لم تدخر فرنسا جهدها مؤخرا في أن تعمل على تحجيم دورها العسكري في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية التي بدأ زخم انتشار الحركات الجهادية فيها يأخذ منحى مزعجا بالنسبة لدول المنطقة بالإضافة للقلق الذي عبرت عنه الدول الغربية، من أن سطوة التنظيمات الإرهابية هناك قد جاوز حدود مالي ليشمل دولا أخرى بالمنطقة. ولا يبدو أن حالة الرعب التي بدأت تتسلط على الأنظمة الحاكمة بالمنطقة مع تمادي ضغط الجماعات الإرهابية وتمددها في هذه الدول مستغلة حالة العجز الدفاعي التي تعاني منها هذه الدول، وكذلك حالة الارتباك التي أصبحت عليها عملية برخان التي تقودها فرنسا لمكافحة الإرهاب والتي أضحت مكبلة بسبب عدة عوامل أبرزها قدرة الجماعات الإرهابية إيجاد مواطئ قدم خارج شمال مالي، وقدرتها فرض سلطتها على مساحات واسعة من الأراضي شمالي بوركينا فاسو وغرب النيجر وانطلاقا من شمال نيجيريا عل امتداد بحيرة التشاد. لقد أضحى الإرهاب في هذه المنطقة يشكل عنصرا جيوسياسيا مهما في أي معادلة إستراتيجية بالنسبة للدول الطامحة للعب دور هناك، خاصة وأن فرنسا التي تسعى لانسحاب من هذه المنطقة التي كانت تشكل قبل جائحة كورونا "مجالا حيويا" لها ولمصالحها المباشرة. منذ أن أطلقت باريس عام 2013 عملية "سيرفال" العسكرية، لضرب معاقل تنظيم "القاعدة" في شمال مالي، لم تعرف فرنسا ارتباكا مثل الذي تعيشه اليوم في هذه المنطقة. إستراتيجية القاعدة فالبرغم من الانتصارات الكبيرة التي عرفتها العملية التي أوقفت تمدد القاعدة من شمال مالي إلى جنوبها نحو العاصمة المالية باماكو، إلا أن باريس لم تستطع استثمار ذلك في إيقاف إعادة تشكل المشهد الجهادي في المنطقة، ليعود بعد ذلك بثماني سنوات وبطرق عديدة عرفت فيها هذه الحركات عديد التحالفات البينية لتطلق الموجة الثانية من هذه الصراعات بإستراتيجية جديدة ركزت على 3 محاور أساسية بالنسبة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: أولا/ إعادة صياغة مفهوم الحرب المباشرة: شن عديد الهجمات المتناسقة في نفس التوقيت مما يخلق حالة تشتت بالنسبة للقوى النظامية التي تحاربها (تحالف دول الساحل والصحراء وفرنسا أو ما يعرف بعملية برخان التي بدأت في 1 أوت 2014). ثانيا/إعادة رسم حدود التحرك ليشمل عديد الدول التي تعاني من تدهور اقتصادي وملامح احتراب اجتماعي مثل بوركينا فاسو والاستفادة من هذا الشلل للانتشار في أطراف هذه الدول ثالثا/ اعتماد حرب العصابات في اقتحام المناطق الجديدة ومحاولة إرساء إدارة للتوحش فيها، وخلق كيان جهادي يكون قاعدة لشن عمليات في مناطق انتشار القوات النظامية والأجنبية في هذه الدول. وبدرجة أو بأخرى فقد نجح تحالف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي والمجموعات الجهادية الأخرى في المنطقة الذين كونوا "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" - إياد أغ غالي (أمير أنصار الدين) وجمال عكاشة (أمير جهة الصحراء ضمن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) ومحمد كوفا (أمير جبهة تحرير ماسينا) والحسن الأنصاري (مساعد مختار بلمختار أمير تنظيم المرابطون)-، في هذه الإستراتيجية الثلاثية وأضحت أكثر فاعلية على الأرض، بالرغم من نجاح فرنسا وحلفائها بالإطاحة عديد القيادات الكبيرة في هذا التنظيم كعبد الملك درودكال وعبد الحميد أبو زيد. ولعل مثل هذا التوسع جاء من خلال أسلوبين مختلفين يجمع فيها قادة القاعدة في المغرب بين الترغيب والترهيب، إذ أن التعقيدات القبلية الموجودة في هذه المنطقة قد تجعل من التحالف مع هذه القبائل ممكنا إذا ما كانت المصالح مشتركة خاصة وأن الانتشار القبلي في هذه المناطق يشمل طرقات كبيرة للتهريب الدولي للبضائع من غرب إفريقيا إلى شرقها أو نحو الشمال، وهو ما فتح المنطقة لعديد القراءات الجيوسياسية لمستقبل الصراع إذا ما ازداد حجم الجماعات الجهادية هناك، خاصة وأن تنظيمي داعش وبوكوحرام بشقيها (الداعشي والقاعدي) يشكلان حلقة أخرى من حلقات إعادة الانتشار الجهادي انطلاقا من ولاية بورنو في شمال نيجيريا والتي امتدت إلى دول أخرى، معتمدة في ذلك على إستراتيجية جديدة وهي "الصدمة والرعب" في تمددها في الدول الأخرى المحاذية لنيجيريا والموجودة على بحيرة التشاد أو دول أخرى مثل الكاميرون والنيجر والتشاد. إستراتيجية داعش وترتكز إستراتيجية تنظيم داعش في هذه المنطقة على 3 محاور أساسية: أولا/ القيام بعمليات دامية وكبيرة تكون نتائجها النفسية كارثية على سكان المناطق المستهدفة من قبل قيادة هذا التنظيم مثل قتل وذبح المزارعين وخطف التلاميذ والمهاجرين غير النظاميين والقيام بكمائن قاتلة بالنسبة للقوى الأجنبية المنتشرة في المنطقة. ثانيا/ القيام بنسف قيادات المجتمعات القبلية في هذه المناطق وتعويضها بآخرين موالين لها، في إفراز جديد لإستراتيجية داعش التي اعتمدتها في الفترة التي سيطرت فيها على شمالي سوريا وغربي العراق. ثالثا/استنزاف القدرات القتالية لهذه الدول من خلال استهداف الإمدادات الحربية النظامية لهذه الدول من خلال استهداف الإمدادات بالكمائن ومن خلال استهداف الدوريات المركزية بالقرى الموجودة في أطراف هذه الدول. ولعل هذه الإستراتيجية الهجومية الدموية التي اعتمدها تنظيم داعش جعل منها العدو الأول بالنسبة لفرنسا التي ترى أن هذا التنظيم يشكل خطورة كبيرة على المصالح الغربية في المنطقة خاصة وأنه قام بكمين في قرية غربي النيجر تسبب في مقتل جنود أمريكيين ونيجريين، بالإضافة إلى أن هذا التنظيم يقوم باستغلال مناجم الذهب والمعادن الثمينة الموجودة في بوركينا فاصو مما ساهم في مقدرات هذا التنظيم التمويلية. وهذا التنظيم ينشط تحديدا في "المثلث الحدودي" المشتعل بين النجير وبوركينا فاصو ومالي فيما يرجح أن قاعدة عملياته الأساسية يمكن أنها نقلت إلى العمق البوركيني، وهو ما يشكل موقعا استراتيجيا بالنسبة لمتابعة عملياته مع الفصيل النيجيري لهذا التنظيم الذي كان تابعا لبوكو حرام أو ما يعرف بتنظيم داعش في غرب إفريقيا والتي أخذت تنافس تنظيم القاعدة في نيجيريا حول التمدد. الاصطدام الجهادي ومع هذا الاختلاف في إستراتيجية التنظيمين الجهاديين في هذه المنطقة، فإن درجات الاصطدام بينهما تزداد يوما بعد يوم، خصوصا مع وجود إخفاق وفشل في بعض دول هذه المنطقة في فرض سيادتها على كل الإقليم مما جعلها دول في طريقها للفشل خاصة وأن عديد التقارير بدأت تشير إلى أنها بدأت تعتمد سياسة التفاوض مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (خاصة في بوركينا فاسو) ومواجهة المد الداعشي فيها، خاصة وأن الأخير يهدف لتقليم أضافر القاعدة من خلال إعلان سيطرة التنظيم على مجمل النشاط الإرهابي في المنطقة، كنوع من استعراض القوة واثبات الوجود والنفوذ. وهنا، فإنه يمنح أهمية خاصة لتلك المنطقة، التي تعتبر نقطة ارتكاز قوية بجانب أن البيئة المحلية لدولها تعتبر جاذبة للعناصر الإرهابية، نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها. المستقبل؟ ويبدو أن ازدياد دور الجماعات الإرهابية في هذه المناطق من دول الساحل والصحراء والدول غرب إفريقيا أن يقود إلى تضخمها في دول أخرى تعرف فشلا أو تصادما حضاريا بين المكونات الاثنية والدينية في المنطقة مثل ما يحصل في إفريقيا الوسطى والتي تعرف منذ سنة 2013 تصاعدا للحرب الإثنية بين المسيحيين والمسلمين حول السلطة، مما قد يساعد على تمدد التنظيمات الإرهابية لهذه الدولة الإستراتيجية والتي قد تمثل موقعا لزيادة تمدد عملياتها في مناطق أخرى مثل الكونغو الديمقراطية ودول جنوب شرق إفريقيا والتي تشهد بداية انتشار حركات اسلاموية مسلحة مثل تلك التي ظهرت بالموزمبيق والتي تعتبر امتدادا لتنظيم داعش الموجود في الصومال وكينيا. إن تفكير فرنسا المرتبك إزاء إستراتيجيتها في منطقة الساحل والصحراء وتفكيرها في الانسحاب التكتيكي التدريجي من هذه المنطقة قد يجعل من الخطر الإرهابي أكبر خاصة وأن مثل هذا الانسحاب يمثل فرصة بنسبة لعدة دول تستطيع الاستثمار في الأزمات على غرار تركيا وروسيا وكذلك قد يسمح للصين من الدخول هذا المعترك من بوابة الاستثمارات الاقتصادية واللعب على وتر الحوكمة الأنجع لهذه الحكومات وإستراتيجية التنمية المحلية مقابل فتح السوق لدول الساحل والصحراء ودول غرب إفريقيا التي تقدر بأكثر من 200 مليون نسمة. إذن أن مستقبل الصراع في هذه المناطق لن يتحدد إلا من خلال قراءة خراطة التحالفات الجديدة التي يمكن نسجها بين هذه الدول والقوى الدولية، ومدى حنكة هذه القوى باللعب مع التنظيمات الإرهابية فيها وتحجيمها. وأخيرا يمكن القول أن باريس فشلت بعد أكثر من ثماني سنوات في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي في هذه المنطقة، بل كانت عاملا في تثبيت وحماية الأنظمة السياسية لبعض الدول التي تعتبر أنظمة شمولية وفاسدة، مقابل ازدياد الحنق الاجتماعي والمطالبية الاقتصادية لمجتمعات وشعوب دول الساحل والصحراء وتلك هي النقاط التي تمثل البيئة الرخوة التي تنتشر وتكبر فيها التنظيمات الجهادية.
لم تدخر فرنسا جهدها مؤخرا في أن تعمل على تحجيم دورها العسكري في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية التي بدأ زخم انتشار الحركات الجهادية فيها يأخذ منحى مزعجا بالنسبة لدول المنطقة بالإضافة للقلق الذي عبرت عنه الدول الغربية، من أن سطوة التنظيمات الإرهابية هناك قد جاوز حدود مالي ليشمل دولا أخرى بالمنطقة. ولا يبدو أن حالة الرعب التي بدأت تتسلط على الأنظمة الحاكمة بالمنطقة مع تمادي ضغط الجماعات الإرهابية وتمددها في هذه الدول مستغلة حالة العجز الدفاعي التي تعاني منها هذه الدول، وكذلك حالة الارتباك التي أصبحت عليها عملية برخان التي تقودها فرنسا لمكافحة الإرهاب والتي أضحت مكبلة بسبب عدة عوامل أبرزها قدرة الجماعات الإرهابية إيجاد مواطئ قدم خارج شمال مالي، وقدرتها فرض سلطتها على مساحات واسعة من الأراضي شمالي بوركينا فاسو وغرب النيجر وانطلاقا من شمال نيجيريا عل امتداد بحيرة التشاد. لقد أضحى الإرهاب في هذه المنطقة يشكل عنصرا جيوسياسيا مهما في أي معادلة إستراتيجية بالنسبة للدول الطامحة للعب دور هناك، خاصة وأن فرنسا التي تسعى لانسحاب من هذه المنطقة التي كانت تشكل قبل جائحة كورونا "مجالا حيويا" لها ولمصالحها المباشرة. منذ أن أطلقت باريس عام 2013 عملية "سيرفال" العسكرية، لضرب معاقل تنظيم "القاعدة" في شمال مالي، لم تعرف فرنسا ارتباكا مثل الذي تعيشه اليوم في هذه المنطقة. إستراتيجية القاعدة فالبرغم من الانتصارات الكبيرة التي عرفتها العملية التي أوقفت تمدد القاعدة من شمال مالي إلى جنوبها نحو العاصمة المالية باماكو، إلا أن باريس لم تستطع استثمار ذلك في إيقاف إعادة تشكل المشهد الجهادي في المنطقة، ليعود بعد ذلك بثماني سنوات وبطرق عديدة عرفت فيها هذه الحركات عديد التحالفات البينية لتطلق الموجة الثانية من هذه الصراعات بإستراتيجية جديدة ركزت على 3 محاور أساسية بالنسبة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: أولا/ إعادة صياغة مفهوم الحرب المباشرة: شن عديد الهجمات المتناسقة في نفس التوقيت مما يخلق حالة تشتت بالنسبة للقوى النظامية التي تحاربها (تحالف دول الساحل والصحراء وفرنسا أو ما يعرف بعملية برخان التي بدأت في 1 أوت 2014). ثانيا/إعادة رسم حدود التحرك ليشمل عديد الدول التي تعاني من تدهور اقتصادي وملامح احتراب اجتماعي مثل بوركينا فاسو والاستفادة من هذا الشلل للانتشار في أطراف هذه الدول ثالثا/ اعتماد حرب العصابات في اقتحام المناطق الجديدة ومحاولة إرساء إدارة للتوحش فيها، وخلق كيان جهادي يكون قاعدة لشن عمليات في مناطق انتشار القوات النظامية والأجنبية في هذه الدول. وبدرجة أو بأخرى فقد نجح تحالف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي والمجموعات الجهادية الأخرى في المنطقة الذين كونوا "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" - إياد أغ غالي (أمير أنصار الدين) وجمال عكاشة (أمير جهة الصحراء ضمن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) ومحمد كوفا (أمير جبهة تحرير ماسينا) والحسن الأنصاري (مساعد مختار بلمختار أمير تنظيم المرابطون)-، في هذه الإستراتيجية الثلاثية وأضحت أكثر فاعلية على الأرض، بالرغم من نجاح فرنسا وحلفائها بالإطاحة عديد القيادات الكبيرة في هذا التنظيم كعبد الملك درودكال وعبد الحميد أبو زيد. ولعل مثل هذا التوسع جاء من خلال أسلوبين مختلفين يجمع فيها قادة القاعدة في المغرب بين الترغيب والترهيب، إذ أن التعقيدات القبلية الموجودة في هذه المنطقة قد تجعل من التحالف مع هذه القبائل ممكنا إذا ما كانت المصالح مشتركة خاصة وأن الانتشار القبلي في هذه المناطق يشمل طرقات كبيرة للتهريب الدولي للبضائع من غرب إفريقيا إلى شرقها أو نحو الشمال، وهو ما فتح المنطقة لعديد القراءات الجيوسياسية لمستقبل الصراع إذا ما ازداد حجم الجماعات الجهادية هناك، خاصة وأن تنظيمي داعش وبوكوحرام بشقيها (الداعشي والقاعدي) يشكلان حلقة أخرى من حلقات إعادة الانتشار الجهادي انطلاقا من ولاية بورنو في شمال نيجيريا والتي امتدت إلى دول أخرى، معتمدة في ذلك على إستراتيجية جديدة وهي "الصدمة والرعب" في تمددها في الدول الأخرى المحاذية لنيجيريا والموجودة على بحيرة التشاد أو دول أخرى مثل الكاميرون والنيجر والتشاد. إستراتيجية داعش وترتكز إستراتيجية تنظيم داعش في هذه المنطقة على 3 محاور أساسية: أولا/ القيام بعمليات دامية وكبيرة تكون نتائجها النفسية كارثية على سكان المناطق المستهدفة من قبل قيادة هذا التنظيم مثل قتل وذبح المزارعين وخطف التلاميذ والمهاجرين غير النظاميين والقيام بكمائن قاتلة بالنسبة للقوى الأجنبية المنتشرة في المنطقة. ثانيا/ القيام بنسف قيادات المجتمعات القبلية في هذه المناطق وتعويضها بآخرين موالين لها، في إفراز جديد لإستراتيجية داعش التي اعتمدتها في الفترة التي سيطرت فيها على شمالي سوريا وغربي العراق. ثالثا/استنزاف القدرات القتالية لهذه الدول من خلال استهداف الإمدادات الحربية النظامية لهذه الدول من خلال استهداف الإمدادات بالكمائن ومن خلال استهداف الدوريات المركزية بالقرى الموجودة في أطراف هذه الدول. ولعل هذه الإستراتيجية الهجومية الدموية التي اعتمدها تنظيم داعش جعل منها العدو الأول بالنسبة لفرنسا التي ترى أن هذا التنظيم يشكل خطورة كبيرة على المصالح الغربية في المنطقة خاصة وأنه قام بكمين في قرية غربي النيجر تسبب في مقتل جنود أمريكيين ونيجريين، بالإضافة إلى أن هذا التنظيم يقوم باستغلال مناجم الذهب والمعادن الثمينة الموجودة في بوركينا فاصو مما ساهم في مقدرات هذا التنظيم التمويلية. وهذا التنظيم ينشط تحديدا في "المثلث الحدودي" المشتعل بين النجير وبوركينا فاصو ومالي فيما يرجح أن قاعدة عملياته الأساسية يمكن أنها نقلت إلى العمق البوركيني، وهو ما يشكل موقعا استراتيجيا بالنسبة لمتابعة عملياته مع الفصيل النيجيري لهذا التنظيم الذي كان تابعا لبوكو حرام أو ما يعرف بتنظيم داعش في غرب إفريقيا والتي أخذت تنافس تنظيم القاعدة في نيجيريا حول التمدد. الاصطدام الجهادي ومع هذا الاختلاف في إستراتيجية التنظيمين الجهاديين في هذه المنطقة، فإن درجات الاصطدام بينهما تزداد يوما بعد يوم، خصوصا مع وجود إخفاق وفشل في بعض دول هذه المنطقة في فرض سيادتها على كل الإقليم مما جعلها دول في طريقها للفشل خاصة وأن عديد التقارير بدأت تشير إلى أنها بدأت تعتمد سياسة التفاوض مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (خاصة في بوركينا فاسو) ومواجهة المد الداعشي فيها، خاصة وأن الأخير يهدف لتقليم أضافر القاعدة من خلال إعلان سيطرة التنظيم على مجمل النشاط الإرهابي في المنطقة، كنوع من استعراض القوة واثبات الوجود والنفوذ. وهنا، فإنه يمنح أهمية خاصة لتلك المنطقة، التي تعتبر نقطة ارتكاز قوية بجانب أن البيئة المحلية لدولها تعتبر جاذبة للعناصر الإرهابية، نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها. المستقبل؟ ويبدو أن ازدياد دور الجماعات الإرهابية في هذه المناطق من دول الساحل والصحراء والدول غرب إفريقيا أن يقود إلى تضخمها في دول أخرى تعرف فشلا أو تصادما حضاريا بين المكونات الاثنية والدينية في المنطقة مثل ما يحصل في إفريقيا الوسطى والتي تعرف منذ سنة 2013 تصاعدا للحرب الإثنية بين المسيحيين والمسلمين حول السلطة، مما قد يساعد على تمدد التنظيمات الإرهابية لهذه الدولة الإستراتيجية والتي قد تمثل موقعا لزيادة تمدد عملياتها في مناطق أخرى مثل الكونغو الديمقراطية ودول جنوب شرق إفريقيا والتي تشهد بداية انتشار حركات اسلاموية مسلحة مثل تلك التي ظهرت بالموزمبيق والتي تعتبر امتدادا لتنظيم داعش الموجود في الصومال وكينيا. إن تفكير فرنسا المرتبك إزاء إستراتيجيتها في منطقة الساحل والصحراء وتفكيرها في الانسحاب التكتيكي التدريجي من هذه المنطقة قد يجعل من الخطر الإرهابي أكبر خاصة وأن مثل هذا الانسحاب يمثل فرصة بنسبة لعدة دول تستطيع الاستثمار في الأزمات على غرار تركيا وروسيا وكذلك قد يسمح للصين من الدخول هذا المعترك من بوابة الاستثمارات الاقتصادية واللعب على وتر الحوكمة الأنجع لهذه الحكومات وإستراتيجية التنمية المحلية مقابل فتح السوق لدول الساحل والصحراء ودول غرب إفريقيا التي تقدر بأكثر من 200 مليون نسمة. إذن أن مستقبل الصراع في هذه المناطق لن يتحدد إلا من خلال قراءة خراطة التحالفات الجديدة التي يمكن نسجها بين هذه الدول والقوى الدولية، ومدى حنكة هذه القوى باللعب مع التنظيمات الإرهابية فيها وتحجيمها. وأخيرا يمكن القول أن باريس فشلت بعد أكثر من ثماني سنوات في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي في هذه المنطقة، بل كانت عاملا في تثبيت وحماية الأنظمة السياسية لبعض الدول التي تعتبر أنظمة شمولية وفاسدة، مقابل ازدياد الحنق الاجتماعي والمطالبية الاقتصادية لمجتمعات وشعوب دول الساحل والصحراء وتلك هي النقاط التي تمثل البيئة الرخوة التي تنتشر وتكبر فيها التنظيمات الجهادية.