية جائحة كورونا في مارس من سنة 2020.
وأظهرت نتائج مسح حديث شمل 248 شركة في قطاع النسيج والملابس ، تحصلت "الصباح" على نسخة منه، عن تراجع نشاط بعض الشركات بفعل جائحة كوفيد-19، وتوقف 40.3٪ من الشركات عن الإنتاج، بينما استمرّ 11.3٪ في إنتاج الملابس و 40.7٪ اضطروا الى تكييف منتجاتهم عبر إنتاج لوازم الحماية المهنية، في حين قدرت كتلة الاجور غير المدفوعة بسبب الازمة بـ 32٪.
وشملت الدراسة 248 شركة موزعة على 9 مناطق و7 قطاعات إنتاجية ، واستهدفت مختلف الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة مقسمة حسب 3 أنظمة (البيع في السوق المحلي، التصدير الجزئي والتصدير الكلي)، واستنتجت الدراسة ان غالبية الشركات عرفت تراجعا لنشاطها، وأجبرت بعضها على تغيير أنشطتها ، كما أظهرت الدراسة عن مشاكل تعلقت بزيادة المخزون ، واختلال التدفق النقدي ، ودفع الأجور، واشتراكات الضمان الاجتماعي ، مبرزة ان الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة السابقة غير كافية ودون انتظارات مختلف الأطراف المتداخلة.
خطة طارئة لإنعاش القطاع
كما كشفت الدراسة عن فرص لدفع التآزر بين الشركات ، وإدارة المخاطر بأكثر كفاءة ،وتطوير الرقمنة، والترويج للمنتوجات التونسية ، معتمدة على خطة الإنعاش تتضمن 5 محاور استراتيجية ، على رأسها حل مشاكل السيولة، والحرص على إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، وتعزيز الموارد الداخلية عبر الرقمنة والتكوين ، وتنمية الانسجام بين المؤسسات، وتعزيز إنتاجية المؤسسات على المستوى المحلي خاصة وأنها تواجه مشكلة التجارة الموازية، بالاضافة الى العمل على تعزيز إدماج القطاع القيمة المضافة وطاقة التصدير بما يحسّن صورة تونس في الخارج.
وكشف عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بشير بوجدي ، في تصريح سابق لـ"الصباح" ، عن اغلاق قرابة 30 ٪ بالمائة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة منذ بداية جائحة كوفيد-19 و 25 ٪ على وشك الافلاس، في حين تصارع البقية من أجل الاستمرار، ملمحا ألى أنه مع حلول سنة 2022، سترتفع نسبة المؤسسات التي ستغلق نهائيا الى نحو 60 ٪ في حال لم تبادر الحكومة الى وضع خطة طارئة لإنقاذ ما تبقى من المؤسسات الصناعية والتجارية.
وحذر بوجدي من خسارة المئات من المؤسسات الصغرى والمتوسطة مع موفى السنة الحالية، والتي أصبحت غير قادرة على سداد ديونها الخارجية والبنكية ، ووصل العجز حد عدم قدرة بعض المؤسسات على خلاص فواتيرها من استهلاك الكهرباء، مبرزا انه رغم تطمينات الحكومة وتصريحات المسؤولين ، فإن منظمة الاعراف لا تلمس اي إجراءات عملية على أرض الواقع لإنقاذ المؤسسات من الافلاس بالاضافة الى مواطن شغل الآلاف.
وأكّد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ،أنّ القطاع الخاص خسر مئات المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، كما خسر الى حد اليوم 200 ألف موطن شغل منذ بداية الموجة لفيروس كورونا بالبلاد ، وسجلت جميع المؤسسات الصناعية والتجارية تراجعا في رقم معاملاتها ولم تعد قادرة على الايفاء بالتزاماتها ، معتبرا ان كلفة الاجور البالغة في جل المؤسسات أكثر من 20 ٪ واحتياجاتها المقدرة بأكثر من 25٪ يقابله رقم معاملات لا يتجاوز 10 ٪، هذا دون احتساب نسبة 20 ٪ التزاماتها بدفع الاداءات.
واستنكر أصحاب المؤسسات عدم تطبيق القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة السابقة، والتي استبشر بها اهل القطاع، وكانت مشجعة على غرار جدولة الديون وتأجيل الاقساط البنكية والأداءات والتي لم يتم تفعيلها، وما تمّ دون المأمول، ولا يلبي مطلقا حاجيات المؤسسات في الفترة المقبلة، خاصة في ظل تواصل الازمة الصحية بالبلاد، والتي عمقت من أزمة المؤسسات الصغرى والمتوسطة".
جدولة الديون لفترات طويلة
ويطالب عدد من اصحاب المؤسسات اليوم، بضرورة العمل على تفعيل الاجراءات المتعلقة بجدولة ديون المؤسسات لفترات تمتد لاكثر من 7 سنوات ، وذلك في خطوة طارئة لإنقاذها على المدى القصير، واعفاء جميع المؤسسات من الضرائب المسلطة عليها، ودعمها بقروض بنكية طويلة المدى، علما وان هذه الدعوات لم تلق تجاوبا كبيرا من السلطات، التي اقتصرت تدخلاتها على تنفيذ اجراءات جزئية تتعلق بتأجيل سداد بعض القروض البنكية للمؤسسات لفترات قصيرة، الامر الذي دفع بالمئات من المؤسسات الصغرى الى اعلان حالة الافلاس ، خلال فترة قصيرة.
وتسببت الازمة الحالية التي عمقتها الجائحة الصحية في فقدان جل المؤسسات الوطنية للأسواق المحلية لفائدة الشركات الاجنبية ، ورفعت من حجم خسائرها وقلصت من ايراداتها ومخزونها الاستراتيجي ، وأجبرت البعض على اتخاذ اجراءات الغلق ، في حين بقيت بعض المؤسسات في حالة جمود بالنظر الى كلفة اجراءات الغلق.
وتشير الأرقام الرسمية أن نسبة الانكماش الاقتصادي التي تسبب بها فيروس كورونا خلال سنة 2020 بلغت 8.8 بالمائة وتواصلت نسبة الانكماش منذ بداية سنة 2021 والى غاية اليوم لتبلغ 3 بالمائة وسط توقعات بأن تتجاوز نسبة البطالة 18 في المائة، موفى العام الحالي ، ما يرفع من حجم المسرحين من المؤسسات.
وقدرت منظمة الأعراف أن الموجة الأولى لوباء كوفيد-19 في البلاد تسببت في خسارة حوالي 165 ألف موطن شغل، منبهة الى تواصل تداعيات الأزمة الاقتصادية مع عودة الفيروس للانتشار من جديد ، لترتفع نسبة المسرحين مع بداية 2021 الى أكثر من 200 ألف.
الأزمة انطلقت منذ 2005
وبلغ حجم الخسائر التي سببها فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني ، وفق ما كشفت عنه مصادر رسمية حكومية، موفى سنة 2020 ، حوالي 8 آلاف مليار دينار اي نحو 2.8 ألف مليار دولار أمريكي، وهي خسائر لم تشهدها تونس في تاريخها ، وتسببت في أزمة مالية واقتصادية في البلاد، ودفعت بخبراء الاقتصاد، الى الاقرار ان أزمة "كورونا" ستظهر تبعاتها على الاقتصاد الوطني في أفق سنتي 2022 و2023.
وحسب المسؤولين في وزارة الصناعة ، فان جل المؤسسات الصغرى والمتوسطة تمر اليوم بأزمات مالية حادة نتيجة جائحة كوفيد-19 التي تسببت في تراجع أنشطة هذه المؤسسات الى مستويات "كارثية" وتركتها في وضعية متردية جدا، معتبرين ان الاجراءات المتخذة في الوقت الحالي غير كافية لإنقاذها.
وبدأت جل المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس، تشهد صعوبات جمة ، منذ سنة 2005 وازدادت حدتها بداية من 2011، واغلقت قرابة 4319 مؤسسة تونسية أبوابها بين سنوات 2005 و2016 ، وتسببت في فقدان أكثر من 250 ألف موطن شغل وفق دراسة حديثة أنجزتها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد خلال سنة 2018 ، منها 380 مؤسسة في قطاع النسيج والملابس.
ومن الاسباب الناجمة عن افلاس هذه المؤسسات ، نجد في المقام الاول الارتفاع المشط في نسبة الفائدة المديرية بعد سنة 2011، وتنامي السوق الموازية، وانهيار الدينار، وارتفاع التضخم، وتنامي الفساد في جل القطاعات، لتنضاف اليها أزمة كوفيد-19 والتي تسببت في شلل تام لهذه المؤسسات.
ويستغرب أهل القطاع تباطؤ الحكومة في معالجة ملفات هذه المؤسسات وتمكينها من التمويلات اللازمة، معتبرين ان المستفيد الاكبر من هذه الازمة هي البنوك، التي ستضاعف من اجراءات حصولها على مرابيح نتيجة اعادة جدولة ديون هذه المؤسسات واستخلاص نسب فائدة مربحة مقابل تأجيل سداد القروض السابقة.
وخلصت عدة تقارير رسمية صادرة عن دوائر حكومية، أن جل المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعاني اليوم الاقصاء من التمويلات البنكية رغم بعض الاجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة لفائدتها والتي تعد ظرفية ولا ترتقي الى انتظارات العاملين فيها لدفعها من جديد في الدورة الاقتصادية.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
افاد رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة شاكر المشرقي، أمس في تصريح لـ"الصباح"
أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعيش اليوم ازمة خانقة عمقتها جائحة كورونا ، حيث بلغ عدد المؤسسات التي أفلست وفق الجامعة أكثر من 75 ألف مؤسسة من مجموع قرابة 750 ألف مؤسسة ، وهو رقم مفزع يعكس مدى تأثير جائحة كوفيد-19 على هذه المؤسسات التي تعد الشريان الحيوي للاقتصاد الوطني.
وحمل شاكر المشرقي الحكومات المتعاقبة مسؤولية الازمة التي يعيشها أهل القطاع، بالاضافة الى عدم اتخاذ البنك التونسي للتضامن والمؤسسات المالية الخاصة اجراءات ناجعة وميسرة لفائدة المهنيين وأصحاب المؤسسات خلال أزمة "كورونا"، لافتا الى ان آلاف المؤسسات الصغرى والمتوسطة المتبقية تعيش أزمة مالية خانقة ، تزامنا مع قرارات وزارة التجارة المتخذة بعد تاريخ 25 جويلية الماضي بتثبيت هامش الربح في حدود 10 بالمائة ، وهو بالكاد يغطي مصاريف المواد الاولية التي تشهد أسعارها ارتفاعا مشطا نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات ، مشيرا الى ان جزء كبير من ارتفاع الاسعار تتحمله المؤسسات الكبرى.
ودعا رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة شاكر المشرقي، رئاسة الجمهورية، الى ايلاء ملف المؤسسات الصغرى والمتوسطة الاهمية القصوى ، في ظل غياب أي حكومة حالية تستمع الى مشاغل أهل القطاع، وذلك من خلال تمتيعها بإجراءات استثنائية في تسديد فواتيرها من استهلاك الكهرباء، وأيضا، من حيث تسديد بعض القروض البسيطة التي وظفت لها نسب فائدة مشطة من قبل البنوك ، ارهقت اصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ودفعت بالبعض الى الغلق القهري واعلان حالة الافلاس.
وبين شاكر المشرقي ، ان أزمة "كورونا" ألحقت خسائر فادحة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة مع تواصل الضغط عليها من خلال تسديد الضرائب الجبائية والبنكية ، الامر الذي حال دون تقدمها، وتسبب ذلك في الزج بالعشرات في السجن بسبب قضايا شيكات دون رصيد، في حين اضطر الآلاف الى غلق مؤسساتهم.
وكشف رئيس الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة ، ان وضعية المؤسسات التونسية تعاني اليوم من فقدان المساعدات المالية الفورية، وان وجدت وعلى سبيل المثال الهبة الألمانية الاخيرة، كانت بشروط قاسية وتمتعت بها بعض المؤسسات التي لا تعاني أزمات حادة.
وضعية المؤسسات صعبة للغاية
وحذر المشرقي من فقدان آلاف مواطن الشغل ، مستقبلا بسبب تفاقم ديون المؤسسات ، مشددا على ضرورة العمل على تمتيع كافة المؤسسات الصغرى والمتوسطة بإجراءات استثنائية فورية ، اهمها جدولة ديونها مع البنوك وخاصة البنك التونسي للتضامن واعفاء المؤسسات التي تعاني من ازمة سيولة مالية خانقة من الدفع او تسديد ديونها بنكية مع فترة امهال تتناسب مع الوضعية الحرجة التي تمر بها هذه المؤسسات.
ووصف المشرقي وضعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، الحالية بـ"الكارثية" ، مطالبا كافة السلطات بالتدخل لإنقاذها قبل ان تعصف الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الآونة الاخيرة بآلاف مواطن الشغل، لافتا الى ضرورة وضع خطة انقاذ طارئة لهذه المؤسسات في اقرب الآجال.
ويطالب أهل القطاع بالتدخل العاجل للدولة لتقديم المساعدة المالية لهذه الشركات والبحث عن خطط ناجعة لإنقاذ ما تبقى من هذه المؤسسات التي تسببت في فقدان اكثر من 200 الف موطن شغل منذ بداية جائحة كورونا في مارس من سنة 2020.
وأظهرت نتائج مسح حديث شمل 248 شركة في قطاع النسيج والملابس ، تحصلت "الصباح" على نسخة منه، عن تراجع نشاط بعض الشركات بفعل جائحة كوفيد-19، وتوقف 40.3٪ من الشركات عن الإنتاج، بينما استمرّ 11.3٪ في إنتاج الملابس و 40.7٪ اضطروا الى تكييف منتجاتهم عبر إنتاج لوازم الحماية المهنية، في حين قدرت كتلة الاجور غير المدفوعة بسبب الازمة بـ 32٪.
وشملت الدراسة 248 شركة موزعة على 9 مناطق و7 قطاعات إنتاجية ، واستهدفت مختلف الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة مقسمة حسب 3 أنظمة (البيع في السوق المحلي، التصدير الجزئي والتصدير الكلي)، واستنتجت الدراسة ان غالبية الشركات عرفت تراجعا لنشاطها، وأجبرت بعضها على تغيير أنشطتها ، كما أظهرت الدراسة عن مشاكل تعلقت بزيادة المخزون ، واختلال التدفق النقدي ، ودفع الأجور، واشتراكات الضمان الاجتماعي ، مبرزة ان الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة السابقة غير كافية ودون انتظارات مختلف الأطراف المتداخلة.
خطة طارئة لإنعاش القطاع
كما كشفت الدراسة عن فرص لدفع التآزر بين الشركات ، وإدارة المخاطر بأكثر كفاءة ،وتطوير الرقمنة، والترويج للمنتوجات التونسية ، معتمدة على خطة الإنعاش تتضمن 5 محاور استراتيجية ، على رأسها حل مشاكل السيولة، والحرص على إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، وتعزيز الموارد الداخلية عبر الرقمنة والتكوين ، وتنمية الانسجام بين المؤسسات، وتعزيز إنتاجية المؤسسات على المستوى المحلي خاصة وأنها تواجه مشكلة التجارة الموازية، بالاضافة الى العمل على تعزيز إدماج القطاع القيمة المضافة وطاقة التصدير بما يحسّن صورة تونس في الخارج.
وكشف عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بشير بوجدي ، في تصريح سابق لـ"الصباح" ، عن اغلاق قرابة 30 ٪ بالمائة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة منذ بداية جائحة كوفيد-19 و 25 ٪ على وشك الافلاس، في حين تصارع البقية من أجل الاستمرار، ملمحا ألى أنه مع حلول سنة 2022، سترتفع نسبة المؤسسات التي ستغلق نهائيا الى نحو 60 ٪ في حال لم تبادر الحكومة الى وضع خطة طارئة لإنقاذ ما تبقى من المؤسسات الصناعية والتجارية.
وحذر بوجدي من خسارة المئات من المؤسسات الصغرى والمتوسطة مع موفى السنة الحالية، والتي أصبحت غير قادرة على سداد ديونها الخارجية والبنكية ، ووصل العجز حد عدم قدرة بعض المؤسسات على خلاص فواتيرها من استهلاك الكهرباء، مبرزا انه رغم تطمينات الحكومة وتصريحات المسؤولين ، فإن منظمة الاعراف لا تلمس اي إجراءات عملية على أرض الواقع لإنقاذ المؤسسات من الافلاس بالاضافة الى مواطن شغل الآلاف.
وأكّد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ،أنّ القطاع الخاص خسر مئات المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، كما خسر الى حد اليوم 200 ألف موطن شغل منذ بداية الموجة لفيروس كورونا بالبلاد ، وسجلت جميع المؤسسات الصناعية والتجارية تراجعا في رقم معاملاتها ولم تعد قادرة على الايفاء بالتزاماتها ، معتبرا ان كلفة الاجور البالغة في جل المؤسسات أكثر من 20 ٪ واحتياجاتها المقدرة بأكثر من 25٪ يقابله رقم معاملات لا يتجاوز 10 ٪، هذا دون احتساب نسبة 20 ٪ التزاماتها بدفع الاداءات.
واستنكر أصحاب المؤسسات عدم تطبيق القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة السابقة، والتي استبشر بها اهل القطاع، وكانت مشجعة على غرار جدولة الديون وتأجيل الاقساط البنكية والأداءات والتي لم يتم تفعيلها، وما تمّ دون المأمول، ولا يلبي مطلقا حاجيات المؤسسات في الفترة المقبلة، خاصة في ظل تواصل الازمة الصحية بالبلاد، والتي عمقت من أزمة المؤسسات الصغرى والمتوسطة".
جدولة الديون لفترات طويلة
ويطالب عدد من اصحاب المؤسسات اليوم، بضرورة العمل على تفعيل الاجراءات المتعلقة بجدولة ديون المؤسسات لفترات تمتد لاكثر من 7 سنوات ، وذلك في خطوة طارئة لإنقاذها على المدى القصير، واعفاء جميع المؤسسات من الضرائب المسلطة عليها، ودعمها بقروض بنكية طويلة المدى، علما وان هذه الدعوات لم تلق تجاوبا كبيرا من السلطات، التي اقتصرت تدخلاتها على تنفيذ اجراءات جزئية تتعلق بتأجيل سداد بعض القروض البنكية للمؤسسات لفترات قصيرة، الامر الذي دفع بالمئات من المؤسسات الصغرى الى اعلان حالة الافلاس ، خلال فترة قصيرة.
وتسببت الازمة الحالية التي عمقتها الجائحة الصحية في فقدان جل المؤسسات الوطنية للأسواق المحلية لفائدة الشركات الاجنبية ، ورفعت من حجم خسائرها وقلصت من ايراداتها ومخزونها الاستراتيجي ، وأجبرت البعض على اتخاذ اجراءات الغلق ، في حين بقيت بعض المؤسسات في حالة جمود بالنظر الى كلفة اجراءات الغلق.
وتشير الأرقام الرسمية أن نسبة الانكماش الاقتصادي التي تسبب بها فيروس كورونا خلال سنة 2020 بلغت 8.8 بالمائة وتواصلت نسبة الانكماش منذ بداية سنة 2021 والى غاية اليوم لتبلغ 3 بالمائة وسط توقعات بأن تتجاوز نسبة البطالة 18 في المائة، موفى العام الحالي ، ما يرفع من حجم المسرحين من المؤسسات.
وقدرت منظمة الأعراف أن الموجة الأولى لوباء كوفيد-19 في البلاد تسببت في خسارة حوالي 165 ألف موطن شغل، منبهة الى تواصل تداعيات الأزمة الاقتصادية مع عودة الفيروس للانتشار من جديد ، لترتفع نسبة المسرحين مع بداية 2021 الى أكثر من 200 ألف.
الأزمة انطلقت منذ 2005
وبلغ حجم الخسائر التي سببها فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني ، وفق ما كشفت عنه مصادر رسمية حكومية، موفى سنة 2020 ، حوالي 8 آلاف مليار دينار اي نحو 2.8 ألف مليار دولار أمريكي، وهي خسائر لم تشهدها تونس في تاريخها ، وتسببت في أزمة مالية واقتصادية في البلاد، ودفعت بخبراء الاقتصاد، الى الاقرار ان أزمة "كورونا" ستظهر تبعاتها على الاقتصاد الوطني في أفق سنتي 2022 و2023.
وحسب المسؤولين في وزارة الصناعة ، فان جل المؤسسات الصغرى والمتوسطة تمر اليوم بأزمات مالية حادة نتيجة جائحة كوفيد-19 التي تسببت في تراجع أنشطة هذه المؤسسات الى مستويات "كارثية" وتركتها في وضعية متردية جدا، معتبرين ان الاجراءات المتخذة في الوقت الحالي غير كافية لإنقاذها.
وبدأت جل المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس، تشهد صعوبات جمة ، منذ سنة 2005 وازدادت حدتها بداية من 2011، واغلقت قرابة 4319 مؤسسة تونسية أبوابها بين سنوات 2005 و2016 ، وتسببت في فقدان أكثر من 250 ألف موطن شغل وفق دراسة حديثة أنجزتها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد خلال سنة 2018 ، منها 380 مؤسسة في قطاع النسيج والملابس.
ومن الاسباب الناجمة عن افلاس هذه المؤسسات ، نجد في المقام الاول الارتفاع المشط في نسبة الفائدة المديرية بعد سنة 2011، وتنامي السوق الموازية، وانهيار الدينار، وارتفاع التضخم، وتنامي الفساد في جل القطاعات، لتنضاف اليها أزمة كوفيد-19 والتي تسببت في شلل تام لهذه المؤسسات.
ويستغرب أهل القطاع تباطؤ الحكومة في معالجة ملفات هذه المؤسسات وتمكينها من التمويلات اللازمة، معتبرين ان المستفيد الاكبر من هذه الازمة هي البنوك، التي ستضاعف من اجراءات حصولها على مرابيح نتيجة اعادة جدولة ديون هذه المؤسسات واستخلاص نسب فائدة مربحة مقابل تأجيل سداد القروض السابقة.
وخلصت عدة تقارير رسمية صادرة عن دوائر حكومية، أن جل المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعاني اليوم الاقصاء من التمويلات البنكية رغم بعض الاجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة لفائدتها والتي تعد ظرفية ولا ترتقي الى انتظارات العاملين فيها لدفعها من جديد في الدورة الاقتصادية.