لم يعد السؤال الأكثر إلحاحا في الأزمة الأوكرانية متى تبدأ الحرب بين كييف وموسكو ولكن أين وكيف ستتوقف بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس إطلاق أول عملية عسكرية على الحدود مع أوكرانيا دفاعا عن مصالح بلاده الأمنية وردا على ما فرضته هذه الخطوة من استنفار عالمي اهتزت له الأسواق المالية والنفطية وتحركت معه المؤسسات الدولية بحثا عن وسيلة قانونية لردع الدب الروسي المتمرد؟ فالأخطر والأسوأ في كل الصراعات العسكرية والحروب لم يكن مطلقا وعبر مختلف الصراعات التاريخية في تأجيج الشرارة الأولى أو إطلاق الرصاصة الأولى ولكن في إيقاف المعارك بعد اندلاعها والأرجح أن الأزمة مع أوكرانيا لن تخرج عن هذا الإطار وربما لن يكون من الهين إيقاف امتداد هذه الحرب ومنع انتشارها في أوروبا وفي العالم في حال فشلت كل الحلول السياسية والديبلوماسية المتبقية لتجنب انفجار قد يبدو ليس بالبعيد ..
هل بدأ تغيير قواعد النظام الدولي؟
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ومثل بقية وزراء الخارجية في الحلف الأطلسي اعتبرت أن الحكومة الروسية تكسر قواعد النظام الدولي أمام أعين العالم بـ"الهجوم العسكري على أوكرانيا".
وفي مؤتمر صحفي عقب اجتماع فريق إدارة الأزمات قالت بالأمس "أن روسيا وحدها اختارت هذا الطريق، ونحن لم ندخر جهدا خلال الأشهر القليلة الماضية في إيجاد حل سلمي لهذه الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية، ولم تستجب روسيا لعروضنا بإجراء محادثات وان الأوكرانيين لم يفعلوا شيئا لتبرير إراقة الدماء وهذه الحرب سوف تدمر شيئًا واحدًا وهو أمل الناس في أوكرانيا وأن يكون لديهم الحق في الديمقراطية والحق في السلام ومستقبل أفضل دون تهديد".لا خلاف أن بوتين وهو الذي نشأ وتخرج من مؤسسة الــ"كي جي بي" وتمكن منذ صعوده إلى السلطة وهيمنته على المشهد من إعادة الاعتبار لروسيا الممزقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودفعها إلى استعادة مكانة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها ولكن الأكيد أن آخر ما يمكن أن يقنع بوتين وجود كيان ديموقراطي يتمتع بالاستقلالية على حدود روسيا ويكون أداة تحت سيطرة واشنطن وبروكسيل. فليس سرا أن روسيا تعتبر أن أوكرانيا واقعة تحت ضغوط واشنطن وبروكسيل لدفعها للانضمام إلى الحلف الأطلسي
وإسقاط التفاهمات السابقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بعدم توسع الحلف شرقا نحو الجمهوريات السوفياتية السابقة، ومنذ قمة بوخاريست في 2008 اتفق قادة دول الناتو على أن أوكرانيا ستنضم إلى الحلف في نهاية المطاف، فكان ذلك سبب توجس روسيا التي ستواجه أكثر من حرب تجارية واقتصادية ، كان أهمها حربا الغاز في 2006 و2009 اللتان عطلتا إمدادات الطاقة في أوروبا وأدّتا إلى تقويض العلاقات الأوكرانية الروسية.
تطهير أوكرانيا من "النازيين" ..
فجر أمس هدد الرئيس بوتين وفي ظهور تلفزي بأن روسيا تهدف من خلال عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا إلى اجتثاث "النازية" في هذا البلد وتحييد قدراته العسكرية.. تصريح سيستعيده لاحقا الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين "انه يجب تحرير أوكرانيا وتطهيرها من النازيين والمناصرين للنازية وفكرها وتجريدها من السلاح يعني إبطال إمكاناتها العسكرية، التي ازدادت مؤخرا إلى درجة كبيرة بدعم من الخارج". الناطق الروسي رفض وصف العملية العسكرية الروسية بالاحتلال وشدد على أنها لتجريد أوكرانيا من السلاح.. من جانبها قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي أضافها الغرب إلى قائمة المشمولين بالعقوبات أن العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها روسيا في أوكرانيا، هي محاولة لمنع حرب شاملة.. وشددت زاخاروفا على أن، هذه ليست بداية حرب، بل محاولة لمنع وقوع حرب عالمية شاملة. ومحاولة لمنع أن تتطور الأمور إلى حرب عالمية..
طبخة بوتين
التطورات المتسارعة في الملف الأوكراني حولت الأنظار باتجاه الكرملين حيث يواصل الرئيس الروسي طبخته العسكرية متجاهلا دعوات نظرائه في العواصم الأوروبية إلى ان تكون العقوبات الاقتصادية على روسيا بحجم الخطوة التي اتخذها ومتجاهلا معها إعلان الحلف الأطلسي عقد قمة افتراضية طارئة اليوم لتحديد الخطوات القادمة لردع روسيا وبحث سبل حماية أوروبا.. مشهد مثير ومخيف في ذات الوقت وهو قابل لكل السيناريوهات والتوقعات من الأكثر خطرا إلى الأقل خطرا، ولا يمكن أن يكون المشهد المسجل بالأمس قد فاجأ الغرب الذي ما انفك يحذر من تدخل روسي وشيك في أوكرانيا مع تفاقم الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع هذا البلد لاسيما بعد إعلان اليوم السابق باعتراف الكرملين باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين اللتين ستضافان الى الخارطة الدولية وتعيدان رسم الحدود الجغرافية بين روسيا وأوكرانيا لتمنحا لاحقا بوتين ورقة العبور للدفاع عن الحليفين الجديدين وفق اتفاقية الدفاع المشترك التي خطط لها بوتين لتكون حصان طروادة في المنطقة ..
خطوة بوتين وان لم تشكل مفاجأة في الواقع فقد أصابت الكثيرين بالصدمة وفرضت على العالم حالة استنفار قصوى في متابعة اهتزازات البورصات العالمية والارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط التي تجاوزت بالأمس 103 دولار وسط توقعات بالمزيد إلى جانب ارتفاع أسعار القمع وكل ما يمكن ان يترتب عن هذه الحرب من تداعيات في الرحلات الجوية والمبادلات التجارية وإمدادات الغاز والنفط فضلا عن حالة الرعب والخوف في النفوس من أن تطول أمد الحرب وتتجاوز الحدود الأوكرانية الروسية وتتحول إلى مستنقع خطير في قلب أوروبا.. الكرملين يصر انه لا يرفض المفاوضات ويحدد شروطه لإجراء محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بشرط أن تكون أوكرانيا مستعدة للتحدث عن مخاوف روسيا الأمنية. زيلنسكي الوافد الجديد من عالم السينما إلى عالم السياسة يجد نفسه في مواجهة حرب لا يفقه الكثير من أصولها وأبعادها وهو الواقع بين ضغوط واشنطن وبروكسيل وتهديدات بوتين.. فليس سرا أن روسيا تعتبر أن أوكرانيا واقعة تحت ضغوط خارجية لدفعها للانضمام إلى الحلف الأطلسي منذ قمة بوخاريست وإسقاط التفاهمات السابقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بعدم توسع الحلف شرقا نحو الجمهوريات السوفياتية السابقة ..
وتبقى الحرب بشعة مهما كانت دوافعها
في المقابل وإزاء التطورات الميدانية الحاصلة والأنباء المتضاربة عن مقتل عشرات الجنود الروس والأوكرانيين وصور طوابير المدنيين الهاربين وطوابير المسافرين الواقعين في جحيم الحرب وطوابير من ينتظرون الحصول على الغذاء والدواء بعد هذه المعركة الأولى المباغتة أعلن الحلف الأطلسي انه سينشر قوات برية وجوية دفاعية إضافية في القسم الشرقي للحلف.
وأعلن في بيان له أنه مع شعب أوكرانيا، متهما بيلاروسيا بأنها ساعدت في هذا الهجوم الذي وصفه بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي. كما اعتبر الحلف الاعتراف الروسي بجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك انتهاكا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، ويتعارض مع اتفاقيات مينسك التي وقعت عليها روسيا".
كل ذلك وفيما تستمر المعارك الميدانية تستمر حرب التصريحات والبيانات والاتهامات وتستمر معها التعزيزات العسكرية كشف الناتو توجها نحو إمكانية تفعيل البند الرابع من ميثاق الناتو الذي يمكنه من دعم أوكرانيا لكن دون أن يذهب إلى تفعيل البند الخامس الذي يقر بان الاعتداء على أي عضو فيه بمثابة الاعتداء على كل الأعضاء والحال أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو وبالتالي ليس بإمكان الحلف التدخل لمواجهة الانتشار العسكري الروسي, والأرجح أنه لا واشنطن ولا بروكسيل تريد معركة حقيقية في مواجهة روسيا وربما لا تزال مختلف الأطراف تعول على تراجع من جانب بوتين في حساباته على وقع الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية الثقيلة .
ويعتبر كثيرون أن الموقف الروسي اليوم الرافض لانضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي من شانه أن يعيد للأذهان أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا في ستينات القرن الماضي وما أثارته من ذعر لدى الأمريكيين آنذاك من خطر داهم على حدودها، وهو ما جعل إدارة الرئيس كيندي تتحرك لإبعاد الخطر الواقع على بعد ست مائة كيلومتر من شواطئ فلوريدا وقد سبق ذلك حرب كلامية وتهديدات بين أمريكا وروسيا جعلت العالم يحبس أنفاسه طوال أسبوعين بعد الإنذار الأمريكي للرئيس السوفياتي نيكيتا خروشوف بإزالة المنصات الروسية قبل ان يتم إزالتها وتجنيب العالم نشوب حرب عالمية ثالثة. حيث كانت النتيجة تراجع السوفيات وسحب المنصات والصواريخ ولكن في المقابل ظلت أزمة الثقة تتفاقم وبقيت الحرب الباردة سيد المشهد واليوم يكاد يتكرر المشهد ولكن مصدر الخطر يأتي هذه المرة من جانب الحلف الأطلسي الصديق اللدود لموسكو قبل هذه الأزمة..
حتى الآن تشمل العقوبات على روسيا إلغاء العمل مع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" القادم من روسيا، وعقوبات الحظر الكاملة على البنك العسكري الروسي، وديون روسيا السيادية. ولكن ومع وجود أكثر من 100 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا وتأهب الحلف الأطلسي تحسبا لأي خطوات جديدة مفاجئة لا يبدو أن طبول الحرب تقترب من العودة إلى حالة الهدوء والصمت وربما تتأجج الأزمة أكثر خلال الساعات القليلة القادمة قبل أن تتوقف حالة الجنون المسعور التي تقود الأطراف المتناحرة في موسكو وواشنطن والتي وجدت لها في أوكرانيا وغيرها أرضية لاستعراض طموحاتها وقدراتها العسكرية ..
آسيا العتروس
تونس-الصباح
لم يعد السؤال الأكثر إلحاحا في الأزمة الأوكرانية متى تبدأ الحرب بين كييف وموسكو ولكن أين وكيف ستتوقف بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس إطلاق أول عملية عسكرية على الحدود مع أوكرانيا دفاعا عن مصالح بلاده الأمنية وردا على ما فرضته هذه الخطوة من استنفار عالمي اهتزت له الأسواق المالية والنفطية وتحركت معه المؤسسات الدولية بحثا عن وسيلة قانونية لردع الدب الروسي المتمرد؟ فالأخطر والأسوأ في كل الصراعات العسكرية والحروب لم يكن مطلقا وعبر مختلف الصراعات التاريخية في تأجيج الشرارة الأولى أو إطلاق الرصاصة الأولى ولكن في إيقاف المعارك بعد اندلاعها والأرجح أن الأزمة مع أوكرانيا لن تخرج عن هذا الإطار وربما لن يكون من الهين إيقاف امتداد هذه الحرب ومنع انتشارها في أوروبا وفي العالم في حال فشلت كل الحلول السياسية والديبلوماسية المتبقية لتجنب انفجار قد يبدو ليس بالبعيد ..
هل بدأ تغيير قواعد النظام الدولي؟
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ومثل بقية وزراء الخارجية في الحلف الأطلسي اعتبرت أن الحكومة الروسية تكسر قواعد النظام الدولي أمام أعين العالم بـ"الهجوم العسكري على أوكرانيا".
وفي مؤتمر صحفي عقب اجتماع فريق إدارة الأزمات قالت بالأمس "أن روسيا وحدها اختارت هذا الطريق، ونحن لم ندخر جهدا خلال الأشهر القليلة الماضية في إيجاد حل سلمي لهذه الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية، ولم تستجب روسيا لعروضنا بإجراء محادثات وان الأوكرانيين لم يفعلوا شيئا لتبرير إراقة الدماء وهذه الحرب سوف تدمر شيئًا واحدًا وهو أمل الناس في أوكرانيا وأن يكون لديهم الحق في الديمقراطية والحق في السلام ومستقبل أفضل دون تهديد".لا خلاف أن بوتين وهو الذي نشأ وتخرج من مؤسسة الــ"كي جي بي" وتمكن منذ صعوده إلى السلطة وهيمنته على المشهد من إعادة الاعتبار لروسيا الممزقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودفعها إلى استعادة مكانة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها ولكن الأكيد أن آخر ما يمكن أن يقنع بوتين وجود كيان ديموقراطي يتمتع بالاستقلالية على حدود روسيا ويكون أداة تحت سيطرة واشنطن وبروكسيل. فليس سرا أن روسيا تعتبر أن أوكرانيا واقعة تحت ضغوط واشنطن وبروكسيل لدفعها للانضمام إلى الحلف الأطلسي
وإسقاط التفاهمات السابقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بعدم توسع الحلف شرقا نحو الجمهوريات السوفياتية السابقة، ومنذ قمة بوخاريست في 2008 اتفق قادة دول الناتو على أن أوكرانيا ستنضم إلى الحلف في نهاية المطاف، فكان ذلك سبب توجس روسيا التي ستواجه أكثر من حرب تجارية واقتصادية ، كان أهمها حربا الغاز في 2006 و2009 اللتان عطلتا إمدادات الطاقة في أوروبا وأدّتا إلى تقويض العلاقات الأوكرانية الروسية.
تطهير أوكرانيا من "النازيين" ..
فجر أمس هدد الرئيس بوتين وفي ظهور تلفزي بأن روسيا تهدف من خلال عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا إلى اجتثاث "النازية" في هذا البلد وتحييد قدراته العسكرية.. تصريح سيستعيده لاحقا الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين "انه يجب تحرير أوكرانيا وتطهيرها من النازيين والمناصرين للنازية وفكرها وتجريدها من السلاح يعني إبطال إمكاناتها العسكرية، التي ازدادت مؤخرا إلى درجة كبيرة بدعم من الخارج". الناطق الروسي رفض وصف العملية العسكرية الروسية بالاحتلال وشدد على أنها لتجريد أوكرانيا من السلاح.. من جانبها قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي أضافها الغرب إلى قائمة المشمولين بالعقوبات أن العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها روسيا في أوكرانيا، هي محاولة لمنع حرب شاملة.. وشددت زاخاروفا على أن، هذه ليست بداية حرب، بل محاولة لمنع وقوع حرب عالمية شاملة. ومحاولة لمنع أن تتطور الأمور إلى حرب عالمية..
طبخة بوتين
التطورات المتسارعة في الملف الأوكراني حولت الأنظار باتجاه الكرملين حيث يواصل الرئيس الروسي طبخته العسكرية متجاهلا دعوات نظرائه في العواصم الأوروبية إلى ان تكون العقوبات الاقتصادية على روسيا بحجم الخطوة التي اتخذها ومتجاهلا معها إعلان الحلف الأطلسي عقد قمة افتراضية طارئة اليوم لتحديد الخطوات القادمة لردع روسيا وبحث سبل حماية أوروبا.. مشهد مثير ومخيف في ذات الوقت وهو قابل لكل السيناريوهات والتوقعات من الأكثر خطرا إلى الأقل خطرا، ولا يمكن أن يكون المشهد المسجل بالأمس قد فاجأ الغرب الذي ما انفك يحذر من تدخل روسي وشيك في أوكرانيا مع تفاقم الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع هذا البلد لاسيما بعد إعلان اليوم السابق باعتراف الكرملين باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين اللتين ستضافان الى الخارطة الدولية وتعيدان رسم الحدود الجغرافية بين روسيا وأوكرانيا لتمنحا لاحقا بوتين ورقة العبور للدفاع عن الحليفين الجديدين وفق اتفاقية الدفاع المشترك التي خطط لها بوتين لتكون حصان طروادة في المنطقة ..
خطوة بوتين وان لم تشكل مفاجأة في الواقع فقد أصابت الكثيرين بالصدمة وفرضت على العالم حالة استنفار قصوى في متابعة اهتزازات البورصات العالمية والارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط التي تجاوزت بالأمس 103 دولار وسط توقعات بالمزيد إلى جانب ارتفاع أسعار القمع وكل ما يمكن ان يترتب عن هذه الحرب من تداعيات في الرحلات الجوية والمبادلات التجارية وإمدادات الغاز والنفط فضلا عن حالة الرعب والخوف في النفوس من أن تطول أمد الحرب وتتجاوز الحدود الأوكرانية الروسية وتتحول إلى مستنقع خطير في قلب أوروبا.. الكرملين يصر انه لا يرفض المفاوضات ويحدد شروطه لإجراء محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بشرط أن تكون أوكرانيا مستعدة للتحدث عن مخاوف روسيا الأمنية. زيلنسكي الوافد الجديد من عالم السينما إلى عالم السياسة يجد نفسه في مواجهة حرب لا يفقه الكثير من أصولها وأبعادها وهو الواقع بين ضغوط واشنطن وبروكسيل وتهديدات بوتين.. فليس سرا أن روسيا تعتبر أن أوكرانيا واقعة تحت ضغوط خارجية لدفعها للانضمام إلى الحلف الأطلسي منذ قمة بوخاريست وإسقاط التفاهمات السابقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بعدم توسع الحلف شرقا نحو الجمهوريات السوفياتية السابقة ..
وتبقى الحرب بشعة مهما كانت دوافعها
في المقابل وإزاء التطورات الميدانية الحاصلة والأنباء المتضاربة عن مقتل عشرات الجنود الروس والأوكرانيين وصور طوابير المدنيين الهاربين وطوابير المسافرين الواقعين في جحيم الحرب وطوابير من ينتظرون الحصول على الغذاء والدواء بعد هذه المعركة الأولى المباغتة أعلن الحلف الأطلسي انه سينشر قوات برية وجوية دفاعية إضافية في القسم الشرقي للحلف.
وأعلن في بيان له أنه مع شعب أوكرانيا، متهما بيلاروسيا بأنها ساعدت في هذا الهجوم الذي وصفه بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي. كما اعتبر الحلف الاعتراف الروسي بجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك انتهاكا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، ويتعارض مع اتفاقيات مينسك التي وقعت عليها روسيا".
كل ذلك وفيما تستمر المعارك الميدانية تستمر حرب التصريحات والبيانات والاتهامات وتستمر معها التعزيزات العسكرية كشف الناتو توجها نحو إمكانية تفعيل البند الرابع من ميثاق الناتو الذي يمكنه من دعم أوكرانيا لكن دون أن يذهب إلى تفعيل البند الخامس الذي يقر بان الاعتداء على أي عضو فيه بمثابة الاعتداء على كل الأعضاء والحال أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو وبالتالي ليس بإمكان الحلف التدخل لمواجهة الانتشار العسكري الروسي, والأرجح أنه لا واشنطن ولا بروكسيل تريد معركة حقيقية في مواجهة روسيا وربما لا تزال مختلف الأطراف تعول على تراجع من جانب بوتين في حساباته على وقع الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية الثقيلة .
ويعتبر كثيرون أن الموقف الروسي اليوم الرافض لانضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي من شانه أن يعيد للأذهان أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا في ستينات القرن الماضي وما أثارته من ذعر لدى الأمريكيين آنذاك من خطر داهم على حدودها، وهو ما جعل إدارة الرئيس كيندي تتحرك لإبعاد الخطر الواقع على بعد ست مائة كيلومتر من شواطئ فلوريدا وقد سبق ذلك حرب كلامية وتهديدات بين أمريكا وروسيا جعلت العالم يحبس أنفاسه طوال أسبوعين بعد الإنذار الأمريكي للرئيس السوفياتي نيكيتا خروشوف بإزالة المنصات الروسية قبل ان يتم إزالتها وتجنيب العالم نشوب حرب عالمية ثالثة. حيث كانت النتيجة تراجع السوفيات وسحب المنصات والصواريخ ولكن في المقابل ظلت أزمة الثقة تتفاقم وبقيت الحرب الباردة سيد المشهد واليوم يكاد يتكرر المشهد ولكن مصدر الخطر يأتي هذه المرة من جانب الحلف الأطلسي الصديق اللدود لموسكو قبل هذه الأزمة..
حتى الآن تشمل العقوبات على روسيا إلغاء العمل مع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" القادم من روسيا، وعقوبات الحظر الكاملة على البنك العسكري الروسي، وديون روسيا السيادية. ولكن ومع وجود أكثر من 100 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا وتأهب الحلف الأطلسي تحسبا لأي خطوات جديدة مفاجئة لا يبدو أن طبول الحرب تقترب من العودة إلى حالة الهدوء والصمت وربما تتأجج الأزمة أكثر خلال الساعات القليلة القادمة قبل أن تتوقف حالة الجنون المسعور التي تقود الأطراف المتناحرة في موسكو وواشنطن والتي وجدت لها في أوكرانيا وغيرها أرضية لاستعراض طموحاتها وقدراتها العسكرية ..