كثيرةٌ هي المفارقات التي احتشدت في مربع الأزمة اليمنية في مداها الذي مر عليه سبعة أعوام ويزيد، هي مدة الصراع المُر الذي أفرز الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، تجرع خلالها الشعب اليمكني مرارات الحرب والشتات والفرقة والصراعات حتى قبل اشتعال الحرب الفعلية في سبتمبر من العام 2014 كانت اليم قد دخلت النفق المظلم منذ بداية العام 2011، إثر أزمات عدة وفشل واضح وذريع للمنظومة السياسية اليمنية باحزابها ومكوناتها القبلية والاجتماعية، وهمي التي دخلت فأدخلت البلاد والعباد معها في سلسلة صراعات متناسلة، واضعة نصب عينيها جميعا الاستحواذ على السلطة والثرة بأي ثمن كان، والنتيجية ماعلم الشعب اليمني وذاق خلال العقد المنصرم وتالذي يمكن احتسابه الأسوا على الإطلاق في تاريخ هذا الشعب العريق.
ولان المنظونة السياسية ظلت تتعامل بنفس الطرق والاساليب التي اوصلت بها اليمن الى وضعها الحالي فلم تستطع تلك المنظومة الخروج من دائرة الصراعات البينية والفشل والمكايدات، فيما بينها، على الرغم من أنها نفس الأسباب التي اسقطت البلاد في يد جماعة الحوثيين الشيعية عام 2014 بعد تنفيذ الاخيرة انقلابا مسلحا بدعم من الجمهورية الاسلامية الإيرانية، لتستولي منذ ذلك الحين على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات البلاد إن لم يكن كلها، قبل أن تتمكن ما تعرف بالمقاومة الجنوبية بدعم من تحالف عسكري قادته المملكة العربية السعودية، من تحرير الجنوب اليمني بجغرافيته التي مثلت دولة جمهورية اليمن السابقة قبل الوحدة المبرمة مع الشمال عام 1990 وتلك قصة فشل وصراعات أيضا ليس مجال الحديث عنها هنا في هذا التلخيص.
وتلك المساحة تمثل تقريبا ثلثي اليمن، وقد حدث هذا التحرير قبل نحو سبع سنوات، ظلت بعدها الأزمة تراوح مكانها بعد أن (استلذتها) فيما يبدو القوى العسكرية والسياسية المتحاربة في الشمال والتي يمكن تقسيمها إلى فريقين أحدهما تقوده المليشيا الحوثية والآخر قادته جماعة الإخوان المسلمين بطريقة أو بأخرى، وقد فشلت الاخيرة عبر أذرعها واحزابها في تحقيق أي انتصارعلى الرغم من وجود التحالف العربي والدعم اللامحدود الذي يقدمه، فيما يرى كثيرون أن الجماعة تعمدت الفشل للحصول على اكبر قدر من السلاح والأموال والتفرغ للسيطرة على دوائر الحكم والوزارات والادارات في الدولة تمهيدا لمرحلة ما بعد الحرب، لكن تلك المرحلة لم تأت بعد ثمان سنوات ولا يبدو أنها آتية قريبا، والثمان السنوات قد اودت بحياة عشرات الآلاف من اليمنيين تحت رحى آلة الحرب الحوثية وأوصلت أكثر من 25 مليون يمني من قوام عدد السكان البالغ 30 مليونا الى شفا المجاعة الحقيقية وقد ذاق أكثرهم بالفعل لظى الجوع، في حين بقيت القوى السياسية خارج البلاد تنعم بخيرات ومغانم السلطة منذ ذلك الحين.
لكن ماذا بعد؟
سؤال يبدو أنه قد اصبحت له إجابة ولو جزئية منذ السابع من ابريل من هذا العام، وهو اليوم الذي شهد تحولا سياسيا كبيرا، فقد نقلت سلطة الرئاسة من عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادة مكون من ثمانية أعضاء، وضم التشكيل شخصيتين على الأقل تحظيان بالكثير من الشعبية والقوة والأهم أنهما أتيا من خارج المنظومة السياسية التقليدية التي من الواضح أن اليمنيين قد فقدوا تماما ثقتهم بها، وكذلك فعلت دول الإقليم والعالم.. ربما.
ومن دون التقليل من بقية الأعضاء إلا أن الواقع الحقيقي يقول إن التعويل كل التعويل لدى جمهور اليمنيين ينصب نائبي رئيس مجلس القيادة المشكل حديثا اللواء عيدروس الزبيدي والعميد طارق صالح، فهما شخصيتان قويتان ويقودان أكبر القوى الصاعدة من خارج المنظومة السياسية التقليدية، المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية في الشمال.
المجلس الانتقالي الجنوبي والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، يبدوان الأكثر استعدادا للسلام والحرب معا، لكنهما يقدمان خيار السلام على كل الخيارات فيما يبدو أنه فهمٌ منهما لمقتضيات الحاجة الإنسانية في البلاد، والتي تستدعي إعلاء خيار السلام على كل الخيارات لوقف نزيف الدم اليمني المُراق بآلة الحرب".
وهو الخطاب السائد حتى الان لدى كلا الفريقين اللذين يمتلكان القوة العسكرية الأكبر حاليا والأكثر تنظيما ورصيدا من الانتصارات، ويمكن استشراف معالم الرحلة القادمة بوضوح من خلال تصريحات العميد طارق صالح واللواء عيدروس الزبيدي، اللذين أصبحا منذ السابع من إبريل نائبين لارئيس مجلس القيادة الرئيسي رشاد العليمي ضمن مجلس مُنح كامل الصلاحيات لإنقاذ البلاد والخروج بها من نفق الظلام.
في آخر تصريحاته قال اللواء الزبيدي إن خيار السلام هو أولوية لكن خيار الحرب مطروح أيضا على الطاولة إذا واصل الحوثيون تعنتهم ورفضهم لدعوات السلام"، كما أعلن في تصريح لصحيفة "ذا ناشيونال"، التمسك بالهدنة "على جميع المستويات" في الوقت الذي يمتلك المجلس الرئاسي "القدرة على مواجهة أي تصعيد من قبل مليشيا الحوثي"، على حد قوله.
واللواء الزبيدي مثل من العام 2015 رأس الحربة لائتلاف المقاومة الجنوبية التي قاومت الحوثيين انطلاقا من عدن واستعادت كل المحافظات الجنوبية التي كانت تحت سيطرتهم، بينما قاد العميد طارق المعارك في الساحل الغربي وصولا إلى مدينة الحديدة بالتعاون مع ألوية العمالقة الجنوبية، أكثر الفصائل العسكرية قوة في مواجهة الحوثيين.
وكان العميد طارق صالح قد أشار إلى وجود حاجة ماسة لممارسة المزيد من الضغوط الدولية لإرغام الحوثيين على الالتزام بالهدنة، وأكد في لقاء جمعه بالسفير البريطاني لدى اليمن "رتشارد أوبنهايم"، على السلام كأولوية لوضع تسوية شاملة للأزمة.
المجتمع الدولي يدرك جيدا أن الأزمة اليمنية تحتاج لجهد سياسي فاعل يصنع الفارق "لذلك يحظى المجلس الانتقالي والمكتب السياسي بدعم دولي كبير، ترجم من خلال الترحيب الواسع بمشاركتهما في تشكيلة مجلس القيادة الرئاسي، واللقاءات المكثفة والنوعية التي جمعت رئيسا المكونين بالمسؤولين الدوليين خلال الفترة الماضية، خاصة مع فترة المشاورات اليمنية-اليمنية التي عُقدت في الرياض بدعم مجلس التعاون لدول الخليج العربية".